التغيير في العادات اليومية من الممكن أن يغير حياتك
خبير في الإدارة يبرر لماذا يجب ممارسة الحد الأدنى من العادات اليومية
يستيقظُ رجلُ الأعمالِ البريطانيُّ ومؤسّس مجموعة "فيرجن" السيد ريتشارد برانسون في الخامسةِ صباحاً لممارسةِ رياضة ركوبِ الأمواجِ بالألواح الشّراعيّةِ. ولكن الرّئيس التّنفيذيّ لشركةِ "آبل" تيم كوك يتفوّق عليه في هذا الأمرِ، وينهضُ من فراشه قبل الرّابعةِ صباحاً. كذلك الأمرُ بالنّسبةِ لإيلون ماسك وبيل غيتس -أو على الأرجحِ فريق مساعديهما المتخصّص- الذي يُجدول مهام أيامهم بفواصل زمنيّةٍ مدتها خمس دقائق، أمّا الكاتبُ والمتحدّث الأمريكيُّ توني روبنز فلديه اعتقادٌ بأهميّة الغوصِ في مياه الجليدِ في الصّباحِ الباكرِ. [1]
وهكذا تجدُ أنّ هؤلاء الذين حقّقوا إنجازاتٍ كبيرةٍ متمسّكين بممارسةِ روتين يوميٍّ مليءٍ بالأنشطةِ الّتي تتطلّبُ طاقةً عاليةً، فهل يعني ذلك أنّه يجبُ على بقيّة النّاسِ السّعي ما أمكنَ إلى مجاراتهم في جداولهم المزدحمةِ؟
بينما يردُّ الكثيرون ممن يدّعون الخبرةَ في الإنترنتِ على هذا السّؤالِ بالإيجابِ، أودّ أن أشيرَ إلى ثلاثةِ أصواتٍ معارضةٍ قويّةٍ على الأقلِّ، وهم: خبيرُ إدارةِ الوقتِ المؤلّف أوليفر بوركمان، ومؤسّس شركةِ أمازون جيف بيزوس، والعبقريُّ الخارقُ المنعوتُ بالجنونِ ألبرت أينشتاين.
الدفاع عن الروتين اليومي المشجع على الكسل
إن كنتَ تتبّعُ أسلوبَ تيم كوك في ممارسته لروتينه الخارقِ، فهذا المقالُ لا يخصّكَ. ولك أن تواصلَ الاستيقاظَ من نومكَ قبل العصافيرِ، وجعل أيّامكَ مفعمةً بكلّ الأفكارِ الفعّالةِ والحلولِ المبتكرةِ لتحسين إنتاجيّتك وتحقيقِ أهدافكَ. فلا أحد يُطالبكَ بالتّخلّي عن روتينٍ مجدٍ بالنّسبةِ إليكَ لمجرّدِ أن أحدَ الكتّابِ على الإنترنت، أو حتّى واضع نظريّة النّسبية نفسهُ يُخبرك بذلك. فهذا المقالُ للذين يعانون من الشّعورِ بالذّنبِ، لهؤلاء الذين يتطلّعون باستمرارٍ لروتينٍ يوميٍّ صارمٍ، لكنّهم دوماً يفشلون في الالتزامِ به. لكن ماذا لو فكّرتَ للحظةٍ واحدةٍ فقط في التّساهلِ مع نفسكَ، كما يقترح بوركمان في آخر إصدارٍ لنشرته البريديّة المحفّزةِ للتّفكيرِ على الدّوامِ.
إذ يعترفُ بوركمان، وهو المؤلّفُ لسبعة كتبٍ نالت استحسانَ النّقاد، إنّه يهدفُ شخصيّاً إلى الشّروعِ بالكتابةِ في موعدٍ لا يتجاوز العاشرة والنصف صباحاً. زمن البدء هذا، الذي يبدو غير مستعجل، يأخذُ في الحسبانِ حاجةَ بوركمان في بعضِ الأحيانِ إلى اصطحابِ أطفاله إلى المدرسةِ بمفرده والتّأقلمَ مع الانشغالاتِ الاعتياديّةِ في الصّباحِ.
يقولُ بوركمان: "أعرفُ ما الّذي تفكّرُ فيه". "العاشرة والنّصف؟ أوليفر، أيّها الكسول، عبثاً يحاولُ أحدٌ تغييركَ، هذا ليس بروتينٍ منضبطٍ، وإنّما هو وقتُ الغداءِ تقريباً! وحدهُ الفردُ المُترَفُ المستهترُ يمكنهُ اتّباع مثلِ هذا الجدولِ المريحِ، أمّا الباقون منّا فلديهم أعمالٌ ومسؤوليّاتٌ عائليّةٌ!"
لكن بوركمان يواصلُ تبريرَ مثل هذا الوقتِ المريحِ لبدءِ العملِ أمام صوتِ اللّائمين الذي ما فتئ يتردّدُ في ذهنهِ، مقدّماً مبرّرين رئيسيّين.
إذ يقولُ موضّحاً أولهما: "بذلكَ أستطيعُ التّمسّكَ بالعادةِ فعليّاً بثباتٍ وسطَ تقلّبات الحياةِ، ودون الحاجةِ إلى إقناعِ زوجتي أو ابني بأن يجعلا الإيقاعَ اليوميّ لحياتهما يتماشى مع الرّوتينِ الخاصّ بي، ما يُعزّز ذلكَ الجزءَ من شخصيتي الّذي يرى هدوءَ البالِ والإنتاجيّةَ في روتينٍ منضبطٍ، دونَ أن يلزمني ذلكَ إلى أن أكونَ عديمَ الذّوق حيالَ هذا الأمر."
ويتابعُ مبيّناً ثانيهما: "في كثيرٍ من أوقاتِ الصّباحِ، لا أقوم بالواجبِ التّربويّ تجاه ابني بمفردي، ولا أشعر بالضبابيّةِ في التّفكيرِ، لذلكَ يُمكنني أن أبدأ مُبكّراً، وهو أمرٌ بالغُ الرّوعةِ، وكأننّي أسابقُ الزّمنَ كي أتفوّقَ على نفسي، لأنّني أكونُ متقدماً جداً على جدولِ أعمالي الذي فرضتهُ على نفسي."
إنّ ممارسةَ العاداتِ اليوميّةِ بالحدِّ الأدنى من شأنهِ تحقيق النّجاح بسهولةٍ أكبر. وعندما تصلُ إلى هذه المرحلة سيتطوّرُ الحافزُ لديكَ. فأنتَ عندما تشعرُ شعوراً طيباً ورائعاً تجاه نفسكَ، سيجعلكَ ذلكَ أكثر قابليّةً للوصولِ إلى النّجاحِ حقّاً. وإذا لم تصدّقني، فهذه دراسةٌ شاملةٌ وموثوقةٌ تثبتُ صحّةَ كلامي. لذلك أن تضعَ لنفسكَ روتيناً صباحيّاً قابلاً للتّنفيذِ وقادراً على استيعابِ أعبائكَ الحياتيّةِ اليوميّةِ بدلاً من أن تأملَ بإعادةِ صياغةِ شكلِ حياتكَ بالكاملِ، يُمكنُ أن يحقّق لكَ إنجازاتٍ طويلةِ الأمد أكثر مقارنةّ بما تصلِ إليه عندما تُهيّئ نفسكَ للإخفاقِ عبر روتينٍ غير قابل للتّحقيقِ.
إنجاز استثنائي دون روتين عقابي
قد يبدو هذا بمثابةِ الاستسلامِ للفشلِ قبل حتّى الشروعِ في تجنّب الوقوعِ في شركِ الإحباطِ بالنّسبةِ لبعضِ الأشخاصِ المجتهدين، الذين يُشكّلون وفق اعتقادي أكثر من عددٍ قليلٍ من قُرّاء Inc.com وهنا سآتي على ذكرِ بيزوس وأينشتاين لدعمِ وجهةِ نظري.
قد يصحو تيم كوك قبلَ العصافيرِ، لكن ليس كلُّ شخصٍ ذو شأنٍ كبيرٍ يلتزمُ بمثلِ هذا الجدولِ الصّارمِ. ففي ذروةِ فترةِ عملهِ كرئيسٍ تنفيذيٍّ لشركةِ أمازون، كان بيزوس يُفضّلُ التّجولَ في الصّباحِ، ولم يحدث أن حدّدَ موعداً لعقدِ اجتماعاتٍ قبل السّاعةِ العاشرة صباحاً، لكن أتدري ما هدفهُ الّذي يطمحُ إليه كلّ يوم؟ يتركّزُ هدفه على اتّخاذِ ثلاث قراراتٍ سديدةٍ فقط. كذلك الأمرُ بالنّسبة لألبرت أينشتاين الذي عُرف عنه استمتاعه بفتراتٍ طويلةٍ يُنجزُ فيها القليل كما تبيّنَ.
يدعو المؤلّفُ الأمريكيُّ ستيفن كوتلر هذا الفراغ المفتوح في جداولنا بـ"اللا وقت"، ويؤكّد أنّهُ ضروريٌّ للإبداعِ. وهو واحدٌ من الخبراء الّذين يقولون أن المبالغةَ في جدولةِ الأعمالِ وتنظيمها عبر حرماننا من المرونةِ والوقتِ المُخصّص للتّأملِ، يُمكنها فعلاً أن تجعلنا أقلّ إنتاجيةً على المدى المتوسّطِ والبعيدِ.
لكن ما أردتُ قوله هنا إنّه ليس بالضّرورةِ التّأكيدُ على وجوبِ اعتمادِ جدولِ أعمالٍ يُشجّعُ على الكسلِ، بل أردتُ فقط طرحَ أمثلةً تُثبت فكرةَ بوركمان بأنّ الحدّ الأدنى من الرّوتين يتوافقُ مع تحقيقِ أشياء مذهلة قد تصلُ بكَ إلى أن تصبحَ أغنى شخصٍ في العالمِ أو تحلّ ألغازَ الكونِ.
كما أنّ الفكرةَ ليست للدّعوة إلى أي ترتيبٍ محدّدٍ لأيّامكَ، وإنّما لتكرارِ النّقطةِ الّتي تحدث عنها بوركمان والتي تقول أن الروتين الصارم الذي لا يتماشى مع حياتكَ أو شخصيتكَ، ويجعلكَ فقط تشعرُ بالسّوءِ حيالَ نفسكَ يأتي بنتائج عكسيّة. ومن الأفضل بكثيرٍ أن تُمعن النّظر في الطّريقةِ التي تعيشها حقاً، وتُنشئ عدداً قليلاً (حداً أدنى) من مساراتِ الأمانِ في أيّامك. فعندها ستحقُّق أهدافكَ بشكلٍ أكبر، وتشعرُ بحالٍ أفضلَ، وتؤدّي هذه المشاعرُ الإيجابيّة إلى تحقيقِ إنجازٍ فعليٍّ أكثرَ بكثيرٍ من لومكَ نفسكَ دائماً، لأنّكَ لست صارماً في جدولةِ الأعمالِ، مثل تيم كوك أو توني روبنز.
سأتركُ الكلمةَ الأخيرةَ لبوركمان، بما أنّهُ يُعبّر عن النّقطةِ الأساسيّة بصورةٍ جيدةٍ، إذ يقول: "إن تطويرَ العاداتِ وتحقيقِ الأهدافِ غير مهمّ بحدِ ذاته. إذ إنّ العاداتِ اليوميّة والإشادة بها لا تهمّ إلا بالقدرِ الّذي يساعدك على عيشِ حياةٍ مرضيةٍ، لذا لا يستحقِّ الأمرُ أن تهتمَّ بالأشخاصِ الذين يبعدونكَ عن هذا الواقعِ، في سعيٍ عقيمٍ لتصبحَ شخصاً مختلفاً، فهذه ليست طريقةٌ لعيشِ الحياةِ."
وإنّني مُتّفقٌ مع هذا الكلامِ.