العلاج بالماء البارد: مفهوم جديد للصحة والطاقة
مؤسّس KULA، نِك بلير، يستثمر في اهتمام دبي المتزايد بالعلاج بالماء البارد

في عالمٍ تتعاظم فيه متطلّبات الحياة الحديثة، وتتسارع حتّى تبعد عن النّفس لحظات الاعتناء بذاتها، ينبثق رائد أعمالٍ بمبادئه الفريدة ليعيد صياغة مفهوم الانتعاش، إذ لا يكون الماء المثلج مجرّد سائلٍ، بل هو إكسيرٌ يحيي الرّوح ويوقظ الجسد، بكلّ ما تحمله الكلمة من معنًى حرفيٍّ وروحيٍّ.
فلنعرّفكم على السّيّد نِك بليير، مؤسّس شركة "كولا ريكفري" (KULA Recovery)، تلك المؤسّسة الّتي اختارت مدينة دبيّ مقرّاً لها، وقد أبدعت في تقديم حلولٍ مبتكرةٍ تشمل الحمّامات الثّلجيّة والعلاج بالماء البارد. كانت هذه الممارسات فيما مضى مقتصرةً على دوائر ضيّقةٍ من المختصّين، وتحوّلت مع الأيّام لتصبح رائدةً في ميدان العافية، وتزدان بها محافل الرّياضيّين، وعشّاق اللّياقة، وكلّ من ينشد رفاهيةً بدنيّةً ونفسيّةً شاملةً.
وفي خضمّ الدّراسات والبحوث، برز العلاج بالماء البارد بما يحمله من قدراتٍ؛ فهو يسرّع من شفاء الجسد، ويحسّن من جودة النّوم، ويعزّز الصّلابة الذّهنيّة، فيصبح بذلك منهجاً شاملاً ينثر البشائر في كلّ من ينتهج أسلوب الحياة الصّحّيّ.
وقد أفصح السّيّد بليير لمجلّة "عربية .Inc" قائلاً: "ولدت فكرة كولا ريكفري من شغفي العميق بالحمّامات الثلجية، إذ أسرتني التّجربة الفريدة الّتي يمنحها الماء المثلّج، بما توفّره من انتعاشٍ عقليّ وجسديّ لا يضاهى. غير أنّ ضيق الوقت حال دون توجّهي إلى مراكز الحمّامات الثّلجيّة، فضلاً عن التّكلفة الباهظة الّتي فاقت توقّعاتي، ممّا جعل البحث عن بديلٍ أكثر عمليّة أمراً ضرورياً".
ومن هنا، وفي عام 2023، أطلقت كولا ريكفري كمزوّدٍ رائدٍ لتقنيّات الغطس البارد الفعّالة بأسعارٍ معقولةٍ، فسرعان ما أثبتت جدارتها بتحقيق مبيعاتٍ تجاوزت 1.2 مليون دولارٍ أمريكيٍّ في عامها الأوّل وحده، لتوسّع نطاق خدماتها إلى أسواق الإمارات، والمملكة المتّحدة، وإيطاليا، وقطر، وكينيا.
ولا شكّ أنّ قائمة عملائها تعكس مكانتها المرموقة، إذ تضمّ علاماتٍ بارزةً في الإمارات مثل "وارهاوس جم" (Warehouse Gym)، وجمناشن (Gymnation)، و"جي كلوب بفندق جميرا بييتش" (J Club at Jumeirah Beach Hotel)، و"إرث أبوظبي" (Erth Abu Dhabi)، وعيادات فيزيو (Physio Clinics)، و"أفروفيت كينيا" (Afrofit Kenya)، وصالونات "1847 مينز" (1847 Men’s Salon)، إلى جانب العديد من الكيانات الّتي تنبض بروح اللّياقة والصّحّة. كما تفخر كولا ريكفري بكونها المورّد الرّسميّ للحمّامات الثّلجيّة في أبرز الفعاليّات الرّياضيّة، ومنها سباق الدّرّاجات "سبينيز دبي 92" (Spinneys Dubai 92 Cycle Challenge) وبطولات دبي للكروس فيت (Dubai CrossFit Championships).
وانطلاقاً من خبرته كرياضيٍّ سابقٍ، صاغ السّيّد بليير رؤيته للشّركة، مستلهماً إيّاها من تجاربه الشّخصيّة والمهنيّة معاً. وقد علّق قائلاً:
"كرائد أعمالٍ وأبٍ حديث العهد، أدركت أنّ الحاجة إلى اليقظة والتّركيز خلال ساعات العمل أصبحت أكثر إلحاحاً من أيّ وقتٍ مضى. ومن هنا، بات الغطس اليوميّ في الماء البارد جزءاً أساسيّاً من روتيني، إذ يمنحني طاقةً تفوق تأثير القهوة، ويعطيني انطلاقةً مفعمةً بالحيويّة لبداية يومي".
ورغم أنّ العلاج بالماء البارد كان في البداية مقتصراً على الرّياضيّين المحترفين، إلّا أنّه سرعان ما لفت أنظار عشّاق اللّياقة والصّحّة على نطاقٍ أوسع. وفي هذا السّياق، أوضح بليير قائلاً: "عندما أسّست كولا ريكفري، كنت أعتقد أنّ جمهورها سيقتصر على الرّياضيّين المتخصّصين، لكنّني تفاجأت بمدى الإقبال عليها من مختلف الفئات، ما أثبت أنّ تأثير الغطس البارد يتجاوز حدود الرّياضة ليصبح أسلوب حياةٍ".
وقد ذكرت الدّراسات أنّ للعلاج بالماء البارد أثراً في إحداث انقباضٍ بالأوعية الدّمويّة يجبر الدّم على التّدفّق إلى الأعضاء الحيويّة، في حين يحفّز إطلاق الإندورفينات، تلك المركّبات الحيويّة الّتي تعتبر بلسماً للجسد والرّوح؛ إذ تساهم في تخفيف الالتهابات، وتقلّل من آلام العضلات، وتسرّع من وتيرة التّعافي قبل وبعد ممارسة التّمارين. كما أنّه يعزّز الدّورة الدّمويّة، ويقوّي من صحّة القلب والأوعية، وينظّم حرارة الجسد بما ينعكس إيجاباً على جودة النّوم. وإن لم تكتف بذلك، فإنّ الغطس المنتظم في الماء البارد ينشّط الجهاز المناعيّ عبر تحفيز إنتاج خلايا الدّم البيضاء، فيرفع بذلك من قدرة الجسم على مقاومة الأمراض، إضافةً إلى تنشيط العصب المبهم الّذي يسهم في صفاء الذّهن وتوازن المشاعر، وقد يكون له وقعٌ في تخفيف أعراض الاكتئاب.
وفي حديثه عن الحمّامات الثلجية، عبّر بليير عن إعجابه بقدرتها على تعزيز الصلابة الذهنية، قائلاً: "ليس من المعتاد أن يرغب الإنسان في القفز إلى ماءٍ تبلغ حرارته الصفر عند استيقاظه في عتمة الفجر، لكنني اكتشفتُ أن اجتياز هذا التحدي يجعل بقية يومي أكثر سهولةً ويسراً".
ورغم كلّ هذه الفوائد، أكّد بليير أن فريق كولا ريكفري لا يدّعي عمله في المجال الطّبيّ أو تقديم حلولٍ سحريّةٍ للمشكلات الصّحّيّة، موضّحاً:
"شهد زبائننا تحوّلاتٍ جذريةً في حالتهم النّفسية، سواءً في المزاج أو مستوى التّحفيز. ومن النّاحية العلميّة، كشفت أبحاث عيادة كليفلاند (Cleveland Clinic) أنّ غمر الجسد في الماء البارد يؤدّي إلى زيادة تركيز الدوبامين بنسبةٍ تصل إلى 250%، وهو الهرمون المعروف بـ"هرمون السعادة"، لدوره المحوريّ في تنظيم المزاج".
تؤكّد هذه الفوائد أنّ العلاج بالماء البارد سيظلّ يشهد ازدهاراً متواصلاً، لا سيما في مجالات الضّيافة واللّياقة البدنيّة، وهي القطاعات التي تسعى كولا ريكفري لاستثمارها بجدارة. وحول ذلك، أفصح بليير قائلاً:
"يرتكز نموّنا بشكلٍ أساسيّ على تزويد الفنادق والمنتجعات بحلول الغطس البارد، إذ كشفت الدّراسات أنّ المسافرين باتوا يفضّلون الإقامة في أماكن توفر حمّام غطسٍ باردٍ أو ساونا. ورؤيتنا هي أن يصبح وجود حمّام الغطس البارد في الفنادق والنّوادي الرّياضية معياراً شائعاً، تماماً كما هو الحال مع السّاونا اليوم".
أمّا فيما يخصّ تميّز مبرّدات كولا ريكفري، فهي ليست مجرّد خيارٍ اقتصادي، بل تتميّز أيضاً بتوفير خدمات الصّيانة والدّعم الميدانيّ داخل الإمارات، حيث صُمّمت خصيصاً لتحمّل حرارة هذه المناطق، الّتي تصل فيها درجات الحرارة إلى 50 درجة مئويّة في دول مجلس التّعاون الخليجيّ. وحول هذه الميزة، قال بليير: "يفضّل بعض زبائننا تجربة الحمّامات الثّلجيّة في الهواء الطّلق. وبدلاً من رفض هذه الرّغبة، عملنا مع مصنّعينا على تطوير مبرّداتٍ فائقة التّحمل، قادرة على العمل في درجات حرارةٍ تتجاوز حرارة صيف الإمارات، حيث تقوم بتبريد الماء حتى درجة الصّفر، ممّا يؤدّي إلى تكوّن طبقةٍ من الجليد العائم، ليصبح ملاذاً من لهيب الصّيف".
وعند تأمله في مسيرته في بناء كولا ريكفري، شدّد بليير على أنّ الانضباط الماليّ يُشكّل الرّكيزة الأساسيّة لفلسفته التّجاريّة، قائلاً:
"من أقوالي المفضلة: ’العائد مجرّد تفاخر، أمّا الرّبح فهو الصّحّة العقليّة‘. فحتّى إن بدت الإيرادات مذهلةً، فإنّ غياب الأرباح، وخصوصاً ما يُعرف بـ EBITDA السّلبيّة، يُضعف الإنفاق المفرط جاذبيّة المشروع أمام المستثمرين والمشترين على المدى البعيد، لذا فإنّ الإدارة الدّقيقة للحسابات الماليّة تتفوّق على الرغبة في الإنفاق الزّائد، وهو أمرٌ يجب أن يدركه كلّ صاحب مشروعٍ مهما بلغ حماسه".
ولا يمكن إغفال أنّ كولا ريكفري لم تكن أوّل تجربةٍ رياديّة يخوضها بليير؛ فقد سبق أن أطلق فعاليّاتٍ رياضيّة بارزة تركّز على عالم اللّياقة، مثل "دبي ماسل شو" (Dubai Muscle Show) و"دبي أكتيف" (Dubai Active)، قبل أن يبيعهما في عام 2021 مقابل 7 ملايين دولار لصالح "إيطاليان إكزيبيشن جروب" (Italian Exhibition Group)، الشّركة المساهمة المدرجة في بورصة "يورونكست ميلان" (Euronext Milan)، والّتي تُدار من قبل
"بورصة إيطاليا" (Borsa Italiana). وقد علّق بليير على هذه التجربة قائلاً: "أعاد بيع مشاريعي السّابقة تشكيل رؤيتيّ حول بناء المشاريع، كما صرّحتُ سابقاً لـ مجلة "عربية .Inc"".
وأضاف: "كان أحد أسباب نجاح فعاليّاتي السّابقة هو الشّغف العميق الذي ملأ قلبي؛ فهذا الشّعور لا يمكن تزييفه. كنت أعيش وأتنفّس عالم اللّياقة قبل أن أخوض تجربة تنظيم معرضٍ لها. كنتُ الزّبون الذي يشتاق لمثل هذه الفعاليّات، لذلك حرصت على إنشاء حدثٍ كنتُ أتمنى حضوره بنفسي".
ويواصل بليير السير على هذا النّهج في مشروعه الحالي، مؤكّداً: "الفكرة مع كولا ريكفري هي ذاتها؛ أردتُ تأسيس علامةٍ تجاريّةٍ لدرجة أنّها، حتى لو لم تكن ملكي، لكنت بالتّأكيد اخترت شراء حمّامٍ ثلجيّ منها دون تردّد، فأنا أراها علامةً راقيةً ومتميّزة".
وبالنّظر إلى النّجاح السّاحق الذي حقّقته الشّركة منذ انطلاقها، يبدو واضحاً أنّ بليير ليس الوحيد الذي آمن بهذا المفهوم المبتكر، مما يُبشّر بمستقبلٍ مشرقٍ مليءٍ بالإنجازات والتألّق.