انهيارُ الأسواق العالمية يثيرُ مخاوف من ركودٍ اقتصاديٍّ وشيك
انخفاضات حادة في أسواق الأسهم العالمية، مع هبوط نيكاي بنسبة 12% وناسداك بنسبة 6%، في ظل اهتزاز الركائز المالية التي دعمت النمو الاقتصادي لعقود
شهدتِ الأسواقُ الماليّةُ العالميّةُ انهياراً حادّاً يومَ الاثنينِ الماضي، ممّا أثارَ قلقَ المُستثمرينَ حولَ العالمِ. ففي طوكيو، انخفضَ مؤشّرُ نيكاي بنسبةِ 12%، بينما هبطَ مؤشرُ كوسبي في سيول بنسبةِ 9%. وعندَ افتتاحِ التّداولِ في نيويورك، تراجعَ مؤشرُ ناسداك بنسبةِ 6% في غضونِ ثوانٍ معدودةٍ، مما يعكسُ حالةً من الذّعرِ الشّديدِ في الأسواقِ.
تراجعتْ أيضاً العملاتُ الرّقميّةُ بشكلٍ كبيرٍ، وارتفعَ مؤشرُ VIX، الّذي يقيسُ تقلّباتِ سوقِ الأسهمِ، إلى مستوياتٍ غيرِ مسبوقةٍ، فيما لجأَ المستثمرونَ إلى السّنداتِ الحكوميةِ كملاذٍ آمنٍ للاستثمارِ.
لا يمكنُ تحديدُ ما إذا كانتْ هذه التّحركاتُ العنيفةُ في الأسواقِ تشيرُ إلى نهايةِ الهبوطِ الذي بدأَ الأسبوعَ الماضي أم أنّها بدايةٌ لفترةٍ طويلةٍ من التّراجعِ. فيومَ الثلاثاءِ، شهدتْ بعضُ الأسواقِ الّتي تعرّضتْ لأكبرِ الضّرباتِ تعافياً، حيثُ ارتفعتْ مؤشّراتٌ رئيسةٌ في اليابانِ بأكثرَ من 10%. رغمَ ذلك، لم يُبدِ الكثيرونَ تفاؤلاً بأنَّ السّوقَ قد وصلَ إلى القاعِ.
ما يبدو واضحاً هو أنَّ الرّكائزَ التي اعتمدَ عليها المستثمرونَ لتحقيقِ مكاسبَ ماليةٍ لسنواتٍ قد اهتزّتْ. الافتراضاتُ التي كانتْ تتعلّقُ بقوةِ الاقتصادِ الأمريكيِّ واستقرارِ الأسواقِ اليابانيةِ وسرعةِ تأثيرِ الذكاءِ الاصطناعيِّ على الأعمالِ التّجاريةِ تبدو الآنَ غيرَ واقعيةٍ.
خلالَ الأسابيعِ الماضيةِ، ظهرتْ أدلةٌ تتناقضُ مع هذهِ الافتراضاتِ. كانَ تقريرُ الوظائفِ في الولاياتِ المتحدةِ لشهرِ يوليو ضعيفاً، كما جاءتْ أرباحُ شركاتِ التكنولوجياِ الكبرى مثل Amazon.com Inc وIntel Corp دونَ التوقعاتِ. بالإضافةِ إلى ذلكَ، رفعَ بنكُ اليابانِ أسعارَ الفائدةِ للمرةِ الثانيةِ هذا العامِ، مما زادَ من قلقِ المستثمرينَ.
وقالَ فيشنو فاراثان، رئيسُ قسمِ الاقتصادِ والاستراتيجيةِ في بنكِ Mizuho في سنغافورةَ، إنَّ ما يحدثُ هو "عمليةُ التفكيكِ الكبرى". وأضافَ أنَّ محاولةَ اختيارِ اللحظةِ المناسبةِ لشراءِ الأصولِ التي تتراجعُ تُشبهُ محاولةَ الإمساكِ بسكينٍ ساقطٍ، واليومَ "هناكَ سكاكينُ ساقطةٌ في كلِّ مكانٍ".
إنَّ حالةَ الذعرِ في السوقِ تزيدُ من المخاطرِ الكبيرةِ والصّغيرةِ، وأبرزُها أنَّ التراجعَ، إذا استمرَّ لفترةٍ طويلةٍ، قد يؤدّي إلى تعقيدِ النظامِ الماليِّ، وتباطؤِ الإقراضِ، مما يمكنُ أن يؤدّي في النهايةِ إلى ركودٍ اقتصاديٍّ عالميٍّ.
تزايدتِ الدعواتُ إلى مجلسِ الاحتياطيِّ الفيدراليِّ لخفضِ أسعارِ الفائدةِ بسرعةٍ، ربما حتى قبلَ الاجتماعِ القادمِ في سبتمبرَ. في سوقِ السنداتِ، أدى الاندفاعُ لشراءِ سنداتِ الخزانةِ قصيرةِ الأجلِ إلى خفضِ عائداتها إلى ما دونَ عوائدِ السنداتِ طويلةِ الأجلِ لأول مرةٍ منذ أكثرَ من عامينَ، مما يُعرفُ باسمِ الانعكاسِ، والذي يُعتبرُ عادةً علامةً على ركودٍ وشيكٍ.
استرجعَ إد يارديني، الاقتصاديُّ الذي تابعَ الأسواقَ عن كثبٍ لأكثرَ من نصفِ قرنٍ، ذكرياتِ "الاثنين الأسودِ" في عامِ 1987، عندما انخفضَ مؤشرُ داو جونز الصناعيُّ بنسبةِ 23% في يومٍ واحدٍ. لكنهُ أشارَ إلى أنَّ ذلكَ الانهيارَ لم يكنْ مؤشراً على ركودٍ اقتصاديٍّ، بل كانَ ناتجاً عن آلياتِ السّوقِ الدّاخليةِ، وهو يعتقدُ أنَّ الأمرَ مشابهٌ اليومَ.
في وقتٍ سابقٍ من يوليو، بدأتِ العملةُ اليابانيةُ في الارتفاعِ بشكلٍ حادٍّ معَ توقعاتٍ بأنَّ بنكَ اليابانِ سينضمُّ إلى البنوكِ المركزيةِ الأخرى في تقليصِ حوافزهِ النقديةِ. أدى ذلكَ إلى تفكيكِ ما يُعرفُ بالتداولاتِ الحمليةِ، حيثُ يستثمرُ المتداولونَ أموالاً مقترضةً في اليابانَ في أصولٍ ذاتِ عوائدَ أعلى في أماكنٍ أخرى، مما زادَ من ضغوطِ البيعِ على الأسواقِ العالميةِ.
تتابعتْ تقاريرُ الأرباحِ التي أثارتْ القلقَ من أنَّ أسهمَ التّكنولوجياِ الكبرى قد وصلتْ إلى قمّةٍ، بينما لم تحقّقِ الشّركاتُ أيَّ أرباحٍ كبيرةٍ من استثماراتِها الضّخمةِ في الذّكاءِ الاصطناعيِّ. تراجعتْ أسهمُ Amazon.com وIntel Corp بشكلٍ حادٍّ بعدَ نتائجٍ مخيّبةٍ للآمالِ.
في الوقتِ نفسهِ، أظهرتْ بياناتُ السّوقِ الماليةِ إشاراتٍ على تباطؤِ الاقتصادِ، ومعَ بقاءِ بنكِ الاحتياطيِّ الفيدراليِّ على أسعارِ الفائدةِ عندَ مستوياتِها الحاليّةِ في اجتماعهِ الأخيرِ، استمرَّ السّوقُ في التراجعِ.
اختتمتِ الأسهمُ الأمريكيّةُ تعاملاتِها يومَ الاثنينِ بانخفاضٍ طفيفٍ عن أدنى مستوياتِها، إلا أنَّ القلقَ لا يزالُ يسودُ أوساطَ المستثمرينَ الذينَ يخشونَ من أنْ يكونَ هذا مجردَ إنذارٍ خاطئٍ آخرَ.
قالَ مات مالي، كبيرُ استراتيجيي السوقِ في شركةِ Miller Tabak: "ما زلتُ قلقاً. لا نزالُ نخشى على الأرباحِ والاقتصادِ".