الرئيسية الريادة ادعُ الأشخاص المناسبين إلى الحافلة

ادعُ الأشخاص المناسبين إلى الحافلة

اختيار الأشخاص الّذين يجب أن تصحبهم معك في رحلتك المهنيّة، ومن ينبغي عليك الاستغناء عنهم، قد يكون المفتاح لنجاح عملك

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

قبل عشرين عاماً، دخلت عبارة "ادعُ الأشخاص المناسبين إلى الحافلة" بسرعةٍ إلى قاموس الأعمال، وأصبحت استعارةً شائعةً في الشّركات الكبرى. ولكنّ هذه العبارة ظهرت لأوّل مرّةٍ في كتاب الأعمال الشّهير والأكثر مبيعاً لعام 2001 "من جيّدٍ إلى عظيمٍ: لماذا تقفز بعض الشّركات... والبعض الآخر لا" (Good to Great: Why Some Companies Make the Leap... and Others Don't)، من تأليف المفكّر الإداريّ وعالم الرّياضيّات بجامعة ستانفورد، جيم كولينز. 

فماذا تعني عبارة "الأشخاص المناسبون في الحافلة" بالدّقّة؟ 

من يجب أن تُقيل، من يجب أن تعيّن، وفي أيّ المناصب؟ 

في فصلٍ من الكتاب بعنوان "أوّلاً من، ثمّ ماذا"، يشرح كولينز كيف يمكن للشّركة أن تصل إلى العظمة عبر التّخلّص من "الأشخاص الخطأ" من على متن الحافلة، وجلب "الأشخاص المناسبين" للانضمام إلى ركّابها، مع التّأكّد من وضعهم في الأماكن المناسبة. يستخدم كولينز هذه الاستعارة للإشارة إلى أهمّيّة وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، وهو أمرٌ يجب التّعامل معه قبل تحديد الاتّجاه الاستراتيجيّ للشّركة. وبمعنىً آخر، لا يمكن لأيّ منظّمةٍ تحديد مسارها قبل حلّ مشكلة الأفراد. 

لتأكيد وجهة نظره، قضى كولينز خمس سنواتٍ في دراسة أكثر من 1,400 شركةٍ على مدى عقودٍ، ليكشف كيف أثّرت تغييرات الأفراد والتّدابير التّدريجيّة الأخرى على أداء أسهم تلك الشّركات. يقول كولينز: "بحثنا بشكلٍ منهجيٍّ في قائمةٍ تضمّ 1,435 شركةً للعثور على كلّ حالةٍ استثنائيّةٍ حقّقت قفزةً في الأداء، من نتائج متوسّطةٍ إلى عظيمةٍ". 

قد يتساءل القرّاء الفضوليّون عن منهجيّته: لماذا ركّز على الشّركات الأميركيّة المدرجة في البورصة في وقتٍ كانت فيه العولمة تعيد تشكيل ملامح الاقتصاد؟ أو لماذا فضّل استخدام البيانات التّاريخيّة بدلاً من المراقبة المباشرة؟ وربّما يتساءلون أيضاً لماذا استبعد الشّركات الخاصّة والعائليّة أو المملوكة من الموظّفين من تحليله. 

الإجراءات الدّاعمة لنموذج "الأشخاص المناسبين في الحافلة" 

يتطلّب نموذج "الأشخاص المناسبين في الحافلة" ثقافةً تعتمد على الانضباط، ويحتاج إلى اتّخاذ القرارات الصّحيحة في الوقت المناسب لتحقيق النّجاح. لتحقيق ذلك، يركّز النّموذج على الفرق بين ما يعرف بـ "تأثير دولاب الدّفع" و"حلقة الهلاك". دعوني أوضّح هذين المفهومين. 

تأثير دولاب الدّفع يعني أنّ الشّركة تكتسب قوّة دفعٍ وزخماً تدريجيّاً من خلال الجهد المستمرّ والمنظّم والمستدام. إذا قامت الشّركة باتّخاذ خطواتٍ صغيرةٍ، ولكنّها ثابتةٌ وبقراراتٍ مدروسةٍ باستمرارٍ، فإنّها وإن كانت ذات أداءٍ متوسّطٍ في البداية، تستطيع أن تحقّق نجاحاتٍ كبيرةً على المدى الطّويل. 

أمّا "حلقة الهلاك" فتحدث عندما تلجأ الشّركات إلى إجراءاتٍ سريعةٍ وتحوّلاتٍ جذريّةٍ بهدف تحسين الأداء الضّعيف. لكنّ هذا النّوع من الحلول لا يستمرّ طويلاً، لأنّ الشّركة تفتقد إلى الجهد المستمرّ المطلوب لبناء زخمٍ قويٍّ ومستدامٍ، وبالتّالي تظلّ عالقةً دون تحقيق تقدّمٍ حقيقيٍّ. 

يعتمد نموذج "الأشخاص المناسبين في الحافلة" على وضع كلّ فردٍ في المكان المناسب داخل الفريق. بعد اختيار الأشخاص المناسبين ووضعهم في الأدوار الّتي تتناسب مع مهاراتهم، ما يسمح للشّركة بأن تبني ثقافةً من الانضباط تؤدّي إلى تحقيق نتائج استثنائيّةٍ. فالجمع بين الأشخاص المنضبطين، والتّفكير المنضبط، والعمل المنضبط يولّد أداءً متميّزاً. ووفقاً لجيم كولينز، إذا تمّ تحقيق هذا التّوازن بالشّكل الصّحيح، فلن تحتاج الشّركة إلى هياكل إداريّةٍ معقّدةٍ أو أنظمة رقابةٍ شديدةٍ أو إجراءاتٍ بيروقراطية ثقيلةٍ. 

والآن نأتي إلى نظريّة القنفذ... هذه النّظريّة مستوحاةٌ من قصّةٍ قديمةٍ للشّاعر اليونانيّ أرخيلوخوس، حيث تقسّم الشّخصيّات إلى نوعين: "الثّعلب" الّذي يعرف الكثير من الأمور المتنوّعة، و"القنفذ" الّذي يركّز على شيءٍ واحدٍ ويعرفه جيّداً. الفكرة هنا هي أنّ الشّركات العظيمة تركّز على شيءٍ واحدٍ أساسيٍّ، بدلاً من محاولة إتقان الكثير من الأشياء في وقتٍ واحدٍ. 

ورغم أنّ العالم مليءٌ بالتّعقيد والتّغيّرات السّريعة، إلّا أنّ الشّركات الّتي تسعى للعظمة يمكنها تبسيط الأمور، وأن تركّز على رؤيةٍ بسيطةٍ واضحةٍ. هدف مفهوم القنفذ هو خلق تركيزٍ عميقٍ على ما هو مهمٌّ لنجاح الشّركة. 

تصوّر مخطّطاً فنيّاً يتكوّن من ثلاث دوائر، كلّ دائرةٍ تمثّل سؤالاً مهمّاً: 

  1. ما الّذي تشعر مؤسّستك وأفرادها بالشّغف نحوه؟ 
  2. ما الّذي يدفع المحرّك الاقتصاديّ لشركتك؟ 
  3. إذا كان هناك شيءٌ يمكن لشركتك القيام به أفضل من أيّ شركةٍ أخرى، فما هو؟ 

عندما تتقاطع هذه الأسئلة الثّلاثة، تتبلور رؤيةٌ واضحةٌ، بسيطةٌ وقابلةٌ للتّنظيم والتّنفيذ. 

هل يمكن أن يكون الأمر بهذه السّهولة حقّاً؟ 

تطبيق نموذج الحافلة على الشّركات الحديثة 

قبل أن نناقش جوانب الضّعف في نظريّة كولينز، ينبغي الإشارة إلى أنّ أفكاره قد تميّزت ببساطتها وجاذبيّتها، بعيداً عن تعقيدات العالم الحديث. وفي جوهرها، كان القادة من المستوى الخامس يتّسمون بالجدّيّة، والالتزام، والقدرة العالية على الإدارة. وكما أشارت المديرة التّنفيذيّة والمذيعة مارغريت هيفيرنان في مراجعتها لنظريّة كولينز بعد عشرين عاماً، فإنّ الانضباط يعدّ بلا شكٍّ صفةً مرجوّةً، وكذلك الاجتهاد والتّركيز والوضوح؛ فمن الصّعب أن نجد من يرفض هذه الصّفات. والفكرة الأساسيّة الّتي بقيت صحيحةً حتّى يومنا، هي أنّ التّنفيذ الفعّال هو مفتاح النّجاح. 

ورغم أنّ كولينز كثيراً ما استخدم عبارة "مواجهة الحقائق القاسية"، قد يجد القرّاء المعاصرون أنّ تحليلاته لا تصمد أمام الواقع الحاليّ. ويمكننا تجاهل بعض التّناقضات في طرحه؛ مثل ادعائه بأنّ "العظمة ليست نتيجة الظّروف"، لأنّ كتابه قدّم حلولاً مقنعةً وبسيطةً للمستثمرين الّذين شعروا بالإحباط بعد انهيار فقاعة الإنترنت. وقد باع هذا الكتاب أكثر من أربعة ملايين نسخةٍ، لأنّه أعطى انطباعاً بوجود قوانين طبيعيّةٍ ثابتةٍ، مدعومةٍ بما يبدو وكأنّه علمٌ دقيقٌ. 

ومع ذلك، تحليل كولينز لأداء أسهم الشّركات "العظيمة" الـ 11 الّتي درسها من بين أكثر من 1,400 شركةٍ قد يدفع البعض للتّساؤل: هل كانت تلك الشّركات عظيمةً حقّاً، أم مجرّد حالاتٍ استثنائيّةٍ؟ كما أشارت شركة ماكينزي (McKinsey): "التّراكم التّدريجيّ يعني أنّ بعض الأسهم ذات الأداء الجيّد يمكن أن تعوّض عن أداء العديد من الأسهم الضّعيفة. وإذا استبعدنا الشّركة الأفضل أداءً، مثل فيليب موريس (Philip Morris)، فإنّ الفارق الإيجابيّ سيختفي". وبالتّالي، لو استثنينا شركات التّبغ الكبرى، ربّما كانت نتائج شركات كولينز الـ 11 ستتلاشى كما يتلاشى دخان السّجائر في الهواء. 

إذاً، من هم الأشخاص المناسبون؟ 

تظهر العديد من الدّراسات العلميّة أنّ الطّريقة الّتي يعمل بها الأفراد معاً كفريقٍ هي ما يميّز الفرق النّاجحة عن غيرها. ولكنّ كولينز لا يقدّم الكثير من التّفاصيل حول كيفيّة تحديد الأفراد "المناسبين" أو "الخطأ" في نظريّته، الّتي تبدو وكأنّها ترتكز على معايير بسيطةٍ ومباشرةٍ. والحقيقة الّتي لا يمكن تجاهلها هي أنّنا لا نستطيع ربط العمل بالأداء بشكلٍ جدّيٍّ دون التّفكير في التّفاعل المنهجيّ بين الأفراد. هذه هي الحقيقة الأساسيّة. 

في الواقع، الأهمّ من "المناسبين" أو "غير المناسبين" هو ما يسمّيه علماء النّفس "الذّكاء الجماعيّ"، وهو قدرة الفريق على العمل بكفاءةٍ، بغضّ النّظر عن كون الأفراد مثاليّين في مناصبهم أو لا. 

هل ما زالت نظريّة "أوّلاً من، ثمّ ماذا" مفيدةً لقادة اليوم؟ 

في ظلّ التّغيّرات السّريعة في العالم، قد تبدو بعض أفكار كولينز غير مناسبةٍ كما كانت قبلاً. فبينما قد يجد البعض أنّ نظريّاته كانت بسيطةً وواضحةً، إلّا أنّ الأحداث الّتي وقعت خلال العشرين عاماً الماضية أثبتت أنّ الكثير من تلك الأفكار قد تحتاج إلى مراجعةٍ. 

وقد علّقت المديرة التّنفيذيّة مارغريت هيفيرنان على هذه النّظريّات قائلةً: "التّحدّي الأصعب في إدارة الشّركات هو القدرة على التّفكير، سواءً كان فرديّاً أو جماعيّاً، وفهم العالم المتغيّر لاتّخاذ قراراتٍ صائبةٍ. لا يوجد طريقٌ واحدٌ فقط للنّجاح، بل هناك تفاعلٌ معقّدٌ بين عوامل كثيرةٍ تساهم في نجاح الشّركة أو فشلها". 

نُشرت هذه المقالة لأول مرة في عدد أكتوبر من مجلة "عربية .Inc". لقراءة العدد كاملًا عبر الإنترنت، يُرجى النقر هنا.

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
آخر تحديث:
تاريخ النشر: