الملاحة في عالم متغير: تأثير المخاطر على الأعمال
يبشّر العقد المقبل بفترة من التحول العميق، مما يدفع قدرتنا على التكيف إلى أقصى حدودها
هذا المقال متوفر أيضاً باللغة الإنجليزية: هنا
يُبشّر العقد القادم بفترةٍ من التحوّلات العميقة التي ستدفعُ قدرتنا على التّكيف إلى أقصى حدودها، ففي عالم اليوم الدّيناميكي، ومع التّقدماتِ التكنولوجية السّريعة والشّكوك الاقتصاديّة، برزتْ تحديّاتٌ رئيسةٌ مثل تغيّر المناخ والصّراعات الجيوسياسيّة، ومن المثير للاهتمامِ أنّ قضايا مثلَ تغيّر المناخ لم تعدْ تُعتبرُ مجرّد مخاطر، بل بات يُعترفُ بها كقوىً هيكليّةٍ تشكّلُ خطراً عالميّاً في العقد المقبل، وفقاً لأحدث تقرير المخاطرِ الصادر عن المنتدى الاقتصاديّ العالميّ في يناير 2024.
أجرى المنتدى الاقتصاديّ العالميّ مسحاً في سبتمبر 2023، جمع فيه رؤىً من 1500 قائدٍ عالميٍّ عبر مختلف القطّاعات. وحدّد المسحُ أربع قوى هيكليّةٍ كبيرةٍ: تغيّرُ المناخ والاحتباس الحراري، والتّحولات الدّيموغرافية، التّقدم التّكنولوجي المتسارع، والتّحولات الجيوسياسيّة. وبالإضافة إلى ذلك، يرسمُ تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي صورةً متشائمةً في الغالب للعامين المقبلين، مع توقعاتٍ بتفاقمِ الأوضاعِ على مدى العقدِ القادمِ.
ومن المُلاحظِ أنّ الظّروف العالميّة الجديدة التي تتسمُ بعدم اليقين والتّقلبات قد بدأت في الظّهور، وهي مخاوفُ يعبّرُ عنها العديد من المديرينَ التّنفيذيين. هذا العام، يحثُّ القادة على تقييم وتحليل ارتفاع المخاطر العالميّة والخاصّة في سياق هذه القوى الهيكليّة والتّحولات والصّراعاتِ المُستمرّة التي تنطوي عليها. ووفقاً لتقرير المُنتدى الاقتصاديّ العالميّ، تشملُ أبرز عشرة مخاطر مُحدّدةٍ أحداث الطقس المُتطرّفة، والمعلوماتِ المُضلّلة المدفوعة بالذكاء الاصطناعي، واضطرابات سلاسل الإمداد، الانقسامات المجتمعيّة والسياسيّة، وارتفاع تكاليف المعيشة.
نظراً لطبيعة هذه المخاطر المُترابطة، يصبحُ إدارتها في عالمٍ مُجزّأٍ أكثر تحديّاً، ممّا يبرزُ الحاجةَ المُلّحة للاستعداد في ظلِّ نقص الإجماع والتّعاون. وفي هذا السّياق، يصبح التّكيف مع هذه القوى المُتطوّرة ضروريّاً لتحسين القدرة على التنبؤ بالمخاطر والاستجابةِ لها. ويشعر الرّؤساءُ التّنفيذيون بالقلق بشكلٍ خاصٍ بشأن التّنقل في المخاطر النّاشئة وتبعاتها، ويسعون إلى الأطر والإجراءات الصّحيحة لإعادة بناء الثّقة، وتعزيزِ المرونةِ، وتشجيعِ الحوار البنّاء عبر الحكومات والأعمال والمجتمع المدنيِّ.
على الرّغم من ذلك، تبرزُ منطقةُ الشرق الأوسط كحالةٍ استثنائيّةٍ وسط التّحولات العالميّة في الماليّة، والجيوسياسيّة، والمجتمعِ. بينما يشاركُ الرّؤساء التّنفيذيون الإقليميّون المخاوف العالميّة، هناك نظرةٌ أكثر تفاؤلاً هذا العام، ممّا يُعزّزُ الطّموحات للنّمو الإقليميِّ مقارنةً بالسّنواتِ السّابقة، كما يتضحُ في أحدث تقرير مسح الرّؤساء التّنفيذيين لعام 2023 من PWC.
يُؤكّدُ التّقرير على تركيز الرّؤساء التّنفيذيين على ثلاثة مجالاتٍ رئيسيّةٍ: السّعي لتحقيقِ النّمو المتسارع والتّفاؤل، واحتضان إعادة الابتكار من خلالِ استغلال التّقدم التّكنولوجيّ، مثل: الذكاء الاصطناعي التوليدي، والابتكارات الصديقة للبيئة، وإعطاء الأولويّة للمبادرات لتحسين مهارات القوى العاملة، ومعالجة مخاطر المناخ في الاستراتيجيّات الماليّة، وتعزيزُ المرونة ضدَّ التّهديدات الجيوسياسية والسيبرانية.
يواجهُ قادةُ الأعمالِ حول العالمِ ليس فقط الشّكوك الاقتصاديّة والجيوسياسيّة، بل أيضاً تحوّلاتٍ تنظيميّةٍ كبيرةٍ تُؤثّرُ بعمقٍ على الهياكلِ والعمليّات والموظّفين. وفقاً لدراسة ماكينزي لعام 2023، التي شملت مسحاً لأكثر من 2500 قائد أعمالٍ عالميٍّ، يشعرُ نصفهم فقط بأنّهم مستعدّون بشكلٍ كافٍ للصّدمات المُستقبليّة. ويشيرُ هذا إلى أنّ نصفَ المُنظمّاتِ فقط واثقةٌ من قدرتها على التّنبؤ بالاضطرابات الخارجيّةِ والاستجابةِ لها بفعاليّةٍ. بالإضافةِ إلى ذلك، يرى ثلثا المستجيبين أنّ مُنظّماتهم معقّدةٌ بشكلٍ مفرطٍ وغير فعّالةٍ.
تشمل التّحولاتُ التّنظيميّة وفقاً لدراسة ماكينزي لعام 2023:
- السّرعة والمرونة: تطمح الشّركات إلى العمل بسرعةٍ أكبر وزيادة مرونتها.
- العمل الهجين: تحقيق التّوازن بين نماذج العمل الحضوريّ والعمل عن بعد.
- دمج الذكاء الاصطناعي: تضمين الذكاء الاصطناعي لتمكين المنظمات في عملياتها، واستقطاب المواهب، وتعزيز الثّقافة المؤسّسية، واتّخاذ القرارات المُستندة إلى البيانات بشكلٍ أسرع مع مراعاة أخلاقيّات الذكاء الاصطناعي.
- التّركيز على الصحة النفسية: معالجة تدهور الصّحة النّفسيّة من خلال وضع قواعد جديدة، وتقديم عروضٍ قيّمةٍ مُخصّصةٍ، وسدّ الفجوة بين احتياجات المؤسّسة وموظفيها.
- سدّ فجوات المهارات: بناء القدرات لدمج التّكنولوجيا والأفراد والعمليّات بشكلٍ فعّالٍ.
- مواءمة المواهب: ملاءمة أفضل المواهب مع الأدوار ذات القيمة العاليّة، لملء المناصب الحيويّة بأفضل شكلٍ ممكنٍ.
- تطوير القيادة: تنمية مهاراتِ القيادة والوعي الذّاتي وإدارة الفريق على نطاقٍ واسعٍ.
- التنوع والإنصاف والشمولية (DE&I): التّركيز المنهجيّ على تأثير التنوّع والإنصاف والشّمولية والتّقدم لتحقيق تحسيناتٍ اجتماعيّةٍ ومجتمعيّةٍ.
- تحسين الكفاءة: إعطاء الأولوية لتوزيع الموارد بهدف تحسين صحّة المُنظّمة، وزيادة عائدات المُساهمين، واتّخاذ القرارات بسرعةٍ أكبر لتمكين الموظّفين وبناء الثّقة.
يَعدُ العقدُ القادم بجلبِ فترةٍ من التّحوّلات العميقة التي تدفعُ قدرتَنا على التّكيف إلى أقصى حدودِها. وضمنَ هذا الإطار الزّمنيِ، يمكن تصوّرُ العديد من السّيناريوهات المختلفة، ويُمكن لجهودنا الاستباقيّة اليوم أن توجهَنا نحو مسارٍ أكثر ملاءمةً.
في ظلِّ المخاطر العالميّة والتّحوّلات المستمرّة، تُتاحُ لنا فرصٌ فريدةٌ لاستعادة الثّقة وتعزيز التّفاؤل وتقوية المرونة داخل مؤسّساتنا ومجتمعاتِنا. ونأملُ بجديّةٍ أن يُعيرَ القادةُ والرّؤساءُ التنفيذيين وأصحابُ المصلحةِ الرئيسيين اهتماماً جاداً للدّعوة إلى الحوار الهادف والمفتوح، بهدف التّخفيف من المخاطر العالميّة واستغلال الفرص طويلة الأجلِ والحلول المستدامة.