الإمارات مقابل العالم: دروس في الكفاءة وإدارة الأزمات
كيف تفوّقت الإمارات في تحويل التحديات إلى فرص عبر استخدام التكنولوجيا والتخطيط المسبق؟
تغلَّبت دولة الإمارات العربيَّة المتَّحدة على أزمة الفيضانات، بكفاءةٍ عاليةٍ مستفيدةً من بنيتها التَّحتيَّة القويَّة، بينما لعبت تكنولوجيا التَّعافي دوراً محوريَّاً في التَّعامل مع الهطولات المطريَّة الغزيرة، التي لم تشهدها البلاد منذ نحو 75 عاماً، إذ تجاوز حجم الأمطار كلَّ الأرقام القياسيَّة المسجَّلة منذ عام 1949.
وعلى الرَّغم من شدَّة الفيضانات، فإنَّه وبغضون 12 ساعةً فقط، نجحت الإمارات باستعادة الخدمات في جميع مناطقها، بعد إعلان الاستنفار منذ اللَّحظة الأولى، ومع أنَّه مثير للإعجاب، إلَّا أنَّه لم يكن مستغرباً من الإمارات التي تقود جهوداً جبَّارةً في مواجهة التَّغييرات المناخيَّة، والتي وجدت نفسها في عمق الأزمة، لتكون أولى الخطوات إنقاذ النَّاس، وتخفيف حالة الهلع ومن ثمَّ الانتقال لتلافي آثار الكارثة والتَّعويض على المتضرّرين.
استنفار كامل
أعلنت السُّلطات الإماراتيَّة الاستنفار الكامل منذ بدء الفيضانات، وكان تأكيد رئيس الدَّولة، سموّ الشَّيخ محمَّد بن زايد آل نهيَّان، أنَّ سلامة السُّكَّان سواءً كانوا إماراتيّين أو مقيمين تأتي على رأس الأولويَّات، بمثابة خارطة طريقٍ في التَّعامل مع الأزمة منذ اللَّحظة الأولى، وقد حظيت الأسر المتضرِّرة بفعل الفيضانات بالدَّعم الكامل، ونُقلت إلى مناطقَ آمنةٍ، بينما تواجد المسؤولون الإماراتيُّون على الأرض؛ ليتابعوا أمور النَّاس حرصاً على سلامتهم وسلامة أطفالهم.
كارثةٌ بهذا الحجم، عادةً ما تؤدِّي أولاً إلى قطع الخدمات من مياهٍ وكهرباءٍ واتّصالاتٍ، لكنَّ هذا لم يحدث أبداً، وبخلاف ذلك استمرَّت تلك الخدمات بوتيرتها المعتادة، بالمقابل تسبَّبت الأمطار الغزيرة ببعض الإرباكات لحركة السَّير ببعض المدن، لتعود الحياة كما كانت قبل الفيضانات خلال 24 ساعةً فقط.
الإمارات التي أظهرت تعاطفاً كبيراً واستجابةً سريعةً للأزمات خارج أراضيها كما حدث في زلزال شباط بسوريا وتركيا عام 2023، لم تبخل على مواطنيها والمقيمين فيها باستجابةٍ سريعةٍ لإنقاذهم وتأمين احتياجاتهم، لتقوم فرق الإسعاف الوطنيّ الإماراتيّ بتلبية نحو ألفٍ وخمسمئةٍ بلاغٍ في مختلف المناطق الإماراتيَّة، وهو رقمٌ أعلى بنحو 91% من البلاغات في الأيَّام الاعتياديَّة، ما يدلُّ بوضوحٍ على حجم الاستعدادات والتَّأهُّب. [1]
شاهد أيضاً: إعمار بقيادة محمد العبار تتبنى إصلاح أضرار أمطار دبي
كيف تعاملت الإمارات مع أزمة الفيضانات؟
بدأت الهطولات المطريَّة منذ يوم الاثنين 20 نيسان واستمرَّت حتَّى اليوم الثَّاني بذات الغزارة ودون توقُّفٍ، دخلت مياه الفيضانات إلى المنازل والشَّركات والمكاتب، بدا الواقع صعباً للغاية، إلَّا أنَّ الاستجابة السَّريعة والفعَّالة من سلطات دبي، التي استخدمت أحدث التَّقنيَّات، قَلبت الموقف، وتحوَّل الواقع من كارثةٍ إلى دليلٍ قويٍّ على مرونة المدينة واستعدادها. [2]
نهجٌ شاملٌ
لفهم كيفية تجاوز أزمة الفيضانات، ينبغي فهم النَّهج الذي تسير عليه دبي، والذي يدمج بين البنية التَّحتيَّة والتَّخطيط الاستباقيّ، إضافةً إلى ممارسات التَّنمية المستدامة، وأنظمة الصَّرف الصّحيّ الحديثة، والصَّرامة في التَّشدُّد بطريقة البناء.
إضافةً إلى ما سبق، فإنَّ موقع دبي الاستراتيجيّ وخصائص الإمارة الطُّبوغرافيَّة، أسهم في استراتيجيَّتها التَّكيفيَّة، ممَّا يسمح للمدينة بالاستفادة من الميّزات الطَّبيعيَّة لإدارة الفيضانات بكفاءةٍ عاليةٍ.
الحلول المبتكرة
تبنِّي الحلول المبتكرة للتَّخفيف من المخاطر وتعزيز الاستعداد لها، واحدةٌ من السِّمات المميزة في دبي، التي استفادت من تطبيق التّقنيات الذَّكيَّة لرصد الطَّقس، ووجود البنية التَّحتيَّة الخضراء التي تستوعب الأمطار الغزيرة، كما أنَّ استثمار المدينة في حملات التَّوعية العامَّة مكَّن السُّكَّان من لعب دورٍ نشطٍ في جهود الاستعداد والاستجابة للفيضانات.
بناء قدرة المجتمع على الصُّمود
من الأمور التي لا يمكن إغفال الحديث عنها، هو مشاركة المجتمع في مواجهة الأزمة، إذ إنَّ الغالبيَّة لم يبتعدوا هرباً وطلباً للنَّجاة، لثقتهم بإدارة مدينتهم، وبخلاف ذلك شارك الغالبيَّة في مبادراتٍ شعبيَّةٍ مجتمعيَّةٍ لتزويد الآخرين بالمعرفة والموارد اللَّازمة للتَّحضير والاستجابة.
تركيز إدارة دبي على الشُّموليَّة والتَّماسك المجتمعيِّ، أسهم في انخراط السُّكَّان بالاستجابة، ما يعزّزُ ثقافة المرونة التي تدعم قدرة المدينة في التعافي من الشَّدائد والأزمات.
كيف نجحت دبي في إدارة الأزمة؟
لعبت التُّكنولوجيا دوراً بارزاً في مواجهة الفيضانات، وبوجود أنظمة الصَّرف الذَّكيَّة، تمكَّنت المدينة من التَّكيُّف تلقائيَّاً مع مستويات المياه الكبيرة، ومن خلال نماذج التَّنبُّؤ الجويّ المتطوِّرة، قدَّم المركز الوطنيُّ الإماراتيُّ للأرصاد الجويَّة تنبؤاتٍ وعمليَّات محاكاةٍ دقيقةً، كان لها دورها الفعَّال في تخطيط الموارد وتوزيعها بشكلٍ فعَّالٍ.
إضافةً إلى ما سبق، فإنَّ استخدام نظم المعلومات الجغرافيَّة والاستشعار عن بعد، أسهم في رسم خريطةٍ لتأثير الفيضان في الوقت ذاته، ممَّا ساعد في تنسيق جهود الاستجابة والاستفادة منها إلى أقصى درجةٍ ممكنةٍ.
نجاح حكومة دبي في إدارة الأزمة، شمل العديد من المستويات، فالاستجابة الفوريَّة لم تقتصر على حالات الطَّوارئ فحسب، بل شملت أيضاً خطط التَّعافي طيلة المدى. وبعد تمكُّن فريق إدارة الطَّوارئ والأزمات في دبي، من إدارة عمليَّات الإخلاء والقيام بدوره، أتى دور البنية التَّحتيَّة؛، حيث تمَّ البدء في تقييمات ما بعد الحدث، وكيفيَّة القيام بالتَّحسينات الضَّروريَّة لتلافي الحوادث المستقبليَّة المشابهة، ممَّا يشير بوضوحٍ إلى مدى مرونة خطط البنية التَّحتيَّة، فبدأ المختصُّون بمراجعة قوانين البناء وكيفيَّة تعزيز حواجز الفيضانات.
وسط تلك الإرباكات والعمل الدَّؤوب لمواجهة الأزمة، لم تُغفِل السُّلطات أهميَّة التَّواصل مع الجمهور ونشر المعلومات، ليبرز دور مكتب دبي الإعلاميّ، الذي حرص على إطلاع الجمهور بكلّ ما يخصُّ تدابير السَّلامة والإخبار عن الطُّرق المغلقة وتقديم الإرشادات اللَّازمة.
يعدُّ تعامل دبي مع الفيضانات غير المسبوقة، مؤشّراً واضحاً على البنية التَّحتيَّة القويَّة للمدينة والإدارة الفعَّالة للأزمات، في وقتٍ فشلت كثير من الدُّول الكبيرة من حول العالم في مواجهة فيضاناتٍ مماثلةٍ أو أقوى حتَّى. [3]
شاهد أيضاً: تاريخ مؤتمر الأطراف (COP): محور التّعاون العالمي في مواجهة تغير المناخ
مقارنة بين الإمارات ودول عالميَّة أخرى
على الرَّغم من أنَّ الفيضانات في أستراليا ليست حدثاً غير اعتياديّ كما هو الحال في دولة الإمارات، إلَّا أنَّ الحكومة الأستراليَّة فشلت في إدارة وتجاوز أزمة الفيضانات عام 2022. وعلى الرَّغم من التَّحذيرات التي تمَّ إطلاقها من قِبلَ المختصِّين في نهاية عام 2021، فإنَّ الحكومة الأستراليَّة لم تأخذها على محمل الجدّ، لتبدأ الفيضانات الجارفة في كوينزلاند ونيو ساوث ويلز، وتؤدِّي إلى كوارث في حياة البشر والحجر.
انتقد الأستراليُّون حينها حكومتهم، التي لم تستطع تقدير خطورة التَّغييرات المناخيَّة، ولم تقم بالاستعداد جيّداً للكارثة المرتقبة، سواءً من خلال تدعيم البُنى التَّحتيَّة أو تحذير الأهالي في الوقت المناسب.
وفي العام 2016، كشفت سلسلة الفيضانات الكارثيَّة التي ضربت مناطق واسعةً في الصّين، عن فشل الاستجابة لحالات الطَّوارئ، ومشاكل في التَّخطيط الحضريّ والبنية التَّحتية للصَّرف والإدارة العامَّة. وحمَّل مسؤولو الإغاثة المسؤولين المحليِّين المسؤوليَّة الكاملة، لإهمالهم والسَّماح بالأبنية المخالفة في الممرات المائيَّة، وعدم فاعليَّة أنظمة الإنذار المبكِّر التي أدَّت إلى ارتفاع عدد الضَّحايا في مقاطعة خبي بالقرب من بكين.
وسجَّلت الفيضانات حينها نحو 833 ضحيَّةً، وفقدان نحو 233 شخصاً، بحسب أرقامٍ رسميَّةٍ، قال عنها يانغ شياو دونغ، من وزارة الشُّؤون المدنيَّة، إنَّها الأعلى منذ الكوارث الطبيعيَّة عام 2011، وأضاف حينها في تصريحاتٍ صحفيَّةٍ إنَّ المسؤولين المحليِّين أظهروا نقصاً مؤسفاً في الوعي بالوقاية من الفيضانات.
وفيما تُعدُّ الفيضانات تحصيلاً حاصلاً في أستراليا والصّين، فإنَّها في الإمارات تُعدُّ أخطر من ذلك بكثيرٍ، لكون الإمارات ليست معتادةً على مثل هذا السُّلوك الجويّ الَّذي يعدُّ شاذَّاً ومفاجئاً، ومع ذلك نجحت في تجاوز الكارثة وتداعياتها بكفاءةٍ عاليةٍ بسبب التَّخطيط المسبق وزيادة الوعي بمخاطر التَّغيرات المناخيَّة، واستباق الأحداث. [4]
باختصارٍ، يمكن القول إنَّ الإمارات من خلال نجاحها في إدارة أزمة الفيضانات قدَّمت دروساً مستفادة ورؤىً قيِّمةً، لكثيرٍ من دول العالم، التي تستطيع محاكاة نموذج دولة الإمارات العربيَّة المتحدة، وتصميم الاستراتيجيَّات بما يتناسب مع سياقاتها المحليَّة، للتَّغلُّب على تحدّياتِ التَّغيُّرات المناخيَّة بثقةٍ ومرونةٍ وتجنيب مواطنيها تداعيات تلك الأزمات لدرجةٍ كبيرةٍ.