الذكاء الاصطناعي يغيّر وجه القانون: كيف تستفيد منه؟
التطبيقات المختلفة لهذه التقنية في القانون وكيفية تجنب مخاطرها لتحقيق ميزة تنافسية دون المساس بالجوانب الأخلاقية
أطلق استخدام الذكاء الاصطناعي في القانون ثورةً أكبر بكثيرٍ ممَّا يتخيّله بعضهم عن علاقة هذه التّقنيَّة بالقوانين والوثائق، فهذا العمل الذي كان شديد الإرهاق ويستهلك أياماً وشهوراً من الجهد الطَّويل على قضيةٍ لمجرَّد جمع بياناتها وتحليل أدلَّتها ومقارنتها أصبح يستغرق ساعاتٍ معدودةٍ بفضل الذكاء الاصطناعي التوليدي، ممَّا يخلق ميزةً تنافسيَّةً لا تُقدَّر بثمنٍ لمن يدرك الطَّريقة الصَّحيحة لاستغلال هذه التِّقنيَّة في كلِّ مجالات العمل القانونيّ سواءً القضاة أو المحقّقون أو بالطَّبع المحامين.
فكيف يساعدك استخدام الذكاء الاصطناعي في القانون، وما أهميَّته بالتَّحديد وأشهر التَّطبيقات المستخدمة، بل والأهمُّ كيف تتجنَّب مخاطر هذه التِّقنيَّة لتتمكَّن بها من تنمية عملك وتسريع وتيرته، وليس ضربه في مقتل؟ كلُّ هذا وأكثر سترصده الأسطر المقبلة. [1]
كيف يساعدك الذكاء الاصطناعي في القانون؟
هناك فوائد لا حصر لها من استخدام الذكاء الاصطناعي في المجال القانوني، ومن أهمِّها: [2]
توفير الوقت
وهي أكبر ميزةٍ على الإطلاق من استخدام الذكاء الاصطناعي في المجال القانوني، فمع تحليل كميَّاتٍ ضخمةٍ من المستندات وإجراء البحث القانونيّ في دقائق بدلاً من أيَّامٍ وأسابيع طويلة مع تحليلٍ سريعٍ للعقود واكتشاف الأخطاء، فإنَّ هذه الأدوات توفِّر أشهراً من العمل الرُّوتينيِّ المملِّ على القانونيين.
التَّقييم المبكّر للمخاطر
فهناك أدواتٌ تساعد في التَّرميز التَّنبؤيّ ومراجعة المعلومات في الوقت الفعليّ، ممَّا يساعد المحامين على تقديم المشورة المبكِّرة للعملاء بشأن إمكانيَّة تعرُّضهم إلى مشكلاتٍ قانونيَّةٍ مع تحديد المعلومات ذات الصّلة والحدّ من المخاطر التي تُهدِّد سمعة العملاء.
الدِّقَّة المرتفعة
نسبة الخطأ في أدوات الذكاء الاصطناعي التي تنظِّم المعلومات وتبحث عن البيانات وتكتشف المعلومات المفقودة، وتملأ العقود وغيرها تكاد تقترب من الصّفر مقارنةً بالأخطاء البشريَّة النَّاجمة عن كثرة التَّكرار.
تحسين الهيكل التنظيميّ والمنطقيّ
ويتمُّ هذا عبر المقارنات التّلقائيَّة للمستندات وتنظيمها والعثور السَّريع على الثَّغرات وتحديد أنواع العقود، ممَّا يزيد من سهولة تدفُّق البيانات.
الاهتمام بالتَّحليل الإبداعيّ
فمع توفُّر المزيد من الوقت للقانونيين، فإنَّ الذكاء الاصطناعي يُحرِّر طاقات الإبداع لديهم، ويزيد من القدرة على التَّحليلات المعمَّقة، والتي قد لا يكون هناك الكثير من الوقت لها بسبب المهام الرُّوتينيَّة.
تحسين العلاقات مع العملاء
عبر السُّرعة الشَّديدة في الانتهاء من الكثير من الإجراءات القانونيَّة المعقَّدة والوصول إلى التَّحليلات السَّليمة، فإنَّ مستوى رضاء العملاء يرتفع والتَّفاعل معهم يزيد جودة على المستوى الإنسانيّ دون مللٍ أو تفاصيلَ غير مفهومةٍ.
شاهد أيضاً: أفضل الأدوات المجانية لإدارة المشاريع وزيادة الإنتاجية
مجالات استخدام الذكاء الاصطناعي في القانون
تتنوَّع المجالات والطُّرق التي يُمكن بها استخدام الذكاء الاصطناعي في القانون، ويُمكن جمعها في:
تحليل الدعاوى القضائية
لكي يتمكّن كلٌّ من المحامين والمحقِّقين أيضاً من تحديد فرص النَّجاح في قضيةٍ معيّنةٍ عليهم في أغلب الأحيان مراجعة القضايا السَّابقة المشابهة في البلد نفسها، ويمكن للذكاء الاصطناعي تحليل هذه القضايا بسرعةٍ كبيرةٍ، وبالتَّالي مساعدة القانونيين في صياغة مستنداتٍ دقيقةٍ أكثر.
إجراءات العناية الواجبة
وهي شديدة الأهميَّة في العقود تحديداً، وتشمل التَّحقُّق من هويَّة العميل وتقييم المعاملات المشبوهة وتحديد المستفيدين النّهائيين وأنشطة المراقبة وغيرها، وهي عمليَّةٌ مرهقةٌ وشديدة التَّعقيد، ولكن يمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي التَّأكُّد منها في دقائق معدودةٍ.
الاكتشاف الإلكتروني
وهو يعني في المجال القانوني جمع وتخزين ومراجعة ومبادلة المعلومات المتعلِّقة بقضيةٍ معيّنةٍ في شكلٍ إلكترونيٍّ وليس ورقيّاً، فبدلاً من البحث عن وثيقة وتصويرها وتسليمها يدوياً أو إلكترونيَّاً، فإنَّ أدوات الاكتشاف الإلكتروني تساعد المحامين والمحقّقين في العثور على أيِّ معلوماتٍ يحتاجون إليها في ثوانٍ.
البحث القانونيُّ
قد يحتاج كلٌّ من المحقّق والمحامي للبحث في قواعد بيانات شديدة الضَّخامة ومتنوِّعةٍ للغاية وفقاً لنوع القضيَّة، وتعدُّ أدوات الذكاء الاصطناعي مذهلةً تماماً في هذا الشَّأن وأكثر توفيراً للوقت والجهد وبالتَّالي المال.
إدارة الوثائق والأتمتة
حتَّى مع تحويل السّجلَّات الورقيَّة إلى إلكترونيَّةٍ كانت هناك صعوبةٌ في الوصول إليها قبل ظهور خوارزميَّات الذكاء الاصطناعي، والتي تستخدمها شركات المحاماة والمحقِّقين في تنظيم الملفات والعقود والسجلَّات الجنائيَّة وغيرها، وغالباً ما يتطلَّب الوصول لهذه السجلَّات التَّحقُّق من الهويَّة للحفاظ على الأمن والتَّحكُّم في هذه الوثائق.
سهولة تحليل الأدلَّة الجنائيَّة
وهي من المجالات التي حققَّ فيها الذكاء الاصطناعي تطوُّراً كبيراً، وتساعد في تحليل العيّنات والأدلَّة بطريقةٍ متطورةٍ أكثر والكشف عن أعماق الصُّور وتحسين جودتها وجمع المعلومات سريعاً من كاميرات المراقبة والمقارنة بينها.
تأثير استخدام الذكاء الاصطناعي في القانون على القانونيين
كشفت دراسةٌ مشتركةُ بين جامعات نيويورك وبنسلفانيا وبرينستون عام 2023 أنَّ الخدمات القانونيَّة من بين المهن الأكثر تأثُّراً على الإطلاق بالذكاء الاصطناعي التوليدي، وبيّن تقرير من بنك غولدمان ساكس في العام نفسه أنَّ 44% من العمل القانوني يمكن أتمتته بتقنيَّات الذَّكاء الاصطناعيّ، وهذا بالطَّبع له تأثيراتٌ مختلفةٌ على القانونيين، ومن أهمِّها: [3]
تغير الطريقة التي يقضي بها القانونيون أوقاتهم
فلن تكون هناك مهامٌ روتينيَّةٌ بل سيتطلَّب الأمر التَّركيز على تطوير مهارات التَّفكير النَّقديّ وحلِّ المشكلات، وبالتَّالي زيادة قدرة القانونيين على المساهمة في صناعة القرار، فالذكاء الاصطناعي سيُعزِّز من قيمة مهارات الإبداع والجوانب الإنسانيَّة والتي لا يمكن استبدالها.
زيادة المسؤولية الأخلاقية
يواجه المحامون التزاماً أخلاقيّاً أكثر من غيرهم بفهم وتخفيف مخاطر استخدام الذكاء الاصطناعي وترتفع لديهم مسؤوليَّة التَّأكُّد من المعلومات المقدَّمة من هذه الأدوات، وبالتَّالي يجب أن يكونَ لديهم الخبرة الكافية بها لرصد تأثيراتها.
تغير طريقة تعليم الممارسات القانونية
تؤكِّد الدّراسات وجود فجوةٍ هائلةٍ بالفعل بين مناهج كليَّات الحقوق والممارسة القانونيَّة الفعليَّة، وإذا لم تتغيَّر تلك المناهج لتواكب الانتشار شديد السُّرعة للذكاء الاصطناعي، فإنَّ تلك الفجوة ستتزايد مع تعامل ما يقارب من 79% من الأشخاص مع الذكاء الاصطناعي بطرقٍ مختلفةٍ وفقاً لاستطلاع رأي من شركة ماكينزي.
أمثلة لأهم البرامج الخاصة بتطبيق الذكاء الاصطناعي في القانون
مع تزايد قدرة أدوات الذكاء الاصطناعي على أتمتة المهام الورقيَّة وإجراء البحوث الشَّاملة، فإنَّ هناك برامجٌ متنوِّعةٌ يمكن أن تساعد القانونيين في تأدية أعمالهم بكفاءةٍ، ومن هذه البرامج: [4] [5]
برنامج Harvey
وهو قادرٌ على تحليل العقود وتنفيذ إجراءاتٍ العناية الواجبة، وبُنيت منصَّة Harvey وفقاً لأساسيات GPT-4 مع تحسيناتٍ لتناسب المجال القانونيَّ، وتستخدمه شركة Allen & Overy، وهي سابع أكبر شركة محاماةٍ في العالم.
برنامج Ivo أو Latch سابقاً
يُستخدم Latch والذي أصبح تابعاً الآن لبرنامج Ivo للذكاء الاصطناعي لتبسيط عمليَّات مراجعة جهات الاتّصال وتحديد الخطوط العريضة للقضية وتتبُّع الوقت والفواتير والاتّصال بالعملاء، ومن مميزاته أنَّه يتكامل مباشرةً مع الوورد ومع خدمات التَّخزين السَّحابيّ المختلفة، ممَّا يُسهّل على شركات المحاماة مشاركة البيانات والتَّعاون مع بعضها بعضاً في القضايا.
منصة Paxton
تعدُّ Paxton منصَّة ذكاء اصطناعيّ متطوِّرة ومصمَّمة خصيصاً للمحامين مع دمج مجموعةٍ ضخمةٍ من قواعد البيانات القانونيَّة، وتسمح بتجميل أبحاث الشَّركة ومراجعة المستندات وإنشاء مذكَّراتٍ وملخَّصاتٍ وإجراء اتّصالاتٍ مع العميل وتنسيق الشَّهادات تلقائيّاً وغيرها.
برنامج CS Disco
وهو مناسب للشَّركات القانونيَّة من كلّ الأحجام، إذ يساعد CS Disco على أتمتة العمليَّات القانونيَّة المختلفة وتسبيط سير العمليَّات عن طريق السَّحابة.
برنامج Kira Systems
وهي أداة ذكاءٍ اصطناعيٍّ تساعد في تحليل العقود وإجراءات العناية الواجبة وتنظيم المستندات القانونيَّة الأخرى، كما يساعد Kira Systems في تحديد المخاطر من كلّ قضيَّةٍ.
الآثار الأخلاقية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في مجال القانون
لا يمكن على الإطلاق تجاهل الآثار الأخلاقيَّة لاستخدام الذكاء الاصطناعي في القانون، ومن أهمّ تلك التَّأثيرات: [6]
التَّمثيل الكفء للعملاء
بينما المحامي القادر على استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي سيقطع شوطاً كبيراً للغاية في جمع البيانات الضَّروريَّة، فإنَّ المحامي الخصم سيواجه صعوبةً كبيرةً في مواكبته إذا لم يكن لديه هذه المعرفة؛ لذا تبنَّت أكثر من 40 دولةً قواعد تُلزم المحامين بالتَّعرُّف على التُّكنولوجيا ذات الصِّلة أو الاستعانة بمشورةٍ خارجيَّةٍ كما في ولاية فلوريدا.
سريَّة المعلومات
أدوات الذَّكاء الاصطناعيِّ المختلفة تحتفظ بالمعلومات والأبحاث وتشاركها مع أطرافٍ ثالثةٍ؛ لذا يلزم على المختصِّيين التَّحقُّق من الشُّروط والأحكام لمنع تعرُّض العملاء للخطر.
التَّحيُّز والتَّمييز
إذا تدرَّبت أدوات الذكاء الاصطناعي على بيانات متحيِّزة، فهي بالتَّأكيد ستؤدِّي إلى مخرجاتٍ متحيِّزةٍ أيضاً؛ لذا وجب على المحامين والمساعدين القانونيين التَّأكُّد من المخرجات وتقييمها جيّداً.
صعوبة التَّنظيم
مع التَّطور الفائق لأدوات الذكاء الاصطناعي وبطء التَّشريعات المنظّمة، فإنَّ عدم الامتثال للقواعد الأخلاقيَّة سيؤثِّر على مصداقيَّة المحامي والشَّركة؛ لذا يجب دمجها بحذرٍ وعدم انتظار القواعد التَّشريعيَّة الصَّارمة.
شاهد أيضاً: ستصبح آلة إبداعية مع هذه الأدوات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي
وفي النّهاية، إنَّ استخدام الذكاء الاصطناعي في المجال القانوني يمنحك ميزةً تنافسيَّةً لا شكَّ بها، ولكن من ناحيةٍ أخرى يفرض عليك المزيد من المراقبة لهذه الأدوات وعدم تجاهل الحدس البشريّ على الإطلاق خصوصاً في القضايا ذات الأهميَّة الكبرى، فلن تضمن مطلقاً عدم تحيُّز هذه الأدوات حتَّى تراجع نتيجتها بنفسك وتستخدم عقلك وذكاءك ومهاراتك المختلفة للتَّحليل، ولكنَّها بالتَّأكيد ستوفّر عليك ساعاتٍ طويلةٍ للغاية من العمل الرُّوتينيّ المملِّ لتتفرَّغ أكثر للمهام الأكثر قيمةً واستراتيجيَّةً.
-
الأسئلة الشائعة
- هل يحلّ الذكاء الاصطناعي محلّ المحامين؟ هذا ليس متوقعاً على الإطلاق في أي وقت قريب فهناك الكثير من المشكلات في الذكاء الاصطناعي تحتاج إلى حلّ مثل خصوصية البيانات والتحيز والشفافية فضلاً عن التكيف المرن مع التغيرات.
- هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يقدم المشورة القانونية؟ لم يحدث هذا التطور بعد والتجارب به لم تحظ بالكثير من النجاح بل تورطت في مشكلات قانونية، لذا لا بد من الحصول على نصيحة قانونية ممن يتمتع بالخبرة ومهارات التفكير النقدي.
- كيف يُستخدم الذكاء الاصطناعي في المجال القانوني؟ في البحث القانوني وتحليل العقود والمستندات وصياغة الاتفاقيات ومراجعتها وجمع البيانات وتحليلها.