أتريد أن تكون أكثر تعاطفاً؟ تجنّب افتراض معرفة مشاعر الآخرين
إذا كنت ترغب في إظهار التعاطف، فالطَّريقة الأفضل هي الاستماع الجيد عبر تشجيع الشَّخص الآخر على مشاركة أفكاره ومشاعره، دون تكوين الافتراضات
إنَّ التعاطف من الأمور المهمَّة جداً بين كلّ النَّاس ليس فقط بين أفراد العائلة أو بين الأصدقاء، فقد وجدت دراسةٌ من كاتاليست أنَّ الموظَّفين الذين يشعرون بأنَّ قادتهم في العمل يملكون شعور التعاطف معهم، يصبح انخراطهم في العمل أكثر، وتقلُّ احتماليَّة تفكيرهم بترك وظائفهم، وهذا أمرٌّ منطقيٌّ جداً، فإذا كنت قائداً جيداً وعظيماً، فلا بدَّ أن تكون متعاطفاً، وأن تكون قادراً على الاستجابة بحساسيَّةٍ وتعاطفٍ مع مشاعر الآخرين وأفكارهم وتجاربهم، وقادراً على التّقرُّب منهم وفهمهم، وذلك كلُّه يعتمد على كيفيَّة إظهارك لهذا التَّعاطف.
وفقًا لدراسةٍ نُشرت في مجلة علم النَّفس الاجتماعيّ التَّجريبيّ، نميلُ إلى فرضيَّة أنَّ الأشخاص الآخرين يشاركوننا مشاعرنا تجاه التَّجارب المشابهة، ولا سيَّما بشكلٍ جيدٍ نسبيّاً، الأصدقاء والعائلة أو حتى الموظفين في العمل، فكلَّما عرفنا شخصاً أكثر افترضنا أكثر أنَّنا نتشارك المشاعر نفسها، وهذه مشكلةٌ كبيرةٌ، وقد كتب الباحثون في ذلك:
"نحن نرى أنَّ النَّاس يراقبون وجهات نظر الغرباء بشكلٍ فعَّالٍ مع إيمانهم باحتماليّة أن تكونَ هذه الوجهات مختلفةً، لكنَّهم يتخلَّون عن حذرهم هذا، ويعتمدون على وجهة نظرهم الخاصَّة عند تواصلهم مع الأصدقاء".
ونتيجةً لذلك، سنستمع بتركيزٍ أقل وسنطرح أسئلةً أقل، وستفترضَ بأنَّك تعرف ما يشعر به الشَّخص الآخر.
حتى لو كنّا نعي أنّنا نميل إلى إسقاط توقّعاتنا على مشاعر الأشخاص الذين نعرفهم جيداً، فإنّ محاولة التّفكير فيما يشعر به الآخرون قد تقودنا إلى فهمٍ خاطئٍ؛ لأننا لا نزال نعتمد على الافتراضات. باختصارٍ لا تحاول أن تُظهرَ تعاطفك بشكلٍ مبالغٍ فيه أمام الآخرين؛ لأنَّ ذلك يجعلهم يشعرون بعكس ما يريده.
خاصَّةً عندما تقول: "أعرف ما تشعر به"، وذلك لسببٍ واحدٍ وهو أنَّه بغضِّ النَّظر عن معرفتك بشخصٍ ما، فمن المستحيل معرفة ما يشعر به، فعندما توفّيت والدتي قال لي عددٌ من الأشخاص: "أعرف ما تشعر به"، ثُمَّ أَيدوا ذلك بقصصٍ عن مدى حزنهم عندما توفِّي أحد الوالدين.
لكنَّني لم أكن مدمَّراً، كنتُ حزيناً، لكن بناءً على صحّتها وتشخيصها فقد كنت مرتاحاً لفكرة أنّها لم تَعُد تُعاني، وهنا مثالٌ آخر على فكرة افتراض معرفتك بمشاعر شخصٍ آخر، فتقول لنفسكَ حان وقت عرض قصتي الحزينة أنا أيضاً، في النّهاية هذه قصَّةٌ قلتها لنفسي لأشعر بتحسُّنٍ.
فعندما تقول: "أعرف ما تشعر به"، وتحاول بعد ذلك إثبات هذا الفهم والمعرفة لمشاعر الآخرين بطرح قصَّةٍ خاصَّةً بك، فأنتَ تحوُّل الانتباه من ذلك الشَّخص إلى نفسكَ، وبغضِّ النَّظر عن مدى حسن نيّتكَ ورغبتكَ الحقيقيَّة في التّعاطف معه، فالأمر يخصُّه ويتعلُّق به، وبطرحك ذاك فأنتَ تحوُّله ليتعلَّق بك؛ لذلك لا تتعاطف بقولك تلك العبارة، ولا تذكر قصصك المشابهة، واستبدل ذلك بقولك: "كيف شعرت بذلك؟" أو "ما رأيك في ذلك؟"، واكتفِ بأن تستمعَ وتسألَ بعض الأسئلة البسيطة، كسؤالك عن ردَّة فعلهم، وكيف انتهت الأمور معهم، واسألهم ما يمكنكَ فعله للمساعدة في تحسين الوضع.
فإن لم تفعل ذلك فإنَّ تجربتك ومحاولتك لوضع نفسك في مكان شخصٍ آخر ستتسبَّب في فهمك الخاطِئ للموقف، كتلك المرَّة التي التقيت فيها شخصاً للتَّو، وهو يشيرُ برأسه عبر الغرفة ويقول: "ذلك الرَّجل أراد أن يتحدَّثَ عن نوبتي القلبيَّة"، فقلتُ له: "أعرف ما تشعر به، أكره عندما يريد النَّاس أن يجروا نقاشاً عميقاً حول كيف أثَّرت نوبتي القلبيَّة عليَّ، أنا أبداً لا أفكّر في ذلك"، فالتفت نحوي ونظر إليَّ قائلاً: "أنا أفكِّر في نوبتي القلبيَّة طوال الوقت".
هذا مثالٌ على ما يسميِّه آدم غرانت "فجوة المنظور"، ومعناهُ أنَّه من المستحيل أن تستطيعَ وضع نفسك حقَّاً مكانَ شخصٍ آخر، فكلُّ تجربةٍ بغضِّ النَّظرِ عن احتمال مشاركتها عموماً، هي تجربةٌ فريدةٌ ولها نوعها الخاصُّ، إضافةً لذلك بينما تشارك تجربةً مماثلةً، فإنَّنا جميعا نتفاعل بشكلٍ مختلفٍ مع هذه التَّجارب، مثلاً أنا سطحيٌّ إلى حدٍّ ما؛ لذا لا أفكِّر كثيراً في نوبتي القلبيَّة إلا إذا جاء الحديث عنها، أمَّا الرَّجل الذي التقيت به فيفكِّر في نوبته القلبيَّة بشكلٍ دائمٍ، لا يوجد استجابةٌ أسوأ أو أفضل، فالتَّجارب فقط مختلفةٌ.
لذلك كان ينبغي عليَّ أن أقولَ: "كيف كان ذلك؟" أو "ماذا أراد أن يعرفَ؟" أو "عمَّا تحدثتم؟" إذا كنت ترغب في إظهار التَّعاطف، فالطَّريقة الأفضل هي تشجيع الشَّخص الآخر على مشاركة أفكاره ومشاعره، دون تكوين افتراضاتٍ، ودون مشاركة أفكاركَ ومشاعركَ، إلَّا إذا طُلب منك ذلك، خاصَّةً عندما يكون ذلك الشَّخص شخصاً تعتقدُ أنَّك تعرفه جيِّداً.