الرئيسية الريادة كيف تحوّل أوباما من ناشط متلعثم إلى خطيب ملهم؟

كيف تحوّل أوباما من ناشط متلعثم إلى خطيب ملهم؟

رحلة الرّئيس الأمريكيّ من لحظة إحراجٍ على المنصّة إلى براعةٍ خطابيّةٍ نادرةٍ، تكشف أنّ الإتقان ليس موهبةً خالصةً، بل مسارٌ من التّعلّم والإنصات والإيمان

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

قد تختلف مواقف النّاس من سياسات باراك أوباما، ولٰكن لا يمكن لأحدٍ أن ينكر أنّه أحد أمهر المتحدّثين في جيله. غير أنّ هذه المهارة لم تكن ملازمةً له منذ البداية، بل كانت نتيجةً لتعلّمٍ طويلٍ وتحوّلٍ تدريجيٍّ.

يروي تيري سزوبلات في كتابه "قلها بإتقان" (Say It Well) الصّادر عام 2024 عن دار "هاربر بيزنس" (Harper Business)  -أحد كتّاب خطابات أوباما السّابقين-قصّةً تحدّث فيها الرّئيس الأسبق عن خطابٍ ألقاه عندما لم يكن سوى شابٍّ ناشطٍ في العمل المجتمعي، ولم يكن ذٰلك الخطاب ناجحاً على الإطلاق.

قال أوباما: "كان يرتدي الحضور بدلاتٍ أنيقةً، بينما كنت أبدو غير مهندمٍ وغير منسجمٍ مع الجوّ العامّ. بعد أربعٍ أو خمس دقائق من بداية حديثي، بدأت أرتبك بشدّةٍ، وضاع تسلسل أفكاري، شعرت بعرقٍ باردٍ على جبيني، وأصبحت أتلعثم وأتردّد، ولم أعد قادراً على تقديم أفكاري بشكلٍ واضحٍ أو مترابطٍ".

وبالنّسبة لروّاد الأعمال أو أيّ شخصٍ يعمل على تطوير مهاراته الخطابيّة، فقد يبدو هٰذا المشهد مألوفاً أكثر من صورة أوباما اللّامعة الّتي نعرفها اليوم. إذن، ما الّذي غيّر هٰذا الشّابّ المرتبك إلى واحدٍ من أعظم المتحدّثين في العصر الحديث؟

في حوارٍ أجراه مؤخّراً في كلّيّة "هاميلتون" (Hamilton)، كشف أوباما عن خمس خطواتٍ عمليّةٍ وبسيطةٍ ساعدته في تحسين قدراته التّواصليّة، وهي خطواتٌ يمكن لأيّ شخصٍ أن يتّبعها ليصبح متحدّثاً أفضل:

1. كثافة التدريب والممارسة

عندما سأله رئيس كلّيّة هاميلتون، ستيف تيبّر، عن سرّ مهاراته التّواصليّة، أجابه أوباما بنفس الشّيء الّذي قاله سابقاً لسزوبلات: "عندما بدأت كسياسيٍّ ومتحدّثٍ أمام الجمهور، كنت سيّئاً للغاية".

فما الّذي تغيّر؟ النّقطة الأولى الّتي شدّد عليها أوباما، رغم بساطتها، كانت مفتاح التّحوّل: الممارسة، حيث قال: "أعتقد أنّ أوّل ما يجب إدراكه بخصوص الخطابة أو الكتابة أو التّواصل عموماً، هو أنّك إن مارست بما يكفي، فستتحسّن، تماماً كأيّ مهارةٍ أخرى. في الحقيقة، لقد خضت الكثير من التّجارب والمحاولات المتكرّرة". ومعنى ذٰلك: لا وجود لسحرٍ أو موهبةٍ خارقةٍ. الطّريق الوحيد هو: الممارسة، والتّكرار، والتّعلّم من الأخطاء.

2. القناعة أهم من البلاغة

رغم وجود مئات المقالات والدّورات التّدريبيّة في فنّ الإقناع والخطابة، إلّا أنّ أوباما يؤمن أنّ كلّ ذٰلك يبقى ثانويّاً أمام عنصرٍ واحدٍ جوهريٍّ: أن تؤمن فعلاً بما تقول؛ فقال: "أعتقد أنّ أهمّ ما يميّز المتحدّث الفعّال هو القناعة، أي أن تؤمن بما تقول؛ فإذا كنت واثقاً من أفكارك منذ البداية، ستنتقل هذه القناعة تلقائيّاً إلى الآخرين، وستبدو شخصاً صادقاً وأصيلاً".

وقد لخّص سزوبلات هذه الفكرة في بودكاست "آيديا كاست من هارفارد بزنس ريفيو" (HBR IdeaCast) قائلاً: "المتحدّثون المؤثّرون هم أشخاصٌ راسخون في قناعاتهم الجوهريّة". وقد أكّد أوباما على هذه الحقيقة، ربّما هي أهمّ نصيحةٍ يمكنه تقديمها لمن يريد أن يصبح متحدّثاً ناجحاً.

3. التحضير المسبق وكتابة الأفكار

رغم سنواته الثّماني في البيت الأبيض، يصرّ أوباما على أنّه لا يزال حتّى اليوم يحضّر كلامه، ويكتبه قبل أن يتحدّث؛ قائلاً: "اكتب ما تريد قوله فعلاً. لا يهمّ مدى براعتك، فأنت بدون شكٍّ ستكون أفضل إذا جلست مسبقاً، وفكّرت فيما تريد أن تقوله بالضّبط".

٤. استبدل الإحصائيات بالقصص

يُخطئ كثيرون حين يظنون أنّ تغيير قناعات النّاس يتمّ بالوقائع والمنطق، ولٰكن العلم يثبت خلاف ذٰلكيتأثّر النّاس أكثر بالقصص والتّعاطف من الرّسوم البيانيّة والإحصائيّات، وقد كانت هٰذه الحقيقة نقطةً محوريّةً في تحوّل أوباما من ناشطٍ متلعثمٍ إلى خطيبٍ مبهرٍ.

قال أوباما: "لم أكن جيّداً بما يكفي عندما بدأت، وغالباً ما كان ذٰلك لأنّني كنت أملأ خطاباتي بالوقائع والسّياسات، وهذه ليست الطّريقة الّتي يدرك بها معظمنا المعلومات، بل نحن نستقبل المعرفة من خلال القصص: عن تجاربنا، وتجارب الآخرين".

وإن أردت أن تكون متحدّثاً فعّالاً، فنصيحته لك: "تكلّم كإنسانٍ عاديٍّ، لا ككتابٍ". ومن الجيّد أنّ هناك كمّاً هائلاً من الموادّ التّعليميّة الّتي تساعدك على تطوير مهاراتك في سرد القصص بشكلٍ أكثر تأثيراً.

5. تطوير مهارات الإنصات

في الغالب، عندما يحاول النّاس تحسين مهاراتهم التّواصليّة، يركّزون على أنفسهم: ماذا يجب عليّ أن أقول؟ كيف أغيّر أسلوبي؟ ولٰكنّ أوباما يقدّم نصيحةً غير متوقّعةٍ: لتصبح متحدّثاً أفضل، يجب أن تصبح مستمعاً أفضل.

حيث قال: "إذا كنت متحدّثاً جيّداً، فيجب أن تكون مستمعاً جيّداً أيضاًعندما بدأت حملتي الانتخابيّة، كنت أقدّم الكثير من الحقائق والسّياسات، وكان كلامي يبدو جافّاً ومملّاً. وما جعلني متحدّثاً أفضل فعلاً، هو أنّني بدأت أستمع لقصص النّاس الّذين ألتقيهم".

ولماذا يؤدّي الإنصات الجيّد إلى خطابٍ أفضل؟ لأنّك عندما تنصت بعمقٍ، تفهم الآخرين أكثر، وعندما تفهمهم، تستطيع أن تخاطبهم بطريقةٍ تلمس أولويّاتهم، وتحقّق التّأثير فيهمقال: "عندما تنصت، وتدرك أولويّات النّاس، وقيمهم، وطريقة حياتهم، فإنّك تصبح قادراً على مخاطبة جمهورٍ أوسع بفاعليّةٍ أكبر". وإن كنت تبحث عن نقطة انطلاقٍ، فهناك كثيرٌ من نصائح الأخصّائيّين النّفسيّين ومدرّبي التّواصل حول كيفيّة أن تصبح مستمعاً أفضل.

وإذا نجح ذٰلك مع أوباما... فقد ينجح معك أيضاً

من الواضح أنّ أوباما كان متواضعاً حين تحدّث عن تطوّره في كلّيّة هاميلتوننعم، هو يملك مواهب طبيعيّةً ساعدته على أن يصبح متحدّثاً ساحراً، ولٰكن هذا لا يعني أنّ الخطوات الّتي اتّبعها لا يمكن للآخرين الاستفادة منها.

ربّما لن نصل إلى نفس المستوى الخطابيّ الّذي بلغه رئيس الولايات المتّحدة الأسبق، ولٰكن باتّباع نفس الخطوات الصّغيرة والعمليّة الّتي اتّبعها، يمكن لأيّ أحدٍ أن ينتقل من متحدّثٍ عاديٍّ إلى متحدّثٍ مؤثّرٍ وفعّالٍ.

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
آخر تحديث:
تاريخ النشر: