اليقظة الذهنية: سرُّ الحفاظ على التركيز والإنتاجية في العمل
نصائح عمليّة ليوم عمل أكثر هدوءاً وفعاليّةً
يُعَدُّ العملُ مصدراً للتوتر والقلق، لعلَّك عدتَ إلى المنزل بعد يومٍ مليءٍ بالإحباط والانزعاج من أحداثِ اليوم، كما فعلتُ أنا. سواء أكان ذلك نتيجةً لموعدٍ نهائيٍّ فاتك، أو تضاربٍ في المصالح، أو خلافٍ أدّى إلى انقساماتٍ في المكتب، أو عميلٍ غير راضٍ، إذ إنّ التّوتر جزءٌ لا مفرَّ منه من الحياة العملية. [1]
لكنَّ التوتر يُمكن أن يؤثّرَ سلباً على صحّتنا، إذا لم نتعامل معه بشكلٍ صحيحٍ. في الصّباح التّالي، قد تستيقظُ لتجد نفسكَ غارقاً في التّفكير بكلّ ما حدث بالأمس، وكلّ ما يجبُ عليكَ فعلهُ لتصحيحِ الأمورِ، وهذه بدايةٌ خاطئةٌ ليومكَ.
ابدأ يومك بطريقة صحيحة
هل تعلمُ أنّنا نُفرزُ معظمَ هرمونات التّوتر بعد دقائق قليلةٍ من الاستيقاظِ؟ وفقاً لأبحاثٍ نُشرت في مجلة "علوم الحياة" (Life Sciences)، يحدثُ ذلك؛ لأنّ التّفكيرَ في مهام اليوم يُحفّز غريزة "القتال أو الهروب"، ممّا يُؤدّي إلى إفراز الكورتيزول في الدّم. بدلاً من الاستسلامِ لهذا التّوتر الصّباحيّ، هناك طريقةٌ أفضل وأبسط يدعمها العلمُ: عندما تستيقظُ، اقضِ دقيقتين أو ثلاث دقائق جالساً في سريركَ تلاحظُ تنفسكُ فقط. وعندما تظهرُ أفكارُ القلق بشأن اليوم، دعها تمرُّ وأعد تركيزكَ على تنفّسكَ. وهذه هي التّقنيةُ، الّتي تُدعى باليقظة الذّهنيّة، نعرفها جميعاً، لكنّها تستحقُّ أن نذكرَ بها.
بدلاً من السّماحِ لعقولنا بالتّسارع، ينصحنا الخُبراء بأخذ أنفاسٍ عميقةٍ وبطيئةٍ والشّعور بإحساس الهواء أثناء دخوله وخروجه من رئتينا. لاحظ المشاهدَ والأصوات من حولك؛ العصافيرُ الّتي تُغرّدُ خارج نافذتكَ، وتغيّرات ألوان السّماء مع شروق الشّمس، واعترف بأيّ مشاعر إحباطٍ وغضبٍ من اليوم السّابق دون إصدار أحكامٍ، ثمّ أعد تركيزكَ بلطفٍ إلى تنفسّكَ ومُحيطكَ.
تعزيز التركيز والوعي طوال اليوم
يُعَدُّ هذا نقطة انطلاقٍ جيّدةٍ، لكنَّ ممارسة اليقظة الذهنية يُمكن أن تزيدَ من فعاليَّتك طوال اليوم أثناء التوجُّه إلى المكتب والاستعداد لمهامك. وفقاً للباحثين، يُعرَّف العقل اليقظ بمهارتين أساسيّتين: التّركيز والوعي. ويساعدكَ التّركيز على ما تقوم به في اللّحظة الحالية، بينما يُمَكِّنك الوعي من التعرُّف على المُشتِّتات غير الضّرورية والتخلُّص منها عند ظهورها. وبكليهما معاً، يُمكنك تطويرُ عقلٍ حادٍّ وواضحٍ في كلّ مهمّةٍ منذ لحظة دخولك إلى المكتبِ.
ومن خلال التّركيزِ على المهمّة الّتي بين يديك، بدلاً من التشتُّت وتعدُّد المهام، والتعرُّف على المشتِّتات الدّاخليّة والخارجيّة (مثل الإشعارات أو الزّملاء المُتحدّثين)، تُسَاعِدُك اليقظة الذهنية على زيادة الفعاليّة، وتقليل الأخطاء، وتعزيز الإبداع؛ إنّها حقّاً وسيلةٌ رائعةٌ تُبقيكَ حادّ الذّهن ومنتجاً طوال اليوم.
نصائح للبقاء يقظاً
للبقاء مُرَكَّزاً وحاضراً طوال يوم العمل والحفاظ على ذهنكَ من التّشتُّت، يُمكنكَ اتّباع بعض النّصائح العمليّة للحفاظ على يقظتكَ. وإليكَ بعض الأمثلة:
- اليقظة عند التّحقق من البريد الإلكتروني: العديدُ منّا مدمنون على البريد الإلكتروني، ممّا يُؤثّر على تركيزنا. وبدلاً من الوقوعِ في هذا الفخِّ، استخدم اليقظة لتحديد الأولويّات وتجنّب التّحقق من البريدِ الإلكترونيّ في الصّباح الباكر للحفاظِ على التّركيزِ والإبداعِ.
- اليقظة لقيادة اجتماعاتٍ أكثر فعاليّةً: قبل الاجتماعِ، خُذ دقيقتين لممارسةِ اليقظةِ حتّى أثناء المشي إلى مكانِ الاجتماعِ. ويُمكنكَ بدء الاجتماعِ بدقيقتين من الصّمت ليتاحَ للجميع فرصةً للحضور بدنيّاً وذهنيّاً. كما يُمكنك إنهاء الاجتماع قبل خمس دقائق من وقتهِ المُحدّد؛ لإتاحة انتقالٍ هادئٍ وواعٍ إلى الاجتماعِ التّالي.
- اليقظة مع تقدُّم اليوم: بحلول فترةِ ما بعد الظّهر، يبدأ مُعظمنا في الشّعورِ بالتّعبِ وفقدان التّركيز، ولتجنّب اتّخاذ قراراتٍ سيّئةٍ، ينصحُ الخبراءُ بضبط منبّهٍ يرنّ كلّ ساعةٍ بعد الغداء، وأخذ استراحة يقظةٍ لمدّة دقيقةٍ للتّنفس وإعادة التّركيز وتجنّب العمل بنمطٍ آليٍّ واتّخاذ قراراتٍ مُتسرّعةٍ.
- اليقظة في نهاية يومك: خصّص خمس إلى عشر دقائق لإيقافِ المُشتّتاتِ، مثل راديو السيارة، إذا كُنتَ تتنقّلُ إلى المنزلِ، وركّز على تنفّسكَ، إذ سيساعدكَ ذلك في التّخلّص من التّوتر، ويجعلكَ حاضراً بشكلٍ كاملٍ مع عائلتكَ عند عودتكَ إلى المنزلِ.
وبتطبيق هذه النّصائح، يُمكنكَ تعزيزِ يقظتكَ طوال اليوم مع الحفاظِ على تركيزكَ وفعاليّة عملكَ.