الاقتصاد المالي: حين يلتقي المنطق الاقتصادي بعالم المال
تَشَكُّل الأُطر التي تُفسِّر سُلوك الأفراد والمؤسّسات في الأسواق لا يُبنى على الحدس، بل يُنظَّم بمعادلاتٍ تتنبّأ بالمخاطر وتُقيس العوائد

يُعَدّ الاقتصاد المالي، أو ما يُعرف بـ"Financial Economics" من الفروع الحيوية في علم الاقتصاد، حيث يركّز على دراسة كيفيّة استخدام وتوزيع الموارد الماليّة في الأسواق، مع التّركيز على العوامل المؤثّرة في اتّخاذ القرارات الاستثماريّة. ويستخدم هذا المجال النّظريّات الاقتصاديّة والأدوات الرّياضيّة لتحليل العلاقة بين المتغيّرات الماليّة، مثل: أسعار الأسهم وأسعار الفائدة، وتأثيرها على الاقتصاد الحقيقيّ.
تعريف الاقتصاد المالي
الاقتصاد المالي هو فرعٌ من علم الاقتصاد يُعنى بتحليل كيفيّة استخدام الموارد الماليّة وتوزيعها في الأسواق. يستعين بالنّظريات الاقتصاديّة لتقييم تأثير عوامل محدّدةٍ على اتّخاذ القرار، ويزوّد المستثمرين بالأدوات اللّازمة لاتّخاذ خيارات الشّراء الصّحيحة. يعتمد الاقتصاد المالي على الاقتصاد الجزئيّ والاقتصاد القياسيّ وأدواتٍ رياضيّةٍ أخرى، ويركّز على العلاقة المتبادلة بين المتغيّرات الماليّة، مثل: الأسهم، ومقابل المتغيّرات المتعلّقة بالاقتصاد الحقيقيّ.
النظريات الأساسية في الاقتصاد المالي
يتضمّن الاقتصاد المالي عدّة نظريّاتٍ تفسّر سلوك الأسواق الماليّة، وتساعد على فهم آليّاتها:
-
النّظريّة الكلاسيكيّة الجديدة: تؤكّد أنّ التّفضيلات الفرديّة والقدرات الإنتاجيّة هي المحدّدات الأساسيّة في أيّ اقتصادٍ.
-
النّظريّة الكينزيّة: تجادل بأن الهياكل الاقتصاديّة الكليّة الكبيرة والمترابطة هي الّتي تحدّد السّلوك الفرديّ.
-
النّظرية الماركسيّة: ترفض أيّ نوعٍ من منطق الحتميّة، وتصرّ على أنّ جميع الأحداث أو الأشياء في الاقتصاد مفرطة التّحديد، حيث تتفاعل جميع جوانب المجتمع -الاقتصاديّة والسّياسيّة والثّقافيّة- مع بعضها البعض باستمرارٍ.
-
نظرية المحفظة: تعتقد أنّه لا ينبغي معاملة الأصول وفقاً لكيفيّة أدائها الفرديّ، ولكن وفقاً لكيفيّة تفاعلها مع بعضها البعض، حيث يمكن أن يساعد العثور على المجموعة الصّحيحة من هذه الأصول المستثمر على تحقيق أعلى عائدٍ ممكنٍ لمستوىً معيّنٍ من المخاطر.
وظائف الاقتصاد المالي
يحلّل الاقتصاد المالي استخدام وتوزيع الموارد في الأسواق، وغالباً ما ينطوي على إنشاء نماذج معقّدةٍ لاختبار المتغيّرات الّتي تؤثّر على قرارٍ معيّنٍ. يدرس القيمة العادلة والمخاطر والعوائد وتمويل الأوراق الماليّة والأصول، بالإضافة إلى معدّلات الفائدة والتّضخم.
تطبيقات الاقتصاد المالي
يُطبّق مفهوم الاقتصاد المالي من خلال عدّة زوايا، منها:
-
الخصم (Discounting): يأخذ في الاعتبار أن قيمة 1 دولارٍ في المستقبل أقلّ من قيمته الحاليّة؛ لذا يجب خصم القيمة المستقبليّة للسّماح بالمخاطر والتّضخم.
-
إدارة المخاطر والتّنويع (Risk Management and Diversification): يهدف إلى إيجاد طرقٍ للتّأمين والتّحوّط المثاليّ من المخاطر، والعمل على تقليل إجمالي مخاطر محفظة الأصول الخطرة.
الفرق بين الاقتصاد المالي والاقتصاد التقليدي
يركّز علم الاقتصاد التّقليديّ على التّبادلات الّتي يكون فيها المال واحداً من مجموعةٍ من العناصر المتداولة. في المقابل، يركّز الاقتصاد المالي على التّبادلات الّتي من المحتمل أن تظهر فيها النّقود من نوعٍ أو آخر على جانبي التّجارة. ويُمكن تمييز الاقتصاديّ الماليّ عن الاقتصاديّين التّقليديّين من خلال تركيزهم على الأنشطة النّقديّة الّتي يؤدّي فيها الزّمن وعدم اليقين والخيارات والمعلومات أدواراً هامّةً.
أهمية الاقتصاد المالي في الأسواق الحديثة
في ظلّ تعقيد الأسواق الماليّة الحديثة وتزايد الأدوات الاستثماريّة، أصبح فهم الاقتصاد الماليّ ضرورةً للمستثمرين والمحلّلين الماليّين. يساعد هذا الفهم على تقييم المخاطر والعوائد المحتملة، واتّخاذ قراراتٍ استثماريّةٍ مستنيرةٍ. كما يساهم في تطوير استراتيجيّات التّحوّط وإدارة المحافظ الاستثماريّة بفعاليّةٍ.
التحديات والاتجاهات المستقبلية في الاقتصاد المالي
مع التّطوّرات التّكنولوجيّة والابتكارات الماليّة، يواجه الاقتصاد الماليّ تحديّاتٍ جديدةً، مثل: التّعامل مع العملات الرّقميّة وتكنولوجيا البلوكشين. ويتطلّب ذلك تطوير نماذج تحليليّةٍ جديدةً وفهماً أعمق لتأثير هذه الابتكارات على الأسواق الماليّة والاقتصاد العالميّ.
بالتّالي، يُعَدّ الاقتصاد المالي مجالاً حيويّاً يتطلّب متابعةً مستمرّةً وتحديثاً للمعرفة والمهارات، لضمان القدرة على التّكيّف مع التّغيّرات المستمرّة في البيئة الماليّة والاقتصادية.