ازدهار قطاع التّكنولوجيا التّعليمية في منطقة الشّرق الأوسط
تزايد الطلب على التكنولوجيا التعليمية يُحفِّز تصاعد الاستثمارات في القطاع
هذا المقال متوفر أيضاً باللغة الإنجليزية هنا
في عصرٍ أصبحت فيه التّكنولوجيا جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليوميّة، يبرز التّعليم كأحد أهمّ المجالات التي تستفيد من هذه التّحوّلات الرّقمية. ويتوقّع أن يصل حجم سوق التّكنولوجيا التّعليمية إلى 5,487.71 مليون دولارٍ بحلول عام 2028 في منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا، مدفوعاً بالاستثمارات في حلول التعلّم الرّقميّ والطّلب المتزايد على تقنيّات التعلّم.
من الجدير بالذّكر أنّ الصّناعة جذبت استثماراتٍ قياسيّةً بلغت 16.3 مليار دولارٍ في عام 2018، و18.7 مليار دولارٍ في عام 2019، وفقاً لتقرير "مارمور مينا إنتليجنس" (Marmore MENA Intelligence). إذ تتجاوزُ هذه الأرقام مجموعَ الاستثمارات في القطاع من عام 1998 حتّى 2017. كما شهدت صفقاتُ التّكنولوجيا التّعليمية قفزةً من أربع صفقاتٍ فقط بين عامي 2016 و2019 إلى أكثر من 30 صفقةً. وفي عام 2020، حصلت الشّركات في المنطقة على تمويلٍ بلغ 30 مليون دولارٍ.
هذا وتشير "جلوبال فنتشرز" (Global Ventures) إلى أنّ حجم الاستثمارات في التّكنولوجيا التّعليمية من المتوقّع أن يستمرّ في النّموّ بشكلٍ مطّردٍ في الأعوام القادمة.
وفي أبريل، أعلنت شركة "تعليم" (Taaleem) الإماراتيّة لصحيفة "AGBI" أنّها ضاعفت استثماراتها في التّكنولوجيا التّعليمية خلال السّنوات الخمس الماضية، وتستخدم الآن نحو 3,000 منصة تكنولوجيا تعليميّة في منظومتها. وقد شهد هذا العام تدفّقاً كبيراً من الاستثمارات من مستثمرين إقليميّين ودوليّين، حيث جمعت "أكاديمية نون" (Noon Academy) السّعوديّة 41 مليون دولارٍ في جولة تمويلٍ من الفئة "ب" في مارس، بينما استثمرت شركة "ريثينك إديوكيشن" (Rethink Education) الأمريكيّة في مايو في منصة "أعناب" (Aanaab) السّعوديّة للتّطوير المهنيّ للمعلّمين.
أمّا في يوليو، فقد حصلت منصّة "فيرباتيكا" (Verbatica) الإماراتيّة المتخصّصة في تعليم اللّغة الإنجليزية والعربيّة على تمويلٍ قدره 700,000 دولارٍ من مستثمرين ملائكيّين، وتخطّط لجولة تمويلٍ ثانيةٍ في نوفمبر لجمع 2 مليون دولارٍ إضافيّة. وتجاوزت الاستثمارات دول الخليج لتشمل شمال أفريقيا، لا سيّما مصر التي أصبحت مركزاً للتّكنولوجيا التّعليمية في المنطقة. ففي وقتٍ سابقٍ من هذا العام، استحوذت شركة "بايمس" (Baims) السّعوديّة-الكويتيّة على منصة التّعليم الخصوصيّ "أوركاس" (Orcas). كما تلقّت منصّتا "أخضر" (Akhdar) و"OBM Education"، اللّتان توفّران موارد تعليميةً صوتيّة ودعماً للطّلاب قبل الجامعة، استثماراتٍ من "فاليو ميكر ستوديو" (Value Maker Studio) السّعوديّة لتوسيع أعمالهما في المملكة.
وفي خطوةٍ بارزةٍ، أصبحت "ألف للتّعليم" (Alef Education) في أبوظبي أوّل شركة تكنولوجيا تعليميّةٍ تطرح أسهمها للاكتتاب العامّ في الإمارات، حيث جمعت 515 مليون دولارٍ في هذه الخطوة التي تعدّ الأكبر في تاريخ القطاع. وتهدف المنصة إلى تحسين الوصول إلى التّعليم وتعزيز تجربة التعلّم من خلال الاستفادة من الذّكاء الاصطناعيّ.
ترقُّب المستثمرين واستكشاف الفرص
منذ عام 2017، قامت "نهضة مصر" (Nahdet Misr) عبر ذراعها الاستثماريّ "إد فنتشرز" (EdVentures)، الذي يعدّ أول ذراعٍ استثماريٍّ متخصّصٍ في التّكنولوجيا التّعليمية في الشّرق الأوسط، بالاستثمار في أو احتضان 76 شركةً ناشئةً. وفي يوليو، أعلنت "إد فنتشرز" عن استثمارٍ بقيمة 400,000 دولارٍ في الشركة النّاشئة المصريّة "الخطّة" (El Kheta)، التي تقدّم دروس تقويةٍ واختباراتٍ مبنيّة على المناهج الجديدة في مصر.
يقول ماجد حربي، المدير العامّ لشركة "إد فنتشرز"، لمجلّة "عربية .Inc": "برز قطاع التّكنولوجيا التّعليمية كأحد أكثر القطاعات تمويلاً في منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا". فما الذي يجعل شركة تكنولوجيا تعليمية جذّابةً للمستثمرين؟ بالنسبة لـ"إد فنتشرز"، يتوقّف الأمر على الابتكار والتّخصيص.
يضيف حربي: "تقدّم الشركات النّاشئة النّاجحة في قطاع التّكنولوجيا التّعليمية في منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا تجارب تعلّمٍ مخصّصة. وتركّز الشّركات النّاجحة أيضاً على معالجة التّحديّات المحدّدة في المنطقة، مثل تحسين الأداء الأكاديميّ ونجاح الطّلاب باستخدام أدواتٍ جديدةٍ مثل الذّكاء الاصطناعيّ".
ويواصل: "هناك طلبٌ متزايدٌ على خدمات إنشاء المحتوى، والتّخصيص، والمحليّة، ممّا يعكس التنوّع الثّقافيّ واللّغويّ في الشّرق الأوسط. إضافةً إلى ذلك، يسهم نموّ قطاع التّكنولوجيا التّعليمية في تحفيز الابتكار في مجالاتٍ مثل الواقع المعزّز والواقع الافتراضيّ، والبرمجة، وتقنيّات التّخطيط المهنيّ".
الدّعم الحكومي يعزِّز نموّ القطاع
إلى جانب الدّعم الذي تقدّمه الكيانات الخاصة لقطاع التّكنولوجيا التّعليمية، تسهم أيضاً الجهود الحكوميّة المكثّفة ومساعي تنويع الاقتصاد في نموّ هذا القطاع. يقول يوسف الحسيني، الشّريك المؤسّس والرئيس التّنفيذيّ لمنصة "بايمس" (Baims)، التي استحوذت مؤخراً على منصة "أوركاس" (Orcas) المصريّة:" تركّز العديد من دول مجلس التّعاون الخليجيّ على التّعليم كجزءٍ من خططها الوطنيّة للتنمية، وتوفّر دعماً قويّاً للتّحوّل الرّقميّ في القطاع. يشمل ذلك استثماراتٍ في البنية التّحتيّة التّكنولوجيّة، والإصلاحات السّياسيّة، والمبادرات التي تشجّع على مشاركة القطاع الخاصّ".
ويضيف الحسيني: "مع سعي دول مجلس التّعاون الخليجيّ إلى تنويع اقتصاداتها بعيداً عن الاعتماد على النّفط، يزداد التّركيز على تطوير اقتصاداتٍ قائمةٍ على المعرفة. يلعب التّعليم دوراً حاسماً في هذا التّحوّل، ممّا يجعل التّكنولوجيا التّعليمية منطقة استثمارٍ استراتيجيةٍ".
يشاركه حنان موتي، الشّريك المؤسّس والرئيس التّنفيذيّ لمنصة "آي كود جونيور" (iCodejr.com)، نفس الرّأي، حيث تعلّم شركته النّاشئة البرمجة للأطفال بطريقةٍ ميسّرةٍ، وقد جمعت سابقاً 30,000 دولارٍ من مستثمرين ملائكيّين. يقول موتي: "إن الشّريحة السّكانية الشّابّة المتمرّسة في التّكنولوجيا والتّركيز المتزايد على تنويع الاقتصاد في المنطقة قد خلقا بيئةً خصبةً للابتكار في قطاع التّكنولوجيا التّعليمية".