الجدول الزمني للنجاح المهني: الصبر مفتاح الوصول
بالتّركيز والتّفاني والاستعداد للتّكيّف والنّموّ، يمكن تحقيق النّجاح في أيّ عمر
هذا المقال متوفر أيضاً باللغة الإنجليزية هنا
عند الحديث عن بناء مسيرةٍ مهنيّةٍ ناجحةٍ، غالباً ما يكون الصّبر هو المفتاح. فالنّجاح لا يحدث بين ليلةٍ وضحاها؛ إنّه لعبةٌ طويلةٌ تتطلّب المثابرة والتّركيز والصّبر. وعلى الرّغم من وجود قصصٍ متداولة عن أفرادٍ حقّقوا نجاحاتٍ مذهلةً في سنٍّ مبكّرةٍ، إلّا أنّ الواقع لمعظم النّاس هو أنّ النّجاح يتكشّف مع مرور الوقت، وبطرقٍ قد لا تكون واضحةً فوراً.
بالتّأكيد، هناك تحدّياتٌ على طول الطّريق. فقد وجدت دراسةٌ من معهد "ترانسأمريكا" (Transamerica) أنّ أكثر من ثلث أصحاب العمل يعتقدون أنّ الشّخص البالغ من العمر 58 عاماً "كبيرٌ جدّاً" على أن يوظفّوه. وعلى النّقيض، فإنّ مؤسّس شركةٍ ناشئةٍ يبلغ من العمر 50 عاماً يكون أكثر احتمالاً بمرّتين لتحقيق نجاحٍ ملموسٍ مقارنةً بمؤسّسٍ يبلغ من العمر 30 عاماً.
هناك الكثير لنستكشفه هنا. فسواءً كنت موظّفاً يتسلّق السّلّم الوظيفيّ أو رائد أعمالٍ ينمّي مشروعه، فإنّ الرّحلة ستكون على الأرجح تقدّماً تدريجيّاً، فكلّ عقدٍ يجلب معالمه وتحدّياته الخاصّة. سنستعرض ذلك في هذا المقال، موضّحين أنّه رغم إلهام قصص النّجاح المعروفة، يجب أن نحذر من مقارنة مساراتنا المهنيّة بأمثال مارك زوكربيرغ وإيلون ماسك.
العشرينيّات: وضع الأساس
دعونا نوضّح أوّلاً: نعم، أسّس مارك زوكربيرغ فيسبوك، بينما كان لا يزال طالباً في جامعة هارفارد، وبحلول أوائل العشرينيّات من عمره، أصبحت الشّركة واحدةً من أكبر منصّات التّواصل الاجتماعيّ.
ولكن من الأنفع أن نرى العشرينيّات كفترة استكشافٍ وتعلّمٍ. هذا العقد هو المرحلة الّتي يكمل فيها معظم النّاس تعليمهم، أو يدخلون سوق العمل لأوّل مرّةٍ. إنّه وقتٌ لبناء المهارات الأساسيّة، واكتساب الخبرة، والبدء في فهم ديناميكيّات العالم المهنيّ. قد يتضمّن ذلك التّنقّل بين الوظائف، وتجربة أدوارٍ مختلفةٍ، أو حتّى بدء مشروعٍ جانبيٍّ لاختبار مياه ريادة الأعمال.
خلال هذا العقد، يكون الانفتاح على التّعلّم والقدرة على التّكيّف مع التّغيير أمراً حاسماً. والنّجاح في العشرينيّات ليس بالضّرورة عن الوصول إلى القمّة، بل عن اكتساب المعرفة والخبرة الّتي ستشكّل الأساس للنّجاح المستقبليّ. الصّبر ضروريٌّ هنا؛ فمن السّهل الشّعور بعدم تحقيق تقدّمٍ، بينما في الواقع، أنت تهيّئ المسرح لما سيأتي.
الثّلاثينيّات: بناء الزّخم
بحلول الثّلاثينيّات، كان إيلون ماسك قد شارك في تأسيس وبيع "باي بال" (PayPal). وعلى الرّغم من أنّ هذا النّوع من النّجاح السّريع قد يكون نادراً، فإنّ الثّلاثينيّات لمعظمنا هي العقد الّذي نصبح فيه أكثر استقراراً في مساراتنا المهنيّة، مع فهمٍ أوضح للأهداف والطّموحات.
غالباً ما يتعلّق هذا العقد ببناء الزّخم، واكتساب الخبرة وتطوير المهارات المكتسبة في العشرينيّات، والبدء في تطبيقها بطريقةٍ أكثر تركيزاً واستراتيجيّةً. سواءً كنت تسعى نحو ترقيةٍ، توسيع عملك، أو حتّى تفكّر في تحوّلٍ مهنيٍّ كبيرٍ، فإنّ الثّلاثينيّات هي الوقت الّذي تبدأ فيه رؤية بعض ثمار جهودك السّابقة.
إنّها أيضاً فترةٌ قد تزداد فيها المطالب على وقتك وطاقتك. ويمكن أن تكون موازنة العمل مع المسؤوليّات الشّخصيّة تحدّياً، لذا فإنّ البقاء مركّزاً ومثابراً هو المفتاح. ومن المهمّ أن نتذكّر أنّ النّجاح لا يحدث دائماً في خطٍّ مستقيمٍ؛ بل متعرّجٌ فيه صعودٌ وهبوطٌ، وقد تشعر أحياناً بأنّ التّقدّم بطيءٌ. لكنّ هذا العقد هو حيث يمكن للمثابرة أن تبدأ في جني ثمارها بطرقٍ ملموسةٍ.
الأربعينيّات: الوصول إلى ذروة الأداء
عند التّفكير في أوبرا وينفري، نتخيّل شخصيّةً كانت دائماً معروفةً ومشهورةً. ولكنّها لم تصل إلى قمّة الشّهرة إلّا في الأربعينيّات من عمرها مع إطلاق شركتها "هاربو برودكشنز" (Harpo Productions)، ممّا سمح لها بالسّيطرة على برنامجها التّلفزيونيّ الشّهير. كانت هذه النّقطة الّتي انتقلت فيها من مضيفة تلفزيونيّةٍ إلى قطبٍ إعلاميٍّ.
مؤخّراً، أسّس إيرك يوان شركة "زوم" (Zoom) عندما كان في الحادية والأربعين، بعد أن غادر منصبه في "سيسكو سيستمز" (Cisco Systems). وفي الواقع، متوسّط عمر المؤسّس النّاجح في الولايات المتّحدة هو منتصف الأربعينيّات، وفقاً لمجلّة "هارفارد بيزنس ريفيو" (Harvard Business Review)، حيث إن 6% فقط منهم تتراوح أعمارهم بين 20 و30 عاماً، في حين أن 64% منهم في سن الأربعين أو أكبر.
ما يعني أنّ الأربعينيّات تعتبر فترةً يصل فيها العديد من المهنيّين إلى ذروة أدائهم. وفي هذا العمر، ربّما تكون قد جمعت كنزاً من الخبرة، ولديك شبكة علاقاتٍ قويّةٍ في مجال عملك. ويرتبط هذا العقد بالاستفادة من تلك الخبرة؛ سواءً كان ذلك بالوصول إلى أعلى المستويات في مجالك كموظّفٍ، أو توسيع نطاق عملك إلى آفاقٍ جديدةٍ كرائد أعمالٍ.
بالنّسبة للكثيرين، تجلب الأربعينيّات إحساساً بالثّقة والإتقان، ممّا يسمح لك بتولّي مشاريع أكبر، أو أدوارٍ قياديّةٍ أعلى، أو الابتكار في عملك. ومع ذلك، من المهمّ أيضاً البقاء قادراً على التّكيّف، والاستمرار في التّعلّم. فالعالم يتغيّر باستمرارٍ، والحفاظ على النّجاح يتطلّب القدرة على التّطوّر معه.
الخمسينيّات: جني الثّمار
من المثير للاهتمام أن نلاحظ أنّه عند الحديث عن تحقيق النّجاح في الخمسينيّات، نتحدّث عن اثنتين من أكبر العلامات التّجاريّة العالميّة. إذ كان راي كروك في الخمسينيّات من عمره عندما اشترى ماكدونالدز، وحوّلها إلى إمبراطوريّة الوجبات السّريعة العالميّة الّتي نعرفها اليوم. وبالمثل، ابتكر جون بيمبرتون المشروب الغازيّ المعروف الآن باسم كوكاكولا، عندما كان في الرّابعة والخمسين من عمره.
ولمثالٍ أكثر معاصرةً، ننظر إلى كريس جينير، الّتي كانت في الثّانية والخمسين عندما قدّمت فكرة برنامج تلفزيون الواقع عن عائلتها إلى المنتج الهوليووديّ رايان سيكريست.
بمعنًى آخر، هناك الكثير من الأشخاص الّذين يملكون أفكاراً أصيلةً ومبتكرةً في الخمسينيّات، والأهمّ من ذلك، لديهم الطّاقة لملاحقتها حقّاً.
بحلول الخمسينيّات، قد تجد أنّك تجني ثمار العمل الشّاقّ والمثابرة الّتي بذلتها على مدى العقود السّابقة، أو ربّما تكتشف طريقاً جديداً وغير متوقّعٍ. في كلتا الحالتين، هذا العقد هو حيث تؤتي اللّعبة الطّويلة حقّاً أُكلها، ونأمل أن تتمكّن من الاستمتاع بالنّجاحات الّتي حقّقتها.
السّتينيّات وما بعدها: الإرث والتّأمّل
كان الكولونيل هارلاند ساندرز في الثّانية والسّتين عندما منح حقوق الامتياز لـ"كي إف سي" (KFC) بعد سنين من إدارة مطعمٍ صغيرٍ. وعلى الرّغم من أنّ السّتينيّات وما بعدها غالباً ما تعتبر وقتاً للتّأمّل، وللبعض، انتقالاً إلى التّقاعد، إلّا أنّها بالنّسبة للآخرين تمثّل فرصةً للمضيّ قدماً. فمن الصّعب تخيّل أنّ وارن بافيت، البالغ من العمر 93 عاماً سيتقاعد يوماً ما.
لا يعني الوصول إلى هذا العقد أنّ مساهماتك أو إمكانات نجاحك قد انتهت. فالكثير من النّاس يرون في السّتينيّات فرصةً للتّركيز على الإرث، سواءً كان ذلك من خلال التّوجيه، أو الاستشارات، أو حتّى بدء مشاريع جديدةٍ مستفيدين من عقودٍ من الخبرة.
بالنّسبة لأصحاب الأعمال، قد يكون هذا الوقت مناسباً للنّظر في تخطيط الخلافة، أو تسليم القيادة للجيل القادم. وبالنّسبة لآخرين، إنّها فرصةٌ للعودة إلى المجتمع أو استكشاف شغفٍ واهتماماتٍ جديدةٍ. وغالباً لا يقاس النّجاح في هذه العقود المتأخّرة بالإنجازات المهنيّة فحسب، بل بالتّأثير الّذي أحدثته والحكمة الّتي يمكنك مشاركتها أيضاً.
وعبر هذه العقود، يظلّ أمرٌ واحدٌ ثابتاً: أهمّيّة الصّبر والمثابرة. فنادراً ما يكون النّجاح فوريّاً، وغالباً ما يتطلّب سنيناً من الجهد الّذي قد يبدو أحياناً بلا ثمرٍ. لكن مع التّركيز والتّفاني والاستعداد للتّكيّف والنّموّ، يمكنك تحقيق النّجاح في أيّ عمرٍ.
ومن المهمّ أن نتذكّر أنّ رحلة كلّ شخصٍ فريدةٌ من نوعها. لا يوجد جدولٌ زمنيٌّ واحدٌ يناسب الجميع للنّجاح، ومقارنة مسارك بمسارات الآخرين قد تكون مضللةً. بدلاً من ذلك، ركّز على أهدافك الخاصّة، وثق في العمليّة، وآمن بأنّه مع الصّبر والمثابرة، سيأتي نجاحك في الوقت المناسب.
نُشرت هذه المقالة لأول مرة في عدد أكتوبر من مجلة "عربية .Inc". لقراءة العدد كاملًا عبر الإنترنت، يُرجى النقر هنا.
شاهد أيضاً: رجلٌ في مهمّةٍ: سعادة فيصل البنّاي