Google تعلن عن تحديثٍ للبريد الإلكتروني سيغيّر كل شيء
علامة فارقة في تاريخ خدمة البريد الإلكتروني Gmail، ستُعيد تشكيل مفهوم صندوق الوارد، وسيصبح على مسوقي البريد الإلكتروني التحلي بمرونة أكبر
في يومِ الثّلاثاءِ الماضي، أطلقت جوجل هذا التّحديثَ البالغَ الأهميّةِ، والذي قد يمرّ مرورَ الكرامِ على الكثيرينَ، وهو ما يُعدّ إيجابيّاً في حدّ ذاته. ولكن تُفيد الشّركةُ بأنّها ستُفرضُ متطلّباتٍ محددةٍ على المرسلين الذين يوزعون أكثرَ من 5000 رسالةً إلكترونيّةً يومياً لمستخدمي Gmail، إذ تأتي هذه الخطوةُ في إطارِ جهودِ جوجل المتواصلةِ لحمايةِ مستخدميها من الرسائلِ الإلكترونيّةِ غير المرغوبِ فيها.
إذا كنتَ من الأشخاصِ الذين يقضون وقتاً طويلاً في التّفاعل مع صندوقِ الواردِ، وهو ما يُعتبرُ شائعاً بالنّسبةِ لأصحابِ الأعمالِ، فإنّ هذا الإعلان يُعتبرُ بمثابةِ نبأ سارٍ؛ ليس فقط سيُقللُ من كميةِ الرسائلِ الإلكترونيةِ غير المرغوبِ فيها، بل سيُسهّلُ أيضاً عمليةَ الانسحابِ من قوائمِ البريدِ الإلكترونيّ التّسويقيّ التي لا تُقدّمُ لك قيمةً مضافةً.
في هذا السّياقِ، يُفرضُ التّحديثُ مجموعةً من المتطلّباتِ الجديدةِ على المرسلينَ، منها التّحقّقُ القويُّ من الهويةِ، وتوفيرُ خيارٍ للانسحاب بنقرةٍ واحدةٍ، بالإضافةِ إلى فرضِ معدّلاتٍ محددةٍ للرسائلِ غير المرغوبِ فيها. إذ إن هذه المتطلّبات تُعكسُ التزامَ جوجل بتوفيرِ تجربةٍ أكثرَ أماناً وفعاليةً لمستخدميها.
ووفقاً لمقالٍ نُشر على مدونةِ الشّركةِ، أفصحت جوجل عن مجموعةٍ من المتطلّباتِ التي يجبُ على المرسلين الالتزامُ بها:
- التّحقّقُ من الهويةِ: تُلزمُ جوجل المرسلين الذين يتميّزون بنشاطٍ بريديٍّ كثيفٍ بإجراءاتِ التّحقّقِ القويّةِ للهويةِ، وذلكَ بما يتوافقٌ مع أفضلِ الممارساتِ المُعترفِ بها عالميّاً.
- الانسحابُ الفوريُّ: تُفرض جوجل على المرسلين ذوي الحجمِ الكبيرِ توفيرَ خيارٍ للانسحابِ من الرّسائلِ التّجاريةِ بنقرةٍ واحدةٍ، مع التزامِ معالجةِ طلباتِ الانسحابِ في غضونِ يومين على الأكثرِ.
- التّحكمُ في الرّسائلِ الواردةِ: كجزءٍٍ من استراتيجيتها للحفاظِ على جودةِ الخدمةِ، ستُحدّدُ جوجل معدلاتٍ محدّدةٍ للرّسائلِ غير المرغوبِ فيها، يتعيّن على المرسلين البقاءَ داخلَ حدودها.
حتّى الآن، اعتمدت جوجل بشكلٍ كبيرٍ على أدواتِ الذّكاءِ الصّناعي لفرزِ الرّسائلِ غير المرغوبِ فيها، حيث تُعلن الشّركةُ عن حجبِ أكثرَ من 15 مليار رسالةً يوميّاً، وهو رقمٌ ضخمٌ بلا شكٍّ.
ومع أنّهُ كان للذّكاءِ الاصطناعيّ دورٌ كبيرٌ في مكافحةِ الرّسائلِ الإلكترونيّةِ المزعجِة، إلّا أنّه أصبحَ جزءاً من المشكلةِ نفسها. فأدواتُ الذّكاءِ الصّناعيّ التّوليديّةُ، التي تعتمدُ على نماذجَ لغويةً كبيرةً، قد تطوّرت بسرعةٍ فائقةٍ لتوليدِ رسائلَ تبدو مقنعةً لدرجةِ أنّ الكثيرين قد يعتقدون أنّها كُتبت بواسطةِ إنسانٍ.
إذا كانت مرشّحاتُ البريدِ الإلكترونيّ في جوجل تعتمدُ على اكتشافِ ما إذا كانت الرّسالةُ تم إنشاؤها تلقائيٌاً، فإنّ هذه القدرةَ على الكشفِ ستصبحُ أقلّ فعاليةً قريباً. ولا يبدو أنّنا بعيدون عن الوصولِ إلى نقطةٍ يمكن فيها لأدواتِ الذّكاء الصناعيّ أن تولّدَ رسائلَ قادرةّ على خداعِ مرشّحات البريدِ الإلكترونيّ المُزعجِ.
لذا، تتضمّنُ استراتيجيةُ جوجل لمسةً إنسانيّةً أكثرَ، حيث تتطلّبُ من المرسلين إثباتَ هويتهم؛ فإذا أراد مسوّقُ البريدِ الإلكترونيّ استخدامَ ChatGPT أو Bard أو أي أداةِ ذكاءٍ صناعيٍّ أخرى لإنشاءِ رسائلٍ، فهذا مقبولٌ، لكن عليه تأكيدُ هويّتهِ. هذا لن يمنعَ النّاسَ من إرسالِ الرّسائلِ المُزعجةِ، لكنّهُ سيمنعها من الوصولِ إلى صندوقِ الواردِ الخاصّ بكَ.
ومن الجديرِ بالذّكرِ أن تعريفَ جوجل للرّسائلِ المُزعجة قد يختلفُ عن تصوّركَ الشّخصيّ لها؛ فبالنسبةِ للكثيرِ منّا، أيُّ رسالةٍ لم نطلبها ولا نهتمُّ بها تُعتبرُ عبئاً يُعادلُ الرّسائلَ المُزعجةَ، سواءً أكانت تُطابقُ التّعريفَ الفنيَّ أم لا.
الخبرُ الجيدُ هو أنّ التّغييرَ الذي أجرتهِ جوجل سيساعدُ في هذا الصّدد أيضاً. فمن المتطلّباتِ أن يُضمِّن المرسلون رسائلهم رابطاً للانسحابِ بنقرةٍ واحدةٍ. وهذا يعني أنّه لا يمكنِ لهم فرضُ شروطٍ معقّدةٍ للانسحابِ، وهو ما يفعلهُ الكثيرون من مسوّقي البريدِ الإلكترونيّ، على أملِ جعلِ العملية صعبةً بما يكفي لكي تستسلمَ.
تُسيطر جوجل على أكبرِ خدمةِ بريدٍ إلكترونيٍّ في العالمِ، ممّا يُعطيها القدرةَ على فرضِ هذه التّغييراتِ. والجزءُِ الأفضلُ هو أنّك ستستفيدُ حتّى إذا لم تكنٔ تستخدمُ Gmail، لأنّ لا أحدَ سيقومُ بإنشاءِ نوعين من الرّسائلِ؛ واحداً لمشتركي Gmail وآخرَ للبقيّةِ. إذا كنتَ تستخدمُ Exchange أو iCloud أو أيّ خدمةِ بريدِ إلكترونيٍّ أُخرى، ستُلزمُ الرّسائلَ التي تتلّقاها أيضاً إلى توفيرِ خيارٍ للانسحابِ بنقرةٍ واحدةٍ.
هذه التّغييراتُ تُمثلّ تحوّلاً كبيراً في طريقةِ عملِ البريدِ الإلكترونيّ. في الماضي، كانت إحدى الأسبابِ التي جعلت مكافحةَ الرّسائلِ المُزعجةِ صعبةً هو اعتبارُ البريدِ الإلكترونيّ بروتوكولاً مفتوحاً، إذ يُمكن لأيّ شخصٍ إرسالُ رسالةٍ إلى أيّ عنوانِ بريدٍ إلكترونيٍّ يصادفهُ. ويمكنك محاولةُ اكتشافِ الرّسائلِ التي تحتوي على محتوىً ضارٍ، على سبيل المثال، لكنّها ما تزال معركةً ضدَ شريحةٍ مصرّةٍ من الأشخاصِ الذين يملؤون صناديقَ الواردَ الخاصّةَ بنا بالرسائلِ غير المرغوبِ فيها يوميّاً.
يُعتبرُ هذا التّحديثُ نقلةً نوعيّةً في طريقةِ تفاعلنا مع البريدِ الإلكترونيّ. وإذا كنتَ من الأفرادِ الذين يرسلون رسائلَ إلى قوائمٍ بريديّةٍ ضخمةٍ، فإنّ عبءَ الإثباتِ يقعُ عليكَ الآن، بالإضافةِ إلى تسهيلِ عمليّة الانسحابِ للمتلقّين. وإذا تم تنفيذُ هذه الإجراءاتِ بنجاحٍ، فإنّ تجربةَ صندوقِ الواردِ الخاصِّ بكَ ستتغيّرُ للأفضلِ وبشكلٍ دائمٍ.
ومن الجديرِ بالذّكرِ، أنّ هذا التّحديثَ ليس بالضّرورةِ سلبيّاً لأصحابِ الأعمالِ الذين يعتمدون على التّسويقِ عبر البريدِ الإلكترونيّ. إذ تُشير جوجل إلى أنّها تعملُ على تطويرِ معاييرَ مفتوحةً، مما يجعلُ من عمليةِ التّنفيذِ أمراً بسيطاً ومباشراً. وبالتٌالي، إذا كنتَ مُركّزاً على توجيهِ الرّسائلِ الصّحيحةِ للجمهورِ المستهدفِ، فإنّ هذا التّحديثَ لن يُشكل عبئاً عليكَ.