أهم الاتجاهات الرقمية في الرعاية الصحية 2024
ابتكاراتٌ طبيةٌ مميزةٌ سيكون للذكاء الاصطناعي لمسته الخاصة بها من التشخيص إلى الأدوات والعمليات
حققَّ مجال الرّعاية الصّحيّة تقدّماً هائلاً في السّنوات الأخيرة، وقد كانَ لدخول تقنيات الذّكاء الاصطناعيّ المختلفة دورٌ كبيرٌ في رقمنة عمليّات الفحص الطّبيّ والعلاج وحتّى التّأهيل النّفسيّ والبدنيّ. ومع الحاجة المتزايدة لتحسين الكفاءة والإنتاجيّة في هذا المجال شديد الحيويّة، فإنَّ هناكَ تقنيات سوفَ تفرض نفسها بقوّةٍ على المجال الطّبيّ في 2024؛ لذلك هيّا نتعرّف عليها.
الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي التوليدي
لعبت تقنيات الذّكاء الاصطناعيّ دوراً مهمّاً بالفعل في الرّعاية الصّحيّة خلال الأعوام القليلة السّابقة، ولكنّ الزيادة الكبيرة في الاستثمارات الطّبيّة بهذه التّقنية -والتي ستزيد عن 80%- عام 2024 ينبئ بدورٍ أكثرَ حسماً وموثوقيّةً وسهولةً؛ ليزيدَ اتّجاهَ الاعتماد عليها في المجال الطبيّ، فمنَ المتوقّع أن يسهّل الذّكاء الاصطناعيّ التّوليديّ تفسيرَ البيانات الخاصّة بالمرضى وترشيح توصياتٍ خاصّةٍ، كما يمكن من خلاله إنشاء بياناتٍ تركيبيّةٍ تستخدمها تقنيات الذّكاء الاصطناعيّ لفحص المريض دون تدخلٍ بشريٍّ، ممّا يزيد من سهولة الكشف المبكّر عن الأمراض، ومن أهمّ المجالات التي سوفَ تستفيد بقوّةٍ من تطوّر الذّكاء الاصطناعيّ في الرّعاية الطّبيّة:
- عمليات التّشخيص: بتقنياتٍ متطوّرةٍ مثل كلٍّ من Project InnerEye وهانوفر من مايكروسوفت تمَّ الكشف عن آثار الالتهاب الرّئويّ مبكّراً بعدَ الإصابة بكوفيد 19، وذلك عبرَ تسريع عمليّة التّحديد ثلاثيّة الأبعاد للمريض. كما تفيد هذه التّقنيات في التّشخيص المبكر للسرطان بمختلف أنواعه.
- الصّحة العقليّة: سيصبح بإمكان الأطباء الكشف المبكّر عن علامات الخرف بفضل تطبيقات التّعلم العميق ومعالجة الصّوت باستخدام الذّكاء الاصطناعيّ؛ لتحليل الكلام البشريّ والعثور على الفارق بين كلمات الشّخص المريض والمصاب، وقد استخدمت بيانات التّعلّم الآليّ في تحليل آلاف الرّسائل على موقع Reddit للكشف عن الميول الانتحاريّة ومدى انتشارها.
وممّا يجعل تقنيات الذّكاء الاصطناعيّ من الاتّجاهات الأكثر انتشاراً في 2024 هي البيانات ومدى جودتها واتّساع قاعدتها، فكلّما زادت هذه البيانات واتّسعت وأصبحت عالميّةً أكثرَ فسوفَ يزيد هذا من كفاءة تقنيّات الذّكاء الاصطناعيّ في الكشف المبكّر عن الأمراض، وإن كانَ هذا سيفرض ضرورةَ البحث عن طرقٍ للحفاظ على الخصوصيّة وحقوق الملكيّة الفكريّة وغيرها.
سيطرة الرعاية الصحية عن بعد
قطعت الرّعاية الصّحيّة عن بعد مرحلةَ تطورٍّ قويّةً منذ انتشار وباء كوفيد عام 2020. وفي عام 2024 فإنَّ مقدمي الرّعاية الصّحيّة سوفَ يتّجهون أكثرَ لعقد اجتماعات فيديو مع المرضى على الإنترنت سواءً لمناقشة المخاوف أو تقديم المشورة، وخصوصاً بعد تحسن البنية التّحتية اللّازمة لذلكَ بشكلٍ كبيرٍ، ومن المتوقّع نمو قطّاع الرّعاية الصّحية عن بعد ليحقّقَ 185.6 مليارَ دولارٍ بحلول عام 2026.
ولكن من الضّروريّ هنا للغاية مراعاة مدى أمان التّطبيقات المستخدمة في التّعامل مع المرضى للحفاظ على الخصوصيّة، وهذا امتثالٌ لقانون HIPAA -وهو اختصار Health Insurance Portability and Accountability Act- أي قانون نقل التّأمين الصّحيّ والمساءلة، الذي صدر عام 1996 بهدف حماية الوثائق الطبيّة والمعاملات المتنوّعة بشكلها الإلكترونيّ.
لذا من المتوقّع تطوير تطبيقاتٍ خاصّةٍ بالرعاية الصحية عن بعد مثل تقنية WebRTC، وهي خاصّةٌ بالتّطبيب عن بعدٍ، [1] كما أنّ إنشاءَ استراتيجيّةٍ متوافقةٍ مع HIPAA سيكون أمراً شديدَ الأهميّة للحفاظ على الأداء الوظيفيّ والكفاءة، كما ستظهر الحاجة لخدمةٍ سحابيّةٍ قادرةٍ على تخزين بيانات اللّياقة البدنيّة من الأجهزة الطبيّة القابلة للارتداء، مثل: Google Fi و Apple HealthKit مع الحفاظ على خصوصيتها في الوقت ذاته.
شاهد أيضاً: الإمارات تطلق أول مركز تميّز بالذكاء الاصطناعي للرعاية الصحية
الواقع المعزز والواقع الافتراضي في الرعاية الصحية
من المتوقّع أن يلعبَ الواقع المعزز AR والواقع الافتراضيّ VR دوراً متزايدَ الأهميّة في عام 2024 سواءً في التّشخيص والعلاج أو حتّى في التّعليم والتّدريب الطّبيّ؛ إذ تسمح هذه التّقنيات لمتخصّصي الرّعاية الصّحيّة بالانغماس في عمليّات محاكاةٍ شديدة الواقعيّة تستخدم في العمليّات الجراحيّة ومراقبة تفاعلات المرضى وحتّى أكثرَ السيناريوهات الطّبية المعقّدة، ممّا يزيد من جودة النّتائج للمرضى ويزيد من الكفاءة ويحسّن من المهارات.
فمثلاً أثبتَ استخدام الجرّاحين لسماعة الرأس Microsoft Hololens 2 قدرةً كبيرةً في توفير معلوماتٍ تنبيهيّةٍ للجرّاحين مع السّماح لهم باستخدام كلتا اليدين في العمليّة، كما تساعد تقنية الواقع الافتراضيّ في تعزيز التّعاون المشترك وتقديم معلوماتٍ واستشاراتٍ عن بعد، فضلاً عن مساعدة الممرضات في العثور على الأوردة بطريقةٍ صحيحةٍ وسريعةٍ لسحب الدّم منها.
ومن جديدٍ من المتوقّع حدوث نموٍّ هائلٍ في هذه التّقنية اعتماداً على تطوّر أجهزة الاستشعار عن بعدٍ وبرامج الذّكاء الاصطناعيّ وإنتاج برامجَ خاصّةٍ للرّعاية الصّحيّة، فهي من أكثر المجالات التي من المتوقّع نمو تطبيقات الواقع الافتراضيّ والمعزز بها مقارنةً بمجالات الأعمال الأخرى.
إنترنت الأشياء الطبية والأجهزة الصحية القابلة للارتداء
من المتوقّع حدوث طفرةٍ كبيرةٍ في التّطبيقات مع التّزايد الكبير لشعبية الأجهزة الذّكيّة القابلة للارتداء والاعتماد المتزايد على إنترنت الأشياء، ففي عام 2021 كان هناك 11.3 مليار جهازٍ متّصلٍ بإنترنت الأشياء، وبلغتْ قيمة القطّاع 26.5 مليارَ دولارٍ، لتتضاعفَ هذه القيمة عدّةَ مراتٍ بتوقعات وصولها إلى 94.2 مليار دولارٍ بحلول عام 2026. [3]
وتعدّ السّاعات الذّكية هي الأكثر شيوعاً بالطّبع لمراقبة الصّحة وضربات القلب ومستوى الأكسجين في الدّم، كما تطوّرتْ بعض السّاعات بشدّةٍ باستخدام تقنية تصوير التّحجم الضّوئي PPG، والتي تتيح قياسَ حجم الدّم وتكوينه، ممّا يزيد من القدرة على تقديم المشورة الصّحيحة للمرضى وحتّى التّنبؤ بالأمراض المتوقّعة.
كما ظهرت الرّقع الحيويّة وأدوات السّمع الذّكيّة القابلة للارتداء أيضاً مع توفّر تصحيحاتٍ حيويّةٍ وقدرةٍ أكبرَ على التّشخيص من السّاعة الذّكيّة، كما أنّه من المتوقّع انتشار تقنية الحبوب الذّكيّة، وهي عبارة عن أقراصٍ ذكيّةٍ قابلةٍ للأكل ولا تصلح فقط كمستحضراتٍ دوائيّةٍ، ولكن يمكنها أيضاً تزويد مقدّمي الرّعاية الصّحيّة بمعلوماتٍ عن المريض، وقد صدرتْ أوّل حبةٍ ذكيّةٍ عام 2017، ووافقت عليها إدارة الغذاء والدّواء الأمريكيّة، ومن المتوقّع انتشار هذه التّقنية بشدةٍ عام 2024.
شاهد أيضاً: الشركات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تتبنّى برامج الصحة العقلية
زراعة الأعضاء المطبوعة بتقنية ثلاثية الأبعاد
قد يبدو هذا أشبهَ بالخيال العلميّ، ولكن زراعة أعضاءٍ مطبوعةٍ بتقنيةٍ ثلاثية الأبعاد أصبحتْ حقيقةً واقعةً؛ وعلى الرّغمَ من أنّها ما تزال في مرحلة التّطوير، إلّا أنّها تمكّنتْ من شقّ طريقها للاختبارات السّريريّة. وتعدّ القرنية والعظام والجلد من أكثر الأعضاء المتوقّع زراعتها بتلكَ التّقنيّة عام 2024.
ولا تختلف الخطوات كثيراً عن تلكَ المتبعة في أيّ عمليّة طباعةٍ ثلاثيّةٍ تقليديّةٍ، حيث يتمّ إنشاء نموذجٍ رقميٍّ للأنسجة والتّحديد الدّقيق لبنية المصفوفة، ويستخدم هنا الحبر الحيويّ لاختبار وظائف العضو من خلال التّحفيز. ويعتمد العلماء بشدّةٍ على تطوير تقنيات الذّكاء الاصطناعيّ؛ لتقليل رفض الجسم البشريّ للأعضاء المطبوعة ثلاثيّاً. ومع التّطور المتوقّع لهذه التّقنيّة، فإنّها قد تقضي على طوابير المنتظرين لزراعة الأعضاء وخصوصاً القلب والرئة والكبد وغيرها.
التقنيات الكمومية
هي المستقبل المتوّقع الأكثر إشراقاً للذّكاء الاصطناعيّ وتعلّم الآلة، فهي مجالٌ متعدّد التّخصصات، ويشمل جوانبَ من الكمبيوتر والرّياضيات والفيزياء، وذلك بهدف حلّ أكثرَ المشكلات تعقيداً بسرعةٍ أكبرَ بكثيرٍ من أجهزة الكمبيوتر العادية، وهذا من خلال الاستفادة من التّأثيرات الميكانيكيّة الكميّة، مثل التّداخل والتّراكب الكميّ، ومن المتوقّع دخولها في محاكاة الأنظمة الماديّة والكيميائيّة. [2]
وفي مجال الطبّ والرّعاية الصّحيّة، فإنّ الحوسبةَ الكموميةَ يمكن أن تنمو إلى مليار دولارٍ بحلول عام 2030، ويمكن أن يكونَ لهذه التّقنية تأثيرٌ هائلٌ على اكتشاف الأدوية وعلاج الأمراض المستعصية بفضل قدرة معالجة الكمبيوتر الكمومي لتريليونات الوحدات من المعلومات في الوقت ذاته.
كما أنّ تلكَ التّقنية قادرةٌ على محاكاة المشكلة كاملةً بفضل قدرتها على محاكاة الكيمياء والجزيئات بدقّةٍ غير مسبوقةٍ، ممّا سيمكّن شركات الأدوية من مراقبة التّفاعلات على كلّ من المدى القصير والطّويل بسرعةٍ أكبرَ، فضلاً عن تحديد البيانات وتصنيفها، ممّا يوفّر المليارات المهدرة في البحث والتّجارب مع القدرة على إنشاء نماذج تنبؤيّةٍ بالأمراض.
إنّ الاتجاهات التّقنية الأكثرَ انتشاراً في 2024 سوفَ تفرض أيضاً الحاجةَ الشّديدةَ لمراعاة خصوصّية البيانات وتطوير تقنياتٍ خاصّةً بها، وهو التّحديّ الأكبر أمامَ تطوير الرّعاية الصّحيّة سواءَ عن بعد أو في الواقع المعززّ وغيرها. إذ بينَ حاجة الذّكاء الاصطناعيّ الزّائدة للتّغذية المستمرّة بالبيانات الدّقيقة والحديثة وبينَ قدسيّة خصوصّية المريض وأهمّية أسراره، سيكون انتشار تقنياتٍ تجمع بينَ الأمرين هو الاتّجاه الأكثر نموّاً في السّنوات القليلة المقبلة.