الهروب من سطوة خوارزميات Instagram و TikTok على عالم الأعمال
في كتابه الجديد "Filterworld"، يكشف كايل تشايكا لماذا يعد التأقلم مع خوارزميات Instagram و TikTok استراتيجية خاسرة، وكيف يمكن للشركات التميز والنجاح بدون الخضوع لضغوطاتها
منصَّاتٌ مثل Instagram وTikTok قد تكون ضروريَّةً للشَّركات بغية إيجاد جماهيرها وتعزيز نموِّها؛ لكنَّ هذا الوصول له ثمنهُ: الشَّركات قد تجدُ نفسها مضطرةً لتكيّيفَ علامتها التِّجارية مع الاتِّجاهات السَّائدة على الإنترنت، ممّا قد يؤدّي إلى تبخُّر الهوية التي تمَّ بناؤها بجهدٍ كبيرٍ إذا ما تغيَّرت خوارزميَّات المنصَّة.
في كتابه الجديد "عالم الفلاتر"، يكشفُ كايل تشايكا كيف باتت الخوارزميَّات التي طوَّرتها الشَّركات التُّكنولوجيَّة الكبرى تؤثِّر على كلِّ جانبٍ من جوانب حياتنا، بما في ذلك الأسلوب الذي ينجذب به الأشخاص إلى الشَّركات التي تزدهر في هذا العالم الرَّقميِّ؛ فهل ترغب في جذب الزَّبائن إلى مقهاكَ؟ ستجدُ أنَّ المساحاتِ المزيَّنة بالمصابيح المعلَّقة والخشب الخامّ والأركان المضاءة بنور الشَّمس تبدو جذَّابة في عدسة Google، ممّا قد يسفر عن زيادةٍ في عدد الزِّيارات الفعليَّة.
والنَّتيجة هي تجانس التَّصميم والثَّقافة، وتشايكا يشير إلى أنَّ كلَّ شيءٍ من تخطيط المتاجر إلى أطباق المطاعم يخضع لما يسمِّيه "الشَّكلَ الماديَّ لتحسينِ محرِّك البحث"، وفي حديثه مع شركة .Inc، يناقشُ تشايكا الضُّغوط التي تواجهها الشَّركات الصَّغيرة للتكيُّف مع متطلَّبات الخوارزميَّات، ويوضِّح لماذا يعدُّ هذا النَّهج استراتيجيَّةً خاسرةً على المدى الطَّويل.
يصفُ تشايكا ظاهرةً يطلقُ عليها اسم AirSpace؛ حيث تتبنَّى الشَّركات الجماليَّات السَّائدة على منصَّاتٍ مثل Instagram و Airbnb، يقول إنَّه خلال رحلاتهِ الكثيرةِ للعمل، بدأ يلاحظ توحُّداً في تصميم المقاهي العامَّة في كلِّ مدينةٍ دوليَّةٍ تقريباً، مع خصائصٍ مشتركةٍ مثل الدِّيكور الدَّاخلي البسيط، والخشب المستصلح، وخدمة الواي فاي، ونخب الأفوكادو، وفنِّ اللاتيه، وهذا التَّجانس في المساحات، رغم تباعدها جغرافيَّاً، كان يبدو متَّصلاً بنوعٍ جديدٍ من الجغرافيا التي لاحظها على المنصَّات الرَّقميَّة، وهكذا، بدت المقاهي متشابهةً؛ لأنَّها كانت تتبَّع بعضها على Instagram، تنسخ جمالياَّت بعضها، وتتبَّع نمطاً عامَّاً أصبح يروِّج له في خلاصات Instagram الخوارزميَّة.
أصحابُ المقاهي الَّذين تحدَّث إليهم تشايكا شعروا جميعاً بضرورة التَّسويق لأنفسهم في عصر Instagram. وهذا النَّوع من الضَّغط يُرى في كلِّ أنواع الشَّركات، من تصميم غرف الفنادق إلى عيادات الأطباء وأطباء الأسَّنان التي تبدو صديقةً للغاية على Instagram وموجهةً لجيل الألفيَّة، وبالتَّالي، تضطرُّ الشَّركات إلى التَّنقل عبر هذه المنصَّات؛ لأنَّ هذا هو المكان الذي يتواجد فيه المستهلكون، وتؤثِّر الخلاصات والتَّوصيات الخوارزميَّة بشكلٍ كبيرٍ على قرارات المستهلكين الماليَّة، من اختيار المطعم لطلب الطَّعام إلى المكان الذي يختارون استئجاره.
شاهد أيضاً: انتهى التسويق عبر المؤثرين، وبدأ التسويق عبر صناع المحتوى
كيف يؤثِّر هذا التَّجانس على استراتيجيَّات التَّسويق؟
لقد أصبح الإنترنت مشبَّعاً بالتَّوصيات إلى درجة أنَّه أصبحَ لزاماً على الشَّركات إمّا التَّكيُّف مع هذه التَّوصيات أو مواجهة خطر عدم الوصول إلى جمهورها، لم يعد هناك بديلٌ سوى دفع الأموال لـ Instagram لضمان وصول رسالتكَ إلى معجبيك، وكذلك يجب التَّكيُّف مع خوارزميات Google SEO لضمان ظهوركِ على الإنترنت.
معظم الإعلانات المستهدفة غير فعَّالة؛ لأنَّها تعتمد بشكلٍ كبيرٍ على الوصول إلى الأشخاص الَّذين تعتقد أنَّهم سيكونون مهتمِّين بمنتجك أو خدمتك، بالنِّسبة لي، أرى أنَّ الطَّريقة الأفضل للتَّعامل مع هذا الواقع هي استغلال الخلاصات الخوارزميَّة لإبراز مميِّزات عملك أو منتجاتك، بدلاً من محاولة التَّلاعب بهذه الأنظمة، ومع التَّخليّ التَّدريجيِّ عن استخدام ملفَّات تعريف الارتباط من الطَّرف الثَّالث، هل سيؤثِّر ذلك على الاستهداف؟
الخلاصات الخوارزميَّة تعتمدُ بشكلٍ كبيرٍ على تحليل البيانات، وتعمل بكفاءةٍ؛ لأنَّ هذه المنصَّات تستطيع متابعة كلِّ تحرُّكٍ نقوم به، كلَّ نقرةٍ، وعلى TikTok، وكلَّ مقطع فيديو نتوقّف عنده حتَّى لو كان لجزءٍ من الثَّانية، وأصبحت هذه العمليَّة أكثر تعقيداً، في الكتاب، يزعم تشايكا أنَّه يجب تفكيك هذا النِّظام البيئيِّ؛ لأنَّه أصبح مربكاً ومعقَّداً للغاية، ويتلاعب بالمستهلكين بشكلٍ كبيرٍ، ويشعر المستهلكون بالضِّيق عندما يواجهون شيئاً مصمَّماً بشكلٍ مفرطٍ ليتناسبَ مع الخلاصات، ونحن نشهدُ تحوُّلاً جزئيَّاً بعيداً عن هذا النَّمط بسبب ملل المستهلكين من كيفيّة عمل الأشياء، وكذلك بسبب تغيير قواعد حماية البيانات.
أعتقد أنَّه سيكون من الجيد للشَّركات أن تتمكّنِ من الوصول إلى بياناتٍ أقلَّ قليلاً عن المستهلكين، هذا يُجبِرُ الشَّركات على البحث عن مساحاتٍ يكون فيها الإعلان أكثر صلةً، في الماضي، كان لدينا العديد من حرَّاس البوابة البشريَّة وصانعي الذَّوق الَّذين عملوا غالباً من خلال وسائل الإعلام، لقد نشأت النَّشرات الإخباريَّة لتوفير المزيد من التَّفاعل البشريّ، وأعتقد أنَّ هذا أمرٌ جيد؛ لكنَّ الأمر يبقى صعباً: كيف نستخدمُ نطاق الإنترنت ولا نفقدُ هويتنا في هذه العمليَّة؟
تُغيّر شركات التُّكنولوجيا الكبرى خوارزمياتها باستمرارٍ؛ كيف تتعامل الشَّركات مع هذا التَّحدي؟
كانت الرِّسالة الكبيرة من شركات وسائل التَّواصل الاجتماعيِّ هي أنَّه إذا قمت ببناء قاعدة معجبين على منصَّةٍ؛ فستتمكّن من الوصول إليهم، لكن تبيَّن أنَّ هذا لم يكن سوى وهمٍ، Instagram، على سبيل المثال، جعلت من الصَّعب الوصول إلى جميع متابعيكَ، في منتصف إلى أواخر عام 2010، كان بإمكانك إنشاء مجموعة على Facebook والحصول على وصولٍ جيّدٍ لفترةٍ من الوقت، ثمَّ قامت Facebook بتقييد الوصول، وأصبح عليك دفعُ مبالغ للتَّرويج لمنشوراتكَ لأولئك الأشخاص الَّذين أعربوا بالفعل عن اهتمامهم.
تواجه الشَّركات ضغوطاً كبيرةً لمواكبة التَّغيُّرات في الخوارزميَّات، ما يعني بالضّرورة مواكبة الاتَّجاهات والتَّنسيقات النَّاجحة على المنصَّة، والعديد من الأشخاص والشَّركات بنوا أعمالهم أو قاعدة جماهيرهم على Instagram عندما كان التَّركيز على الصُّور الثَّابتة، والآن، يروِّج Instagram بشدِّةٍ للقصص ومقاطع الفيديو سريعةِ الزَّوال.
شاهد أيضاً: أهم اتجاهات التسويق المؤثر لنجاح العلامات التجارية في عام 2024
هل هناك شركات تمكَّنت من الازدهار دون الخضوع لهذه اللعبة؟
أفضل مثالٍ لدي هو مقهى في كيوتو، استمرّ مقهى روكويوشا في الحفاظ على ثباته منذ عام 1950. أعتقد أنَّ هذا النَّهج طويل الأمد والتَّمسُّك بالأصالة هو الطَّريق الأمثل للخروج من هذا الوضع الذي نحن فيه.
المشكلة التي واجهناها في السَّنوات الأخيرة هي أنَّ الجميعَ يسعون لتحقيقِ التَّوسُّع بسرعةٍ فائقةٍ على حساب كلِّ شيءٍ آخر؛ لأنَّه أصبح سهلاً للغاية: يمكن استهداف المزيد من الأشخاص، وزيادة الإنفاق على الإعلانات، ويمكن توسيع نطاق التِّجارة الإلكترونيَّة. إذ يوجدُ إغراء للنُّموِّ السَّريع، ولكنَّني أعتقد أنَّ النُّموَّ المستدام والبطيء على المدى الطَّويل هو الأفضل بكثيرٍ لأغلب الشَّركات.
تمثِّل هذه التَّغييرات تحدِّياً للشَّركات في كيفيَّة التَّكيُّف مع تقلُّبات خوارزميَّات وسائل التَّواصل الاجتماعيِّ، وتَبرُزُ الحاجة إلى تطوير استراتيجيَّاتٍ تسويقيَّةٍ أكثر مرونةً وإبداعاً، وتشير التَّجارب والأمثلة المذكورة في الكتاب إلى أهميَّة البحث عن طرقٍ جديدةٍ ومبتكرةٍ للوصول إلى الجمهور وترسيخ علامةٍ تجاريَّةٍ قويَّةٍ تقف في وجه تحدِّيات التَّجانس الثَّقافي والتَّصميمي التي تفرضها وسائل التَّواصل الاجتماعيِّ.
بنهاية المطاف، يدعو تشايكا الشَّركات إلى إعادة التَّفكير في استراتيجيَّاتها والبحث عن طرق للتميُّز والتَّفرُّد، بدلاً من مجرَّد التَّكيُّف مع متطلَّبات الخوارزمياتِ، ويشجِّع على إيجاد طرقٍ لبناء علاقاتٍ حقيقيَّة ومستدامةٍ مع الجماهير بطرقٍ تحافظ على الهويَّة الفريدة للعلامة التِّجاريَّة، وتبتعد عن النَّمطيَّة والتَّجانس الذي يفرضهُ العالم الرَّقميَّ.
لمزيدٍ من النصائح في عالم المال والأعمال، تابع قناتنا على واتساب.