الموظفون المصابون باضطراب فرط الحركة يلجأون للذكاء الاصطناعي
تطبيقات الذكاء الاصطناعي تساعد الموظفين في التغلب على تحديات اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه وتحسين إنتاجيتهم في بيئات العمل المختلفة
بيكي ليتفينتشوك، سيدة أعمالٍ طموحةٌ تعيشُ في مدينةِ نيويورك، كانت تجدُ نفسها غارقةً في بحرٍ من المهامِّ والمسؤولياتِ اليوميّةِ التي لا تنتهي. لطالما كان اضطرابُ فرطِ الحركةِ وتشتتِ الانتباهِ (ADHD) عبئاً ثقيلاً عليها، يعوقُ قدرتَها على التّركيزِ وإتمامِ الأعمالِ كما ترغبُ. كانت هذه التّحدياتُ تصاحبُها في كلِّ جانبٍ من جوانبِ حياتِها، ممّا جعل التّفكيرَ في إدارةِ مشروعِها الخاصِّ يبدو كحلمٍ بعيدِ المنال.
في ظلِّ هذا الضغطِ النفسيِّ، وجدت بيكي نفسها تلجأُ إلى التّكنولوجيا بحثاً عن طوقِ نجاةٍ يساعدُها على اجتيازِ صعوباتِ الحياةِ اليوميّةِ. كان هذا الطوقُ هو تطبيقَ ذكاءٍ اصطناعيٍّ يُدعى "Claude"، الذي أصبح شريكَها غيرَ المرئيِّ في إدارةِ أعمالِها. بيكي لم تكن بحاجةٍ لقراءةِ العقودِ المطوّلةِ والمرهقةِ التي كانت تقفُ حاجزاً بينها وبين اتّخاذِ القراراتِ الصائبةِ لمشروعِها. بل بفضلِ "Claude"، أصبح بإمكانِها تحديدُ العقودِ التي تناسبُ نشاطَها في تصنيعِ مناديلَ النظافةِ "GetDirty" دون الحاجةِ للغوصِ في التّفاصيلِ الدقيقةِ. ليس ذلك فحسب، بل قامت بيكي بإعدادِ خططِ عملٍ شاملةٍ لمشروعِها عبرَ إدخالِ أهدافِها إلى التّطبيقِ وتركِه يتولّى تنظيمَ الخطواتِ اللّازمةِ لتحقيقِها.
تصفُ بيكي تجربتَها مع الذكاءِ الاصطناعيِّ بأنها كانت حاسمةً في رحلتِها نحو النجاحِ، وتقولُ بصوتٍ مليءٍ بالامتنانِ: "لقد كان الذّكاءُ الاصطناعيُّ جزءاً لا يتجزّأ من نجاحي. لولا هذه التّكنولوجيا، لا أعتقدُ أنني كنتُ سأصلُ إلى ما أنا عليه اليوم".
لكن تجربةَ بيكي ليست سوى جزءٍ من قصةٍ أكبرَ. يقولُ الخبراءُ إنّ أدواتِ الذكاءِ الاصطناعيِّ التوليديةَ أصبحت ملاذاً لكثيرٍ من الأشخاصِ الذين يعانون من اضطرابِ فرطِ الحركةِ وتشتتِ الانتباهِ. بالنسبة لهؤلاء الأشخاصِ، الذين يجدونَ صعوبةً في التركيزِ وتنظيمِ أفكارِهم والسيطرةِ على اندفاعاتِهم، تُعتبرُ هذه الأدواتُ وسيلةً فعالةً لمساعدتِهم على إنجازِ مهامِّهم اليوميةِ بشكلٍ أسرعَ وأكثرِ كفاءةٍ. ومع ذلك، يحذّرُ هؤلاء الخبراءُ من الاعتمادِ الكاملِ على هذه التّكنولوجيا كبديلٍ للعلاجِ التّقليديِّ.
إيميلي كيرشر-موريس، مستشارةٌ متخصّصةٌ في علاجِ المرضى المصابين باضطرابِ فرطِ الحركةِ وتشتتِ الانتباهِ، تلاحظُ أنّ استخدامَ أدواتِ الذكاءِ الاصطناعيِّ قد ساعدَ عملاءَها بشكلٍ ملحوظٍ. حتى أنّها، كإحدى المصاباتِ بالاضطرابِ نفسهِ، تستفيدُ من هذه التّكنولوجيا في حياتِها الشخصيةِ. تعلّقُ إيميلي قائلةً: "إنّ الذكاءَ الاصطناعيَّ قد يجذبُ انتباهَ الناسِ بطريقةٍ جديدةٍ ومثيرةٍ. بالنسبة لبعض الأشخاصِ، يصبحُ هذا الاهتمامُ بالتّكنولوجيا دافعاً لاستكشافِ المزيدِ والتعمقِ في استخدامِها".
ولكن، ورغم هذه الفوائدِ، تُشدّدُ إيميلي على أهميةِ التّروي والحذرِ. يضيفُ جون ميتشل، الأستاذُ المساعدُ في كليةِ الطبِّ بجامعةِ ديوك، أنّ تطبيقاتِ الذّكاءِ الاصطناعيِّ يجب أن تكون جزءاً من مجموعةِ أدواتٍ مساعدةٍ، لا بديلاً عن تطويرِ المهاراتِ التّنظيميةِ أو تناولِ الأدويةِ الموصوفةِ. ويشبّهُ ميتشل هذا الوضعَ بشخصٍ يتعلمُ السباحةَ: "إذا كنتَ بالكادِ تحافظُ على بقائِك على سطحِ الماءِ باستخدامِ طوقِ النجاةِ، فهذا جيدٌ، لكنه لا يعني أنّك تعلّمتَ السباحةَ".
بيكي ليست الوحيدةَ التي استفادت من هذه التكنولوجيا. فهي أمٌّ لأربعةِ أطفالٍ، ورغم أنها لم تكمل دراستَها الثانويةَ وخرجت من سوقِ العملِ لفترةٍ، إلا أن الذكاءَ الاصطناعيَّ أصبح رفيقَها في مواجهةِ تحدياتِ الحياةِ اليوميةِ. حتى في الأمورِ البسيطةِ مثل التّسوقِ، تلجأُ بيكي إلى "ChatGPT" لمساعدتِها في إعدادِ قوائمِ التسوقِ واقتراحِ وصفاتٍ سهلةِ التحضيرِ. لقد أدركت أن العديدَ من الأشخاصِ الذين يعانون من اضطرابِ فرطِ الحركةِ يمكن أن يستفيدوا من هذه الأدواتِ، وقررت مشاركةَ تجاربِها عبرَ مقاطعِ فيديو على "TikTok" لتوعيةِ الآخرينَ.
من خلال هذه المقاطعِ، تسعى بيكي لنشرِ الوعيِ حول كيفيةِ استخدامِ الذكاءِ الاصطناعيِّ لتحسينِ نوعيةِ الحياةِ. تقولُ بيكي: "شعرت أنني بحاجةٍ إلى تثقيفِ الناسِ. إذا كنتُ أنا قادرةً على تخطي هذه الصّعوباتِ بفضلِ الذّكاءِ الاصطناعيِّ، فلماذا لا أساعدُ الآخرينَ على فعلِ الشيءِ نفسِه؟".
في الجانبِ التّقنيِّ، هناك بعضُ التّطبيقاتِ التي تُعتبر ثوريةً في مجالِ مساعدةِ الأشخاصِ الذين يعانون من اضطرابِ فرطِ الحركةِ وتشتتِ الانتباهِ. "Goblin.tools"، الذي صمّمه مهندسُ البرمجياتِ برام دي بويزر، هو أحدُ هذه التّطبيقاتِ. يقدّمُ التطبيقُ ميزةَ "magic to-do"، التي تتيح للمستخدمينَ إدخالَ مهمّةٍ محددةٍ ليقومَ الروبوتُ بتقسيمِها إلى قائمةِ مهامٍّ صغيرةٍ ومنظمةٍ.
لكن، على الرّغم من كل هذه الفوائدِ، هناك تحديّاتٌ ومخاوفُ تتعلّق بالاستخدامِ المتزايدِ للذّكاءِ الاصطناعيِّ. راسل فولمر، أستاذٌ بجامعةِ هوسون، يشيرُ إلى أن الأبحاثَ المتعلقةَ بتأثيرِ الذكاءِ الاصطناعيِّ على اضطرابِ فرطِ الحركةِ وتشتتِ الانتباهِ لم تصل بعد إلى نتائجِ حاسمةٍ. يعربُ فولمر عن قلقِه من أن هذه التكنولوجياَ قد لا تعملُ بشكلٍ مثاليٍّ مع جميعِ الفئاتِ، خاصّةً مع بعضِ الأقلّياتِ العرقيةِ، حيث أظهرت بعضُ ردودِ الروبوتاتِ تحيّزاتٍ عنصريةً.
فاليس جونز، ناشطةٌ إعلاميّةٌ تعاني من اضطرابِ فرطِ الحركةِ منذ الطفولةِ، تستخدمُ الذّكاءَ الاصطناعيَّ لمساعدتِها في قراءةِ الرّسائلِ الإلكترونيةِ والردِّ عليها. لكنّها تشيرُ إلى أنّ الردودَ التي تولّدُها التّطبيقاتُ لا تعكسُ دائماً شخصيّتَها الحقيقيّةَ، خصوصاً عندما يتعلّقُ الأمرُ بلونِها الجنوبيِّ وطريقتِها الخاصةِ في التعبيرِ.
أخيراً، يحذّرُ الخبراءُ من أنّ الاعتمادَ الكاملَ على الذّكاءِ الاصطناعيِّ قد يحملُ مخاطرَ تتعلّقُ بالخصوصيةِ. إذ يعبّرُ برام دي بويزر عن قلقِه من أنّ استخدامَ الذّكاءِ الاصطناعيِّ كمساعدٍ شخصيٍّ يمكنُ أن يؤدّيَ إلى تسليمِ الشّركاتِ الكبرى معلوماتٍ حسّاسةً وشخصيّةً مقابلَ الحصولِ على بعضِ الفوائدِ.