إن أدركت حل هذه المسألة الرياضية قد تكون أنجح من معظم الناس
على بساطتها من بين المسائل الحسابية، حتى أذكى الناس يقعون في فخ الخطأ عند الإجابة عليها، والأمر يوحي بالكثير حول نمط التفكير
مضربٌ وكرّةٌ يكلّفان سويّاً 1.10 دولار. سعرُ المضربِ أعلى بمقدار 1.00 دولار من الكرةِ. كمْ تكلّفُ الكرةُ؟
يجيبُ معظم النّاسِ بأنّ الكرةَ تكلّفُ 10 سنتات. في الواقعِ، تلكَ كانت إجابتي عندما قرأتُ السّؤال. ولكنّ ذلكَ لا يمكنُ أنْ يكون صحيحاً لأنّه لو كان كذلكَ، فإنَّ سعرَ المضربِ سيكونُ دولاراً واحداً، والفارقُ في السّعرِ بينهما سيكون 90 سنتاً. فالإجابةُ الصّحيحةُ هي أنَّ الكرةَ تكلّفُ 5 سنتات والمضربُ يكلّفُ 1.05 دولار.
قدْ يبدو هذا أشبهُ بطريقةٍ مسلّيةٍ لإرباكِ النّاسِ في الحفلاتِ. ولكنّ لهُ أهميّةٌ أكبرُ من ذلكَ بكثيرٍ. في الواقعِ، هذا السّؤالُ جزءٌ من اختبارِ الانعكاسِ الإدراكيّ المكوّنِ من ثلاثةِ أسئلةٍ، والّذي وُضع في عام 2005 من قبل شاين فريدريك، أستاذُ التّسويقِ في مدرسةِ ييل لإدارةِ الأعمالِ.
لا تشعرْ بالسّوء إنْ كنتَ، كمَا أنا، توصّلتُ مباشرةً إلى الإجابةِ الخاطئةِ. إذ قدّمَ فريدريك وفريقهُ، الاختبار إلى 3,428 شخصاً في مواقعَ مختلفةٍ، بما في ذلكَ بعضٌ من الجامعاتِ الرّاقيةِ قي البلادِ. ومعَ ذلك، فإنّ ما لا يقلُّ عن 83 في المئةِ أخطأَ في سؤالٍ واحدٍ على الأقلِّ؛ فقط 17 في المئة هم من أصابوا في الأسئلةِ الثلاث جميعُها. عندما قدّموا الاختبارَ في هارفارد، أجابَ 20 في المئةِ على الأسئلةِ الثلاث بشكلٍ صحيحٍ. في كارنيجي ميلون، توصّل 25 في المئة إلى الحلّ الصّائبِ؛ في برينستون، أنجزَ 26 في المئةِ فقط الاختبارَ كاملاً. جاءتْ أفضلُ الدّرجاتِ من معهدِ ماساتشوستس للتكنولوجيَا، حيث أصابَ 48 في المئةِ من المشاركينَ في الأسئلةِ الثّلاثةِ بشكلٍ صحيحٍ. إلّا أنّ هذا يعني أنَّ أكثرَ من نصفهمْ قدْ أخطؤوا.
شاهد أيضاً: كيفَ تستخدم الذكاء العاطفي لتهدئة الزبون الغاضب؟
أكّدتْ دراساتٌ إضافيّةٌ بأنّ الأشخاصَ بالغو الذّكاءِ حتّى يُخطئوا في هذه الأسئلةِ، في الواقعِ، قد يكونونَ أكثر احتمالاً للخطأ فيها. فربّما لأنهم معتادونَ جدّاً على إيجادِ الإجاباتِ الصّحيحةِ للمشكلاتِ بسرعةٍ ولا يتورّعون للتحقّقِ عقليّاً من عملهمْ. وتلك هي نقطةُ الاختبارِ كلّها - لقياسِ مدى احتماليّةِ توقّفك وتفكيركَ في مشكلةٍ ما قبل الوصولِ إلى إجابةٍ، في مقابلِ البوحِ بالإجابةِ الواضحةِ التّي تنبثقُ أولاً في ذهنكَ.
انظرْ للأمرِ بتلكَ الطّريقةِ، ويمكنكَ أنْ ترى أنَّ هذا أكثرُ بكثيرٍ من خدعةٍ في حفلةٍ. كما يوحي اسمُ الاختبارِ، فإنّه يقيسُ ما إذا كنتَ تتوقّفُ وتفكّر قبل اتّخاذِ القراراتِ. وفي حين أنّ القدرةَ على اتخاذِ القراراتِ السّريعةِ مهمّةٌ لنجاح كلّ رائدِ أعمالٍ، فإنّه منَ الأهميّةِ بمكانٍ اتّخاذُ القراراتِ الصّحيحةِ عوضاً عن القفزِ إلى استنتاجاتٍ، تبدو واضحةً بديهيّاً ولكن تتبيّنُ فيما بعد أنَّها خاطئةٌ.
تعلم استخدام التّفكير من النّوع الثّاني
الاختلافُ هو ما يسميّهِ الباحثونَ السّباقون بمصطلح التّفكيرُ بالنّظامِ 1 مقابلَ النّظام 2. في التّفكيرِ مع النّظامِ 1، نقدّمُ إجاباتٍ نعرفها حدسيّاً ولا نحتاجُ إلى التّفكيرِ مليّاً فيها. عندما يسألكَ شخصٌ عن عنوانكَ، على سبيلِ المثال، تجيبُ تلقائيّاً وبدون تأمّلٍ كثيرٍ (ما لمْ تكن قد انتقلتَ مؤخراً). في التّفكيرِ مع النّظامِ 2، تستغرقُ بعضَ الوقتِ والمعالجةِ الذّهنيّةِ لإيجادِ إجابةٍ. (المثالُ الّذي يستخدمهُ فريدريك للتّفكيرِ بالنّظامِ 2 هو إيجادُ الجذرِ التّربيعيّ للعددِ 19163 إلى رقمين عشريين بدون استخدامِ آلةٍ حاسبةٍ).
إنّ الخللَ يطرأُ، سواءً في اختبارِ الانعكاسِ الإدراكيّ أو في خضمِّ عملنَا، عندما نعتقدُ بالخطأ أنّا بمقدورنَا حلُّ مشكلةٍ ما باستخدامِ التّفكيرِ بالنّظامِ 1 عندما يكونُ النّظامُ 2 هوَ المطلوبُ. وهنا حيثُ تصبحُ الأمورُ مثيرةً للاهتمامِ حقّاً، لأنَّ دراسةً حديثةً أُجريت هذا العام وقدّمتْ للمشاركينَ فيها 50 تغييراً على سؤالِ المضربِ والكرةِ. ودعتهُم إلى أنْ ينطقوا أولاً بإجابتهم الحدسيّةِ، ثم يتفكّروا في المسألةِ ويُعطوا إجابةً ثانيةً. في معظمِ الحالاتِ، ظلّتْ كلٌّ من الإجابةِ البديهيّةِ والإجابةِ الثّانيةِ متحيزةً نحو الاستجابةِ الواضحةِ. ولكن ثلّةً من المستجيبينَ تمكّنوا من تصويبِ أنفسهمْ بين الإجابةِ السّريعةِ الأولى والثانيةِ، الأكثر تأملاً. وبشكلٍ ملفتٍ للنّظرِ، تعلّمَ أولئكَ الّذين فعلوا ذلكَ أيضاً، استخدامَ التّفكيرِ بالنّظام 2 من ذلك الحينِ فصاعداً، وكانت إجاباتهمْ السّريعةُ والبطيئةُ أكثر دقّةً طوالَ باقي الاختبارِ.
بوضعِ ذلكِ في الاعتبارِ، ها هُما السّؤالانِ المتبقيّانِ من اختبارِ الانعكاسِ الإدراكيّ. الآن بعدَ أنْ تعلّمتَ أنَّ إجاباتكَ الحدسيّةُ قد تكونُ خاطئةٍ، تأمّلْ إنْ كنتَ تستطيعُ إيجادَ الإجاباتِ الصّحيحةِ.
إذا استغرقتْ 5 آلاتٍ 5 دقائق لصنعِ 5 وحداتٍ، فكم من الوقتِ ستستغرقُ 100 آلةٍ لصنعِ 100 وحدةٍ؟
في بحيرةٍ، هناكَ بقعةٌ من أوراقِ الزّنبقِ. كلّ يومٍ، تتضاعفُ البقعةُ في الحجمِ. في حالِ استغرقتْ البقعةُ 48 يوماً لتغطيةِ البحيرةِ بأكملهَا، كم منَ الوقتِ سيستغرقُ الأمرُ لتغطّي البقعةَ نصفَ البحيرةِ؟
خذْ دقيقةً للتّفكيرِ في كلّ واحدةٍ من هذه الأسئلةِ وعبّر عن إجاباتكَ الخاصّة قبلَ أنْ تتابعَ القراءةَ.
هل توصّلتَ إلى إجاباتكَ؟ بالنسبةِ للسؤالِ الأوّلِ، الإجابةُ هي خمسُ دقائقَ. إذ يمكنكَ الاستدلالُ من المعلوماتِ في السّؤالِ أنَّ كلّ آلةٍ تنتجُ منتجاً واحداً في كلّ خمسِ دقائقَ. لذلكَ، إذا كانَ لديكَ 100 آلةٍ تعملُ جميعُها في وقتٍ واحدٍ، يمكنُها صنعَ 100 منتجٍ في 5دقائقَ.
بالنسبةِ للسؤالِ الثّاني، الإجابةُ هي 47 يوماً. قد يكونُ من المغري القولُ أنّه سيستغرقُ نصفَ الوقتِ -24 يوماً- ولكنَّ السّؤالَ يخبرنا بأنَّ بُقعةَ الزّنبقِ تتضاعفُ كلّ يومٍ. لذلكَ، قبلَ يومٍ واحدٍ من مدّةِ 48 يوماً، كانت ستكونُ نصفَ الحجمِ.
إنّ التّوصلَ إلى إجاباتٍ سريعةٍ أمرٌ حسنٌ. التّوصلُ إلى إجاباتٍ صحيحةٍ أمرٌ أحسن. فهم يركزونَ على أن يكونُ الجوابُ سريعاً كافياً ومتى قد تحتاجُ إلى التّفكيرِ بعنايةٍ به فهو أفضلُ الأمورِ. إنّ القدرةَ على التّعلمِ بسرعةٍ من إجابةٍ أوّليّةٍ خاطئةٍ وتغييرِ ليسَ فقط إجابتكَ إنّما أيضاً نهجكَ، هو ميزةٌ كبيرةٌ لكلّ قائدٍ في الأعمال. إنّه شيءٌ يجبُ علينا جميعاً محاولةُ تعلّمهِ.