ازدهار تكنولوجيا المرأة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
تُحقِّق تكنولوجيا المرأة أو ما يُعرف اصطلاحاً بالـ "فيمتيك" (Femtech) قفزاتٍ هامّةً في مجال صحّة المرأة، فتسدُّ فجواتٍ طالما تمَّ التّغاضي عنها. ورغم التّحديات، يحمل هذا المجال الكثير من الفرص
هذا المقال متوفر أيضاً باللغة الإنجليزية هنا
يعود أصل هذا المصطلح إلى آيدا تين، مؤسّسة تطبيق "كلو" (Clue) في عام 2016، ليشير إلى مجالٍ تكنولوجيٍّ متسارعِ النمو يُعنى بتطوير حلولٍ تكنولوجية لصحّة المرأة، بدءاً من تطبيقات تتبُّع الدورة الشّهرية وصولاً إلى الأجهزة القابلة للارتداء لمراقبة الجنين وصحة الحوض، مغطّيّاً مختلف الجوانب الصّحيّة للمرأة من صحّة الدّورة الشّهريّة والإنجابيّة إلى الصّحّة الجنسيّة وانقطاع الطّمث.
وتشير التّوقّعات العالميّة إلى نموّ سوق الفيمتيك من 7.48 مليار دولار في عام 2024 إلى 14.67 مليار دولار بحلول 2029. أمّا في منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا، فمن المتوقّع أن يصل هذا السّوق إلى 3.8 مليار دولار بحلول 2031.
وتعليقاً على ذلك، تقول مارينا سول، المؤسّسة والرّئيسة التّنفيذية لتطبيق "دياغنيو" (Diagnio) لتتبُّع الصّحة الهرمونية في الإمارات: "مقارنةً بأوروبا أو الولايات المتّحدة، فإنّ منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لا تزال في مراحلها الأولى في تطوير الفيمتيك، وذلك بسبب قلَّة الشّركات العاملة في هذا المجال. وكلّما زاد عدد المؤسِّسين الذين يدخلون هذا المجال، تحسَّن تطوير السّوق عموماً".
تعتمد الفيمتيك على مزج تقنيّاتٍ متقدّمةٍ مثل الذّكاء الاصطناعيّ والتعلُّم الآلي والبيانات الضّخمة مع تطبيقات وخدمات الرّعاية الصّحيّة عن بُعد، بالإضافة إلى الأجهزة القابلة للارتداء وأجهزة الاستشعار ومراقبة المرضى عن بُعد. ومن أهدافها الرّئيسة توفير الكشف المبكّر عن المشاكل الصّحيّة، ممّا يُسهم في تحسين نتائج الصّحّة العامّة للنّساء وعائلاتهن. كما تعمل الفيمتيك على إزالة الوصمة المحيطة ببعض المواضيع الصّحيّة الخاصّة بالنّساء مثل الدّورة الشّهرية، والصّحة الجنسية، وانقطاع الطمث، وذلك من خلال تشجيع النّقاشات المفتوحة والمجتمعيّة، ممّا يُمكِّن النّساء من الحصول على الرّعاية الّتي يحتجن إليها.
تؤكِّد سوفي سميث، المؤسّسة والرّئيسة التّنفيذيّة لشركة "نبتة" (Nabta Health)، قائلةً: "يمكن للفيمتيك أن تجعل النّساء أكثر وعياً بصحّتهن وعافيتهنّ، وتساعدهنّ على الوصول إلى الطّبيب المناسب بشكلٍ أسرع. فالابتكارات مثل الأجهزة القابلة للارتداء، والاختبارات في نقاط الرّعاية، وخوارزميات الذّكاء الاصطناعيّ تجعل الرّعاية الصّحيّة أكثر سهولةً وبأسعارٍ معقولةٍ للنّساء".
وتضيف سميث: "النّساء هنَّ جزءٌ نشطٌ من القوى العاملة، وبما أنهنَّ يمررن بمراحل محدَّدة في حياتهن المهنيّة، مثل الحمل، وفترة ما بعد الولادة، وانقطاع الطّمث، من المهم مناقشة هذه المراحل لجعل أماكن العمل أكثر شموليّةً وتفهُّماً لهذه الاحتياجات".
تُسهم الفيمتيك في تمكين النساء من اتّخاذ قراراتٍ مستنيرةٍ بشأن صحتهنَّ وأجسادهنَّ، بفضل المعلومات الدّقيقة والرؤى المستندة إلى البيانات الّتي توفّرها. وتواصل سميث: "من خلال معالجة قضايا صحيّة مثل الأمراض المزمنة والمشكلات المتعلّقة بالصّحة الإنجابيّة، يمكننا تقليل تكاليف الرّعاية الصّحيّة وفقدان الإنتاجية، ممّا يُسهم في تضييق الفجوة في الأجور بين الجنسين".
شاهد أيضاً: كيف تعزِّز شركة Nabta الإماراتيَّة صحَّة المرأة
التّحديات في المنطقة
من بين أكبر التحديات التي تواجه نمو هذا القطاع هو أن الشركات الناشئة التي أسَّستها نساء في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحصل على أقل من 1% من إجمالي التمويل المخصص للشركات الناشئة. ففي عام 2022، حصلت الشركات الناشئة التي أسَّستها نساء على أقل من 6 ملايين دولار من أصل 622 مليون دولار جمعتها الشّركات النّاشئة في المنطقة. ونظراً لأنّ العديد من شركات الفيمتيك أُسِّست بواسطة نساء، فإنّها غالباً ما تكون أقلّ تمويلاً.
وفي الوقت الذي تعكس فيه هذه الظّاهرة واقعاً متزايداً في المنطقة، فإنّها ليست حصراً عليها. ففي يوليو، أصبحت شركة "فلو" (Flo) التي أسَّسها رجال، أوّلَ تطبيقٍ صحيٍّ نسائيّ يحصل على صفة "يونيكورن" بجمع 200 مليون دولار، ممّا أثار جدلاً حول التّحديّات الّتي تواجهها الشّركات النّاشئة التي أسَّستها النّساء أثناء جمع التّمويل، وجدوى تمويل شركة فيمتيك أسَّسها رجال.
تقول نسمة أمين، المؤسسة والرّئيسة التّنفيذيّة لتطبيق "عزيزة" (Aziza) لتتبُّع الدورة الشهرية باللّغة العربية: "بينما يُتوقّع أن يصل سوق الفيمتيك في الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى 3.8 مليار دولار بحلول 2030، فإنّ الشّركات النّاشئة الّتي تقودها النّساء لجمع التّمويل في هذا المجال في المنطقة آخذةٌ في التّراجع".
وتتفق مارينا سول، مشيرة إلى تحديات أخرى تواجه الفيمتيك في المنطقة، مثل نقص التّمويل المخصّص للبحث والتّطوير والتسويق، فضلاً عن أنّ تنظيم قطاع التّكنولوجيا الصّحيّة لا يزال في طور النمو، وأنّ نظم الرّعاية الصّحيّة معقَّدة ولها مصالح متنافسة.
تتابع سميث قائلة: "بالرّغم من أنّ مصطلح فيمتيك يُفهم بشكلٍ متزايدٍ في المنطقة، ويجذب اهتماماً متزايداً، إلا أنّ هذا لم يترجم بعد إلى توظيفٍ منتظمٍ وفعَّالٍ لرأس المال، وبالتّأكيد ليس بالمستويات التي نراها في التّكنولوجيا الصّحيّة محليّاً أو الفيمتيك عالمياً".
تشمل التّحديات الأخرى الطّبيعةَ المحرجة لقضايا صحّة المرأة عموماً والوصول المحدود إلى المعلومات. تقول نسمة أمين: "لا تحصل النّساء والفتيات، خاصّةً الفئات غير المحظوظة، على المعلومات التي يحتجن إليها. بدلاً من ذلك، يحصلن على معلوماتٍ مشتّتة وغير مؤكّدة. الهدف الرئيس لتطبيق عزيزة هو بناء منتجٍ محليٍّ للنّساء المصريّات، مع الأخذ في الاعتبار كل العوامل الممكنة وإزالة أيّ حواجز قد تمنعهنَّ من الوصول إلى هذه الأدوات".
تغيير المشهد
رغم التّحديات، فإنّ المشهد يتغيَّر وإن كان ببطء. ففي عام 2021، أطلقت شركة "فلات6لابز" (Flat6Labs)، بالتّعاون مع شركة "أورغانون" (Organon) العالمية للرعاية الصحية، برنامج تسريع الشّركات النّاشئة لدعم وتمويل الشّركات النّاشئة الرّقمية في مجال الصّحة، والّتي تركّز على تعزيز صحّة المرأة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتركيا. وحتى الآن، أُطلقت دورتان من البرنامج.
يقول علي إسلام، مسؤول البرنامج في فلات6لابز: "يخدم قطاع الفيمتيك بشكلٍ كبير التّكنولوجيا الصّحيّة من خلال السّماح للخدمات الصّحيّة بأن تكون أكثر دقّةً عبر التّكيّف مع الأمراض والاحتياجات المحدَّدة للنّساء. يساعد برنامج تسريع شركات الفيمتيك النّاشئة على أن تكون جاهزةً للاستثمار من خلال تقديم المشورة المالية والتّجارية، ويقدم أيضًا فعالياتٍ شبكيّة تزيد من تعرُّض الشّركات النّاشئة للمستثمرين والشّراكات".
يركّز البرنامج على الحلول الرّقميّة والبرمجية للتّحديات المتعلّقة باحتياجات الرّعاية الصّحيّة للنّساء: العافية الجسديّة والنّفسية للنّساء، وتنظيم الأسرة، وتخطيط الخصوبة.
فرصة عالمية
تشير التّقارير من "فيمتك أناليتكس" (FemTech Analytics) إلى أن ثلث شركات الفيمتيك في الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا تقع في الإمارات العربية المتّحدة، حيث تركّز 60% منها على صحّة المرأة أثناء الدّورة الشهرية.
تقول سميث: "يمكن للإمارات ودول مجلس التّعاون الخليجيّ الأخرى أن تصبح مركزاً عالميّاً للابتكار في صحّة المرأة، نظراً لتنوُّع سكانها (أكثر من 200 جنسية)، وقربها من الاقتصادات النّاشئة في الشرق الأوسط وأفريقيا، وعقليّتها المتفتّحة نحو النّمو".
وتتّفق مارينا سول، مشيرةً إلى أنّ حجم المنطقة وموقعها يجعلانها "بوابة" للدّول المجاورة. وتقول: "رغم التّحديات، فإنّ الفيمتيك تُعد صناعة ناشئة تخدم نصف سكان العالم، ممّا يتيح مجالاً واسعاً للنّمو والتّطوّر".
مع تطوّر مشهد تكنولوجيا المرأة، تبرز إمكانيّة إحداث ثورة في مجال الرعاية الصحية للنساء، عبر تقديم حلولٍ مخصّصة وشخصيّة، وأكثر سهولة ووقائية وفعالية، تسهم في تحسين حياة الأفراد والمجتمع على حدٍّ سواء.