إعادة تصوّر مكان العمل خلال فترة العودة إلى المكتب
بينما يعود بعض القادة إلى الأعراف التقليدية للعمل في المكتب، ستكون النتائج الأفضل –بالنسبة للأشخاص ولربحية الشركة- من نصيب الذين يتبنون نماذج تعنى بالموظف
قُلها بصوتٍ عالٍ: "النّتائج أهمّ من المخرجات"؛ إنّها أكثر من مجرّد شعارٍ تتراقص فيه الحروف، إنّها مبدأٌ في القيادة الواعية يشكّل مستقبلَ العمل ويِمكنه أن يحوّل عملكَ. [1]
بينما يتقبّل القادة مسؤوليّاتهم في التّعرّف على التحدّيات المعقّدة لعملائهم والابتكار لحلّها، تشير عناوين الأخبار الأخيرة إلى أنّ الكثيرين لا يشعرون بالضّرورة الملحّة للقيام بالأمر نفسه تجاه أكثر أصولهم أهميّةً: موظّفيهم. ومع ذلك، إيجاد حلولٍ إبداعيّةٍ تعيد تصوّرَ عالم العمل سيؤتي ثماره لصالح عملكَ، وعامليكَ، وعملائكَ.
خذ مثلاً المناقشات الحاليّة حول إجراءات العودة إلى المكتب للشّركات. فالنّمط الذي أصبح عُرْفاً بسبب الحاجة إليه قبل ثلاث سنواتٍ يظهر الآن كما لو كان محوراً للجدل مثل المناقشات حول السّياسة والفرق الرّياضية التي تشجّعها. وعلى الرّغم من أنّ جائحة كوفيد-19 استدعت أن تتحوّل مناطق عملٍ كثيرةٍ عن نماذج العمل التّقليدية، فإن أساليب العمل المرنة الآن تواجه تهديداً. فبينما يقلّل القادة من العمل عن بعدٍ عن طريق زيادة متطلّبات الحضور وتطبيق ممارسات مراقبة المكتب، يستمرّ الموظّفون في إقناعِ أربابِ العملِ بالحفاظِ على سياساتِ العمل المرنة في ظلّ تصاعد ضغطِ العودةِ إلى المكتبِ.
تجاهل دروس الجائحة على مسؤوليتك الخاصة
إذا كنتَ تعتبرُ نسب الإشغال في مكتبكَ عاملاً حاسماً في تحديد معنى المرونة في مؤسستك، فإنّك تختار تجاهل دروس الجائحة. فقد أثبت العمّال قدرتهم على التّكيّف، وزيادة الإنتاجيّة، وتفهّمهم في وجه التّحدّيات. الآن حان وقت القادة للتكيّف. كيف يمكن للشركات التي كانت تعلن عن سياساتها الرّحيمة أن تعود عنها الآن؟
لقد شهدنا تحوّلاً سريعاً من أزمةٍ صحيّةٍ عالميّةٍ إلى عدم يقينٍ اقتصادي هزَّ الأسواق والمستثمرين والقادة والموظّفين. وعلى الرّغم من أنّ قوى السّوق هذه تقوم بتعبئة ما يعادل أجيالاً من التّغيير في دورات عملٍ مضغوطةٍ، إلّا أنّ هذه الأنواع من التّحوّلات تبقى ثابتةً. فمع تقلبات الأسواق وتغيّر أسعار الأسهم، وإعادة تشكيل التّكنولوجيا للعالم الذي نعرفه، من الطّبيعي أن يصبح القادة مرتاحين مع الوضع الرّاهن، فقط لتربكهم بعد ذلك التحوّلات الزّلزالية في الاقتصاد والمجتمعات بوجهٍ عامٍ، وداخل صناعتهم.
كما تجبر الرّياح الاقتصاديّة المعاكسة القادةَ على التّركيز على رقمٍ واحدٍ واتّخاذ قراراتٍ مدفوعةٍ بالخوف، بدلاً من النّظر في الشّروط التي يحتاجها الموظّفون للنّجاح. وهذه التّكتيكات القائمة على الخوف في اتخاذ القرارات ستستمرّ في تعكير طريقة عيشنا وعملنا.
ماذا لو قمنا بتحويل هذه الاضطرابات إلى فرصٍ للابتكار والنّموّ بدلاً من مجرّد اتّخاذ ردود فعلٍ تجاهها؟
أنا أفهم مطالب العمل المُتضاربةِ التي تواجه القادة. ومن جهةٍ، من الضّروري أن نثبت للمساهمين أنّنا نعمل على زيادة الإيرادات وقياس الإنتاجيّة، والتحكّم في التّكاليف في أوقات النّموّ الاقتصاديّ البطيء. ومع ذلك، يجب علينا أيضاً أن نعترف بالمشكلة التي يتجاهلها الجميع وبما أشارت إليه مديرة الموارد البشريّة في مايكروسوفت، كاثلين هوغان Kathleen Hogan، والذي وصفته بأنّه "أزمة الطّاقة البشرية."
شاهد أيضاً: عادةٌ بسيطة تفصل بين القادة الناجحين والمتظاهرين بذلك
المرونة تحتاج إلى تجديدٍ للعلامة التجارية
يجب أن ننظر إلى هذا الأمر على أنه ليس جدالاً بين العمل عن بعدٍ والعمل المختلط. كلا الخيارين يخلقان تجربة موظّفٍ متكاملةً، تمنح العمّال حرية الاختيار في كيفية عيشهم وعملهم، دون التّركيز على مكانِ العملِ.
يجب أن تُعاملَ ترتيبات العمل هذه على أنّها مجرّد سياساتٍ، لا على أنّها أساسٌ لاستراتيجيّة التزام الموظّفين. يدرك معظم القادة أنّ المرونة هي أمرٌ لا غنى عنه للعثور على مواهب رائعةٍ والاحتفاظ بها، وهي متغيّراتٌ أساسيّةٌ في معادلةٍ أكبر.
بينما أعتقد أنّ العمل عن بعدٍ بمفرده يجلب عالماً أفضل وأكثر عدالةً، ويجب أن تأخذَ مناقشة مستقبل العمل في اعتبارها تأثير ترتيبات العمل الموّزعة والمرنة، وعندما تصل إلى نفس الإدراك، سيجعل نهجكَ في القيادة للنّتائج أولويّةً على المخرجات، وينبغي أن يشجّع على محادثاتٍ حول طرقٍ مختلفةٍ للعمل، يُمكن أن تزيدَ من إنتاجيّة الموظّفين ورفاهيتهم. ولكن هذا يتطلّب التّفكير خارج منطقة النّقاش الحالية بين العمل عن بُعد والعمل المختلط (غرفة الصّدى echo chamber).
شاهد أيضاً: رفع التزام الموظفين إلى الحد الأقصى: تحويل فريقك إلى ميزة
يجب أن تكون الثقة أساس نهجك
الثّقة أمرٌ أساسيٌّ مطلقٌ في العلاقة بين القادة وفرق العمل، أيّ شيءٍ أقلّ من ذلك يغذّي القلق لدى القادة، ويضرّ بالعمل، ويؤثّر على الحصيلة النّهائية. بغضّ النّظر عمّا تظنّ أنّك تراه، يجب عليك أن تعتقد أنّ النّاس يرغبون في بذل قصارى جهدهم. وسواء أعجبك ذلك أم لا، فإنّ مسؤوليتك هي التأكّد من أنّهم قادرون على ذلك من خلال توفير وضوح في التوقّعات والمسؤولية وما يحدّد النّجاح، وكيف سيتمّ قياس النّتائج.
ومن غير الممكن تحقيق أيّ شيء ذي أهميّةٍ بدون مستوى عالٍ من الثّقة في فرق العمل؛ إنّها أساس بناء الفرق الموّزعة وهي المستقبل.
شاهد أيضاً: حجّة مثالية لصالح العمل عن بُعد
انظر إلى الأرقام
بينما 44% من الشّركات في العالم لا تقدّم خيار العمل عن بعدٍ، فإنّ الشّركات النّاشئة التي تأسّست منذ بداية الجائحة أكثر احتمالاً لاستخدامه. ومع نضوج هذه الشّركات، من الطّبيعي أن تزيدَ حصّة الوظائف التي تعتمد العمل عن بعد، خاصّةً مع استمرار تصاعد توقّعات الموظّفين. وعندما أجرت Oyster استبياناً للموظّفين حول أولوياتهم بعد الجائحة، قال 79% منهم إنّ تحقيق التّوازن بين العمل والحياة الشّخصية أصبح أكثر أهميّةً، وقال 81% إنّ العمل عن بعد كان كذلك.
درس نيك بلوم Nick Bloom ، المدافع عن العمل من المنزل وأستاذ الاقتصاد في جامعة ستانفورد، إنتاجيّة الموظّفين في شركة Ctrip الصّينية للسفر. وفي هذه التّجربة التي نشرت في عام 2015م، زادت إنتاجيّة العاملين عن بعد بنسبة 13%. النّتيجة النّهائية؟ تضاعفت أرباح Ctrip أيضاً، بزيادةٍ تصل إلى 2000 دولار لكلّ موظّفٍ.
يرغب الموظّفون في المزيد من الحرية والمرونة، ويقدّرون العمل من المنزل كتقديرهم لزيادة الرّاتب بنسبة 8% في المتوسّط. إنّها ميزةٌ هائلةٌ وتساعد في الحدّ من نسبة الاستبدال بنسبةٍ تصل إلى 35%، وفقاً لدراسةٍ كبيرةٍ أجريت مؤخّراً.
علاوةً على ذلك، يحمي العمل عن بعد كوكبنا، إذ تشير الدّراسات إلى أنّه يُمكن أن يقلّلَ من الانبعاثات الفرديّة بنسبةٍ تزيد عن 50% من خلال إلغاء رحلات الذّهاب والعودة إلى المكتب واستهلاك الطّاقة في المكتب.
شاهد أيضاً: المرونة في الأزمات: السر إلى النجاح في 3 خطوات
فكر بشكل أوسع من الدوام "9 إلى 5"
عندما تسعى إلى تحقيق أقصى كفاءةٍ وزيادة مستويات الإنتاجيّة بجانب الاهتمام بالموظّفين، فإنّ كيفيّة تسجيل ساعات العمل هي أسهل طريقةٍ للبدء عند صياغة سياساتِ المرونة. ويُمكن أن تشملَ هذه الأنواع من التّرتيبات المرنة الأمور التّالية:
- الوقت المرن: يمنح الموظّفين القدرة على تحديد ساعات العمل بحريّةٍ من خلال اختيار أوقات بدء وانتهاء يومهم. ويُمكن أن تكونَ هذه الأنواع من الجداول تتناسب بشكلٍ أفضل مع المسؤوليّات الشّخصيّة أو الأسلوب المفضّل في العمل.
- العمل الإلكترونيّ من خارج المكتب: ينصّ على أنّ الموظّفين يُمكنهم العمل من أيّ مكانٍ يتوفّر فيه اتصال Wi-Fi، ولكن يتوجّب عليهم الحضور إلى المكتب عند الضّرورة.
- العمل عن بعد: يوفّر حريةً تشابه العمل الإلكتروني من خارج المكتب، لكن عادةً لا يلزم الحضور الجسديّ أو يتطلّب السّكن في مكانٍ قريب من مكان العمل.
- النّمط المختلط: ينشئ مرونةً مكانيةً مع معايير محدّدةٍ للعمل في المكتب وخيارات العمل عن بعدٍ.
- العمل بدوامٍ جزئي: جدول ساعاتٍ أقلّ في الأسبوع، يقلّل من الأجور والفوائد، كما يوفّر هذا النّهج مزيداً من المرونة للأشخاص الذين لديهم التزاماتٌ شخصيّةٌ، مثل: رعاية الأهل المسنّين أو الأطفال الصّغار، أو الذين يقومون ببناء أعمالهم الخاصّة، أو الذين يرغبون في التّقاعد تدريجيّاً.
- تقاسم الوظيفة: يقسّم هذا النّوع ساعات ومسؤوليات وظيفةٍ واحدةٍ بين شخصين يعملان في الأساس بدوامٍ جزئي. يوفّر هذا للشركة تغطيةً بدوامٍ كاملٍ للوظيفة مع منح موظّفيْن اثنين قدراً أكبر من التحكّم في ترتيبات عملهم.
- استراحاتٌ سخية غير محدودة من العمل: تعزّز من أهميّة حصول الموظّفين على وقتٍ كافٍ للرّاحة وإعادة ترتيب الأمور وتجديد شحن الطّاقة. ويعتبر ذلك مفيداً للتّعامل مع الاحتراق الوظيفي، وتعزيز ثقافة التّعلّم المستمرّ، ورفع معنويّات الموظّفين.
- إجازات وعطلات: يوافق على فتراتٍ أطول من الإجازة لكي يستطيعَ الموظّفون أخذ استراحةٍ مع الحفاظ على وضعهم الوظيفيّ الحالي.
مستقبل العمل يتطلّب روح الفضول واستعداداً للتّساؤل عن كلّ شيءٍ في تجربة العمل، بينما يبدو أنّ النّماذج المختلطة، مع متطلّبات العيش بالقرب من المكتب، هي الخيار الذي يعتمده القادة، فإنّني أتحدّى القادة للتفكير في السّبب الذي يدعوهم لافتراض أنّ النّتائج، والتّأثير، والنّجاح مرتبطةٌ بمكانٍ ماديّ.
حان الوقت لأصحاب الأعمال أن يكونوا عظماءَ؛ هذا نداءٌ للمبادرة بالعملِ.