التعليم الحديث: حين تجمع الفصول الدراسية بين اللّعب والتعلّم
يمكن للرياضات الإلكترونية أن تربط شغف الطلاب بتطلعاتهم الأكاديمية والشخصية، ممّا يخلق بيئة تعلّم تفاعلية تعزز المهارات والنمو
هذا المقال متوفر أيضاً باللغة الإنجليزية هنا
لطالما تجنّب المربُّون إدخال الألعاب في العمليّة التّعليميّة، لكنّ هذا الواقع بدأ يتغيّرُ مع دمجِ ألعابٍ مثل ليج أوف ليجندز (League of Legends)، أوفرواتش (Overwatch)، روكيت ليج (Rocket League) وفورتنايت (Fortnite) في البيئات التّعليميّة، إذ إنّ إنشاء مجتمعٍ متمحورٍ حول الرّياضات الإلكترونيّة في المدارس، يُمكنُ أن يساعد الطّلاب على مواءمة شغفهم مع تطلّعاتهم الأكاديميّة والشّخصيّة، ممّا يخلقُ بيئةً يتعلّمون فيها، وينمون ويكتسبون مهاراتٍ مُتعدّدةً.
توسّعت الرّياضات الإلكترونيّة، التي تُمثّل عالماً من الألعاب التّنافسيّة المُنظّمة، حيثُ يتنافسُ الفرقُ واللّاعبون الفرديّون عبر الإنترنت، بمرور الوقت. ومن المُتوقّع أن يصل حجمُ سوق الرّياضات الإلكترونيّة عالميّاً إلى 4.3 مليار دولارٍ في عام 2024، وفقاً لإحصائيّات Statista. ويشيرُ تقريرٌ حديثٌ من BCG حول قطّاع الألعاب إلى أنّ أكثر من 60% من سكّانِ الشّرق الأوسط هم من عشّاقِ الألعاب، مع كون المنطقة تحتلُّ أحد أعلى مُعدّلات تحميل تطبيقات الألعاب المحمولة في العالم.
يقولُ ماثيو بيكرينغ، الرّئيسُ التّنفيذيُّ لشركة باور ليج جيمينج (Power League Gaming)، وهي وكالةُ خدماتٍ كاملةٍ في مجال الألعاب في منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا: "في الشّرق الأوسط، لا سيما في الإمارات العربيّة المُتّحدة والمملكة العربيّة السّعوديّة، يتراوحُ عمرُ اللّاعبين بين 14 و34 عاماً، فهذه الفئةُ العمريّةُ تجدُ الألعاب وسيلةً رئيسةً للتّرفيه".
التّحوّل الجذريّ
غالباً ما ينسبُ الآباءُ والمربُّون زيادة العنف والسّلوكيّات المعادية للمجتمع إلى الإفراط في الألعاب. في تقريرِ مورت بول لعام 2020 في الولايات المُتّحدة، أفاد 86% من الآباء بأنّهم يعتقدون أنّ أطفالهم يُضيّعون الكثير من الوقت في لعب الفيديو، كما وجدت دراسةٌ حديثةٌ حول تأثير الألعاب على الأطفال والمراهقين في العالم العربيّ أنّ زيادة وقت اللّعب مرتبطةٌ بزيادة خطر السّلوك العدوانيّ والعداء.
ومع ذلك، مع تطوُّر ألعاب الفيديو من تجاربِ اللّاعب الواحد إلى تنسيقاتٍ تنافسيّةٍ مُتعدّدة اللّاعبين عبر الإنترنت، يُلاحظُ المؤيّدون أنّ الرّياضات الإلكترونيّة يمُكنُ أن تُقدّم نفس فوائد الرّياضات التّقليديّة، مثل تعليم الطّلاب العمل الجماعيّ، القيادة، التّواصل، حلّ المشكلات، والتّفكير الاستراتيجيّ. واليوم، يستخدمُها المربُّون كنشاطٍ خارج المنهج لتحسين تجربة التّعلّم للطّلاب..
إذا كانت متوافقةً مع معايير المناهج والأهداف التّعليميّة، يُمكنُ أن تحوّل الرّياضات الإلكترونيّة التّعلم إلى عمليّةٍ نشطةٍ بدلاً من عمليّةٍ سلبيّةٍ غير نشطة، ويمكنُ للألعاب التّعليميّة تحسين نتائج التّعلم، خاصةً في موادّ العلوم والتّكنولوجيا والهندسة والرّياضيات (STEM)، من خلال السّماح للطّلاب بتصوّر المفاهيم المُعقّدة في بيئةٍ افتراضيّةٍ والتّفاعل معها.
الدّعم المتزايد للرّياضات الإلكترونيّة في التّعليم في منطقة الخليج
تقفُ مدرسةُ جيمس فيرست بوينت (GEMS FirstPoint School) كرائدةٍ في الإمارات العربيّة المُتّحدة والشّرق الأوسط، حيثُ تُقدّمُ مؤهّلات BTEC في الرّياضات الإلكترونيّة وتصميم الألعاب الرّقميّة، بالإضافة إلى تقديم الرّياضات الإلكترونيّة كنشاطٍ خارج المنهج وإقامة مسابقاتٍ وبطولاتٍ داخليّةٍ، إذ أدخلت جيمس أكاديميّةً للرّياضات الإلكترونيّة وتصميم الألعاب، والّتي من المُقرّر أن تبدأ في سبتمبر 2024 في جميع مدارسها، بدعمٍ من صندوق جوائز المنح الدّراسيّة.
يقولُ بيكرينغ إنّ شركة باور ليج جيمينج ترى إمكاناتٍ هائلةً في اللّاعبين الشّباب في المدارس، وقد أطلقت مبادراتٍ لدعمهم، فأوضح: "لقد طوّرنا شراكاتٍ مع مزوّدي التّعليم، مثل جيمس للتّعليم ودائرة التّعليم والمعرفة (ADEK)، لتقديم برامجٍ تدريبيّةٍ وتطويريّةٍ تهدفُ إلى تعزيز مهارات الشّباب وتوفير مساراتٍ للدّخول في صناعات الألعاب والرّياضات الإلكترونيّة".
في وقتٍ سابق من هذا العام، تعاونت شركة "الدار للتّعليم" (Aldar Education) مع شركة "لينوفو" (Lenovo) لإطلاق مركز "لينوفو" (Lenovo) للرّياضات الإلكترونيّة في مدرسة K-12 في أبوظبي. يقع المركز في أكاديمية "وست ياس" (West Yas Academy) التّابعة للدّار للتّعليم، ويُقدِّم للطلاب معدّات الألعاب والبرمجيّات، وتجارب ألعابٍ غامرة.
التّعليم القائم على اللّعب
إلى جانب دمج الرّياضات الإلكترونيّة التّنافسيّة في التّعليم، يسعى المربُّون بشكلٍ متزايدٍ إلى تعليمٍ قائمٍ على اللّعب، إذ يشيرُ التّعليمُ القائمُ على اللّعب إلى دمج عناصر وآليّات الألعاب في تجارب التّعلّم لتعزيز تفاعل الطّلاب، وزيادة التّحفيز، وتحقيق نتائج تعليميّةٍ أفضل، وذلك من خلال تطبيق مبادئ الألعاب، مثل النّقاط، والشّارات، ولوحات الصّدارة في التّعليم لجعله أكثر جاذبيّةً.
يقولُ بيكرينغ: "سيعتمدُ قطّاعا التّعليم والتّدريب بشكلٍ متزايدٍ على تقنيّات الألعاب، لتوفير تجارب تعلّمٍ غامرةٍ".
يعملُ مطوّرو الألعاب على دمج الجوانب التّعليميّة في ألعابهم بشكلٍ مُتزايدٍ، فها هي نسخةُ التّعليم من لعبة ماينكرافت (Minecraft Education Edition) تتميّزُ بمكتبةٍ شاملةٍ من خطط الدّروس والدّروس التّوجيهيّة؛ لتعزيز التّعلّم التّعاونيّ من خلال قدراتها مُتعدّدة اللّاعبين، كما يوجدُ ألعابٌ أخرى، مثل روبلوكس (Roblox)، تُستخدمُ لتعليم تصميم الألعاب والبرمجة، ممّا يسمحُ للطّلاب بتصميم الألعاب والمشاريع.
إن دمج الرّياضات الإلكترونيّة والتّعليم القائم على اللّعب في التّعليم لا يُعزّزُ فقط تفاعل الطّلاب، بل يُعززُ أيضاً مجموعةً متنوّعةً من المهارات، ويُشجّعُ على تنمية المعرفة الرّقميّة، ويُعزّزُ النّموّ الاجتماعيّ والعاطفيّ، ويفتحُ مساراتٍ لمستقبلٍ مهنيٍّ واعدٍ، كما ويُمكنُ للمعلّمين الاستفادة من إمكانات الرّياضات الإلكترونيّة لصياغة تجارب تعلُّمٍ مؤثّرةٍ ومهمّةٍ تتماشى مع اهتمامات الطّلاب الرّقميين اليوم.