الذكاء الاصطناعي في صناعة الأدوية: ثورة أم ضجيج عابر؟
رغم تدفق مليارات الدولارات نحو شركات تستخدم الذكاء الاصطناعي لاكتشاف الأدوية، لا تزال الشكوك قائمة حول جدوى هذا الاستثمار
شهد العالم الطّبيُّ تطوّراً ملحوظاً في الاعتماد على الذكاء الاصطناعي لتسريع عمليّات البحث والتّطوير في مجال الأدوية. ومع ذلك، تظلُّ التّساؤلاتُ قائمةً حول مدى فعاليّة هذا الدّمج بين التّقنية والطّبّ، فهل ستؤدّي هذه الشّراكة إلى إحداث ثورةٍ حقيقيّةٍ أم أنّها مجرّد تجربةٍ أُخرى مصيرها الفشل كما حدث مع العديد من المبادرات التّقنيّة السّابقة.
الذكاء الاصطناعي في صناعة الأدوية
في تقريرٍ نُشرَ حديثاً في مجلة Nature's Biopharma Dealmakers، تمَّ تسليطُ الضّوء على الاهتمام المُتزايد بالذكاء الاصطناعيّ في صناعة الأدوية، إذ إنّ شركات رأس المال الاستثماريّ ضخّت مليارات الدّولارات في هذا المجال، موجّهةً استثماراتها نحو الشركات الناشئة الّتي تستخدمُ الذكاء الاصطناعي لاكتشاف وتطوير الأدوية، ومن بين هذه الشّركات Xaira Therapeutics، الّتي جمعت تمويلاً قدره مليار دولارٍ، وGenerate Biomedicines الّتي حصلت على 750 مليون دولارٍ منذ عام 2018؛ هذه الأرقام تُؤكّد أنّ الذكاء الاصطناعي باتَ يُشكّل جزءاً رئيسيّاً من استراتيجيّات الاستثمار في القطّاع الصّحيّ.
الحذر من الضّجيج الإعلاميّ
على الرّغم من الحماس الكبير لدى المستثمرين، تتبنّى شركات الأدوية الكبرى نهجاً أكثر تحفّظاً، فهي لا تندفعُ بشكلٍ أعمى نحو هذه التّكنولوجيّا، بل تختبرُها بحذرٍ من خلال شراكاتٍ استراتيجيّةٍ مع شركات الذكاء الاصطناعي. على سبيل المثال، عقدت شركة ألميرال شراكةً مع شركة أبسي بقيمةٍ قد تصل إلى 650 مليون دولارٍ، بينما دخلت أسترازينيكا في تعاونٍ مع نفس الشّركة بقيمةٍ 247 مليون دولارٍ. ورغم هذه الشّراكات، فإنّ هذه الشرّكات الكبيرة لا تزالُ تتعاملُ بحذرٍ، مدركةً أن الطّريق طويلٌ قبل أن يتحقّق الاعتماد الكامل على الذكاء الاصطناعي في اكتشاف الأدوية.
النّجاح العمليُّ: أمثلةٌ من الواقع
الحديث عن الذكاء الاصطناعي في صناعة الأدوية لا يقتصر فقط على النّظريّات والتّوقعات، بل شهدنا نجاحاتٍ فعليّةً في هذا المجال. على سبيلِ المثال، تمَّ تطوير عقار باملانيفيماب المضاد لكوفيد-19 من قبل شركة أبسيليرا بمساعدة الذكاء الاصطناعي، وحصل على ترخيص الاستخدام الطّارئ من إدارة الغذاء والدّواء الأمريكية في عامِ 2020، هذا العقار يُعدُّ مثالاً عمليّاً على كيفيّة تسريع الذكاء الاصطناعي لعمليّة اكتشاف الأدوية، ومن الأمثلة الأُخرى إنسيليكو ميديسين، الّتي طوّرت عقّاراً مرشّحاً لعلاج التّليف الرّئويّ مجهول السّبب، وهو الآن في المرحلة الثّانية من التّجارب السريريّة.
التّحديّات والمستقبل
رغم كلّ هذه النّجاحات، يظلُّ هناك العديد من التّحديّات أمام الذكاء الاصطناعي في مجال الأدوية، فالطّريق من اكتشاف الدّواء إلى اعتمادِه وتسويقه طويلٌ ومعقّدٌ، ورغم أنّ الذّكاء الاصطناعيَّ يمكن أن يُسهمَ في تسريع بعض الخطوات، إلّا أنَّ العمليّة لا تزالُ تعتمدُ بشكلٍ كبيرٍ على التّدخل البشريّ، خاصةً في مراحل التّصميم والتّجريب السّريريّ. وفي المستقبل، من المُتوقّع أن نشهدَ مزيداً من التّعاون بين البشر والذّكاء الاصطناعيّ في صناعة الأدوية. ولكن، من المهمّ أن نُدركَ أنّ هذه الشّراكة لن تؤدّي إلى استبدال العلماء البشريّين بالكامل، بل ستمكّنهم من العمل بشكلٍ أكثر فعاليّةٍ من خلال تسريع عمليّات التّحليل ورصد الأنماط.
الشركات التكنولوجية الكُبرى تدخل
لم تعد شركات الأدوية وحدها التي ترى الإمكانات الهائلة للذّكاء الاصطناعيّ في مجال اكتشاف الأدوية، فشركات التّكنولوجيا العملاقة، مثل Alphabet -الشركة الأمُّ لـ Google- بدأت تستثمرُ في هذا المجال من خلال شركة Isomorphic Labs، مستفيدةً من قدرات DeepMind في الذّكاء الاصطناعيّ؛ هذه الخطواتُ تُؤكّد أنَّ الذّكاء الاصطناعيَّ بات جزءاً لا يتجزّأُ من مستقبل صناعة الأدوية.
هل نحن أمام ثورةٍ حقيقيّةٍ؟
مع كلّ هذه الاستثمارات والتّجارب، يبدو أنّ الذكاء الاصطناعي في طريقه لإحداث تحوّلٍ جذريٍّ في صناعة الأدوية، ورغم أنّ الطّريق لا يزالُ طويلاً، فإنّ الإمكانات الّتي يُقدّمها الذّكاء الاصطناعيّ تجعل المستقبل مشرقاً، فالشّركات الّتي ستنجح في التّكيّف مع هذه التّقنية والاستفادة منها ستكون هي الشّركات الرّائدة في المستقبل.