كيف يتجاوز مالكو العقارات أزمة السّوق الحالي؟
يواجه سوق العقارات الّتجاريّة أزمةً معقدةً، خاصةً في الإسكان متعدّد الأسر، بسبب انخفاض الاستثمار وارتفاع الفائدة وهذه استراتيجيات لمواجهة الأزمة
يشهد سوق العقارات التّجاريّة، وخاصةً قطّاع الإسكان متعدّد الأسر، أزمةً معقّدةً ومتشعّبةً لم يسبق لها مثيلٌ منذ سنواتٍ. فهذا القطاع، الذي كان يشكل ركيزةً استثماريةً قويّةً لسنواتٍ، يواجه اليوم تحدياتٍ جسيّمةً بسبب عوامل اقتصاديّةٍ وماليّةٍ متشابكةٍ. هذه الأزمة ليست مجرد أرقامٍ ماليّةٍ على الورق، بل تمتدّ إلى صميم القرارات التي يجب على المستثمريّن وأصحاب العقارات اتخاذها في ظل واقعٍ متغيّرٍ وصعبٍ. فما الذي يحدث تحديداً؟ وما الذي يجب على مالكيّ العقارات فعله للتكيّف مع هذه التغيّرات؟
خلفيّة الأزمة: ركود الاستثمار وارتفاع الفائدة
خلال عام 2023، تراجع الاستثّمار في قطاع العقارات التّجاريّة بشكلٍ حادٍّ بنسبة 61% ، وهو انخفاضٌ كبيرٌ يعكس هشاشة السّوق في مواجهة التحديات الاقتصاديّة. بالمقابل، شهدت مشاريع البناء الجديدة انخفاضاً بنسبةٍ تصل إلى 70%، مقارنةً بذروتها في عام 2022. وهذا الرّكود الحاد في حركة البناء والاستثمار يشير إلى تراجع الثّقة لدى المستثمرين في العوائد المتوقّعة من هذه العقارات، في ظل بيئةٍ اقتصاديّةٍ غير مستقرّةٍ.
وإحدى أبرز العوامل التي زادت الطين بلّةً هي الارتفاع السّريع في معدّلات الفائدة. ففي السّنوات السّابقة، كانت الفوائد على القروض التّجاريّة منخفضةً جداً، إذ تراوحت بين 3% و4% في المتوسط. لكن، ومع التضخم وارتفاع معدّلات الفائدة بشكلٍ عامٍّ، قفزت الفوائد إلى ما يقارب 7%، بحلول منتصف عام 2024. فهذه الزيادة الكبيرة في تكلفة الاقترّاض جعلت من الصعب على أصحاب العقارات تمويّل مشاريعهم أو حتى سداد قروضّهم الحاليّة.
تحديات استحقاقات القروضّ وتأثيرها على السّوق
ومن جهةٍ أخرى، هناك أزمةٌ أخرى تلقي بظلالها على هذا القطاع وهي مشكلة استحقاقات القروضّ. فالعديد من القروض التي تمّ منحها في السّنوات السّابقة بأسعار فائدةٍ منخفضةٍ، باتت الآن على وشك الاستحقاق، ممّا يضع أصحاب العقارات في مأزقٍ حقيقيٍّ، إذن، كيف يمكنهم سداد تلك القروضّ في ظل ارتفاع الفائدة، وانخفاض قيّمة العقارات، وندرة فرص التمويّل المتّاحة؟
فعلى سبيل المثال، في عام 2023، كانت حوالي 9٪ من القروض العقاريّة التّجاريّة المستحقة في السّوق، تخص عقاراتٍ سكنيّةٍ متعدّدة الأسر. أما في عام 2024، فقد ارتفعت هذه النسبة إلى 12% ، وهو ما يعادل نحو 111 مليار دولارٍ من إجماليّ قروضّ العقارات التّجاريّة. فهذه الأرقام تعكس الضغط الهائل الذي يواجهه مالكو العقارات السّكنيّة المتعدّدة، حيث يضطر العديد منهم إلى بيع ممتلكاتهم بأسعارٍ أقل من المتوقع أو إعادة هيّكلة ديونهم بشروطٍ غير مواتيّةٍ.
وبسبب هذه الضّغوط، يلجأ العديد من المقرضّين إلى تمديد آجال استحقاق القروضّ لتخفيف العبء على المالكين. لكنّ هذه التّمديدات غالباً ما تأتي بشروطٍ جديدةٍ تزيد من تكلفة القروض، مثل زيادة الفائدة أو فرض شروط ضمانٍ إضافيّةٍ، ممّا يضاعف من معاناة المالكين الذين يعانون أصلاً من ضغوطٍ ماليّةٍ كبيرةٍ.
علاوةً على ذلك، يجد مالكو الوحدات السّكنيّة المتعدّدة الأسر أنفسهم أمام معضلةٍ أخرى، وهي الانخفاض المستمر في قيّم العقارات التّجاريّة. وهذا الانخفاض يعني أنّ نسبة القرض إلى القيّمة، الّتي يعتمد عليها المالكون للحصول على تمويلٍ جديدٍ، قد أصبحت أقل من المطلوب. ممّا يعني أنّ على المالكين تقديم ضماناتٍ إضافيّةٍ أو زيادة رأس المال الشّخصيّ لتلبية شروط إعادة التمويل، وهو أمرٌ قد يكون مستحيلاً بالنسبة للبعض.
أضف إلى ذلك أنّ المقرضين أصبحوا أكثر تشدّداً في شروط الإقراضّ، حيث يركّزون بشكلٍ أكبر على التّدفق النّقدي للممتلكات ونسبة الإشغال. وأيّ تراجعٍ في نسبة الإشغال أو تّدفق الأموال يجعل من الصعب جداً على المالكين إعادة تمويّل ممتلكاتهم أو حتى بيعها بسعرٍ مناسبٍ.
حلولٌ واستراتيجياتٌ للمستقبل
في ظلّ هذا الواقع الصعب، ما هي الحلول المتّاحة لمالكيّ العقارات؟ هناك استراتيجيتان رئيسيتان يمكن اتباعهما حسب الحالة الفرديّة لكل مستثمرٍ:
- الاحتفاظ بالممتلكات: إذا كان بالإمكان تأجيل البيع، فإنّ الاحتفاظ بالعقارات لفترةٍ أطول قد يكون الخيار الأفضل. ومع مرور الوقت، يتوقّع أن تنخفض معدّلات الفائدة، وأن يستقر السّوق مجدّداً، ما سيسّمح للمالكين بالاستفادة من ارتفاعٍ محتملٍ في قيم العقارات. وفي هذه الأثناء، قد يتمكّن المالكون من تحسين التّدفقات النّقدية من خلال تحسين إدارة العقار أو استغلال الفرص السّانحة في السّوق.
- البيع عند الضرورة: إذا كان لا بد من بيع العقار في الأمد القريب، يجب على المالكين التّحلّي بالواقعيّة بشأن الأسعار. فالسّوق في الوقت الحاليّ لا يتيح فرصاً للبيع بأسعارٍ مرتفعةٍ، لذا قد يكون من الضّروريّ تقديم تنازلاتٍ لتحقيق البيع بسرعةٍ قبل تدهور السّوق أكثر. وهذا الخيار يتطلّب التّخطيّط الجيد والقدرة على التّفاوضّ بشكلٍ فعّالٍ للحصول على أفضل سعرٍ ممّكنٍ في ظل الظروف الحاليّة.
توقعات المستقبل: هل هناك ضوءٌ في نهاية النفق؟
على الرّغم من الصّورة القاتمة التي تبدو واضحةً في الوقت الحاليّ، هناك بارقة أملٍ للمستقبل. من المتوقّع أن يبدأ السّوق في التّحسّن تدريجيّاً بدءاً من عام 2026. أحد العوامل التي قد تساهم في هذا التحسن هو نقص المعروض الجديد من العقارات السّكنيّة المتعدّدة الأسر، ما سيؤدي إلى زيادة الطّلب على تلك العقارات المتاحة. مع انخفاض الفائدة تدريجيّاً، فقد تتاح فرصٌ جديدةٌ للمستثمرين الذين يتمتّعون بالقدرة على الصمود خلال هذه الفترة الصّعبة.