الادخار: كيف تتخلّص من التفاهات لتزيد من رأس مالك؟
أسلوبٌ فعالٌ لإدارة الأموال بالشّكل الأمثل، يتعلّق بقوّة عقلك وقدرتك على تحديد الأولويات والتخلص من التفاهات لمستقبل أكثر أماناً واستقلاليّةً
يرغبُ 7 من كلّ 10 أشخاصٍ في الادخار، ولكن 17% فقط من الشَّبابِ ينجحون في تحقيقِ أهدافهم من توفيرِ الأموالِ، وفي حين يعتقدُ بعضهم أنَّ الاستثمارَ أكثر ربحيَّةً من الادخار، إلَّا أنَّ الأخيرةَ بالتَّأكيد أكثر أماناً على المستوى الطَّويل لتنمية الثَّروة دون التَّعرُّض إلى أيّ مخاطر سوقيَّةٍ على الإطلاقِ.
وعلى الرَّغم من نجاحِ بعضهم في توفيرِ مُدَّخراتٍ آمنةٍ، إلَّا أنَّ الأمرَ يُشكِّل صعوبةً بالغةً لدى شريحةٍ عُظمى من النَّاس، سواء من الأشخاص العاديين أو رجال الأعمال، فكيف تنجحُ في الادخار بكفاءةٍ وتنمية أموالكَ سريعاً، وما أنواع الادخار الملائمة لكَ؟ وكيفيَّة الاختيار بينها، ولماذا عليكَ الانتباه مُبكّراً إلى الضَّرورة القصوى للادخار، مهما كان مستوى دخلكَ أو نفقاتكَ؟ كلُّ هذا وأكثر سنتعرَّف عليه الآن.
ما هو الادخار؟
الادخار ببساطةٍ هو مقدارُ الأموال الَّتي تُوفِّرها بعد خصم النَّفقات الضَّروريَّة، فهي فائضٌ صافٍ، سواء للفرد أو الأسرة بعد سداد جميع النَّفقات والالتزامات، ويُمكن الاحتفاظ بالمدَّخرات على شكل نقدٍ أو ما يعادلهُ، سواء من الذّهب أو العملات المشفّرة أو الودائعُ المصرفيَّة، ويعدُّ الادخار نوعاً من أنواع الاستثمار المُخصَّص للاستخدام المستقبليِّ، ولا يُنفق على الفورِ، وعادةً ما يكون له أهدافٌ طويلةُ الأجل، سواء للدِّراسة أو إنشاء مشروعٍ أو شراء أصولٍ ضخمةٍ أو تغطية نفقات مرضٍ أو غيرها، وهو يتميَّزُ عن الاستثمار بتوفِّر قدرٍ كبيرٍ من الأمان، على الرَّغم من العوائد المنُخفضة عن الاستثمار في شركاتٍ أو أسهمٍ أو غيرها. [1]
فوائد الادخار
فوائد الادخار متنوِّعةٌ للغايةِ، ويلمسها بسهولةٍ شديدةٍ كلُّ من اعتاد على هذا الأمرِ، وأجبر نفسهُ على التَّخلِّي عن التَّفاهات المُضرَّة للصِّحَّة والعقل في سبيل تحقيق أهدافٍ أكبر، ومن أهمِّ الفوائد المباشرة للادخار:
التمتّع بالأمن على الأمد البعيد
من أهمِّ فوائد الادخار الشُّعور بالأمن على المدى البعيد، فلا يُمكن لأحدٍ أن يتوقَّعَ المستقبلَ، فسواء كُنتَ مالكاً لمشروعٍ أو موظَّفاً أو طالباً، فإنَّه يُمكن ببساطةٍ أن تتعرَّضَ لأيِّ ظرفٍ، سواء تغيرات سوقيَّة أو تسريح من العمل أو الإصابة بمرضٍ والحاجة للجراحة وغيرها من طوارئ، فيساعدكَ الادخار في تلقِّي الطَّوارئ والصَّدمات بمرونةٍ أكبر دون التَّوُّرط في ديونٍ، وكلَّما زادت المدَّخرات، تمتَّعت براحة البال، وأصبحت أكثر استعداداً للمتغيِّراتِ المختلفةِ.
الاستقلال الماليّ
كلَّما ارتفعَ مستوى مدَّخراتكَ، أصبحت أكثر قدرةً على الاستقلال الماليّ وتحقيق الاكتفاء الذَّاتيّ، وبالتَّالي أن تعيشَ حياتكَ وفقاً لتفضيلاتكَ، وليس وفقاً لمتطلَّبات وأولويَّات الآخرين، سواء الأهل أو المجتمع وغيرها، فلن تضطرَ لاقتراض الأموال من ذويكَ مثلاً لشراء هاتفٍ محمولٍ مرتفع الثَّمن، أو شراء ملابس محدَّدة أو الخروج في رحلةٍ طويلةٍ، بل يُمكنكَ اتِّخاذ القرارات الَّتي تحلو لك وفقاً لمدَّخراتكَ.
السّماح بقدر من المخاطرة المحسوبة
عندما تتمتَّعُ بمدَّخراتٍ مُحدَّدةٍ، فإنَّكَ تكون أكثر جرأةً على بدء مشروعٍ مُحدَّدٍ، أو ترك وظيفةٍ مدمِّرةٍ لأعصابكَ اعتماداً على مدَّخراتك أو الحصول على دوراتٍ تدريبيَّة لتطوير ذاتكَ، دون أن تقلقَ بشأن احتياجاتكَ الضَّروريَّة اليوميَّة، ومن ثُمَّ تقليل التَّوتُّر النَّاجم عن الضَّغط الماليّ والتَّركيز في هدفك الَّذي ترغبُ به، سواء مشروع أو تعليم أو البحث عن وظيفةٍ ملائمةٍ لمواهبكَ.
شاهد أيضاً: كيف تتفادى مصيدة التكاليف الغارقة: تجاوز ماضيك لضمان مستقبلك
أهمية الادخار
الادخار من الممارسات شديدة الأهميَّة ليس فقط للفرد والعائلة والشَّركات وروَّاد الأعمال، ولكن أيضاً للاقتصاد عموماً، فتنمية المدَّخرات عادةٌ جيِّدةٌ للغاية، فبدلاً من إنفاق الأموال الآن على سلعٍ استهلاكيَّةٍ باهظةٍ مثل الوجبات السَّريعة أو الحلوى أو غيرها، يُمكنكَ الاستثمار في شراء شيءٍ أكثر قيمةً في المستقبل، مثل شراء منزلٍ أكبر أو سيَّارةٍ أو الحصول على أجهزةٍ مميَّزةٍ، تُسهِّل حياتكَ أو الدُّخول في مشروعاتٍ أكبر. [3]
إنَّ توفيرَ الأموال من العادات الَّتي يجبُ أن يمارسها الفرد يوميّاً بانتظامٍ حتَّى يتقنها، وكلَّما بدأ الفرد في الادِّخار مُبكِّراً منذ الطُّفولة، أصبح الأمرُ تلقائيّاً بالنّسبة له مهما كان مستوى دخله أو حجم نفقاتهِ.
ما هي العوامل التي تحدد الادخار؟
هناك أنواعٌ مختلفةٌ من الادخار مثل الوقائيّ لمواجهة الظُّروف الطَّارئة، سواء مرض أو دراسة أو غيرها، أو الادخار الموجَّه للحصولِ على هدفٍ معيَّنٍ، مثل شراء منزلٍ أو سيَّارةٍ أو جهازٍ إلكترونيٍّ مرتفع الثَّمن، أو الادخار الإنشائيّ في المشروعات الصَّغيرة والمتوسّطة وأيضاً العملاقة لتنميتها؛ لذا من أهمّ العوامل الَّتي تُؤثِّر في الادخار: [2]
- الهدف من الادخار: هل يهدفُ لمجرَّد توفير الأموال مستقبلاً أو لعلاج مرضٍ ما أو الحصول على كورساتٍ تدريبيَّةٍ محدَّدةٍ أو بدء مشروعٍ.
- مستوى الدخل: من لديه دخلٌ مرتفعٌ للغاية عن مصروفاته الأساسيَّة، يُمكنه الادخار في الذَّهب والأصول الكبيرة، مثل المنازل والسَّيَّارات وغيرها، أمَّا من لديهم دخلٌ منخفضٌ، فسيختارون طرق ادخارٍ أكثر بساطةً مثل التَّحويلات الماليَّة أو الحصَّالات العاديَّة أو الجمعيَّات مع الأصدقاء والعائلة.
- العُمر: يلعبُ العمر دوراً مهمّاً في تحديدِ طريقة الادخار، فبالنِّسبة للشَّباب وصغار السِّنِّ يكون الادخار لأهدافٍ قصيرة الأجل أكثر انتشاراً، سواء للزَّواج أو شراء سيَّارةٍ أو منزلٍ أو دخول الجامعة، أمَّا الأكبر سنّاً، فقد يستهدفون الرّعاية الصّحيَّة أو تأمين مستقبل الأبناء أو غيرها.
- طبيعة المهنة: من لديه عملٌ حرٌّ سوف يختار طرق ادخارٍ تتلاءم مع طبيعة مهنته الحرَّة، والَّتي قد لا توفِّر له دخلاً ثابتاً، ويرغبُ في تنميته، أمَّا من لديه دخلٌ ثابتٌ، فقد يختار أنواعاً من الادخار طويلةِ الأمد على أساس أنَّ لديه احتياجاته اليوميَّة بالفعل من دخله الثَّابت.
شاهد أيضاً: عندما لا تسمح ميزانيتك: 4 خطوات لتجذب المواهب برواتب متواضعة
طرق وأساليب الادخار
تتنوَّعُ بشدَّةٍ طرق وأساليب الادخار، سواء لأصحاب الدَّخل المرتفع أو المنخفض أو أصحاب المهن الثَّابتة والحرَّة أو للشَّباب وكبار السّنِّ، وكلُّ ما عليكَ فقط أن تختارَ الطَّريقةَ الملائمة أو حتَّى أكثر من طريقةٍ معاً للاستفادة من مميّزات كلِّ نوعٍ، ومن أهمِّ طرقِ وأساليب الادخار: [3]
حسابات التوفير
تعدُّ حسابات التَّوفير واحدةً من أسهل وأفضل طرق الادخار الملائمةِ لجميع مستويات الدَّخل، إذ يُمكنكَ فتح حساب توفيرٍ في أحد البنوك المتوفِّرة في بلدكَ، ويُقدِّم فائدةً مرتفعةً قدر الإمكان، وتعملُ على تحويل جزءٍ ثابتٍ من دخلكَ إليه شهريّاً بعد احتساب المصروفات شديدةِ الضَّرورة من إيجارٍ ومصروفاتٍ مدرسيَّةٍ وتكاليف طعامٍ وشرابٍ وغيرها، ويُقدِّم هذا الحساب عائداً سنويّاً يزيدُ من حجم مدَّخراتكَ.
الودائع
وهي طريقة ادخارٍ تتطلَّبُ مستوى مرتفعاً قليلاً من الدَّخل كأن تحصل على مبلغٍ كبيرٍ فجأة من ميراثٍ أو جمعيّاتٍ أو بيع أصولٍ أو مكافأة نهاية خدمةٍ، فتضعهُ وديعةً في البنك، وتحصلَ على أرباحٍ تُنفِق منها شهريّاً.
الاشتراك في جمعيات مع العائلة والأصدقاء
وهي من الطُّرق شديدة البساطة بشرط أن تُحدِّدَ ماذا ستفعل بمبلغ الجمعيَّةَ عند استلامه، وهي طريقةٌ منتشرةٌ في الكثير من الدُّول العربيَّة، فتتفق مثلاً مع 5 أو 10 من الأصدقاء وأفراد العائلة على أن يدفعَ كلُّ شخصٍ مبلغ 1000 جنيهٍ أو دولارٍ فقط شهريّاً أو أكثر أو أقل وفقاً لمستوى الدَّخل، ثمَّ يتسلم فردٌ من المجموعة كلَّ ما يدفعه الآخرون مرّةً شهريّاً ليكون 5000 أو 10000 جنيهٍ أو درهمٍ أو ريالٍ شهريّاً؛ لتتمكَّن من شراء ذهبٍ أو دفع أقساط منزلٍ أو سيَّارةٍ بهذا المبلغ.
شراء الذهب
ويعدُّ الذَّهب من طرق الادخار طويلة الأجل، فلا يُصلح للأهدافِ القصيرةِ، ويُمكن أن يكونَ للزِّينة أو شراء سبائك وفقاً للمتوفِّر في بلدكَ، كما أنَّ أحجامه وعياراته مختلفةٌ، ولا يخسر مطلقاً.
شراء منزل أو سيارة بالتّقسيط
دائماً الأصول تكون مربحةً، وعن طريق شراء أصلٍ ما بالتَّقسيط سوف تُجبرُ نفسكَ على اقتطاع جزءٍ من دخلكَ لدفع القسط؛ ليكون لديكَ خلال عدَّة سنواتٍ أصلٌ مملوكٌ لك.
نصائح لكيفية تعزيز سلوك الادخار
يبدأ الادخار من عقلكَ، فهناك من يزيدُ دخلهُ عن 10000 دولارٍ شهريّاً، ولا يتمكَّن من الادخار، وهناك من لا يتعدَّى دخله 300 دولار شهريّاً، وينجحُ في الادخار، بل وكثيراً ما تكونُ صحته العقليَّة والجسديَّة أفضل من الأوَّل؛ لذا لا دخل للادخار بمستوى دخلكَ، ومن أهمّ النَّصائح لتعزيز سلوكَ الادخار لديك:
- اتباع طريقة 20-30-50: وهي طريقةٌ لإدارةِ ميزانيَّتكَ تُحدِّد بها 50% من دخلكَ للضَّرورات القُصوى، و30% للاحتياجات الَّتي يُمكن الاستغناء عن بعضها، و20% للادخار.
- أتمتة الادخار: عن طريق التَّحويل التّلقائيّ لمبلغٍ ماليٍّ معيَّنٍ إلى حسابك المصرفيّ أو للشَّركة الَّتي اشتريت منزلاً أو سيَّارةً منها سوف تتمكَّن من ادخار مبلغٍ جيِّدٍ شهريّاً.
- إعداد قائمة التّسوّق: مع كثرة السِّلع أمامكَ سوف تشتري بالتَّأكيد ما لا تحتاج إليه؛ لذا أعدّ قائمة تسوُّقٍ مع تكلفةٍ مبدئيَّةٍ، ولا تأخذ الكثير من الأموال معك ولا البطاقة الائتمانيَّة لتلتزم تماماً بالقائمة الَّتي تحتاجُ إليها بالفعل.
- تناول الطَّعام المطهوّ منزليّاً: لا تتناول الوجبات السَّريعة، ولا تذهب للمطاعم إلَّا في أضيق الحدود للغايةِ، فإذا كنت تذهب يوميّاً اجعلها شهريّاً، وإذا كانت شهريّاً اجعلها كلَّ شهرين أو ثلاثة، وستفاجأ بالكثير من الأموال المُدَّخرة.
- تأخير عمليَّة الشّراء 30 يوماً: فالتَّسوُّق شهوةٌ قد تسيطرُ عليك في أيّ وقتٍ، خصوصاً مع انتشار التَّسوُّق عبر الإنترنت؛ لذا أجّل شراء أيِّ شيءٍ لمدَّة 30 يوماً، حتَّى تتأكَّد تماماً من حاجتكَ إليه، وأنَّه يستحقُّ الإنفاق.
- تخفيض الفواتير الأساسيَّة: سواء استهلاك الكهرباء أو الإنترنت أو قنوات الكابل والاشتراك دائماً في أقلّ الباقات ما لم تكن هناك حاجةٌ ملحَّةٌ مثل العمل، واستبدلها بوسائل ترفيهٍ منخفضةِ الثَّمن قَدر الإمكان.
- حدِّد هدفاً ثابتاً للادِّخار من أجله: لا بدَّ من تحديد هدفٍ واضحٍ للادِّخار تشعر بأهميَّته البالغة، ومع تتبُّع المشتريات وتدوين الأسعار سوف تسيطرُ بالتَّدريج على النَّفقات غير الضَّروريَّة.
في النّهاية، يُمكن للجميع الادخار بكفاءةٍ مهما كان مستوى دخلهم أو نفقاتهم، فقط إذا وضعوا أمر توفير الأموال في حسبانهم، سواء بشراء أصولٍ بالتَّقسيط تُجبرهم على اقتطاع جزءٍ من الدَّخل قبل أيّ نفقاتٍ، أو فتح حسابات توفيرٍ أو الاشتراك في جمعيَّاتٍ بسيطةٍ ووضع خطَّةٍ محدَّدةٍ لمبلغ الجمعيَّة عند الحصول عليه، حتَّى لا يضيع هباءً على الوجبات السَّريعة، فهناك قائمةٌ طويلةٌ للغاية من الأشياء الَّتي تضرُّ ولا تنفع وتستهلك الكثير للغاية من الأموال الَّتي يمكنك بها تحسين حياتكَ وصحَّتكَ ومستوى رفاهيَّتكَ.
-
الأسئلة الشائعة
- ما هي أهداف الادخار؟ تحقيق الأمن على المستوى الطّويل والتمتّع بالاستقلال الماليّ ومواجهة الطّوارئ وتحسين رفاهيّة الحياة وتنمية الاقتصاد الفرديّ والوطنيّ.
- ما هي قيمة الادخار؟ تتمثّل قيمة الادخار في توفير نسبةٍ ثابتةٍ أو شبه ثابتةٍ من الدخل شهريّا ًأو سنويّاً للانفاق المستقبليّ وليس الفوريّ.
- ما هي قاعدة الادخار؟ قاعدة الادخار هي خفض التكاليف ووضع ميزانيّةٍ محدّدةٍ وعدم الإنفاق بلا تفكيرٍ أو الاستسلام لإغراءات المنتجات والخدمات الجديدة التي لا تنتهي.