التفويض الفعّال: كيف تبني الثقة وتضمن المساءلة دون مراقبة؟
يعزّز التّفويض المدروس بناء الثّقة والمسؤوليّة داخل الفريق، ممّا يضمن تحقيق الأهداف بكفاءةٍ
تخيّل هٰذا المشهد: يكلّف محقّقٌ رئيسيٌّ متمرّسٌ مساعده المبتدئ بعمليّة مراقبةٍ حسّاسةٍ، فينظر إليه بثقةٍ، ويشجّعه بإيماءةٍ قبل أن يقول: "أعلمني بالتّطوّرات"، بهٰذه العبارة البسيطة والواضحة، والأهمّ، المليئة بالثّقة، يظهر المحقّق مهارةً قياديّةً عاليةً، إذ يتقن فنّ التفويض بثقةٍ مع ضمان المساءلة، دون اللّجوء إلى الرّقابة المفرطة.
لا يعني التفويض الفعّال مجرّد توزيع المهامّ والاختفاء، بل يتطلّب تمكين الفريق، وتزويده بالوضوح اللّازم، وتوفير الدّعم، مع الالتزام بالمساءلة. لذا، سأقدم لك نصيحةً مهمّةً: حدّد مواعيد تسليمٍ دقيقةً وواضحةً لتجنّب الغموض، واعتمد إطاراً عمليّاً لإدارة المهامّ، مثل نموذج RACI -الّذي يوضّح المسؤوليّات: من هو المسؤول (Responsible)، ومن يحاسب (Accountable)، ومن يجب استشارته (Consulted)، ومن يتمّ إبلاغه (Informed)، فبهٰذه الطّريقة يعرف كلّ فردٍ دوره وتوقيته بوضوحٍ، دون أيّ تخمينٍ.
هل ستتأثّر صورتك أمام الآخرين؟
قد يساورك القلق من أن تحديد المواعيد أو الاستعانة بأدواتٍ -مثل RACI- قد يبدو وكأنّه تحكّمٌ مفرطٌ، أو قد يعطي انطباعاً بأنّك لا تثق بفريقك، وربّما تقلق من أنّ هٰذا الأسلوب قد يؤثّر على شعبيّتك، ولكنّ التّوازن بين الوضوح والثّقة هو مفتاح النّجاح.
إليك الحقيقة: يبني الوضوح الثّقة والاحترام، فعندما يدرك الجميع ما هو مطلوبٌ منهم ومتى يتوقّع إنجازه، يقلّ الغموض، وتتعزّز الثّقة في سير العمليّة، إذ تشكّل الثّقة العنصر السّرّيّ الّذي يجعل التّفويض ناجحاً.
كيف تحقّق التّوازن بين الثّقة والمساءلة عند تفويض المهام؟
حدّد مواعيد تسليمٍ واضحةً لضمان الوضوح والمتابعة، واستخدم نظاماً مثل RACI لتوضيح الأدوار والمسؤوليّات. والآن إليك 5 نصائح لتفويض أكثر فعاليّةً:
- وضّح وحدّد باختصارٍ: عرّف المهمّة بوضوحٍ، وبيّن النّتيجة المتوقّعة، وضع موعداً نهائيّاً محدّداً، إذ يعتبر الغموض العدوّ الأكبر للمساءلة.
- أضف "بحلول متى" دائماً: حدّد وقتاً محدّداً للمتابعة أو لإنهاء المهمّة، إذ يساعد ذٰلك على توحيد جهود الفريق، ويمنع تأخير المهمّات.
- استخدم RACI لتوضيح الأدوار: اعتمد إطار عملٍ، مثل RACI، لتحديد المسؤوليّات بوضوحٍ، إذ يسهم ذٰلك في تقليل الالتباس، ويشجّع على التّنفيذ.
- أظهر الثّقة وراقب: عزّز الثّقة بفريقك عبر منحهم الحرّيّة لتحمّل مسؤوليّاتهم، ولكن حافظ على مشاركتك لتقديم الدّعم والتّوجيه عند الضّرورة.
- احتفل وراجع الأداء: احتف بالجهود والإنجازات، وقم بمراجعة العمليّات باستمرارٍ لتطوير التفويض وتعزيز المساءلة.
ابن الثّقة، وتابع بعنايةٍ
يتطلّب التفويض -دون التّخلّي عن المسؤوليّة- تحقيق توازنٍ دقيقٍ بين الثّقة والمتابعة، إذ يتيح هٰذا النّهج تمكين الفريق لتحقيق النّجاح مع ضمان وضوح الأهداف والمتابعة المستمرّة. لذلك، أضف موعداً محدّداً للتّسليم أو استخدم أداةً مثل RACI لتحويل عمليّة التفويض من تخمينٍ عشوائيٍّ إلى استراتيجيّةٍ فعّالةٍ.
لا تعني عبارة "أبقني على اطّلاعٍ" مجرّد كلماتٍ عابرةٍ، بل تختصر رسالةً مهمّةً: "أثق بك لتتحمّل المسؤوليّة، وسأظلّ متاحاً لدعمك وتوجيهك عند الحاجة". فعندما تفوّض بمهارةٍ، تنشأ ثقافةٌ تعزّز التّمكين والمسؤوليّة داخل فريقك. لذٰلك، حين تقول "أبقني على اطّلاعٍ" في المرّة القادمة، اجعل كلماتك مدعومةً بالوضوح والعناية والثّقة بقدرات فريقك.
اجعل الثّقة أساساً، والوضوح والمتابعة دعائم النّجاح، حيث يعزّز هٰذا الأسلوب -عند تطبيقه بشكلٍ صحيحٍ- التّعاون الفعّال، ويرسّخ المساءلة، ويحقّق النّتائج المتميّزة؛ لأنّ القيادة النّاجحة تقوم على التّمكين والثّقة والمسؤوليّة.