الألعاب الإلكترونية: أرباح خرافية وتكلفة بملايين الدولارات
عالمٌ شديدة الضّخامة يحتاج الكثير من التخصصات لبناء معالمه، فما هي أهم عناصره وتأثيراته السلبية والإيجابية؟
من الشَّطرنج إلى حربِ الفضاء تطوَّرت صناعة الألعاب الإلكترونية على مدى أكثر من 50 عاماً، ومنذُ انطلاق أوَّل لعبة فيديو رسميّاً في 1971 باسم Computer Space بعد سنواتٍ من التَّجربة والخطأ، حقَّقت هذه الصِّناعةُ طفراتٍ قويَّةً للغاية؛ لتصبحَ أرباحها بملايين الدُّولارات في العامِ الواحدِ.
فمنذُ عام 1952 ظهرت لعبةُ أوكسو كأوَّل لعبةٍ تستخدمُ شاشةً رقميَّةً، ولكنَّها كانت تتطلَّبُ شاشةً ضخمةً للغاية، ولم تنطلق تجاريّاً، وفي عام 1961 طوَّر مجموعةٌ من طلاب معهد ماساتشوستس لعبة Spacewar بقيادة ستيف راسل، إلَّا أنَّ الأمرَ اتَّخذ طابعاً أكاديميّاً أكثر منه تجاريّاً. والآن صناعة الألعاب الإلكترونية أو الرَّقميَّة من الأكثر الألعابِ ربحيّةً وكثافةً ومغامرةً أيضاً على مستوى العالم مع تكلفةٍ قد تصلُ إلى 200 مليون دولارٍ أمريكيٍّ لبعضِ الألعابِ.
وتثيرُ صناعةُ هذه الألعابُ الكثيرَ من الجدلِ بشأنِ تأثيرها المُتباين على الأطفالِ، فمن يقول إنَّها مفيدةٌ، ومن يُؤكِّد قدرتها على تدمير المخِّ والأعصاب، فما حقيقة الأمرِ وفقاً للدّراسات؟ وكيف تُنفّذ الألعاب الإلكترونية، وما أهمُّ الشَّركات العملاقة خلفها؟ وهل يُمكن تقليلُ تأثيرها السّلبيِّ وزيادة فوائدها؟ كلُّ هذا وأكثر سنرصدهُ في الأسطرِ المُقبلةِ.
مفهوم الألعاب الإلكترونية
الألعاب الإلكترونية هي أيُّ لعبةٍ تفاعليَّةٍ تعملُ عبر دوائر الحواسيب، سواءً كانت وحدات تحكُّمٍ في الألعاب، أو وحدات فيديو متَّصلة بأجهزة التِّليفزيون، أو أجهزة الألعاب، أو الأجهزة الذَّكيَّة مثل الهواتف المحمولة والأجهزة اللَّوحيَّة وأجهزة الحواسيب الشَّخصيَّة، فيُمكن استخدامُ مصطلح لعبة فيديو أو لعبةٍ إلكترونيَّةٍ على أيِّ لعبةٍ تُمارَس عبر الشَّاشات، وليس عبر التَّفاعل على أرضِ الواقعِ. [1]
الهدف من صناعة الألعاب الإلكترونية
الهدفُ من صناعة الألعاب الإلكترونية هو الرِّبحُ في الأوَّل والآخر، فهي صناعةٌ ترفيهيَّةٌ في المقام الأوَّل، مثل الأفلام والأغاني ومقاطع الفيديو، ولكن مع وجود قدرٍ كبيرٍ من الإبداع بها، فألعاب الفيديو ممارسةٌ مُتعدِّدة التَّخصُّصات من البرمجة إلى التَّصميم والفنِّ والصَّوت مع الكتابة والأمور الخاصَّة بواجهة المستخدم والتَّسويق وغيرها من التّخصُّصات، وعادةً يُموِّل ناشرٌ محدَّدٌ لعبةً ما، وقد يستغرقُ الأمرُ من عامين إلى 5 أعوامٍ، حتَّى تكتمل اللُّعبة تماماً، وقد أصبحَ الأمر أكثر تعقيداً من فتراتٍ سابقةٍ، بحيث أصبح من الشَّائع أن تتولَّى شركاتٌ كبرى صناعة الألعاب، وليس مجرَّد فرقٍ صغيرةٍ كما كان من قبلِ.
تأثير الألعاب الإلكترونية
وفقاً لبيانات عام 2017، فإنَّ الأطفالَ الَّذين تتراوحُ أعمارهم بين 12 و15 عاماً يقضون متوسط 12 ساعةً أسبوعيّاً في ألعاب الفيديو، وقد تزيدُ في بعض الأوقاتِ إلى 30 أو 40 ساعةً أسبوعيّاً خصوصاً للمراهقين، فألعاب الفيديو من أشكالِ التَّرفيه الفريدة الَّتي تجعلُ اللَّاعبين منغمسين تماماً في سيناريو اللُّعبة، ويحرِّكونه وفقاً لمستوى مهارتهم، ويعتقدُ الكثير من علماء النَّفس والاجتماع أنَّ لألعاب الفيديو أضراراً عميقةً، وإن كان لها فوائد أيضاً لا يُمكن تجاهلها، فما هي تلك الأضرارُ المُثبتة، وما الفوائد الَّتي يُمكن لهذه الألعاب أن تحقِّقها؟ [2]
أضرار الألعاب الإلكترونية
يُحّذرُ الكثيرُ من التَّربويين وعلماء النَّفس من خطورةِ الألعابِ الإلكترونيَّة على الأطفال والمراهقين، وقد جمعوا مجموعةً من المخاطر المُثبّتة مثل:
التأثير السلبي على الصّحة العقليّة
يتسبَّب قضاء أوقاتٍ طويلةٍ للغاية في الألعاب الإلكترونية في الإدمان، ممَّا يؤدِّي إلى التَّأثير على الصِّحَّة العقليَّة وفقاً لتقرير منظَّمة الصِّحَّة العالميَّة 2018.
العزلة الاجتماعيّة
على الرَّغم من وجود ألعابٍ جماعيَّةٍ كثيرةٍ، إلَّا أنَّ التَّواصلَ الاجتماعيَّ المباشر يتأثَّر لدى الكثير من الأطفال والمراهقين، ممَّا يزيدُ من العزلة والاكتئاب وربَّما الانتحارِ.
التّأثير الدّراسيّ
قد لا تؤثِّر الألعاب الإلكترونيَّة مباشرةً على المخِّ أو الدِّماغ كما كانت تذكرُ تقاريرٌ سابقةٌ، إلَّا أنَّ تركيزَ الانتباه على اللَّعب فقط والرَّغبة الشَّديدة الَّتي يشعر بها المراهق في الحصول على هاتفه للعب تُقلِّل من تركيزه في الدِّراسةِ.
زيادة الوزن والخمول
كثرة الجلوس أمام الشَّاشات تُقلِّل من الحركة البدنيَّة، وبالتَّالي الكثير من المخاطر الصّحيَّة سواءً البدانة أو السُّكريّ وغيرها من الأمراض.
شاهد أيضاً: ذكاء اصطناعي Google يحوّل الرسوم إلى ألعاب فيديو
فوائد الألعاب الإلكترونية للأطفال
على الرَّغم من المخاطر المتنوِّعة الَّتي تُؤكِّد عليها التَّجاربُ الَّتي أُجريت على الأطفال والمراهقين نتيجة الألعاب الإلكترونية، إلَّا أنَّ هناك فوائد ظهرت لا يُمكن إنكارها أيضاً، فتؤدِّي الألعاب الإلكترونيَّة إلى تغيير بنية الدِّماغ بنفس الطَّريقة الَّتي تتغيَّر بها عند تعلُّم العزف على البيانو أو قراءةِ الخريطةِ، أي تقوية الدَّوائر العصبيَّة؛ ممَّا يؤدِّي إلى تحسين المهارات العقليَّة، مثل:
- حلُّ المشكلات والمنطق.
- زيادة القدرة على التَّنسيق بين اليد والعين وزيادة المهارات المكانيَّة والتَّنسيق الحركيّ الدَّقيق.
- زيادة القدرة على التَّخطيط وإدارة الموارد.
- سرعة التَّحليل واتِّخاذ القرارات.
- تعلُّم مهاراتٍ رياضيَّةٍ ولُغويَّةٍ سواءً محليَّة أو أجنبيَّة، خصوصاً في الألعاب العالميَّة.
- تعلُّم التَّعاون واللَّعب الجماعيّ في الألعاب مُتعدِّدة اللَّاعبين.
كيفية صناعة الألعاب الإلكترونية
تفوّقت ألعاب الفيديو أو الألعاب الإلكترونيَّة على كلٍّ من الأفلام والمسلسلات والأغاني؛ لتصبحَ واحدةً من أكثر وسائل التَّرفيه شعبيَّةً لكلِّ الفئات العمريَّة والمهنيَّة تقريباً، فبدءاً من 3 أعوامٍ أو أيضاً عامين وحتَّى عُمر السَّبعين والثَّمانين، يجدُ الملايين ما يُرضي شغفهم من ألعاب الفيديو، وقد يظنّ بعضهم أنَّ عمليَّةَ صناعة لعبةٍ ما تتمُّ بخطواتٍ بسيطةٍ، ولكنَّها في الواقعِ أكثر تعقيداً بكثيرٍ ممَّا نعتقدُ، فهي تتطلَّبُ الآن فرقاً كاملةً وشركاتٍ كبرى وخبرةً في البرمجة والتَّصميم ورواية القصص وغيرها، ويُمكن تلخيصُ طريقةِ صناعة ألعاب الفيديو في الآتي: [3] [4]
تحديد القصة
كلُّ لعبةٍ إلكترونيَّةٍ تبدأ بقصَّةٍ، سواءً محاكاة لحدث تاريخيٍّ أو سيناريو لعب مجموعةٍ من الأدوار في عالمٍ خياليٍّ مستقبليٍّ، وهذه القصّةُ هي التي تخلقُ حركة لعبة الفيديو، وتُنشئ رابطةً قويَّةً بين اللَّاعب والشَّخصيَّات في اللُّعبة، وعادةً ما يعملُ كلٌّ من الكُتَّاب والفنانين والمصمِّمين على جمع أجزاء هذه القصَّة، إضافةً إلى العناصر الأُخرى من موسيقى وصوتٍ ومساراتٍ محتملةٍ، فهي ليست مثل الأفلام الَّتي تتَّسم بمسارٍ واحدٍ، ولكن يجبُ على مصمِّمي اللُّعبة تصوُّر كلَّ المسارات المُحتملة وكتابة سطورٍ برمجيَّةٍ خاصَّةٍ بكلِّ مسارٍ.
البرمجة وتجميع العناصر معاً
بمجرَّد تصوُّر الشَّكل النّهائيّ للقصَّة ووضع الموسيقى والصَّوت، فإنَّ الأمرَ يكونُ متروكاً لخبراء الحاسوب لجمعِ هذه العناصرِ معاً لتعملَ بكفاءةٍ، وهناك ألعاب فيديو يكون الأشخاص بها حقيقيّين تماماً مثل الفيفا، وألعابٌ أُخرى تكون خياليَّةً، وكلُّ نوعٍ له لغةٌ برمجيَّةٌ مختلفةٌ سواءً بايثون أو C++ أو Visual Basic وغيرها، فيتعيَّن على المبرمجين كتابة ملايين من الأسطر البرمجيَّة للتَّحكُّم في جميع جوانب اللُّعبة، وجميع حركات الشَّخصيَّات المتوقَّعة، وهي عمليَّةٌ شديدةُ التَّعقيد وتتطلَّب خبرةً برمجيَّةً كبيرةً.
الاختبار
بعدَ الانتهاء من تجميعِ عناصر لعبة الفيديو تدخلُ مرحلةَ الاختبارِ بطرح نسخةٍ تجريبيَّةٍ وإجراء المزيدِ من التَّحسينات وفقاً لتقييمات اللَّاعبين، وهذا قبل الإصدار النِّهائي لها. وهناك بعضُ المنصَّات الَّتي تساعدُ في تطوير ألعابٍ خفيفةٍ وليست شديدة العمق دون خبرةٍ برمجيَّةٍ كبيرةٍ، مثل منصَّة GameSalad لإنشاء ألعابٍ ثنائيَّةٍ دون خبرةٍ برمجيَّةٍ، وTwine لإنشاء ألعابٍ قائمةٍ على رواياتٍ تفاعليَّةٍ، ومنصَّة Gamestar Mechanic لتعلُّم تصميم الألعاب عبر مهامٍ ودوراتٍ تدريبيَّةٍ متنوِّعةٍ، ومنصَّة Unity لتطوير ألعابٍ ثنائيَّةٍ وثلاثيَّة الأبعاد مع واقعٍ افتراضيٍّ مُعزَّزٍ.
أشهر وأكبر شركات الألعاب الإلكترونية
صناعة ألعاب الفيديو معقَّدة للغاية، وقد لا تُحقِّق الأرباح المنشودة على عكس ما يعتقدُ الكثيرون، فسنويّاً تخرج شركاتٌ من مجال صناعة الألعاب، وتدخل أُخرى وتندمجُ ثالثة، ولكن هناك مجموعة شركاتٍ كُبرى في صناعة الألعاب الإلكترونية أثبتت وجودها، وأصبحت مسؤولةً بشكلٍ رئيسيٍّ عن نسبةٍ كبيرةٍ من الألعاب المختلفة الَّتي نراها سنويّاً، ومن أهمِّ هذه الشَّركات: [6]
- شركة Sony Interactive Entertainment: وهي تتمتَّعُ بمكانةٍ فائقةٍ في عالم الألعاب، وقد تأسَّست عام 1946، وحقَّقت إيراداتٍ بقيمة 28.2 مليار دولارٍ من الألعاب العام الماضي، ومقرُّها الرَّئيسي في طوكيو، وهي مبتكرةٌ نظام PlayStation 5 الأكثر شعبيّةً حول العالم.
-
شركة Microsoft: وهي أكبر شركة برمجيَّاتٍ في العالم وثاني أكبر شركةٍ لألعاب الفيديو بعد سوني، وقد حقَّقت 16.2 مليار دولارٍ من الألعاب، وتأسَّست عام 1975 على يد بيل جيتس وبول ألين، وقد حقَّقت سلسلة إكس بوكس نجاحاً خارقاً، بالإضافة إلى لعبة Minecraft، ممَّا عزَّز من حضورها في عالم صناعة الألعاب.
- شركة Tencent Games: وهي عملاقٌ صينيٌّ ومنافسٌ قويٌّ لكلٍّ من سوني ومايكروسوفت، وركَّزت على ألعاب الإنترنت والهواتف الذَّكيَّة، بالإضافة لامتلاكها استوديوهات ألعاب فيديو عالميَّةٍ، وهي مبتكرةُ لعبة League of Legends، وبابجي وHonor of Kings وغيرها.
- شركة Nintendo: عملاقٌ يابانيٌّ آخر تأسَّس عام 1889 في كيوتو اليابان، وقد حقَّقت إيرادات 13.8 مليار دولارٍ من الألعاب في 2023، وهي صاحبةُ سلسلة Pokémon الأكثر مبيعاً حول العالم، وتُصنَّف كأقدمِ شركة ألعاب فيديو نشطةٍ وأكبر مُطوِّرٍ للألعاب الإلكترونيَّة النَّقيَّة.
- شركة Activision Blizzard: وتقع في كاليفورنيا، وصاحبةُ لعبة Call of Duty مع مجموعةٍ أُخرى من الألعاب المتميِّزة، وقد حقَّقت إيرادات 7 مليارات دولارٍ من الألعاب عام 2023.
شاهد أيضاً: أبرز 5 شركات لصناعة الألعاب والترفيه الرقمي في العالم العربي
وفي النّهاية، فإنَّ صناعة الألعاب الإلكترونية عالمٌ شديد الضَّخامة، ويضمُّ مجموعةً كبيرةً من التَّخصُّصات، وهو مثل أيِّ شيءٍ في الحياةِ له إيجابيَّاتٌ وسلبيَّاتٌ، ومن خلال تقييم الألعاب الَّتي يُقبِل عليها الأطفال ومحاولة المزج بين عدَّة أنشطةٍ خارجيَّةٍ والإشراف على وقت الطِّفل على الإنترنت عموماً، وعلى الألعاب الإلكترونية خصوصاً، فإنَّه من المتوقَّع الحصول على فوائد هذه الألعاب مع تقليل مخاطرها إلى الحدِّ الأدنى.
-
الأسئلة الشائعة
- كيف أكون صانع ألعاب؟ لكي تكونَ صانع ألعابٍ عليك تعلّم لغة برمجةٍ واحدةً على الأقلّ، مع التّمتّع بخيالٍ خصبٍ للحصول على الفكرة، كما يُمكنك اللّجوء لواحدةٍ من منصّات الذكاء الاصطناعي؛ لتعلّم إطلاق ألعابٍ بسيطةٍ في البداية دون خبرةٍ برمجيّةٍ.
- ما هو أفضل صانع ألعاب في العالم؟ تُعتبر شركةُ سوني Sony على رأس قائمةِ أفضل شركات صناعة الألعاب في العالمِ، تليها مايكروسوفت Microsoft .
- ماذا يدرسُ مطوّر الألعاب؟ يدرسُ لغةَ برمجةٍ أو أكثر، مع تعلّم أساسيّات الرّياضيات والفيزياء لتحريك عناصر اللّعبة بطريقٍة صحيحةٍ، مع الحصول على خبرةٍ في أحد محرّكات تطوير الألعاب، وتعلّم طريقة التّعامل مع قواعد البيانات؛ لتخزين بيانات الألعاب وغيرها.