الثقافة التنظيمية: روحٌ خفيّةٌ تُحرّك الشركات نحو النجاح
كيف تُؤثّر بيئة العمل على أداء الشّركات وتوجهاتها الاستراتيجيّة، وما هي العوامل الأساسيّة التي تُشكّل هوية الشّركة وتُحفّز سلوك موظفيها؟
الثقافة التنظيمية هي تلك الرُّوح الخفيَّة الَّتي تسري في عروق الشَّركات والمؤسَّسات، فتُحدِّد كيفيَّة تفكير الموظَّفين وتصرُّفاتهم، بل وحتَّى ما إذا كانوا يبتسمون عند شُرب قهوّتهم في الصَّباح، فهي ليست مجرَّد لائحةٍ من القيم المكتوبة على الجدران، إنَّما التَّرجمة الحيَّة لتلك القيم في كلِّ تفاعلٍ يوميٍّ وكلِّ قرارٍ يُتَّخذ.
وإذا كانت الثقافة التنظيمية الجيِّدة تُشبه نكهة القهوة المثاليَّة الَّتي تمنحك الطَّاقة طوال اليوم، فإنَّ الثَّقافة السَّيئة تشبه تلك القهوة الباردة الَّتي تُنسى على المكتب، ولا يودُّ أحدٌ الاقتراب منها، وكما يقولون: "الثَّقافة تأكل الاستراتيجيَّة على الفطور"، فهل مؤسَّستك مستعدَّةٌ للوجبة؟
ما هي الثقافة التنظيمية؟
الثقافة التنظيمية تُمثّل النَّبض الخفيَّ الَّذي يُحدّد توجّهات وسلوكيَّات الشَّركة، فهي ليست مجرَّد مجموعةٍ من القيم والمعتقدات، بل هي القوَّة الدَّافعة الَّتي تُؤثِّر على كلّ جوانب الحياة اليوميَّة داخل المنظَّمة، من سياسات اللّباس إلى تصميم المكاتب، ومن ساعات العمل إلى المزايا الَّتي يتمتَّع بها الموظَّفون، كلُّ شيءٍ يتأثَّر بثقافة الشَّركة.
هذه الثَّقافة ليست شيئاً يُكتب في كتيبات الشَّركة، بل تنبثق ممَّا يؤمن به النَّاس، وكيف يُفكِّرون ويتصرَّفون؛ إنَّها المعيار الَّذي يُحدِّد ما هو مقبولٌ وما هو مرفوضٌ، وتُشكّل المبادئ الأساسيَّة الَّتي تقود سلوك الموظَّفين.
في أوقات التَّغيير، تظهر أهميَّة أبعاد الثقافة التنظيمية بشكلٍ جليٍّ، فهي إمَّا أن تكون سنداً يُعزّز قدرة الشَّركة على التَّكيُّف أو عائقاً يعرقل التَّحوُّلات الضَّروريَّة، فالشَّركة الَّتي تتمتَّع بثقافةٍ مرنةٍ وتعاونيَّةٍ ستجد نفسها أكثر استعداداً للتَّجاوب مع التَّغيير، على عكس تلك الَّتي تعتمد على البيروقراطيَّة والجمود؛ لذا فإنَّ فهم قادة الشَّركة لثقافتها الدَّاخليَّة يُعدُّ أمراً حاسماً لنجاحهم في قيادة مؤسَّساتهم خلال فترات التَّحوُّل. [1]
شاهد أيضاً: لا تصف شركتك بالـ "عائلة": درسٌ غنيٌ من نتفليكس في بناء ثقافة تنظيمية
هل الثقافة التنظيمية ضرورية؟
الثقافة التنظيمية تُعدُّ من العوامل الحاسمة الَّتي تُحدِّد أداء الشَّركات وتُوجّه مسارها، فهي الَّتي ترسم ملامح كيفيَّة تنفيذ الأعمال داخل المؤسَّسة، وقد تكون قوَّةً بنَّاءةً تدفع نحو النَّجاح أو عاملاً مدمّراً يقود إلى الفشل، لو تخيُّلنا المؤسَّسة كمحرّكٍ، فإنَّ مكوِّنات الثقافة التنظيمية هي الزَّيت الَّذي يضمن سلاسة تشغيل هذا المحرِّك، فالثَّقافة الصَّحيحة قد تكون الرَّكيزة الأساسيَّة الَّتي تقود استراتيجيَّتك إلى النَّجاح، بينما الثَّقافة غير الملائمة قد تكون سبباً في تدهور الأداء أو حتَّى السُّقوط المدوّي.
وعلى الرَّغم من ذلك، يُخطئ الكثير من المديرين حين يُقلِّلون من شأن هذه الثَّقافة، ويركِّزون بشكلٍ حصريٍّ على الاستراتيجيَّة، حيث إنَّ هذا النَّهج يُعدّ خطأً فادحاً، إذ إنَّها يجب أن تُعَامَل كأداةٍ استراتيجيَّةٍ أساسيَّةٍ، فهي إمَّا تدعم استراتيجيَّتك وتُعزّزها أو تعرقلها وتُضعفها؛ لذا فإنَّ إيلاءها الاهتمام الكافي هو أمرُ لا غنى عنه.
إضافةً إلى ذلك، تُعدُّ أبعاد الثقافة التنظيمية السّمة الأكثر تميُّزاً التي تُفرِّق بينك وبين منافسيك، حتَّى لو تمكَّن الآخرون من تقليد منتجك أو تصميمك أو خدماتك، فلن يستطيعوا تكرار جميع الأساليب والمفاهيم التَّنظيميَّة الَّتي تُشكِّل قرارات وسلوكيَّات موظَّفيك.
السُّؤال الحقيقيُّ ليس ما إذا كانت لديك ثقافة تنظيمية، بل ما إذا كانت هذه الثَّقافة تدفعك نحو تحقيق أهدافك التّجاريَّة أم تعيقك عن ذلك؟ [2]
مكونات الثقافة التنظيمية
تُشكِّل مكوِّنات الثقافة التنظيمية الرَّكائز الأساسيَّة الَّتي تقوم عليها هويَّة المؤسَّسة، فهي الَّتي تُحدّد ملامحها وتوجّه سلوكيَّات موظَّفيها، هذه المكوّنات لا تقتصر على تشكيل الإطار العام للبيئة المؤسَّسيَّة فحسب، بل تلعب دوراً حاسماً في رسم مسارات التَّفاعل بين الأفراد داخل المنظَّمة، وتحديد كيفيَّة تواصلهم واتّخاذهم للقرارات، ومن أبرز هذه المكوّنات: [3]
- القيم والمعتقدات: هي المبادئ الجوهريَّة الَّتي تؤمن بها الشَّركة، والَّتي تَصوغ سلوك الأفراد وقراراتهم داخلها.
- المعايير السُّلوكيَّة: تُمثِّل القواعد غير المكتوبة الَّتي تُحدِّد المقبول والمرفوض في بيئة العمل، بدءاً من أساليب التَّفاعل بين الموظَّفين إلى كيفيَّة التَّعامل مع العملاء.
- الرُّموز والشَّعائر: تتجسَّد في العناصر المرئيَّة والممارسات المتكرّرة الَّتي تُعزِّز هويَّة الشَّركة، مثل: الشّعار الرَّسميّ، الزّيّ الموحَّد، والاحتفالات المؤسَّسيَّة.
- اللُّغة وأسلوب التَّواصل: تضمُّ المصطلحات واللُّغة الخاصَّة الَّتي يتداولها الموظَّفون، والَّتي تعكس ثقافة المؤسَّسة، وتُعزّز الهويَّة الجماعيَّة.
- الهيكل التَّنظيميُّ: يعكس توزيع السُّلطة والمسؤوليَّات داخل المنظَّمة، ممَّا يؤثّر على ديناميَّات التَّفاعل واتّخاذ القرارات.
- القصص المؤسَّسيَّة: هي الحكايات والتّجارب الَّتي تتناقلها الأجيال داخل المنظَّمة، والَّتي تُسهم في تشكيل وتعزيز الثَّقافة التَّنظيميَّة.
- بيئة العمل: تشمل تصميم المكان الَّذي يعمل فيه الموظَّفون، ومدى مرونته في تعزيز التَّعاون أو توفير العزلة حسب الحاجة.
هذه المكوِّنات بتضافرها، تَخلق ثقافة تنظيمية فريدةً لكلِّ مؤسَّسةٍ، بحيث تُؤثِّر بشكلٍ حاسمٍ على أدائها وقدرتها على التَّكيُّف مع التَّغيُّرات المستمرَّة في بيئة الأعمال.
أبعاد الثقافة التنظيمية
أبعاد الثقافة التنظيمية تُعدُّ البوصلة الَّتي توجّه سلوكيَّات الأفراد داخل المؤسَّسة، وتُحدّد كيفيَّة تفاعلهم مع بعضهم بعضاً ومع العالم الخارجيّ، فهي أشبه بمزيجٍ سحريٍّ، قد يضمن لكَ النَّجاح الاستراتيجيَّ إذا أحسنت خلط مكوّناته، أو قد يدفعك إلى إعادة التَّفكير في وصفة نجاحك. [2]
فعاليّة المنظمة: ثقافة الوسائل مقابل ثقافة الأهداف
يتعلَّق هذا البعد بمدى فعاليَّة المنظَّمة وكيفيَّة إنجاز الأمور، ففي الثَّقافة الموجَّهة نحو الوسائل، التَّركيز ينصب على "كيف" يتمُّ العمل، حيث يميل الموظَّفون إلى التَّماهي مع الإجراءات والعمليَّات أكثر من النَّتائج، أمَّا في الثَّقافة الموجَّهة نحو الأهداف، فالموظَّفون يشبهون القناصين؛ يركِّزون على تحقيق أهدافٍ محدَّدةٍ، حتَّى لو كانت الرّحلة محفوفةً بالمخاطر، في ثقافة الوسائل، كلُّ يوم عملٍ يبدو وكأنَّه نسخةٌ مكرَّرةٌ من سابقه، بينما في ثقافة الأهداف، اليوم قد يبدأ بمغامرةٍ جديدةٍ للوصول إلى الهدف المنشود.
توجّه العملاء: التّحفيز الدّاخلي مقابل التّحفيز الخارجيّ
في الثَّقافات الَّتي تعتمد على التَّحفيز الدَّاخليّ، الموظَّفين يعتقدون أنَّهم يعرفون أفضل ما يناسب العملاء، حيث تسبقهم أخلاقيَّات العمل، ويعدُّون أنَّ الصّدق أهمُّ من كلِّ شيءٍ آخر. ومن ناحيةٍ أُخرى، في الثَّقافات الموجَّهة خارجيّاً، الشّعار هو "الزُّبون دائماً على حقٍّ"، حيث تكون تلبية رغبات العملاء هي الهدف الأوَّل والأخير، ولو على حساب القيم الأخلاقيَّة.
مستوى الانضباط: الثّقافة المرنة مقابل الثّقافة المنضبطة
هذا البُعد يقيس مستوى الانضباط والتَّحكُّم بالشَّركة، في الثَّقافات المرنة، تجد بيئة عملٍ أشبه بمسرحٍ ارتجاليٍّ؛ مليئةً بالمفاجآت وقليلة التَّنظيم، أمَّا في الثَّقافات المنضبطة، فالأمور تسير كالسَّاعة السويسريَّة، حيث يسود الانضباط، والدّقَّة، والجديَّة في كلّ تفاصيل العمل، في هذه الحالة، حتَّى فنجان القهوة يتبع جدولاً صارماً!
التّركيز: محليّ أم مهنيّ؟
في الشَّركات ذات الثَّقافة المحليَّة، يشعر الموظَّفون بالانتماء إلى رئيسهم أو لفريقهم المحدَّد، وكأنَّهم أعضاءٌ في نادٍ صغيرٍ، أمَّا في المنظَّمات المهنيَّة، فالهويَّة تتشكَّل من خلال المهنة نفسها أو طبيعة العمل، فتجد الموظَّفين يتحدَّثون بلغة تخصُّصاتهم. وفي الثّقافة المحليَّة، الجميع يسير على نفس النَّمط، والتَّفكير قصير المدى هو المسيطر، بينما في الثَّقافة المهنيَّة، والفردانيَّة والاحترافيَّة هما العنوان.
الانفتاح: نظامٌ مفتوحٌ أم مغلقٌ؟
هذا البُعد يكشف لنا عن مدى سهولة الوصول إلى أروقة الشَّركة، في الثَّقافات المفتوحة، يتمُّ استقبال الوافدين الجدد بحفاوةٍ تُشبه حفاوة الاستقبال في المطارات، حيث الأبواب مفتوحةٌ للجميع من الدَّاخل والخارج. لكن، في الثَّقافات المغلقة، الدُّخول إلى المنظَّمة يشبه محاولة الوصول إلى نادي النُّخبة؛ ليس بالأمر السَّهل، ويحتاج إلى جهدٍ لإثبات الجدارة.
فلسفة الإدارة: الموظّف أم العمل؟
يعكس هذا البُعد فلسفة الإدارة في الشَّركة، إذا لاحظنا في المؤسَّسات الَّتي تضع الموظَّف في المقام الأوَّل، تشعر وكأنَّ الإدارة تتبنَّى دور الأهل الحنون، حيث رفاهيَّة الموظَّف تأتي قبل كلِّ شيءٍ، حتَّى لو تعثَّرت بعض الأعمال، أمَّا في المؤسَّسات الموجَّهة نحو العمل، فالأمور مختلفةٌ تماماً؛ الإنجاز هو الهدف الأسمى، والضَّغط لتحقيق النَّتائج قد يجعلك تشعر وكأنَّك في سباقٍ دائمٍ، حتَّى لو كان ذلك على حساب الرَّاحة النَّفسيَّة.
أنواع الثقافة التنظيمية
عند التَّعمّق في تحليل الثقافة التنظيمية، يصبح من الضَّروريّ التَّمييز بين عدَّة أنواعٍ مختلفةٍ منها، وغالباً لا تنفصل الأنواع عن بعضها بعضاً، وبخلاف ذلك يمكن أن تحتوي الشَّركة على مزيجٍ من هذه الثّقافات، اعتماداً على قيادتها وبيئتها وتوجُّهاتها الاستراتيجيَّة. [2]
ثقافة السّلطة: "أنا الرّئيس هنا!"
في هذه الثَّقافة، السُّلطة مركّزة في أيدي قلَّةٍ من القادة الَّذين يتحكَّمون بكلِّ شيءٍ، من القرارات الكبيرة إلى التَّفاصيل الصَّغيرة، يمكنك تخيُّلها كما لو أنَّك في فيلمٍ قديمٍ حيث يكون المدير فيه هو "الزَّعيم" الَّذي لا يُعارض، ويجب على الجميع الانصياع لأوامره، وكأنَّك تقول: "حين يقرّر المدير، كلُّنا نسمع وننفّذ!"
ثقافة الدّور: "كلٌّ في موقعه!"
هنا، كلُّ شخصٍ يعرف دورَه بدقَّةٍ، مثل فريق كرة القدم الَّذي يتقيَّد كلُّ لاعبٍ فيه بموقعه في الملعب، لا مكان للعشوائيَّة، فالكلُّ يعمل وفق خطَّةٍ محكمةٍ، إذا كنت من هؤلاء الَّذين يحبُّون الأمور المرتَّبة بدقَّةٍ، فهذا النَّوع من الثَّقافة هو حلمك! كمثالٍ على هذا النَّوع، تخيَّل أنَّك في مسرحيَّةٍ، وكلُّ ممثِّلٍ ملتزمٍ بدوره حرفيّاً، حتَّى لو حدث أيُّ طارئٍ على المسرح.
ثقافة الإنجاز: "الجوائز للجميع!"
في هذه الثَّقافة، النَّجاح هو الهدف الأسمى، الموظَّفون هنا مثل العدائين في سباق الماراثون، الجميع يركض نحو خطّ النّهاية لتحقيق الأهداف، إذا كنت ممن يحبُّون التَّحدّيات، ويحلمون بجوائز التَّميُّز، ستجد نفسك في بيتك هنا، كذلك قد تكون الأجواء كأنَّك في برنامج مسابقاتٍ تلفزيونيٍّ حيث يحصل الفائز على جائزةٍ كبيرةٍ.
ثقافة الدّعم: "الكلّ سندٌ لبعضه!"
هذه الثَّقافة تشبه الأسرة الكبيرة، حيث يساعد الجميع بعضهم بعضاً، إذا كان لديك زميلٌ يحتاج إلى مساعدةٍ، تجد الجميع يلتفُّون حوله، تخيَّل هذا النَّوع كما لو أنَّه فريقٌ من رجال الإطفاء، كلٌّ منهم يثق بزميله لمساعدته في أصعب الأوقات، هنا العلاقات الإيجابيَّة هي الأساس، والجميع يداً بيدٍ.
ثقافة الإبداع: "إلى أين تقودنا أفكارك المجنونة؟"
في هذا النَّوع من الثَّقافة، الأفكار الغريبة والمبتكرة تجد مكانها؛ إنَّها أشبه بمختبر العلماء المجانين في أفلام الرُّسوم المتحرِّكة، حيث يتمُّ تشجيع الجميع على التَّفكير خارج الصُّندوق، هنا لا يوجد مكانٌ لكلمة "مستحيل"، بل إنَّ شعارهم هو: "لم لا؟ جرّب!"، إذ إنّ ثقافة المهمَّة: "كلُّنا لأجل هدفٍ واحدٍ!"هذه الثَّقافة تجعل الجميع يُركِّز على هدفٍ واحدٍ مشتركٍ، مثل فرقةٍ من المتطوِّعين يعملون معاً لإنقاذ غابةٍ من الحرائق، حيث يتَّحد الجميع لتحقيق مهمَّةٍ نبيلةٍ، وهنا الهدف المشترك يقود الجميع، والرُّوح الجماعيَّة هي الأهمُّ.
ثقافة التّسلسل الهرميّ: "نظام، نظام!"
في هذه الثَّقافة، الأمور تسير بنظامٍ دقيقٍ مثل حركة السَّاعة، الجميع يتَّبع قواعد وإجراءاتٍ محدَّدةٍ، ولا يحبُّون الخروج عن النَّصِّ، لفهم هذا النَّوع أكثر، تخيَّل مكتباً حكوميّاً قديماً حيث كلُّ شيءٍ يتمُّ وفقاً للأنظمة واللَّوائح بدقَّةٍ متناهيَّةٍ، ولا مكان للعشوائيَّة. فبهذه الطُّرق المختلفة، تتشكَّل ثقافات الشَّركات، ولكلٍّ منها طابعها الخاصّ الَّذي يؤثّر على كيفيَّة تفاعل الأفراد وعملهم داخل المؤسَّسة، الأمر يشبه إلى حدٍّ كبيرٍ الفرق بين العيش في مدينةٍ هادئةٍ أو مدينةٍ صاخبةٍ، كلٌّ منها له جماله وطبيعته الخاصَّة.
ما هي الثقافة التنظيمية التي يجب أن نسعى إليها؟
لا توجد وصفةٌ سحريّةٌ للحصول على الثقافة التنظيمية الأفضل الَّتي تناسب الجميع؛ لأنَّه لا يوجد شيءٌ كهذا، إنَّما هناك ثقافةٌ تنظيميَّة مُثلى تعتمد على السّياق الَّذي تعمل فيه المنظَّمة واستراتيجيَّتها الخاصَّة. والأهمُّ هو أنَّ الثقافة التنظيمية يجب أن تكونَ انعكاساً دقيقاً للأهداف والطُّموحات الَّتي تسعى المنظَّمة لتحقيقها.
خذ على سبيل المثال شركة ناشئة طموحة، من الطَّبيعي أن تحتاجَ إلى ثقافةٍ تنظيميَّةٍ مرنةٍ تُشجِّع على الابتكار وسرعة الاستجابة، وذلك بعكس منظَّمةٍ دوليَّةٍ مستقرَّةٍ تعمل في بيئةٍ تتطلَّب هيكليَّةً صارمةً وإجراءاتٍ واضحةً، ومع مرور الوقت، ومع نُموّ الشَّركة النَّاشئة، قد تجد نفسها في حاجةٍ إلى بنيةٍ تنظيميَّةٍ أكثر صلابةً وإجراءاتٍ أكثر تحديداً، في مثل هذه الحالة، إذا استمرَّت الثقافة التنظيمية بالتَّركيز فقط على المرونة والاهتمام بالموظَّفين دون تطوير الهيكليَّة اللَّازمة، فقد تواجه صعوبةً في مواكبة التَّحدّيات الجديدة.
كما يجبُ أن نضعَ في اعتبارنا أنَّ الثَّقافة الوطنيَّة تلعب دوراً حاسماً في كيفيَّة إدراك وتطبيق الثقافة التنظيمية، في بعض الثَّقافات الَّتي تُقدِّر الفرديَّة وتُقلِّل من التَّراتبيَّة في السُّلطة، قد تزدهر المنظَّمات ذات الثَّقافة المفتوحة والمرنة، لكن في بيئاتٍ أُخرى حيث تُعدُّ الخبرة المبنيَّة على الأقدميَّة حجر الزَّاوية، قد تبدو هذه الثَّقافة غير ملائمةٍ أو حتَّى غير فعَّالةٍ. بالتَّالي السِّرُّ يكمن في تبنِّي الثقافة التنظيمية الَّتي تتماشى مع الاستراتيجيَّة العامَّة للمنظَّمة، وتكون قادرةً على التَّكيُّف مع التَّغيُّرات والاحتياجات المستقبليَّة، هذا التَّوازن هو ما يميّز ثقافة تنظيمية ناجحةً وقادرةً على الصُّمود والنُّموّ.
في النّهاية، إنَّ بناء ثقافةٍ تنظيميَّةٍ قويَّةٍ يتطلَّب رؤيةً واضحةً والتزاماً مستمرّاً، حيث لا يمكن تشكيلها بقراراتٍ مفاجئةٍ أو شعاراتٍ جذَّابةٍ فقط، بل هي نتاج جهودٍ متراكمةٍ وتجارب مشتركةٍ؛ لذا إذا كنت ترغب في أن تكون مؤسَّستك مكاناً يجذب المواهب، ويرفع من مستوى الإنتاجيَّة، فابدأ اليوم بتعزيز ثقافتك التَّنظيميَّة، وتذكَّر دائماً: أن تجعلَ منها نكهةً خاصّةً، لا تُنسى!