إدارة الابتكار.. كيف تتحقق قفزات قوية لمشروعك بطرق بسيطة؟
مفهوم إدارة الابتكار قد يكون مرعباً للكثير من رجال الأعمال، فمع القفزات القوية التي يتسبب بها الابتكار في الشركات، إلا أن البعض يفشل تماماً
ليس هناك الكثيرُ من الاختياراتِ أمام الشَّركاتِ أو المشروعاتِ الَّتي تتنازلُ عن إدارة الابتكار، أو لا تضعها على رأسِ قائمةِ أولويَّاتها، فإذا كانت شركات عملاقة، مثل: كوداك وبلوكباستر وغيرها اندثرت تماماً؛ نتيجة عدم اتِّباع سياساتِ إدارة الابتكار، على الرَّغم من أنَّها كانت كياناتٍ عملاقةٍ، وتسيطرُ على سوقها الخاصِّ، فإنَّ أيَّ شركةٍ أو مشروعٍ ناشئٍ أو حتَّى ضخمٍ يُمكن أن يجدَ المصيرَ نفسهُ بسهولةٍ شديدةٍ، خصوصاً مع التَّطوُّر الرَّقميّ شديد السُّرعة عن القرن الماضي، والَّذي لا يتركُ فرصةً لالتقاط الأنفاس بين ظهور ابتكارٍ وآخر، بالإضافة للسُّوق شديدة التَّنافسيَّة، والَّتي أصبحت على مستوىً عالميٍّ بعد أن كانت المنافسة محليَّةً أو إقليميَّةً على الأكثرِ.
فما هي إدارة الابتكار، وكيف تتخلَّصُ من الغموضِ المحيطِ بالكلمة وتحوّلها من مجرَّد فكرةٍ طنّانةٍ إلى واقعٍ حقيقيٍّ تعيشهُ في مشروعكَ يوميّاً بقدرٍ معقولٍ من المجهود الَّذي تجدُ نتيجته سريعاً، ولماذا من المهمِّ الاهتمام بالابتكار ووضعه على رأس الأولويَّات، وما هي أسرار الشَّركات الَّتي دعمت الابتكار، وما أهمُّ التَّجارب الحقيقيَّة على أرض الواقع؟ كلُّ هذا وأكثر سنرصدهُ في الأسطرِ المُقبلةِ.
تعريف إدارة الابتكار
إدارة الابتكار هي كلُّ الممارساتِ الصَّحيحةِ تجاه الأفكارِ الجديدةِ، بدءاً من التَّعرُّف على الفكرةِ الجيّدةِ ورعايتها وتنفيذها، بما يشملُ كلَّ القرارات والممارسات الخاصَّة لتحويلها إلى واقعٍ، وقد يكون أسلوبُ الابتكار تدريجيّاً من خلال التَّحسين المستمرَّ للخدمات والمنتجات والعمليَّات الدَّاخليَّة في الشَّركة، وقد يكون خارقاً بإدخال تقنيَّةٍ جديدةٍ لدفع عجلة الإنتاج خطواتٍ للأمام، وقد يكون ثوريّاً تماماً بإطلاق منتجٍ أو خدمةٍ ذات ميّزاتٍ تنافسيَّةٍ خارقةٍ تُهدِّد الشَّركات الأُخرى في السُّوق، وتؤدِّي إلى تغييرٍ جذريٍّ في طريقة التَّعامل مع المنتجاتِ والخدماتِ المُشابهةِ. [1]
وتشملُ إدارة الابتكار خلقَ بيئةٍ مُشجِّعةٍ على طرحِ الأفكارِ الجديدةِ ودعمها، بالإضافة لإنشاء عمليَّاتٍ وهياكل لإدارة مبادرات الابتكار وتصنيفها وترتيبها، وفقاً لأهميَّتها في كلِّ عمليَّات الشَّركة.
أهمية الابتكار والإبداع في المؤسسات والشركات
الشَّركاتُ الَّتي لا تبتكرُ سوف تنتهي سريعاً بطريقةٍ مُؤكَّدةٍ، أو قد لا تجدُ الفرصةَ للنَّجاح على الإطلاق أو الانتقال من مجرَّد فكرةٍ إلى مشروعٍ فعليٍّ على أرض الواقعِ، فمن خلال إدارة الابتكار وتشجيعه يُمكن اكتشاف منتجاتٍ جديدةٍ وتقليل التَّكاليف وتعزيز عمليَّة التَّطوير أضعافاً مُضاعفةً، وعلى العكس فإنَّ تجاهل الابتكار يجعل الشَّركة عُرضةً للاستبدال سريعاً من قبل منافسين يُطلقون خدماتٍ ومنتجاتٍ مبتكرةً تستبدل السُّوق القديم بآخر حديثٍ، ممَّا يحدُّ من قدرة الشَّركات القديمة على البقاء في الصَّدارة، أو على البقاء من الأساس.
أهم أسباب الابتكار في الشركات
تتنوَّع الأسباب الَّتي تجعلُ الابتكار وإدارته بكفاءةٍ على قمَّة أولويَّات أيّ مشروعٍ سواءً ناشئ أو قديم، ومن أهمِّ هذه الأسباب: [2]
- التَّميُّز عن المنافسين: إدارة الابتكار تسمح بخلق ميزةٍ تنافسيَّةٍ مستدامةٍ، وليس فقط فكرة جديدة في بدايةِ المشروعِ فقط، ولكن نهجاً دائماً وفقاً لقيم السُّوق.
- النُّموُّ والتَّوسُّع: من خلال ابتكار منتجاتٍ وخدماتٍ وطرق تنفيذٍ جديدةٍ، يُمكن جذب أسواقٍ مختلفةٍ وعملاءَ جُددٍ وزيادة الحصَّة السُّوقيَّة.
- التَّكيُّف مع التَّغيير: الأسواقُ وتفضيلات العملاء شديدةُ التَّغيُّر، ويُسهم الابتكار في الاستجابة السَّريعة لتلك التَّغيُّرات، بل والتَّأثير بها أيضاً.
- تحسين الكفاءة والإنتاجيَّة: مع الابتكار تنخفضُ تكلفة التَّشغيل، وتزيدُ الحلولُ المبتكرة للمشكلات، ممَّا يزيدُ من الإنتاجيَّة والأرباح.
- الاحتفاظ بالموظَّفين الموهوبين: من خلال إدارة الابتكار والسَّماح للجميع بالمشاركة يزيدُ الشُّعور بالانتماء، ويرتفعُ معدَّل احتفاظ الشَّركة بالموظَّفين المهرة.
شاهد أيضاً: تحديات ابتكار منتج جديد في الشركات الكبيرة
أهداف وركائز الابتكار
يرتكزُ الابتكارُ على مجموعةٍ من العواملِ الَّتي من الجيدِ أن تتوفَّرَ بأكملها أو معظمها لإدارةٍ ناجحةٍ للابتكار، ومن أهمِّ هذه الرَّكائز:
تحديد استراتيجية الابتكار
يكون هذا وفقاً لنوع الشَّركة وأهدافها وأولويَّاتها، ويتضمَّنُ تركيز مجال الابتكار، حتَّى لا يتحوَّلَ الأمر إلى فوضى، فهل تُركِّز أكثر على الابتكار في المُنتجات والخدمات أو ابتكار عمليَّات التَّنفيذ أو ابتكار نموذج الأعمال.
اعتماد طرق متنوعة لتوليد الأفكار
تشملُ تشجيع الأفكار الجديدة سواءً من المصادر الدَّاخليَّة أو الخارجيَّة وجلسات العصف الذَّهنيّ وبرامج اقتراحات الموظَّفين وتعليقات العملاء وأبحاث السُّوق والتَّعاون مع الشُّركاء والخبراء.
تقييم الأفكار
من أهدافِ إدارة الابتكار أن تتمكَّنَ من تقييم الأفكار المُطروحة بموضوعيَّةٍ، وفقاً لدراسات الجدوى وإمكانات السُّوق والتَّكلفة والمواءمة مع الأهداف الاستراتيجيَّة وحالة الفريق الحاليّ وقدرتهِ على تنفيذِ الفكرةِ.
تطوير النماذج الأولية
فلا تتوقَّف إدارة الابتكار على مجرَّد السَّماح بطرح أفكارٍ مختلفةٍ وجديدةٍ، بل بالنَّجاح في تحويلها إلى نماذج ملموسةٍ أو الحدّ الأدنى من المنتجات القابلة للتَّسويق، وتشملُ هذه المرحلةُ تحسين المفهوم وإجراء البحث والتَّطوير والاختبار وتجربة طرقٍ جديدةٍ في حلول المشكلات.
تسويق الفكرة الجديدة
وتهدفُ إدارة الابتكار هنا إلى التسويق والتَّوزيع بكفاءةٍ مع النَّظرِ في حماية الملكيَّة الفكريَّة وإجراء شراكاتٍ تدعم التَّسويق أو تعاونٍ محتملٍ يزيد من فرصِ الانتشار.
العلامات الدالة على الابتكار في الشركات
إذا كان الأمرُ ما يزال غامضاً لك، وترغبُ في معرفة موقفكَ من دعم الابتكار وهل لديك إدارةٌ جيّدةٌ له أم أنَّ الأمرَ يحتاج إلى التَّطويرِ، فهناك علاماتٌ على أنَّ الشَّركةَ على الطَّريق الصَّحيح في إدارة الابتكار، ومن هذه العلامات: [3]
- تمكين وتشجيع الموظَّفين على الابتكار مع تحمُّل المسؤوليَّة، فهذا يزيدُ من الشُّعور بالتَّقديرِ، ويزيدُ من توليدِ الأفكار الجديدة.
- الاستعانةُ بالموهوبين في جميع أقسام الشَّركة، سواءً في خط الإنتاج أو التَّسويق أو التَّوزيع وغيرها، فكلُّ قسمٍ يحتاج إلى ابتكار طرقٍ جديدةٍ في طريقةِ عملهِ؛ ليستمرَّ بكفاءةٍ.
- وضوح الرُّؤية وتحديد الاستراتيجيَّة بطريقةٍ يفهمها الجميعُ.
- امتلاك الأدوات والهياكل اللَّازمة للتَّأكُّد من تنفيذِ الأفكارِ، وليس فقط أن تظلَّ حبيسة الأوراق.
أسرار الابتكار في الشركات
الابتكار في حدِّ ذاتهِ يعني البحث عن كلِّ جديدٍ وتنفيذهُ بمهارةٍ وطرقٍ مُبتكرةٍ في كلِّ مجالات الحياة بلا استثناءٍ، وهناك أسرارٌ لشركاتٍ ومشروعاتٍ نجحت في امتلاك زمام أمور صناعتها ببعض السِّياسات الَّتي قد تكونُ مفيدةً لك، سواءً كلُّها أو حتَّى بعضها، ومن أهمّ هذه الأسرار: [5]
- خلق ثقافة الابتكار: الأمرُ لا يقتصرُ فقط على أن تطلبَ من الموظَّفين طرح أفكارٍ جديدةٍ، ولكن مشاركة الأفكار بانتظامٍ وترتيبها من حيث الأولويَّة وإجراء محادثاتٍ جادَّةٍ بشأنها وعدم تسفيه أيّ فكرةٍ دون مناقشةٍ جيِّدةٍ لها، مع التَّركيزِ على تأثير هذه الأفكار على المؤسَّسة.
- فهم احتياجات العملاء: الابتكار يهدفُ في الأصل لزيادةِ الأرباحِ، ولن يتمَّ هذا إلا بإرضاء العملاء؛ لذا يجبُ الانتباهُ إلى التَّعليقات مع إجراء أبحاث السُّوق والتَّفاعل المباشر مع العملاء قدر الإمكان والحصول على ردود فعلٍ حيَّةٍ منهم.
- تشجيع التَّعاون بين الأقسام: وهو من أهمّ أسرار إدارة الابتكار، إذ يزيد من المدخلات المتوفِّرة أمام كلّ موظَّفٍ، فإذا كانت الموارد في قسمٍ لا تسمحُ بتنفيذ فكرةٍ معيَّنةٍ أو بلورتها، فسيساعدهُ القسم المختصُّ، ويتابعها حتَّى إذا لم تكن خرجت من القسم الصَّحيح.
- تشجيع التَّعلُّم المستمرِّ: يجبُ أن تُشجِّعَ الشَّركة موظَّفيها باستمرارٍ على تعلُّم مهاراتٍ جديدةٍ سواءً في تخصُّصهم أو تخصُّصاتٍ أُخرى؛ لزيادة المدخلات إلى المخّ وتحفيز الإبداع.
- تخصيص موارد للابتكار: سواء بتحديد وقتٍ محدَّدٍ للموظَّفين أو بتخصيص ميزانيَّةٍ معيَّنةٍ، مع توفير التَّقنيات الضَّروريَّة لتحويل الأفكار إلى واقعٍ ملموسٍ.
- تشجيع المخاطرة وتقبُّل الفشل: لكي تحصلَ على فكرةٍ جيَّدةٍ، يجبُ أن تُجرِّب أفكاراً أُخرى غير مناسبةٍ؛ لذا إذا كانت هناك عقوباتٌ على الأفكار الفاشلة، فلن تحصلَ مطلقاً على فكرةٍ جديدةٍ؛ لذا يجبُ اعتماد ثقافة المخاطرة، وتقبُّل فشل بعض الأفكار، مهما كانت تبدو جيّدةً في البداية.
- الاحتفاء بالابتكار والاعتراف به: وهو من أهمِّ أسرار إدارة الابتكار، فإذا نجحت فكرةُ موظَّفٍ في زيادة الإنتاجيَّة وتحقيق الكفاءة، فجيب الإعلان عن هذا وتشجيعه سواءً معنويّاً أو مادياً.
تجارب الشركات الرائدة في الإبداع والابتكار
جميعُ الشَّركات المزدهرة في السُّوق بالوقت الحاليّ لا بدَّ أن تكونَ اتَّبعت واحدةً على الأقلِّ أو أكثر من سياسات الابتكار، ولكن هناك نماذجٌ شديدة الوضوح في الممارسة الدَّقيقة لإدارة الابتكار، ومن أهمّ هذه التَّجارب: [4] [5]
- شركة غوغل: وهي أوَّل شركةٍ تُنشئ نشاطاً تجاريّاً يعتمدُ على الابتكار، إذ تسمحُ للموظَّفين بتمضية 20% من وقتهم؛ لتطوير أفكارٍ جديدةٍ تُفيد المؤسَّسة، كما أنَّ الموظَّفَ الَّذي يطرحُ فكرةً لا تتعلَّقُ مباشرةً بمجال عمله يُسمح له بتمضية من 5-10% من وقتهِ للعملِ على ابتكاره، حتَّى تتضَّحُ صورتهُ.
- شركة جنرال إليكتريك: فازت جنرال إليكتريك ببراءات اختراعٍ أكثر من أيّ شركةٍ أُخرى في أمريكا على مدار السَّنوات الخمسين السَّابقة بفضل مختبر أبحاثها الصِّناعيَّة، مع توفير بيئةٍ صحيَّةٍ للموظَّفين لمشاركة أفكارهم بطريقةٍ مفتوحةٍ مع تحفيز جهود الابتكار.
- شركة واتساب: فقد غيَّرت الشَّركة تماماً قواعد لعبة الرَّسائل القصيرة الَّتي كانت باهظة التَّكلفة عبر الاتِّصالات الإلكترونيَّة التَّقليديَّة، وقدَّمت منصَّة مراسلةٍ آمنةٍ لأيّ شخصٍ لديه هاتفٌ ذكيٌّ واتِّصالٌ بالإنترنت، وهو من الأمثال الواضحة على الابتكار الجذريّ.
- شركة مرسيدس بنز: قد اتَّخذت قراراً بمنح الأولويَّة؛ لتطوير المنتجات الرَّقميَّة في خططها التَّصنيعيَّة، ممَّا جعلها لا تحافظُ فقط على القمَّة، ولكن تتمتَّعُ بدورة ابتكارٍ أقصر مع زيادة في معدَّل الكفاءة.
- شركة Salesforce: والَّتي انطلقت في الأسواق عام 1999 كخدمةٍ لإدارة العملاء عبر الإنترنت من خلال إنشاء نظامٍ قائمٍ على السَّحابة، وبالتَّالي العمل بأقلّ تكلفةٍ مع كلِّ الشَّركات من جميع الأحجام، وهي تستمرُّ في الابتكارات الجذريَّة منذ ذلك الحين.
شاهد أيضاً: الابتكار في العمل: كيف تتفوق دون الحاجة لتكون عبقرياً؟
إنَّ إدارة الابتكار أساسيَّةٌ للشَّركات؛ لتظلَّ قادرةً على المنافسةِ في أسواقٍ شديدة الدّيناميكيَّة والتَّطوُّر، فمن خلال إدارة الابتكار يُمكن دفع عجلة النُّموِّ باستمرارٍ وخلق قيمةٍ والاستجابة السَّريعة لتغيُّرات السُّوق وتلبية حاجات وتوقُّعات العملاء المتغيّرة باستمرارٍ.
-
الأسئلة الشائعة
- كيف يمكن أن يساهم الابتكار في عالم الأعمال؟ الابتكار يزيد من الإنتاجية، ويرفع من معدل الكفاءة، ومن رضاء العملاء والقدرة على المنافسة وفتح أسواق جديدة وغيرها.
- ما هو الابتكار في العمل؟ الابتكار في العمل يعني طرح أفكار جديدة دائماً، سواء في شكل المنتج أو طريقة تقديمه أو أيضاً في الجمهور المستهدف وغيرها.
- ما هي العوامل التي تساعد على الابتكار؟ وجود فريق موهوب، وإدارة ذكية تُشجّع الابتكار وتحثُّ عليه، وإنشاء هياكل تساعد في دعم قدرات الفريق، سواء من حيث البنية التحتية أو طرق تقديم الأفكار وتنفيذها وطريقة اتخاذ القرارات، وهل هي مركزية أم بناء على مشاوراتٍ وتوفير طرق اتّصالٍ مفتوحةٍ وطرح برامج لإدارة الابتكار.
- كيف تسهم في تعزيز الابتكار في فريق العمل؟ بوضع استراتيجيّةٍ واضحةٍ للابتكارِ وأهدافهِ، والتّأكيد الدائم على أهميّة الأفكار الجديدة مع تقييم السرعة في الإنجاز والرغبة في التعلم، وعدم الخوف من الفشل أو عدم السّخرية من الأفكارِ وتجاهلها.