التحول الكبير القادم: التقنيات الناشئة وتأثيرها على التجارة
التحول الكبير القادم: التقنيات الناشئة وتأثيرها على التجارة
تشهد الساحة الاقتصادية العالمية تحولاً جذرياً بفعل الدور المحوري الذي تلعبه التقنيات الناشئة في إعادة تشكيل مستقبل قطاعات بأكملها، وعلى رأسها قطاعات الأعمال والتمويل والاقتصادات العالمية على نطاق واسع. لا يقتصر أثر هذه التطورات المتسارعة على مجرد إحداث تغييرات جذرية في الأعراف التجارية والممارسات المالية الراسخة، بل إنها توفر أيضاً فرصاً استثنائية للابتكار والارتقاء بالكفاءة وتحقيق النمو المنشود.
تبرز أهمية التقنيات الناشئة جليةً للعيان. فبفضل طبيعتها الابتكارية، تمتلك القدرة على إحداث نقلة نوعية في نماذج الأعمال والصناعات، وتعزيز القدرة التنافسية للمؤسسات على الصعيد العالمي.
علاوةً على ذلك، يساهم اعتماد هذه التقنيات في تخفيف المخاطر المرتبطة بتقدم التقنيات المستخدمة حالياً واحتمال حدوث اضطرابات في الأسواق. وهذا بدوره يمكّن الشركات من الحفاظ على ريادتها من خلال توقع التغيرات في سلوك المستهلك وديناميكيات السوق بدقة.
ومن الفوائد البارزة الأخرى لهذه التقنيات تعزيز الاتصال العالمي ورفع مستوى الكفاءة، لا سيما في مجال التجارة، حيث تساهم التقنيات الجديدة في تبسيط سلاسل التوريد وخفض التكاليف وتعزيز الشفافية عبر التجارة الإقليمية والدولية. ويسهم ذلك أيضاً في خلق فرص جديدة للنمو الاقتصادي والتنمية، ويعزز الاستدامة البيئية والعدالة الاجتماعية.
على غرار القطاعات الأخرى، يستفيد قطاع الأصول المالية والتجارة العالمية كذلك من التقنيات الناشئة، ما يُحدث تحولاً ملحوظاً في المشهد الاقتصادي، خاصةً في منطقة الشرق الأوسط، وذلك من خلال الابتكار والارتقاء بالكفاءة وتحسين تجارب العملاء.
الاستفادة من التقنيات الناشئة في منطقة الشرق الأوسط
يبرز إدراك دول المنطقة لأهمية التقنيات الناشئة وتأثيرها على المدى الطويل، إلى جانب الاستثمارات الكبيرة والدعم الذي تقدمه الجهات المعنية، كعامل استراتيجي يمكّنها من تحقيق الريادة في الاستفادة من هذه التقنيات لتحقيق النمو الاقتصادي المنشود.
فعلى سبيل المثال، أصبحت تقنية الذكاء الاصطناعي (AI) من التقنيات التي غيّرت قواعد اللعبة في التجارة والتداول، ويعود ذلك إلى قدرتها على فتح آفاق جديدة لعمليات التداول الآلي. وقد أتاح تبسيط الأعمال الورقية وتسريع تخليص البضائع والتحقق من الامتثال وتقليل الأخطاء البشرية اليدوية، ما مكّن الجهات الفاعلة في قطاع الأعمال بالمنطقة من تسريع إتمام المعاملات التجارية.
ولضمان شفافية سلاسل التوريد، تتجه المؤسسات الآن نحو تقنيات الالبلوك تشين لضمان معاملات آمنة وشفافة أكثر مناعة ضد محاولات العبث. فمن منظور سلاسل التوريد التقليدية، فإن تكامل حلول الالبلوك تشين يسمح بتتبع المعاملات في الوقت الفعلي ويقلل بشكل كبير من احتمالية الوقوع في الاحتيال. وفي نهاية المطاف، يساعد هذا النهج الشركات على ترسيخ الثقة والولاء مع شركائها التجاريين.
كما يُعد طيف الاتصالات الجديد من الجيل الخامس تقنية أخرى ثورية تؤثر على كافة القطاعات عالمياً وإقليمياً. إذ تتيح شبكات الجيل الخامس فائقة السرعة اتصالاً سلساً بين الأجهزة، ما يحسن متابعة سلاسل التوريد ويساعد على اتخاذ القرار في الوقت الفعلي.
وعلى صعيد الاتصالات، يسهل اتصال الجيل الخامس نقل البيانات بشكل أسرع ويدعم دمج أجهزة إنترنت الأشياء ن والتي تساعد، من جانبها، على تحسين استراتيجيات إدارة المخزون لديها بشكل كبير، وتوقع الطلب عبر الأسواق الرئيسية، وتحسين كفاءة الخدمات اللوجستية.
الفرص الناشئة
تفتح تقنيات مثل الجيل الخامس وإنترنت الأشياء، بلا شك، آفاقاً جديدة لمختلف القطاعات في المنطقة، بما في ذلك التصنيع والنقل والترفيه، وذلك من خلال تسهيل المراقبة المباشرة والتشغيل الآلي وتعزيز تجارب المستخدمين وتخصيصها وفقاً لاحتياجات كل عميل.
كما يتأثر قطاع الأصول المالية والتداول على المستوى الإقليمي والعالمي، بشكل مستمر، بالتقنيات الناشئة، حيث تسهم في تنوع فئات هذه الأصول. فعلى سبيل المثال، تعد العملات الرقمية المشفرة بالكامل مثل بيتكوين وإيثريوم أصولاً رقمية. ولا تقتصر عوامل التأثير على قوتها السوقية على التغييرات التنظيمية ومعنويات السوق فحسب، بل تتأثر قيمتها الإجمالية أيضاً بالتطورات التقنية.
كما تمثل الرموز غير القابلة للاستبدال (NFTs)، وهي أصول رقمية فريدة تمثل ملكية الأعمال الفنية والمقتنيات الرقمية وغيرها من المحتوى الرقمي، فئة مهمة أخرى من الأصول المالية والتداول تتأثر بالتقنيات الناشئة. حيث تشهد أسعار الرموز غير القابلة للاستبدال تقلبات كبيرة بناءً على مستويات الطلب والاتجاهات الفنية، والأهم من ذلك، اعتماد التكنولوجيا.
كما تعد شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة وتقنيات السلع وسلاسل التوريد والعملات الأجنبية من بين المستفيدين الرئيسيين من التقنيات الناشئة. ويمكن إلى حد كبير ربط مخرجاتها على غرار أسعار الصرف والأسعار وديناميكيات التداول باعتماد التقنيات الناشئة.
المضي قدماً
يتعين على الجهات الفاعلة أخذ بعض الأمور بعين الاعتبار عند سعيها لمساعدة القطاعات الاقتصادية في المنطقة على اعتماد التقنيات الجديدة،. ومن ذلك اتباع نهج استراتيجي يشمل تعزيز التعاون مع شركاء التطوير وشركات التكنولوجيا العالمية، والاستثمار في التقنيات التي تساعد الشركات على الاستفادة من تقنيات مثل البلوك تشين وتحليل البيانات الضخمة والحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي لتبسيط العمليات وتحسين تجارب العملاء وفتح مجالات جديدة لتحقيق الإيرادات، بالإضافة إلى طرح تدريجي لتقنيات سلسة لا تثقل البنية التحتية أو الموظفين الحاليين، مما يسهل عملية التوسع بعد التأكد من نجاح المراحل الأولية.
بات من الواضح أن التقنيات الناشئة في طريقها لتصبح المحرك الرئيسي للتحول الكبير القادم. ولم يعد من الممكن تجاهل قدرتها على إعادة تشكيل القطاعات والاقتصادات على مستوى العالم، بل يجب السعي للاستفادة منها. حيث تمتد تأثيراتها على المدى الطويل لتشمل الابتكار والقدرة التنافسية وتخفيف المخاطر والتنمية المستدامة. ومن المهم التأكيد على أهمية التخطيط الاستراتيجي والتكيف في تسخير إمكاناتها الكاملة؛ إذ لا يقتصر الأمر على أهمية تهيئة بيئة مواتية للأعمال فحسب، بل في توفير منظومة رقمية فعالة وآمنة وموثوقة.
بقلم محمد حشاد، كبير استراتيجي الأسواق بشركة نور كابيتال
The post التحول الكبير القادم: التقنيات الناشئة وتأثيرها على التجارة appeared first on Jalees.