الطرق الثمانية التي يُتعِس الناس بها أنفسهم
هل ترغب في أن تكون أكثر سعادة؟ بدلاً من البحث عن المزيد من الفرح، ربما يجدر بك التطلع للحد من التعاسة في حياتك.
في تجربةٍ علميّةٍ حديثةٍ، طُلبَ من مجموعةٍ من المتطوّعينَ حلَّ مجموعةٍ من المشكلاتِ المعقّدةِ، مثلُ بناءِ برجٍ منْ مكعباتِ ليغوْ المتزعزعةِ، أو حلِّ ألغازٍ هندسيّةٍ. وقدْ لاحظَ العلماءُ أنّ الغالبيّةَ العظمى من المشاركينِ توجّهوا نحوِ حلِّ المشكلاتِ عبرَ إضافةِ عناصرَ جديدةٍ، حتّى عندما كانتِ الحلولُ الأسهلُ والأسرعُ تتطلّبُ إزالةَ بعضِ العناصرِ.
هذهِ الظّاهرةُ الّتي أطلقَ عليهَا العلماءُ اسمَ "تحيّزِ الطّرحِ"، تُظهرُ ميزةً عقليّةً بشريّةً تميلُ إلى حلِّ المشكلاتِ عنْ طريقِ الإضافةِ بدلاً منَ الطّرحِ. وهذا ليسَ مقتصراً على المشكلاتِ الهندسيّةِ فقطْ، بل ينطبقُ أيضاً على مفهومِ السّعادةِ والذّكاءِ.
نحو رفاهية أكبر: الحد من التعاسة كمفتاح للسعادة
إذا كنتَ رائدَ أعمالٍ، وتسعى لتحقيقِ مزيدٍ منَ السّعادةِ في حياتكَ الشّخصيّةِ والمهنيّةِ، فإنّ الغريزةَ الأوّليّةَ قدْ تدفعكَ نحوَ إضافةِ عناصرَ جديدةٍ لحياتكَ. ربّما تفكّرُ في ممارسةِ الرّياضةِ أو التأمّلِ بشكلٍ مكثّفٍ، أو حتّى تغييرِ مساركَ الوظيفيّ. ومع ذلكَ، كما يُشيرُ الباحثُ في مجالِ السّعادةِ آرثر بروكس، فإنَّ هذهِ العناصرُ تُشكّلُ نصفَ معادلةِ السّعادةِ فقطْ.
الحقيقةُ هي أنّهُ يمكننَا تحقيقُ الرّفاهيّةِ ليسَ عن طريقِ إضافةِ الفرحِ والإيجابيّاتِ إلى حياتنَا فقطْ، بلْ من خلالِ تقليلِ مستوياتِ التّعاسةِ والسّلبيّةِ أيضاً. بروكس يُقدّم اختباراً يمكنُ أن يُحدّد أيّاً من النّهجين سيكونُ الأكثرَ فعاليةً بالنسبةِ لكَ.
الأخطاء الثمانية التي تحدث التعاسة
إن من أقوى الأخطاءِ التي من الممكنِ تسببَ التعاسة هي فيما يلي:
1. التشاؤم العصري:
في العديدِ من الأوساطِ الثّقافيّةِ والاجتماعيّةِ اليومَ، يُعتبرُ التّشاؤمُ والسّلبيّةُ مؤشراً على العمقِ الفكريّ والذّكاءِ. يُشيرُ الباحثُ آرثر بروكس إلى أنَّ هذهِ الظّاهرةُ ليستْ جديدةً، فقدْ كانتْ الكآبةُ موضةً في العصرِ الفيكتوريّ أيضاً. اختيارُ الكآبةِ كوسيلةٍ للظّهورِ بمظهرٍ "رائعٍ" كان أمراً غيرَ مدروسٍ آنذاك، وظلَّ كذلكَ في عصرِ راسلْ، الّذي سخرَ منهُ بلا رحمةٍ، ولا يزالُ الأمرُ كذلكَ اليومَ.
2. المقارنة الاجتماعية:
يعتقدُ راسلْ أنَّ معظمَ النّاسِ لا يخافونَ من الفقرِ كما يخافونَ من "عدمِ التفوّقِ على جيرانهمْ"، كما يُوضّحُ بروكس. الحفاظُ على مستوىً معيشيّ مشابهٍ للآخرينَ هوَ لعبةٌ لا تنتهي ومصدرٌ دائمٌ للتّعاسةِ. وإذا كنتَ لا تصدّقُ رأيّ الحائزِ على جائزةِ نوبل، فهناكَ دراساتٌ علميّةٌ حديثةٌ تؤكّدُ ذلكَ.
3. الحسد:
يرتبطُ هذا الخطأُ ارتباطاً وثيقاً بالخطأِ السّابقِ، حيثُ يُعرفُ الحسدُ بأنّهُ الشّعورُ بالسّوءِ لأن لدى الآخرينَ أكثرَ ممّا لديكَ. وقد اقترحَ راسلْ هذا العلاجَ للحسدِ: "على كلّ منْ يرغبُ في زيادةِ السّعادةِ البشريّةِ أنْ يرغبَ في زيادةِ الإعجابِ". فبدلاً من المعاناةِ بسببِ تفوّقِ الآخرينَ، احتفلْ بهِ وتعلّمْ منهُ.
4. مواجهة شبح الملل:
قالَ بيرتراند راسلْ في الثّلاثينيّات من القرنِ الماضي: "نحنُ أقلّ مللاً ممّا كانَ عليه ِأجدادنَا، لكنّنا نخافُ المللَ أكثرَ". فتخيّلوا ماذا كانَ سيقولُ لو شهدَ عصرَ الهواتفِ الذّكيّةِ ووسائلَ التّواصلِ الاجتماعي! الحقيقةُ هي أنّ التّكنولوجيا، مهمَا كانتْ متطوّرةً، لنْ تكونَ بمثابةِ ملاذٍ يحمينَا من المللِ. بل إنّها قد تكونُ وسيلةً للهروبِ منَ التّفكيرِ العميق والنموّ الشّخصيّ. الحلُّ الأمثلُ يكمنُ في استعادةِ قدرتنَا على الجلوسِ بهدوءٍ والتّأمّلُ في العالمِ الذي يحيطُ بنَا.
5. التعايش مع للقلق:
لمْ يكنْ القلقُ أقلُّ شيوعاً في عصرِ راسل، وما زالَ يعتبرُ عاملاً رئيساً في سرقةِ الفرحِ والسّعادةِ من حياتنَا. يقولُ راسلْ إنَّ جذورَ القلقِ تعودُ إلى "خوفٍ من خطرٍ ما نتجنّبُ مواجهتهُ". وهنَا يأتيْ دورُ العلومِ الحديثةِ لتوضّحَ الأساسَ البيولوجيّ لاضطراباتِ القلقِ. لذا، يجبُ أنْ نبذلَ جهداً لفهمِ ومواجهةِ مصادرِ القلقِ في حياتنَا، وإلّا فإنّ النّتيجةَ ستكونُ التّعاسةَ.
6. الشعور بالذنب دون مبرر:
هلْ يجبُ أنْ نشعرَ بالذّنبِ عندمَا نقومُ بأفعالٍ تؤذي الآخرينَ؟ بالطّبعِ، لكنَّ راسل يحذّرُ من الشّعورِ بالذّنبِ دونَ وجودِ سببٍ معقولٍ، خاصّةً إذا كانَ الشّعورُ بالذّنبِ يأتي من مقارنةِ أوضاعنَا بالآخرينَ.
7. الضحية الفاضلة:
كانَ لدى برتراند راسل، الفيلسوفُ العظيمُ، القدرةَ على التّنبؤِ بالتّحديّاتِ الّتي قد تواجهنَا في العصرِ الحديثِ، ومنهَا تجنّبُ الوقوعِ في فخِّ الضّحيّةِ الفاضلةِ. يُشيرُ راسل إلى مفهومِ "هوسِ الاضطهادِ"، حالةٌ يصبحُ فيها اعتقادُ الفردِ حالةٌ يصير فيها الفرد يعتقد بأنّهُ مستهدفٌ دائماً من قبلِ الآخرينَ بطرقٍ تتراوحُ من الجحودِ إلى القسوةِ وحتى الخيانةِ. هذا المفهومُ ليسَ بعيداً عمّا يُطلقُ عليهِ بعضُ الباحثينَ اليومَ بـ "الضّحيّةُ الفاضلةُ".
الواقعُ يُظهرُ أنَّ هناكَ حالاتٌ يكونُ فيها الأفرادُ ضحايا لظروفٍ ظالمةٍ حقيقيّةٍ، ولكنَّ الخطرَ يكمنُ في جعلِ هذا الدّورِ محوراً للهويّةِ الشّخصيّةِ. عندما يصبحُ الشّعورُ بأّنكَ ضحيّةٌ هوَ العنصرُ الرّئيسيّ في تكوينِ الهويّةِ، يُصبحُ الطّريقُ مفروشاً للتّعاسةِ والاكتئابِ. لذا، يُعتبرُ راسل هذا النّوعَ من التّفكيرِ كوصفةٍ للتّعاسةِ والرّكودِ النّفسيّ.
8. الخوف من الرأي العام:
وفقاً لتجاربِ الممرّضين والممرّضاتِ الّذين يعملونَ في وحداتِ الرّعايةِ التّلطيفيّةِ ومع المرضى في مراحلهمْ الأخيرةِ، يظهرُ أنَّ أحدَ أكثرِ الأسفارِ والنّدمِ الّذي يُعبّرُ عنهُ عندَ حلولِ لحظاتِ الفراقِ هو الشّعورُ بأنَّ الفردَ قدْ عاشَ حياتهُ بما يتوافقُ مع توقعّاتِ الآخرينَ، بدلاً منْ أنْ يكونَ قد اختارَ مساراً يعكسُ حقيقتهُ وشخصيتهُ الفريدةَ. هذا النّوعُ من النّدمِ يُظهرُ مدى أهميّةَ العيشِ بمَا يتوافقُ مع الذّاتِ، وليسَ فقطْ بمَا يُرضي المحيطينَ بنا. يقولُ راسل: "يجبُ أنْ نحترمَ الرّأيّ العامّ بقدرِ ما يحمينا من الجوعِ والسّجنِ، لكنْ أيّ تجاوزٍ لهذا الحدِّ يعتبرُ استسلاماً طوعياً لطغيانٍ غير ضروريّ".
هذهِ المعلوماتُ ليستْ إلّا ملخّصاً لما قدّمهُ الباحثُ آرثر بروكس والفيلسوفُ برتراند راسل في هذا السّياقِ، لذلك للحصولِ على فهمٍ أعمقَ وأكثرَ تفصيلاً، يُفضّلُ الرّجوعُ إلى مصادرهمْ الأصليّةِ للمزيدِ من التّفاصيلِ والنّصائحِ.