تأثير بيئة العمل على الإنتاجية بطريقةٍ إيجابية وبناءة؛
هاجسٌ دائم يتخلل أفكار مدراء الشركات والمشاريع الناشئة والمتقدمة، لما تضفيه بيئة العمل الصّحية من نتائج مميزة على الإنتاجية والاستمرارية الناجحة.
تأثير بيئة العمل على الإنتاجية سحرٌ تظهر نتائجه على تقدّم المؤسسات بدءاً من غرس بذور الانتماء وصولاً إلى الرّغبة في بذل كل الجهود المٌمكنة، لدفع عجلة التّطور على المستوى الفرديّ والجماعيّ، وذلك بهدف حصد نتائج فخريّة، وتقدّماتٍ بخطى استمراريّة، تخطّ النّجاح فوق أعالي القمم، مهما كانت المخاطر والصّعوبات، إذ إن التّعاون -بين أبناء الفريق برعاية الإدارة النّاجحة ضمن بيئة عملٍ فعّالةٍ- قادرٌ على فعل المستحيل، مع العلم تتشكّل بيئة العمل من مجموعة العوامل الماديّة اللّازمة لسير الخطط الموضوعة إلى جانب العوامل النّفسيّة الشّخصيّة بما فيها من علاقات الموظفين مع بعضهم ومع الإدارة. ونظراً لأهميّة هذا الموضوع في بناء مجتمعاتٍ اقتصاديّةٍ ومؤسساتٍ اجتماعيّةٍ ناجحةٍ، سنخطّ مقالنا التّالي لتسليط الضّوء أكثر على مفهوم بيئة العمل، وتأثيره الإيجابيّ والّسلبي على إنتاجية الكادر الوظيفيّ، إضافةً إلى استعراض أفضل الطّرق لتحسين بيئة العمل والمحافظة على مساره النّاجح دوماً.
تأثير بيئة العمل على الإنتاجية
يتوضّح تأثير بيئة العمل على الإنتاجيّة الخاصّة بالموظفين من خلال أدائهم الوظيفيّ المتكامل وتجاوبهم المباشر مع المهام المطلوبة. ليس هذا وحسب، بل إنّ بيئة العمل المثاليّة تنعكس إيجاباً على صحّة وعقليّة العاملين، فتعزز من تركيزهم في أداء أعمالهم الرّوتينية اليوميّة، وتقديم الأفضل دومًا على صعيد الكم والنّوع، والإخلاص للمكان والإدارة مع عدم التّخلي عنها بسهولة. في حين أنّ بيئة العمل السّلبية لها مفعولٌ عكسيٌّ على الموظفين، إذ تُسبب في إهمال وتراكم المسؤوليات، والتّأخر في إنجازها مع تزايد الأخطاء، وتراجع المهارات، والقدرات البدنيّة والعقليّة لكلّ موظّفٍ.
مفهوم بيئة العمل
بيئة العمل هي مصطلحٌ لغويٌ، يجمع ما بين المكان وجملة العوامل الماديّة والذّاتية المحيطة بالموظفين ضمن مؤسسةٍ ما. حيث يظهر تأثير بيئة العمل على إنتاجيّة العاملين بالدّرجة الأولى من خلال تفاعلهم مع العوامل الماديّة من تصميم المبنى، والأجهزة التّقنية الموجودة فيه، كذلك نوعية الأثاث، والمرافق الخدميّة من إنارةٍ وتهويةٍ، إضافةً إلى مدى رضاهم عنها وشعورهم بالرّاحة والأمان في مكان عملهم المادي.
ومن جهةٍ ثانيةٍ، تتوضّح بيئة العمل النّفسيّة عبر طبيعة العلاقات الاجتماعيّة النّاشئة بين الموظّفين مع بعضهم البعض ومع الإدارة أيضاً، بما في ذلك مشاعر الودّ، والاحترام المتبادل التّي تنعكس إيجاباً على أدائهم وتفانيهم بالعمل أو مشاعر النّفور والكراهيّة التّي تنعكس سلباً من خلال ابتعادهم تدريجياً وانسلاخهم عن بيئتهم العمليّة شيئاً فشيئاً.
افضل طرق تحسين بيئة العمل
توجد طرق عديدة لتحسين بيئة العمل وتأثيرها على الإنتاجية وهي كما يلي:
- زيادة الاندماج مع الموظّفين: ينبغي على مدير المؤسّسة أن يتعامل مع موظفيه بطريقةٍ مغايرةٍ للنمط القديم، وذلك من خلال إلغاء الحواجز والقيود الرّسميّة معهم. كما يتوجب عليه اتّباع أفضل الأساليب للانخراط معهم والتّقرب منهم، بحيث يصبح كل منهم جزء لا يتجزأ من بيئة عمله. وبالتّالي يكون لديهم الدّافع الأكبر للاستمرار وتقديم أفضل الإنجازات بكلّ رضا وحب.
- التّواصل الفعّال مع الموظّفين: من المهم جدّاً، بناء جسور التّواصل المتبادل بين المدراء والكادر الوظيفي. وذلك مع شرح الدّور المهمّ لكلّ موظّفٍ ضمن دائرة عمله، بحيث يعزز ثقته بنفسه، ويجعله أكثر حرصاً على نجاح العمل، كذلك الأخذ برأيه وملاحظاته النّابعة من تجربته اليوميّة في أداء مهامه.
- إيجاد فرص تدريبيّة للموظفين: تسعى الشّركات النّاجحة إلى توفير كورسات تدريبيّة فعّالة للموظفين الجدد أو عند الرّغبة بتعليم طاقم العمل مهاراتٍ جديدةٍ مطلوبةٍ في سوق العمل. وهذا يساهم في اكتساب أفضل المهارات، ويزيد من خبرة كلّ موظّفٍ، ويسارع في تطوّره المهنيّ، مما ينعكس بالإيجاب على بيئة العمل ككل، ويؤثر مباشرةً على الإنتاجيّة.
- منح طاقم العمل الحوافز التّقديرية: أجمل ما يحصل عليه الموظّف هي كلمات الشكر والتقدير لعمله، كذلك المكافآت المعنويّة والمادية. لذا فمن الطّبيعيّ تحفيز بيئة العمل وإنتاجيّة الموظّفين من خلال تشجيع الحوافز الدّوريّة العامّة أو الخاصّة التّي تخلق جوّاً من المنافسة الشّريفة بين العاملين. كذلك العمل على تأمين زيادة في الرّواتب كل فترة تتناسب مع ظروف العمل والواقع المعيشي الحالي.
- صيانة مكان العمل: لا يمكن إهمال المكان الماديّ الذّي يجمع كادر العمل ودوره في تكوين بيئة عملٍ مثاليةٍ، وتجبي آثارها على إنتاجيّة الموظفين. لذا من المهم جدًا، الاهتمام بأثاث المكاتب وإنارتها، كذلك تجديد الأدوات التقنية اللّازمة للعمل كل فترة بما يتناسب مع التّطوير التّكنولوجي، إضافةً لعدم إغفال تهوية المكان وإصلاح أي مشاكل فنيّةٍ في تصميمه الدّاخليّ أو الخارجيّ.
العوامل المؤثرة في بيئة العمل
هناك مجموعة من العوامل المؤثّرة في بيئة العمل لتعزيز الإنتاجيّة، وهي كالتالي:
- موقع المؤسسة: سواء كان مبنى الشّركة قريباً أم بعيداً عن الموظفين، بحيث تتكفّل المؤسسة بتأمين وسائل النّقل أم لا.
- ساعات العمل اليوميّة: يجب تنظيمها بحيث لا تكون طويلةً ومتعبةً، ولا قصيرةً جداً، بما يسبب تراجع الإنتاج.
- الواقع التّنظيمي والإداريّ: يختص بتنسيق مكان الموظفين في بيئة العمل، ووضع كل منهم في مستويات الهيكل التّنظيمي للمؤسّسة، كذلك اعتماد نظامٍ إداريٍّ محفّزٍ وفعّالٍ بين الإدارة وموظفيها.
- بيئة العمل الماديّة: الاهتمام بمكان العمل من حيث مساحة البناء وهيكله الدّاخلي والخارجيّ. كذلك اختيار الفرش المناسب، والانتباه لأمور التّهوية، والإضاءة، والمرافق الخدميّة من كهرباء ومياه، وتوزيع الموظّفين في كل مكتب بانتظام.
- نظام الرّواتب والمكافآت: ينبغي وضع تنظيمٍ لموضوع الحوافز الوظيفيّة بشكلٍ شهريّ بما يفرضه واقع العمل.
العوامل المؤثرة في الإنتاجية
توجد بعض العوامل المميزة التي تساهم في زيادة إنتاجية بيئة العمل، وهي كما يلي:
- الشّعور بالأمان الوظيفيّ من قبل كلّ موظّفٍ وعدم الخوف من الاستغناء عنه تحت أيّ ظرفٍ كان.
- الثّقة المتبادلة بين طاقم العمل والإدارة، بما يُحفز كل موظّف على تقديم الأفضل لديه في إنجاز مهامه اليوميّة بأسرع وقتٍ وأعلى إنتاجيّة.
- وجود أفضل الأدوات التكنولوجيّة التّي يستخدمها الموظّف في أداء عمله اليومي، وحرص الإدارةِ على تطويرها باستمرارٍ. وهذا يؤثّر بشكلٍ ملحوظٍ في بيئة العمل، ويزيد من إنتاجيّة العاملين.
كيف تؤثر بيئة العمل على أداء الموظفين
تظهر آثار بيئة العمل على أداء الموظفين من خلال ما يلي:
- تأثير بيئة العمل على الإنتاجيّة: كشفت العديد من الدّراسات والإحصائيات العالميّة عن زيادة إنتاجيّة العاملين بنسبة كبيرة. ولا سيما من يعملون ضمن جوٍّ من الاحترام، والألفة، والثّقة المتبادلة.
- تعزيز القدرات الجسديّة والنّفسيّة: تساعد العلاقات الإيجابيّة بين الموظفين في بيئة العمل المثاليّة على تحسين القدرات البدنيّة والنفسيّة. إذ يرتبط معدل ضربات القلب وضغط الدم بالراحة والهدوء، الذّي يسيطر على المكان والأشخاص المتواجدة فيه. كذلك يزداد التّركيز، وسرعة الاستجابة، والرّغبة في الحضور اليوميّ، وعدم التّغيب إلا نتيجة ظروفٍ قاهرةٍ.
- زيادة الشّعور بالمسؤولية لدى الموظفين: البيئة العمليّة المُشجعة، والإيجابيّة، والعلاقة المثاليّة -بين الموظف ومديره- لها آثار رائعة في زيادة الحسّ العالي بالمسؤولية. إذ يحرص الموظفون على استكمال مهامهم على أكمل وجه وتسليمها بأقصى سرعة يومياً دون أي تقصيرٍ أو تأخيرٍ.
كيف تؤثر بيئة العمل المادية على أداء الموظفين
تتوضح تأثيرات بيئة العمل المادية على أداء وإنتاجية الموظفين من خلال النّقاط التالية:
- تصميم المكان: يساهم الدّيكور الدّاخلي المُنظّم والمثاليّ لمكاتب العمل في تحفيز أداء العاملين. وذلك من خلال ترسيخ شعور الرّاحة والهدوء الأمان، الذّي يجده الموظف في مكتبه. ولا سيما عند اختيار الموقع المناسب والاستراتيجي، سواء ضمن مركز المدينة أو في ضواحيها المهمة.
- الإضاءة: تعتبر الإضاءة من العوامل الماديّة المهمّة التّي تؤثّر على أداء الموظّفين بشكلٍ أو بآخر. إذ إنّ الضّوء المِثالي المُناسب للعين من شأنه التحفيز على العمل والإقبال بكل همة ونشاط. في حين أنّ الإضاءة الخافتة أو العاتمة، تبث في النفوس شعور الكآبة، والملل، والإجهاد للعين، مما يسبب تراجعاً في الإنتاجيّة وتقاعساً واضحاً في الأداء الوظيفي.
- التّهوية: لا شك في أنّ التّهوية الجيدة هي رئة بيئة العمل المثاليّة، لذا من الضّروري اختيار مبنى المؤسسة ومكاتبها بحيث يدخل إليها الهواء النقي. كما يجب الابتعاد عن المناطق الصناعيّة والأماكن المكتظّة لتفادي الهواء الملوّث، الذّي يؤثر سلباً على راحة وهدوء العاملين.
- الضّوضاء: يصعب إنجاز المهام الوظيفيّة في بيئة عمل صاخبة أو محاطة بمسببات الضجيج. إذ يؤثر ذلك على تركيز العاملين، وغالباً ما يؤدي إلى نفورهم من بيئة العمل، والبحث عن مكان أكثر راحةٍ وهدوءٍ.
اقرأ أيضًا: استثمار الذكاء العاطفي في العمل
كيف تؤثر بيئة العمل على الإبداع الإداري
تؤثر بيئة العمل على الإبداع الإداريّ الوظيفيّ من خلال ما يلي:
- حرص الإدارة على التّعامل مع الموظفين بأساليب جديدة ومثاليّة، تُحفّز الأداء الإبداعيّ لديهم وترفع من سوية العمل.
- تطوير آليّة التنظيم الإداريّ والمكتبيّ في المؤسسة، بما يواكب المستجدات الرّاهنة في سوق العمل.
- تحفيز الموظف على حل مشكلاته الإداريّة بطرقٍ مبتكرةٍ دون الاعتماد على الأساليب التّقليديّة.
- ابتكار الموظف أفكارًا جديدة واستغلالها في تنظيم مسار العمل.
- الاستفادة من تأثير بيئة العمل على الإنتاجيّة، لا سيما في توفير الوقت والجهد وتفادي أي خسائر ممكنةٍ.
كيف تبدو بيئة المكاتب السامة
تتمثّل مواصفات بيئة العمل السامة بما يلي:
- انعدام التّواصل الصّحيح والبناء بين أفراد كادر العمل.
- وجود فجوة كبيرة في التّواصل بين الإدارة والموظّفين.
- غياب الثّقة والاحترام بين طاقم العمل والإدارة.
- تغيّب الموظّفين المستمر أو المتقطع.
- الغيرة السلبية بين الموظّفين ونقل الأخبار الكاذبة فيما بينهم.
- التّقاعس عن إنجاز المهام المطلوبة.
- تأثير بيئة العمل السّلبية في انخفاض إنتاجيّة الموظّفين وتراجع أدائهم اليوميّ.
إلى هنا نكون قد وصلنا إلى ختام سطور مقالنا الذّي تمحور حول موضوع تأثير بيئة العمل على الإنتاجيّة، حيث تعرّفنا على أفضل الطّرق لتحسين بيئة العمل وأداء الموظّفين سواء من النّاحية الماديّة أو من ناحية التّواصل وبناء العلاقات ضمن الوظيفة، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى ضرورة التّحكم الفعّال في العوامل النّفسية والماديّة، واستخدام التّحليلات المنطقيّة التّي توفّر الرّاحة الدّائمة للموظّفين والإدارة بما يساهم في خلق ظروفٍ أفضلٍ للعمل، وزيادة الإنتاج، والأرباح على المدى القريب.