الرئيسية الريادة التّعاون التّنافسيّ: سرّ نجاح شركات كبرى في سوقٍ متغيّر

التّعاون التّنافسيّ: سرّ نجاح شركات كبرى في سوقٍ متغيّر

التّعاون مع المنافسين ليس خيالاً، بل استراتيجيّة تنفّذها شركات مثل بوينغ ولوكَهيد لتقليل التّكاليف وزيادة الكفاءة

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

يمنحك التّعاون التّنافسيّ مجموعةً كبيرةً من المميّزات، وقد طبّقت هذه الاستراتيجيّة الكثير من الشّركات الّتي نجحت في توسيع إمبراطوريّتها وتقليل المخاطر مع زيادة فرص التّعلّم وفتح أسواقٍ جديدةٍ. ورغم الفوائد الجمّة لاتّباع هذه الاستراتيجيّة بالتّعاون مع المنافسين، إلّا أنّ الكثيرين يتجاهلون هذه المميّزات، ويركّزون على التّنافس المحض نتيجة غياب الثّقة وصعوبة دمج الأنظمة مع أمور السّرّيّة وحماية الملكيّة الفكريّة، وهي كلّها مخاوف منطقيّةٌ.

فكيف نجحت بعض الشّركات في تحقيق المعادلة الصّعبة والاستفادة بالفعل من الشّراكة مع المنافسين؟ ومتى يكون هذا التّعاون منطقيّاً بالفعل؟ وما أهمّ الوسائل الّتي تجعله مربحاً لكلّ الأطراف؟

شركاتٌ نجحت في تطبيق التّعاون التّنافسيّ بكفاءةٍ

قد تبدو فكرة التّعاون مع المنافسين للبعض فكرةً خياليّةً بعيدةً عن الواقع، إذ يرتبط العمل في أذهانهم دائماً بصراع التّغلّب على الآخرين. غير أنّ مبدأ "التّعاون التّنافسيّ"، الّذي طوّره آدم براندنبورغر (Adam Brandenburger) وباري نالبوف (Barry Nalebuff)، يعيد تعريف هذه العلاقة. يشير هذا المفهوم إلى إمكانيّة تحقيق التّوازن بين التّعاون في مجالاتٍ محدّدةٍ، مثل تطوير التّقنيّات أو توسيع الأسواق، والتّنافس في مجالاتٍ أخرى. بهذا الأسلوب، يفتح الباب أمام الجميع للوصول إلى موارد أو تقنيّاتٍ أو فرصٍ سوقيّةٍ كانت تبدو مستحيلة المنال في إطار التّنافس التّقليديّ.

والأمر ليس محض خيالٍ، بل حقّقته شركاتٌ ناجحةٌ، وأدّى الأمر إلى المزيد من التّوسّع والنّجاح. ومن أهمّ الشّراكات التّعاونيّة التّنافسيّة النّاجحة: [1]

التّعاون التّنافسيّ بين شركتي آبل وسامسونغ

قد لا تتخيّل مطلقاً وجود تعاونٍ بين هذين العملاقين في عالم صناعة الهواتف الذّكيّة، ولكن في الواقع، فإنّ سامسونغ (Samsung) أثبتت نفسها كواحدةٍ من أفضل شركات تصنيع الشّاشات في السّوق، وبالتّالي تعاونت آبل (Apple) معها في الحصول على شاشاتٍ متميّزةٍ بدءاً من iPhone 4، وهذه الصّفقة أدّت لزيادة قوّة هواتف الآيفون، ولكن في الوقت ذاته حقّقت سامسونغ أرباحاً هائلةً من كلّ صفقةٍ مكّنتها من تطوير هواتفها في جوانب أخرى.

بعض التّقارير تؤكّد اتّجاه آبل لتصنيع شاشاتها بدءاً من عام 2024، ولكن هذا لا ينفي ثمرة التّعاون المتميّز بين العملاقين، والّذي قد لا ينتهي قريباً.

التّعاون بين بوينغ ولوكهيد مارتن ضدّ سبيس إكس

إنّ التغلّب على منافسٍ أقوى يعدّ واحداً من أبرز أهداف التعاون التنافسي، وهذا ما حققته بوينغ (Boeing) ولوكهيد مارتن (Lockheed Martin) عندما تعاونتا لإطلاق تحالف ULA، المسؤول عن المركبة كيوريوسيتي (Curiosity) التي هبطت على سطح المريخ عام 2012.

بدأ التعاون بين هاتين الشركتين المتنافستين في مجال الطيران والفضاء عام 2006 بهدف خفض التكاليف، ومن ثم التنافس بفعالية أكبر مع سبيس إكس (SpaceX) التابعة لإيلون ماسك، التي كانت تسيطر بالفعل على قطاع الفضاء. ونجحت الشركتان في تنفيذ المشروع المشترك بنسبة 50/50، مما أسفر عن إطلاق أكثر من 100 قمر صناعي، محققاً إنجازات كبيرة في مجال استكشاف الفضاء.

آبل ومايكروسوفت

يجمع بين هاتين الشّركتين العملاقتين تاريخٌ طويلٌ من الحبّ والكراهية والتّعاون والدّعاوى القضائيّة في الوقت ذاته. فقد بدأت الشّركتان تقريباً في الوقت ذاته، ولكن كانت آبل تركّز أكثر على أجهزة الكمبيوتر، في حين اهتمّت مايكروسوفت (Microsoft) أكثر بالبرامج.

ورغم وصول الأمر بينهما إلى المحكمة عام 1988 بعد أن اتّهمت آبل مايكروسوفت بانتهاك براءات الاختراع، إلّا أنّهما نجحتا بمبادرةٍ من ستيف جوبز في تجاوز خلافاتهما لتستثمر مايكروسوفت 150 مليون دولارٍ في آبل ممّا أنقذ الأخيرة من أزمةٍ حقيقيّةٍ، وفي الوقت ذاته نجت مايكروسوفت من الدّعاوى القضائيّة، وأصبحت المزوّد التّقنيّ الأساسيّ لأجهزة ماك، كما أصبح إنترنت إكسبلورر (Internet Explorer) هو المتصفّح الافتراضيّ لأجهزة ماك.

برنامج IROP بين دلتا وأمريكان إيرلاينز

دخلت كلٌّ من أمريكان إيرلاينز (American Airlines) ودلتا (Delta) في اتّفاقيّة تعاونٍ تحمل اسم IROP، تتيح لركّاب كلّ شركةٍ السّفر عبر طائرات الشّركة الأخرى في حالات الطّوارئ أو الإلغاء القسريّ للرّحلات. وبموجب الاتّفاقيّة، تدفع الشّركة المتضرّرة مبلغاً بسيطاً للشّركة الأخرى لتجنّب إزعاج العملاء.

مع مرور الوقت، اكتشفت دلتا أنّ عدد الرّكّاب الّذين تنقلهم لصالح أمريكان إيرلاينز يفوق بكثيرٍ العدد الّذي تحصل عليه في المقابل. ورغم محاولات دلتا لتعديل الاتّفاقيّة، رفضت أمريكان إيرلاينز ذلك، ممّا أدّى إلى إنهاء التّعاون بينهما في عام 2015.

لكنّ في عام 2018، دفعت التّحدّيات التّقنيّة الّتي تسبّبت في إلغاء العديد من الرّحلات الشّركتين إلى استئناف تعاونهما من جديدٍ. جاءت الاتّفاقيّة الجديدة بشروطٍ أكثر عدلاً للطّرفين، ممّا ساعدهما على مواجهة المعوّقات التّقنيّة بشكلٍ أفضل وتحسين تجربة العملاء.

التّعاون التّنافسيّ بين فايزر وبيونتيك

وهو تعاونٌ راقب نتائجه العالم بأكمله خلال جائحة كوفيد-19، حيث تعاونت الشّركتان الرّائدتان في مجال الأدوية لتطوير لقاحٍ ضدّ الفيروس. وكانت بيونتيك (BioNTech) تمتلك اللّقاح بالفعل، ولكن في حاجةٍ إلى تسريع تطويره، لتتدخّل شركة فايزر (Pfizer) بقدراتها على التّطوير السّريريّ مع خبرتها في التّصنيع والتّوزيع ليظهر اللّقاح في وقتٍ قياسيٍّ مع توزيع ملايين النّسخ حول العالم.

متى يكون التّعاون مع المنافسين منطقيّاً؟

يصبح إنشاء التّحالفات أمراً مباشراً نسبيّاً عندما يتمّ بين كياناتٍ تقدّم منتجاتٍ وأخرى توفّر خدماتٍ تكميليّةٍ، فهذا التّعاون سلسٌ ومفهومٌ، ويتّخذ مساراً واضحاً في الكثير من الأحيان، وبالتّالي سيناريو مربحٌ للجميع مع قاعدة عملاء مشتركين.

ولكن عندما تتقاسم الشّركات كلّاً من المنتجات والخدمات المتداخلة بالفعل، والّتي بينها منافسةٌ سوقيّةٌ قويّةٌ، فإنّ مسار النّجاح يصبح أكثر تعقيداً، لذا عادةً ما يكون التّعاون التّنافسيّ رابحاً في الحالات التّالية: [2] 

تقليل التّكاليف وتبسيط العمليّات

نجحت شراكاتٌ بين شركاتٍ تقاسمت تكاليف النّقل أو الخدمات اللّوجستيّة، فقد شاركت اثنتان من أكبر شركات الحاويات في العالم وهما ميرسك (Maersk) و"سي إم إيه سي جي إم" (CMA CGM) في اتّفاقيّات تقاسم السّفن VSA، ممّا وفّر لهما معاً شبكة شحنٍ عالميّةً شاملةً مع الاستمرار في المنافسة بالسّوق.

البحث والتّطوير

وهو من الأهداف الأساسيّة للتّعاون التّنافسيّ، ويظهر كثيراً في مجال الهواتف المحمولة والسّيّارات، فتعاونت شركتا بي إم دبليو (BMW) ودايملر (Daimler) لتطوير تقنيّاتٍ جديدةٍ منذ أوائل التّسعينات ليعلنا معاً عن تطوير جيلٍ جديدٍ من المحرّكات عام 2012، فضلاً عن تعاونهما في مجال السّلامة والخدمات اللّوجستيّة والنّقل المستقبليّ المستدام. كما تتعاون شركاتٌ تكنولوجيّةٌ للتّغلّب على تهديد الأمن السّيبرانيّ وتأسيس بنيةٍ تحتيّةٍ قويّةٍ.

التّوسّع في السّوق

ومن أمثلة هذا التّعاون ما يتّبع بين شركتي "دويتشه تيليكوم" (Deutsche Telekom) وفودافون (Vodafone)، فقد استفادت دويتشه تيليكوم من كفاءة وجودة شبكات فودافون لتضمن تقديم خدماتها لسنواتٍ طويلةٍ، في حين استفادت فودافون من اتّساع قاعدة شبكة تيليكوم مع القدرة على توفير شروطٍ جذّابةٍ للمستهلكين، فأصبح الجميع سعداء. [3]

أمورٌ أساسيّةٌ يجب مراعاتها لتحقيق أفضل استفادةٍ من التّعاون التّنافسيّ

لكي توازن الشّركات بنجاحٍ بين الأهداف المتضاربة للتّعاون والمنافسة، فإنّ هناك أموراً أساسيّةً يجب أخذها في الاعتبار: [4]

تحديد أهداف الشّراكة بوضوحٍ تامٍّ

وهذا لا يعني أن تكون الأهداف واحدةً للكلّ. فمثلاً، في تعاون شركة إيباي (eBay) مع شبكاتٍ مثل فيغلينك (VigLink) وسكيملينكس (Skimlinks)، تلخّص هدف إيباي في الحصول على قنوات توزيعٍ إضافيةٍ، في حين تمثّل هدف الشركات الأخرى في الوصول الأسرع لمخزون إيباي. هذا التعاون منح المستهلك تجربةً أكثر تخصيصاً، فأصبح الجميع رابحاً.

وضع حدودٍ للتّعاون مع الاستعداد للانسحاب

يجب على الشّركات الّتي تدخل في تعاونٍ تنافسيٍّ وضع حدودٍ واضحةٍ لمدى تبادل المعلومات والموارد، حتّى لا يؤدّي هذا إلى اختلال التّوازن وفقدان المزايا التّنافسيّة، مع الاستعداد للانسحاب من التّعاون إذا وجد أنّ الخسائر أكبر من المكاسب. وهذا ما فعلته شركة دلتا للطّيران عند إيقاف تعاونها مع أمريكان إيرلاينز.

تحديد عوامل الخطر والاحتراس منها

واجهت شركة دي إتش إل (DHL) صعوبةً في منافسة كلٍّ من يو بي إس (UPS) وفيدإكس (FedEx)، لتقرّر تقليل الأضرار من خلال التعاون مع أحد المنافسين، واختارت يو بي إس، التي وافقت على التعاون أساساً لمنع دي إتش إل من إتمام اتفاق مشابه مع المنافس الآخر فيدإكس.

حقّقت يو بي إس أرباحاً مذهلة من هذا التعاون، إلا أن الشراكة لم تدم طويلاً، واستمرت خسائر دي إتش إل لتضطرّ إلى التّوقف عن تقديم خدماتها البريّة والجويّة في الولايات المتّحدة، مركّزةً جهودها على بلدان أخرى.

الحفاظ على الشّراكة وعدم اعتبارها مؤقّتةً

لا يجب أن يدخل أحد الطّرفين شراكة تعاونٍ تنافسيٍّ، وهو ينوي أن يكون الاتّفاق مؤقّتاً. فمن الضّروريّ مراعاة الشّفافيّة والتّأكّد من أنّ الشّراكة الصّحّيّة هي الّتي تتطوّر باستمرارٍ، وتلبّي احتياجات كلا الطّرفين حتّى إذا كانت مختلفةً.

وهذا يتطلّب تصوّر السّيناريوهات المختلفة ووضع خططٍ للطّوارئ وعلاج موضوعاتٍ مستقبليّةٍ مثل تطوير المنتجات وطريقة عمل كلّ طرفٍ مع بقيّة المنافسين.

فهذا النّوع من الشّراكات ليس للحلول السّريعة، بل يجب أن يعتمد على التّوازن والوضوح والشّفافيّة لتزيد الثّقة، وتتراجع مخاطر التّعاون بين المتنافسين.

وفي الختام، يجب أن نؤكّد على أنّ استراتيجيّة التّعاون التّنافسيّ لا تنجح مع الجميع، ولكنّها انتشرت بقوّةٍ في بعض المجالات مثل صناعة السّيّارات، وصناعة الهواتف وألعاب الفيديو والتّغذية.

وقد يتركّز الأمر في الكثير من الأحيان على البحث العلميّ المشترك وإدخال التّقنيّات الحديثة وتقاسم التّكاليف مع الإبقاء على المنافسة الشّرسة في السّوق.

وقد لا يستمرّ التّعاون فتراتٍ طويلةٍ، وهذا لا يعني فشله، بل فقط أنّ الفائدة منه انتهت لطرفٍ أو لأطرافٍ. فالتّعاون التّنافسيّ لا يعني الاندماج الكامل، ولكن فقط اختيار الجوانب الّتي تفيد جميع الأطراف والصّناعة ذاتها.

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
آخر تحديث:
تاريخ النشر: