الامتثال الماكر: السلاح الصامت لتقويض القرارات التنظيمية
حين تتجاوز الأوامر حدود المعقول، يتحوّل الالتزام إلى أداةٍ للتّمرّد الصّامت، وتكشف الطّاعة المبالغ فيها هشاشة القرارات الّتي لا تراعي الحكمة أو المرونة

الامتثال الماكر، أو ما يُعرف بـ"Malicious Compliance"، هو سلوكٌ يتّبعه بعض الموظفين حيث يلتزمون بتنفيذ الأوامر والتّعليمات بحذافيرها، مع علمهم المسبق بأنّ هذا التّنفيذ الحرفيّ سيؤدّي إلى نتائج سلبيّةٍ أو غير مرغوبةٍ. يُستخدم هذا الأسلوب كوسيلةٍ غير مباشرةٍ للاحتجاج على قرارات الإدارة أو لإبراز عيوب السّياسات المتّبعة، ممّا يجعله سلاحاً صامتاً يُمكن أن يقوّض فعاليّة العمليّات التّنظيميّة.
تعريف مفهوم الامتثال الماكر
الامتثال الماكر، المعروف أيضاً بالامتثال السّلبيّ أو الامتثال المؤذي، يشير إلى سلوك الموظّف الّذي يلتزم بتنفيذ الأوامر أو القواعد بحرفيّتها، رغم معرفته بأنّ ذلك سيؤدّي إلى نتائج سلبيّةٍ. يهدف هذا السّلوك غالباً إلى إظهار سوء تقدير من أصدر الأوامر أو لإبراز عدم فعاليّة القرارات المتّخذة.
أسباب حدوث الامتثال الماكر
ينشأ الامتثال الماكر غالباً نتيجة بيئة عملٍ مشحونةٍ تفتقر إلى الشّفافيّة والتّقدير؛ فحين يشعر الموظّف بأنّ صوته غير مسموعٍ، وبأنّ جهوده تُقابل بالإهمال أو التّجاهل، تتولّد لديه رغبةٌ دفينةٌ في الاحتجاج الصّامت. كذلك، تدفع الإدارة التّفصيليّة الصّارمة، الّتي تُقصي روح المبادرة، بعض الأفراد إلى تنفيذ الأوامر ببرودٍ، وإن كان ذلك على حساب مصلحة العمل. كما يلعب الإحباط المزمن من غياب فرص التّرقية أو التّقدير دوراً مهمّاً في تحفيز هذا السّلوك.
تأثير الامتثال الماكر على بيئة العمل
قد يبدو للوهلة الأولى أنّ الموظّف المطيع هو نموذجٌ يُحتذى، لكن في حالة الامتثال الماكر، تكون الطّاعة ستاراً لحالةٍ من التّحدّي المستتر. ينتج عن هذا السّلوك انخفاضٌ ملحوظٌ في الكفاءة وعرقلةٌ في سير المهامّ اليوميّة؛ لأنّ تنفيذ الأوامر بحذافيرها دون مرونةٍ يفضح قصور النّظام. على المدى البعيد، تنشأ فجوةٌ في الثّقة بين الإدارة والموظفين، ويتسرّب شعورٌ بعدم الانتماء يُضعف الولاء الوظيفيّ، وتبدأ المؤسّسة بفقدان روح الفريق والمرونة التّنظيميّة الّتي تعزّز النّجاح.
الفرق بين الامتثال الماكر والاستقالة الصامتة
رغم التّشابه في كونهما ردّ فعلٍ سلبيٍّ على ظروف العمل، إلّا أنّ الامتثال الماكر يختلف جوهريّاً عن الاستقالة الصامتة؛ فالأوّل فعلٌ احتجاجيٌّ مموّهٌ يتعمد فيه الموظّف كشف خلل السّياسات من خلال تطبيقها بصرامةٍ شديدةٍ، بينما الثّاني هو انسحابٌ داخليٌّ تدريجيٌّ يتمثّل في أداء الحدّ الأدنى فقط من الواجبات. وفي الامتثال الماكر، هناك نيّةٌ واعيةٌ لإحداث أثر وتوصيل رسالةٍ، أمّا في الاستقالة الصامتة، فالغالب هو اللّامبالاة والانسحاب النّفسيّ من العمل دون إعلان ذلك صراحةً.
كيفية التعامل مع الامتثال الماكر
لمعالجة ظاهرة الامتثال الماكر، يُمكن اتّباع الخطوات التّالية:
- تعزيز التّواصل المفتوح: تشجيع الموظفين على التّعبير عن آرائهم ومخاوفهم دون خوفٍ من العقاب.
- مراجعة السّياسات والإجراءات: التّأكّد من أنّ القواعد والتّعليمات واضحةٌ وعمليّةٌ وتخدم مصلحة العمل.
- تقديم فرصٍ للتّطوير والتّرقية: إظهار التّقدير للموظّفين وتوفير مساراتٍ واضحةٍ للتّقدّم الوظيفيّ.
- تقليل الإدارة التّفصيليّة: منح الموظفين مساحةً من الاستقلاليّة والثّقة لأداء مهامّهم بفعاليّةٍ.
الامتثال الماكر هو سلوكٌ يظهر في بيئات العمل الّتي تفتقر إلى التّواصل الفعّال والثّقة المتبادلة. ومن خلال فهم أسبابه واتّخاذ التّدابير المناسبة، يُمكن للإدارات تقليل تأثيره وتعزيز بيئة عملٍ إيجابيّةٍ ومنتجةٍ.