الحركة للأمام ليست دائماً الحل: استراتيجيات النّمو المستدام
الاستحواذ والاندماج ليسا دائماً الخيار الأنسب لتحقيق النّمو الّذي تطمح إليه
يتمتّع روّاد الأعمال، بمختلف أعمارهم، بشغفٍ لا ينضب تجاه الحركة والعمل؛ فهم يرون في السكون عدوّاً لمسيرتهم. فالقادة الناجحون لا يتوقّفون عن التّحرّك بثبات نحو أهدافهم، مدفوعين بطموحٍ فطري ورغبةٍ لا تهدأ في تحقيق المزيد. هذه الدّيناميكية تجعلهم في حالة نشاطٍ مستمرٍّ، لا يقبلون بالرّكون أو الاكتفاء بما حقّقوه.
ومع أنّ هذا الاندفاع يمكن أن يكون دافعاً لتحقيق إنجازاتٍ باهرة، إلا أنّه سيف ذو حدّين؛ فالتعلّق بالنجاح قد يجعل من الصّعب على رائد الأعمال التوقّف لأخذ استراحة. ومع التّقلبات التي قد تشهدها الأسواق أو الفترات الصّعبة، مثل تلك التي أعقبت جائحة كوفيد-19، يشعر الكثيرون بالحاجة لإعادة التّحرّك. لكن، عندما يكون هذا التّحرّك غير مدروس، فإنّه قد يؤدّي إلى صفقاتٍ تستهلك الموارد، دون أن تحقّق النّمو المنشود، بل تزيد من الضّغوط والأعباء.
ما المخاطر الكامنة خلف عجلة النّموّ السّريع؟
يرتبط عالم الشّركات النّاشئة بالمخاطر بطبيعته، ومع ذلك فإنّ أكبر هذه المخاطر لا تظهر عند البداية، بل عند الاستقرار؛ فعندما تهدأ العجلة، ويصبح النّموّ ثابتاً. في هذه اللّحظة، قد تدفع الرّغبة المتسرّعة في تحقيق التّوسّع روّاد الأعمال نحو صفقاتٍ غير ضروريّةٍ، حيث أنّ لديهم طاقةً وحماساً زائدين قد تجرّهم نحو قراراتٍ غير مدروسةٍ. فعندما تعتمد شركتك على النّموّ المستمرّ كجزءٍ من هويّتها، فإنّ مجرّد التّوقّف عن التّقدّم قد يشعرك بأنّك بدأت تتراجع، وهذا قد يدفعك نحو خطواتٍ غير محسوبةٍ.
وكذلك الأمر، عندما تبتكر وتبني شركتك على مبدأ النّموّ المتواصل، يصبح التّوقّف أو السّكون تحدّياً نفسيّاً كبيراً. إذ يشعر العديد من المؤسّسين في الوقت الرّاهن بحاجةٍ ماسّةٍ للعودة إلى سوق النّموّ بعد فترةٍ من التّباطؤ، وهذا قد يقودهم إلى صفقاتٍ عشوائيّةٍ ومخاطر غير محسوبةٍ، قد تضرّ بالشّركة بدلاً من إفادتها.
صفقات الاستحواذ غير المثمرة
مع تراجع سوق الاكتتابات العامّة (IPO)، بدأت العديد من الشّركات النّاجحة والمستقرّة، والّتي لم تعد تعتبر "قصص نموٍّ مثيرةٍ"، بالنّظر إلى عمليّات الاستحواذ والاندماج (M&A) كبديلٍ للتّوسّع. ومع ذلك، فإنّ الخيارات المتاحة في السّوق غالباً ما تكون غير مثاليّةٍ، فكثيرٌ من الشّركات المعروضة للاستحواذ تعاني من مشاكل قد تجعلها عبئاً بدلاً من إضافةٍ للشّركة.
ومن جهةٍ أخرى، قد يكون الجمع بين شركتين لتوسيع الإيرادات عمليّةً مغريةً، ولكن إذا كانت الأرباح غير مشجّعةٍ، أو إذا كانت تكاليف الاندماج مرتفعةً، فقد يصبح هذا الحلّ غير عمليٍّ. فمن المهمّ أن نتذكّر أنّ ضمّ شركتين متوسّطتي الأداء لن يؤدّي بالضّرورة إلى شركةٍ قويّةٍ.
التّحدّيات الخفيّة في صفقات الاندماج
بالإضافة إلى ذلك، غالباً ما يتجاهل المحامون المختصّون بإتمام الصّفقات العواقب طويلة الأمد، حيث يسعون لإغلاق الصّفقة بغضّ النّظر عن التّحدّيات والمشاكل الخفيّة الّتي قد تظهر لاحقاً.
إذ إنّ أحد أكبر الأخطاء الّتي يرتكبها روّاد الأعمال هو الاعتقاد بأنّ المشاكل ستنتهي عند توقيع العقد، وهذا أبعد ما يكون عن الواقع. فور إتمام الصّفقة، يبدأ وقت التّنفيذ الفعليّ، حيث تبدأ مشاكل الدّمج بين الفرق، وتوحيد الأنظمة، وتحقيق التّوافق بين الشّركتين، ممّا يتطلّب وقتاً وجهداً كبيرين.
في العادة، تأتي صفقات الاندماج بحلولٍ تقليديّةٍ مثل تقليل التّكاليف والاستغناء عن الموظّفين الزّائدين، لكنّ هذه الحلول غالباً ما تكون مدمّرةً لأجواء العمل. فعوضاً عن ذلك، يجب أن يركز روّاد الأعمال على تحقيق تغييراتٍ استراتيجيّةٍ حقيقيّةٍ، فالاقتصار على تقليص التّكاليف لن يساعدك على تحقيق النّموّ المستدام.