استراتيجيات فعالة للإرشاد وإعداد القادة المستقبليين
نصائح ديفيد دامياني، المدير المالي والتقني في شركة بالنتين، لتنمية المواهب داخل مؤسستك
في بدايةِ مسيرتي المهنيةِ، تلقّيتُ نصيحةً من مرشدٍ جعلتني أُفكرُ في استراتيجياتِ التوظيفِ والمواهبِ بطريقةٍ مختلفةٍ تماماً. هذه النّصيحةُ رسّخت إيماني بأنَّ الإرشادَ هو طريقٌ للتطوّرِ الشخصيِّ والمهنيِّ وله تأثيرٌ كبيرٌ على نجاحِ المنظمةِ.
بدأ الأمرُ عندما نصحني مرشدي بأنّه يجب دائماً توظيفُ أشخاصٍ أذكى أو حتى أكثرَ تأهيلاً للدّورِ مني. في البداية، كنتُ أعتقدُ أنّ توظيفَ شخصٍ أفضلَ مني قد يهدّدُ مسيرتي المهنيةَ. ولكن، بدلاً من ذلك، اقترح مرشدي أنّ جذبَ المواهبِ القويةِ وتوظيفها سيضمنُ دائماً وجودَ مكانٍ لي في المنظمةِ.
هذا التحوّلُ في النظرةِ جعلني أفكّرُ بطريقةٍ مختلفةٍ حولَ دوري، ليس فقط كمديرٍ أو قائدِ فريقٍ، بل كقائدٍ داخلَ الشركةِ. نتيجةً لذلك، أصبحتُ مناصراً قوياً للإرشادِ كوسيلةٍ لتطويرِ القادةِ المستقبليين داخلَ مؤسستِنا. إذا كنت قد تجاوزتَ مرحلةَ النموِّ السريعِ في مسيرتك المهنيةِ، وتفكرُ في كيفيةِ توسيعِ دورك في شركتكَ، فكر في أن تصبحَ مرشداً.
الإرشادُ الرسميُّ وغيرُ الرسميِّ
الإرشادُ الرّسميُّ هو نهجٌ أكثرُ تنظيماً، ويكونُ مناسباً للأفرادِ الذين لديهم خبرةٌ ورؤيةٌ واهتمامٌ بتوجيهِ مسارِ حياةِ شخصٍ آخرَ مهنيّاً أو شخصيّاً. إنها علاقةٌ فرديةٌ قد تستمرُّ لشهورٍ أو حتى سنواتٍ.
أما الإرشادُ غيرُ الرّسميِّ، فيمكنُ أن يكونَ عرضياً وقصيرَ الأمدِ. إذا كنت في شركةٍ لا يوجدُ فيها برنامجٌ رسميٌّ ولديكَ ما تُقدّمه، فلا تخفْ من تقديمِ هذا العرضِ لمن قد يستفيدُ من توجيهِك. يمكن أن يكونَ بسيطاً مثلَ تقديمِ نصيحةٍ أو نقدٍ بنّاءٍ؛ قد يكونُ لحظةً عابرةً أو علاقةً مستمرةً. لا يتطلّبُ الأمرُ دائماً علاقةً طويلةَ الأمدِ للعبِ دورِ المرشدِ الحكيمِ.
في شركتي، أنا مسؤولٌ عن الاستراتيجياتِ الماليةِ والاستثماريةِ، لكن المتدربين لديَّ يأتون من جميعِ وظائفِ الشركةِ، من التسويقِ إلى إدارةِ العلاقاتِ. التعرّفُ على المواهبِ داخلَ الشركةِ والمساعدةُ في تطويرِها كانَ مثرياً بالنسبةِ لي كما آملُ أن يكونَ لمتدربيَّ، الذين وسّعوا من فهمي وتقديري لتنوّعِ الفكرِ والرأيِ والموهبةِ في فريقِنا. أسعى لجعلِ التّغذيةِ الراجعةِ في علاقاتِ الإرشادِ تبادليةً. فيما يلي أهمُّ النقاطِ التي تعلمتُها عن أن تكونَ مرشداً.
تأكد من أنك في المكان المناسب لتكون مُرشِداً
قد تكون في وضع جيد للإرشاد إذا كنت قد تجاوزت مرحلة النمو السريع في مسيرتك المهنية ولديك رغبة في العطاء من منظور نزيه. يجب أن تكون موجوداً لمصلحة المتدرِّب وليس لنفسك. من ناحية أخرى، إذا كنت في مرحلة النمو السريع، قد تكون مهتمًّا بإرشاد شخص يصعد السلم.
اترك الأنا عند الباب
على الرغم من أنك قد تكون كبيراً في الدور والخبرة، إلا أنك لست الشخص الأهم في هذه العلاقة. يتطلب الإرشاد التزاماً صادقاً بتطوير الشخص ومشاهدته ينمو كفرد وكمهني.
تعرف على "الإنسان" أولاً
الإرشاد ليس مقاساً واحداً يناسب الجميع؛ ليس الجميع بحاجة إلى نفس الدعم والإرشاد. معرفة وفهم المتدرِّب، واكتشاف نقاط قوته وضعفه، والتأكد من أهدافه للعلاقة سيجعلك مُرشِداً أفضل.
حدد توقعاتك من المتدرِّب
يجب أن يكون المتدرِّب هو من يحدد وتيرة اللقاءات، ويضع جدول الأعمال، ويقود العلاقة بشكل عام. تأكد من أنهم مسؤولون منذ البداية عما يريدون تحقيقه، وليس مجرد اتباع فكرتك عما يجب أن يريدوا.
أقم الثقة بالحفاظ على سرية المحادثات
تُعد قدرتك على الحفاظ على سرية المحادثات أمراً أساسياً لمنح المتدرِّب الثقة للانفتاح والعمل على حل المشكلات التي قد يواجهها.
كن حاضراً تماماً مع المتدرِّب
هذا وقته. حافظ على جدولك الزمني واضحاً، ولا تنشغل بهاتف أو كمبيوتر، واستمع بأفضل مهاراتك.
قبل القفز إلى "وضع النّاصح الأمين"، اطرح أسئلةً عميقة
قد تكون الرغبة في تقديم الحلول قوية في البداية، ولكن بمرور الوقت ستصبح مستمعاً أفضل، وستطرح المزيد من الأسئلة بدلاً من تقديم الإجابات، مما يساعد المتدرِّب على التفكير في القضايا. بالطبع، يمكنك دائماً تقديم النصيحة إذا كانت الحالة تستدعي ذلك، ولكن الأسلوب السقراطي في المحادثة يحقق عادةً المزيد من النمو والتطور على المدى الطويل.
كن صادقاً مع نفسك
في حالتي، أنا شخص مباشر، وأقول الأمور كما هي، وآمل أنّني أقولها بلطف. معظم المتدرِّبين لدي قدّروا هذه الصراحة، لكن من الممكن أن يفضل البعض نهجاً أكثر تعاطفاً من نهجي. ستكون أكثر فعالية إذا كنت صادقاً مع نفسك.
لا ضير في قول "لا"
إذا لم تكن ترى توافقاً، وإذا كنت لا تعتقد أن المتدرِّب سيستفيد من نوع إرشادك، فمن المقبول تماماً أن تقول لا. بالإضافة إلى ذلك، يجب على المديرين ألا يرشدوا رسمياً الأشخاص في فرقهم، لأن فائدة الإرشاد تكمن في التعلم والنمو من شخصٍ آخر غير المشرف المباشر.
اعترف عندما تنتهي مهمّتك. عندما يتباطأ وتيرة الاجتماعات، ستعرف أنّ المتدرِّب قد بدأ في تطوير نفسه، وأنّ علاقة الإرشاد قد تكون في طريقها إلى الانتهاء.
في شركتي، أصبح الإرشاد استراتيجيةً أساسيةً وجزءاً مهماً من كيفية التّفكير في الجيل القادم من القيادة. وبجانب الفائدة التي تعود على الشركة، أجد أنّني ممتنٌ لدور المُرشِد. ردّ الجميل هو وسيلةٌ رائعة للاعتراف بأنني لم أصل إلى ما أنا عليه بمفردي.