كيف تحافظ الشركات على استراتيجيات مرنة لمواجهة التغيرات؟
جوهر التّخطيط الاستراتيجيّ النّاجح يكمن في تحقيق التّوازن بين التّنظيم والمرونة، بتطوير خارطة طريق ديناميكية تتفاعل مع التّغيرات، وتتطوّر مع المؤسّسة
في ظلّ الظّروف غير المتوقّعة الّتي تمرّ بها الشّركات، يصبح الحفاظ على التّوازن بين الرّؤية والمرونة أمراً حاسماً لنجاح الاستراتيجيّات. فالمؤسّسات تواجه تحدّياتٍ غير مسبوقةٍ تتطلّب مزيجاً من التّخطيط المسبق والقدرة على التّكيّف مع التّغيّرات المستمرّة. أشار نيلسون تيبفر، المؤسّس المشارك والرّئيس التّنفيذيّ لشركة "برو سي إف أو بارتنرز" (ProCFO Partners)، في مقاله إلى هذه التّحدّيات الّتي تواجه المؤسّسات في تحقيق أهدافها في أوقات عدم اليقين، مشدّداً على أهمّيّة المرونة في التّنفيذ.
هذا الطّرح يتماشى مع ما ذكره مايكل راينور في كتابه "مفارقة الاستراتيجيّة" (The Strategy Paradox)، حيث يشير إلى أنّ العديد من الاستراتيجيّات تعتمد على افتراضاتٍ مسبقةٍ حول المستقبل، وهو أمرٌ يمثّل تحدّياً؛ لأنّ المستقبل لا يمكن التّنبّؤ به بدقّةٍ. هذا التّناقض يصبح أكثر وضوحاً مع اقتراب نهاية العام، حينما تجد الشّركات نفسها في مواجهةٍ مباشرةٍ مع التّحدّيات الّتي تفرضها الظّروف الحاليّة، ممّا يتطلّب منها إعادة تقييم خططها وأهدافها.
في هذا السّياق، تواجه الشّركات عادةً ضغوطاً متزايدةً لتحقيق أهداف المبيعات والالتزام بالميزانيّات، خاصّةً مع ظهور مؤشّراتٍ تدلّ على أنّ النّتائج قد لا تكون كما هو متوقّعٌ. هذا يفتح المجال للتّساؤل حول الأسباب الحقيقيّة لتعثّر بعض الاستراتيجيّات؛ هل يعود السّبب إلى الإفراط في التّخطيط؟ أو إلى قلّة إشراك الأطراف المعنيّة؟ أم ربّما إلى الاعتماد على استراتيجيّاتٍ تقليديّةٍ في وقتٍ يحتاج فيه العالم إلى مزيدٍ من المرونة؟
يلاحظ نيلسون تيبفر، من واقع خبرته في "برو سي إف أو بارتنرز"، أنّ العديد من المؤسّسات تدخل في دوّامةٍ من الجمود؛ بسبب التّمسّك بخططٍ لا تتيح مجالاً للتّكيّف مع التّغيّرات الطّارئة. وفي هذا السّياق، يؤكّد تيبفر على ضرورة أن تكون الاستراتيجيّات وثائق حيّةً تتطوّر باستمرارٍ بدلاً من كونها مجرّد مخطّطاتٍ ثابتةٍ غير قابلةٍ للتّغيير.
على الجانب الآخر، يوضّح الخبير هنري مينتزبيرج أنّ التّخطيط الاستراتيجيّ يركّز في الغالب على التّحليل، بينما تدور الاستراتيجيّة حول التّكيّف مع الظّروف الجديدة. هذه النّظرة التّكميليّة بين التّحليل والتّكيّف تساعد على تجنّب الجمود في الاستراتيجيّات وتمكّن المؤسّسات من التّعامل مع التّغيّرات بمرونةٍ أكبر.
إذن، كيف يمكن للشّركات الحفاظ على استراتيجيّاتٍ فعّالةٍ وديناميكيّةٍ؟
وفقاً لنيلسون تيبفر، فإنّ الاستراتيجيّات النّاجحة هي تلك الّتي تجمع بين البنية الصّلبة والمرونة في التّكيّف مع المتغيّرات المستمرّة. ولهذا السّبب، تعمل "برو سي إف أو بارتنرز" من خلال ورشات العمل السّنويّة على تمكين المؤسّسات من تطوير خططٍ ديناميكيّةٍ قادرةٍ على التّكيّف مع التّغيّرات دون التّخلّي عن الأهداف طويلة الأجل.
تكمن الفكرة في إنشاء وثيقةٍ استراتيجيّةٍ حيّةٍ تعمل كدليلٍ يتطوّر مع مرور الوقت، ويتكيّف مع الظّروف الجديدة. هذا النّوع من التّخطيط يتيح للمؤسّسات تحقيق أهدافها الاستراتيجيّة مع الاحتفاظ بالقدرة على مواجهة التّحدّيات غير المتوقّعة.
وفيما يلي أربع نصائح عمليّةٍ للحفاظ على استراتيجيّةٍ مرنةٍ وفعّالةٍ:
إشراك جميع أصحاب المصالح
لضمان نجاح الاستراتيجيّة، يجب إشراك جميع الأطراف المعنيّة في عمليّة التّخطيط، وليس فقط القادة التّنفيذيّين. الاستراتيجيّات الأكثر نجاحاً هي تلك الّتي تجمع الدّعم منذ البداية من جميع الأقسام. هذا النّهج يضمن التّوافق والالتزام بالرّؤية المشتركة، كما يتيح الفرصة للاستفادة من الأفكار والمساهمات الّتي قد تأتي من العاملين في الصّفوف الأماميّة.
التّعامل مع الاستراتيجيّة كوثيقةٍ حيّةٍ
ينبغي أن تكون الخطّة الاستراتيجيّة مرنةً بما يكفي لتعديلها عند الضّرورة، استجابةً لتغيّرات السّوق أو البيانات الجديدة. يجب مراجعة الخطط بشكلٍ دوريٍّ على مدار العام لتحديد ما إذا كانت بحاجةٍ إلى تعديلٍ، لضمان بقاء المؤسّسة على المسار الصّحيح دون التّخلّي عن المرونة.
التّركيز على المساءلة من خلال مؤشّرات الأداء
في حين أنّ المرونة ضروريّةٌ، يجب ألّا تكون على حساب الأهداف القابلة للقياس. هذا هو المكان الّذي تأتي فيه أهمّيّة مؤشّرات الأداء الرّئيسة (KPIs)، الّتي تساعد في تقييم التّقدّم على المدى القصير وتحقيق الأهداف طويلة المدى. التّوازن بين المرونة والمساءلة يضمن تنفيذ استراتيجيّةٍ قابلةٍ للتّطبيق وواقعيّةٍ.
تعزيز ثقافة التّغذية الرّاجعة المستمرّة
التّغذية الرّاجعة المستمرّة هي جزءٌ أساسيٌّ من نجاح أيّ استراتيجيّةٍ. من الضّروريّ أن تكون مراجعات الأداء الدّوريّة جزءاً لا يتجزّأ من ثقافة المؤسّسة، ممّا يتيح تقييم الأرقام ومراجعة التّوجّهات الاستراتيجيّة. الحوار المفتوح حول الأمور النّاجحة، والتي تحتاج إلى تعديلٍ يساعد على تحسين التّكيّف والتّطوير المستمرّ.
في نهاية المقال، يؤكّد نيلسون تيبفر أنّ التّخطيط الاستراتيجيّ لا يتعلّق فقط بعمليّة تحديد الأهداف، بل هو رحلةٌ مستمرّةٌ تمزج بين رؤية المؤسّسة وواقع السّوق، مع ترك المجال للتّكيّف مع المتغيّرات.