التوظيف القائم على المهارات: وداعاً لطرق التوظيف التقليدية!
ثورةٌ في عالم الوظائف تساعد الشّركات على استقطاب المواهب المناسبة مع تقليل التّكاليف في ظلّ التّغيرات السّريعة في بيئات العمل المعاصرة
في ظلّ التغيُّرات السّريعة الّتي يشهدها سوق العمل في العصر الحديث، أصبحت الشّركات تواجهُ تحدّياتٍ كبيرةً في استقطاب المواهب المناسبة لمواكبة هذه التّحوُّلات، ومع تزايد فجوة المهارات وتطوُّر التكنولوجيّا بوتيرةٍ متسارعةٍ، أصبح من الضّروريّ تغيير منهجيّات التوظيف التّقليديّة الّتي تعتمد بشكلٍ كبيرٍ على الشّهادات والدّرجات الأكاديميّة. بدلاً من ذلك، يتّجه العديد من الشّركات إلى تبنِّي نهج التوظيف القائم على المهارات، والّذي يُركِّز على ما يستطيع الفرد فعله وما يمكنه تقديمه للشّركة، بغضّ النّظر عن خلفيّته الأكاديميّة.
مفهوم التوظيف القائم على المهارات
يعتمدُ التوظيف القائم على المهارات على تقييم المهارات العمليّة والمعرفيّة التي يمتلكها الفرد، بدلاً من الاعتماد فقط على الشّهادات أو المسميّات الوظيفيّة الساّبقة. وفقاً لتقريرٍ صدر عن شركة Gartner، فإنَّ مستقبلَ العمل يتمحور حول الإنسان، ممّا يعني أنّ الشّركات بحاجةٍ إلى إعادة النّظر في أساليب التوظيف والتّركيز بشكلٍ أكبرٍ على المهارات القابلة للتّطبيق في العمل.
التحدّيات والفرص في سوق العمل الحديث
أصبح التوظيف الّذي يُركِّز على المهارات أكثر أهميّةً في ظلّ التّقدُّم التّكنولوجيّ السّريع، وتقلُّص القوى العاملة، حيث تتطلّب العديد من الوظائف مهاراتٍ محددةً قد لا تتوفّر بشكلٍ كافٍ لدى المرشَّحين. ومن هذا المنطلق، تُوفِّر الشّركات التي تعتمد على هذا النّهج فرصاً أوسع لتوظيف المرشَّحين المناسبين مع تقليل الاعتماد على الشّهادات الأكاديميّة كمعيارٍ وحيدٍ للتوظيف.
في الواقع، أظهرت الدّراسات أنّ الشّركات، الّتي تعتمد على توظيف الأفراد بناءً على مهاراتهم، تمتلك فرصاً أكبر للابتكار والقدرة التنافسيّة، إذ إنّها تكون أكثر مرونةً وقادرةً على التّأقلم مع التّغيُّرات السّريعة في سوق العمل، كما أنَّ هذا النّهج يساعد على تقليل تكاليف التّوظيف الخاطئ، إذ أظهرت الأبحاث أنَّ 75% من أرباب العمل يعترفون بتوظيف الشّخص الخطأ في بعض الأحيان، ممّا يؤدّي إلى خسائر ماديةٍ كبيرةٍ قد تصل إلى 17,000 دولارٍ أمريكيٍّ لكلّ عمليّة توظيفٍ غير ناجحةٍ.
تقليل تكاليف التوظيف وزيادة الفعاليّة
يُمكن أن يُسهمَ التوظيف القائم على المهارات في تقليل تكاليف دوران العمالة الطّوعي والتّعيينات غير الصّحيحة بشكلٍ كبيرٍ. على سبيل المثال، تشير الأبحاث إلى أنَّ تكلفةَ استبدال الموظّف قد تصل إلى 40% من راتب الموظّف في الخطوط الأماميّة، و80% للأدوار الفنيّة، و200% للقادة والمديرين. ولذا، فإنَّ التوظيف القائم على المهارات يُسهم في تقليل هذه التّكاليف من خلال استقطاب المرشَّحين الذين يمتلكون المهارات المناسبة.
بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ هذه الطّريقة تزيد من تنوُّع قاعدة المواهب المُتاحة للشّركات، حيث تُشير الدّراسات إلى أنَّ الشّركات -الّتي تُركِّز على المهارات بدلاً من الشّهادات- تزيد فرصها في العثور على المرشَّحين المناسبين، وهذا يُوفِّر الوقت والمال والموارد للشّركات، كما ويسهم في تسريع عمليّة التوظيف بشكلٍ أكثر فعاليّةً.
تطوير بيئة عملٍ قائمةٍ على المهارات
لتتمكَّن الشّركات من مواكبة التّطوُّرات الحاليّة في سوق العمل، يجب عليها التّركيز على بناء قوّةٍ عاملةٍ مرنةٍ وقادرةٍ على التّكيف مع المتغيّرات، إذ يعتمد ذلك على تقييم المهارات الفعليّة الّتي يجلبها الأفراد إلى العمل، بدلاً من الاعتماد فقط على الأقدميّة أو الشّهادات، وقد وجدت دراسةٌ أجرتها ديلويت أنَّ الشّركات الّتي تتبنَّى هذا النّهج أكثر عرضةً بنسبة 98% للاحتفاظ بالموظّفين المميّزين، وتُعرف بأنَّها بيئاتٌ إيجابيّةٌ للنّموّ والتّطوّر المهنيّ.
كما أشار تقرير مستقبل الوظائف الصّادر عن المنتدى الاقتصاديّ العالميّ لعام 2023 إلى أنَّ 44% من مهارات الموظّفين الحاليّة ستصبح غير مجديةٍ خلال السّنوات الخمس المقبلة، كما ويُعزِّز ذلك الحاجة إلى التّركيز على تطوير المهارات المعرفيّة والاجتماعيّة، مثل: التّفكير النّقديّ والتّكيّف مع التّقنيات النّاشئة.
الاستثمار في تطوير المهارات
إنَّ الاستثمارَ في رفع مهارات الموظّفين وإعادة تأهيلهم لا يقلُّ أهمّيةً عن عمليّة التوظيف نفسها، إذ يجب على الشّركات أن تُركّزَ على توفير فرص التّعلّم المستمرّ وتطوير المهارات اللّازمة لمواكبة التّحوُّلات الّتي يشهدها سوق العمل، ويشمل ذلك التّركيز على المهارات الرّقميّة والاجتماعيّة، مثل: التفكير الإبداعي والمرونة، الّتي أصبحت متطلباتٍ أساسيّةً في العديد من الوظائف اليوم.
وجدت الأبحاث أنَّ 60% من العمّال سيحتاجون إلى تدريبٍ على مهاراتٍ جديدةٍ بحلول عام 2027، مثل: التّفكير التّحليليّ والإبداعي والقدرة على التّعامل مع الذّكاء الاصطناعيّ والبيانات الضّخمة، وهذا يتطلّب من الشّركات تبنّي برامج تطويرٍ مهنيٍّ تضمن تحديث مهارات موظّفيها بشكلٍ دوريٍّ.
ثقافة التّعلُّم المستمرّ
إلى جانب التّركيز على المهارات، يجب على الشّركات تعزيز ثّقافة التّعلُّم المستمرّ الّتي تُتيح للموظفين تطوير مهاراتهم باستمرارٍ، إذ يرى العديد من الموظّفين- خاصّةً من الجيل الجديد- أنَّ فرصَ التّعلم والتطوير المهنيّ هي من أهمّ الأسباب الّتي تجعلهم يختارون العمل لدى شركةٍ معيّنةٍ، كما أنَّ الاستثمار في تطوير المهارات يؤدّي إلى خلق قوّةٍ عاملةٍ ملتزمةٍ ومستعدّةٍ لمواجهة التحدِّيات المُستقبليّة.
مستقبل العمل والابتكار
مع استمرار تطوُّر مستقبل العمل، ستظلُّ الشّركات الّتي تعتمد على المهارات أكثر قدرةً على التّكيّف والابتكار، ما يمكّنها من البقاء في الطّليعة، فالمرونة والقدرة على الابتكار ستكونان عنصرين أساسيّين للحفاظ على الميّزة التّنافسيّة في ظلّ التّغيّرات المستمرّة في بيئات الأعمال.
إنَّ التّحوُّل نحو التوظيف القائم على المهارات أصبح ضرورةً مُلِحَّةً للشّركات الّتي تسعى للبقاء في المنافسة والابتكار في سوق العمل المُتغيّر، ومن خلال التّركيز على تطوير المهارات المناسبة وتعزيز ثقافة التّعلُّم المستمرّ، يُمكن للشّركات بناء قوّةٍ عاملةٍ قادرةٍ على مواجهة تحدّيات المستقبل وتحقيق النّجاح المُراد.