تحديات تواجه المرأة في سوق العمل: هل من حلول في الأفق؟
في ظل تقارير تشير إلى أدنى نسبة مشاركة للمرأة العربية في سوق العمل، نستعرض التحديات الرئيسة التي تحول دون تحقيق المساواة المهنية ونُقدّم نظرةً على الحلول الممكنة
أن تتوقفي عن العمل والتَّطوِّر، لمجرَّد إنجابكِ طفلاً لم تجدي مكاناً آمناً لوضعه به، ريثما تنهين دوامك، تلك واحدةٌ من أسخف المشاكل وأكثرها إحباطاً، التي قد تواجه النِّساء في ميدان العمل، لكن للأسف ليست المشكلة الوحيدة، فهل هناك حلُّ حقَّاً؟
يقول آخر تقريرٍ صادرٍ عن منظَّمة العمل الدُّوليَّة، إنَّ معدَّل مشاركة المرأة العربيَّة في سوق العمل لا يتجاوز الـ18.4%، وهو يعدُّ الأدنى في العالم إذا ما قورن بالمتوسط العالميّ الذي يصل إلى 48%. فما الذي يعيق النِّساء عن اختراق سوق العمل ومشاركة الرجل فيه؟
يبدو أنَّ الواقعَ ليس ورديَّاً جدَّاً، ولا يجب أن ندعَ قصص نجاح النِّساء في ريادة الأعمال تخدعنا، أو تزيحنا عن الجوهر الحقيقيّ، أين التَّمثيل الحقيقيّ عدداً وكمَّاً للنّساء في ميدان العمل؟
شاهد أيضاً: نور الحسن.. رائدةُ أعمالٍ راهنت على نجاح النساء
التحديات التي تواجه النساء في سوق العمل
للأسف تلك التحديات بمثابة همومٍ جاثمةٍ فوق صدور النَّساء، تبدو وكأن ليس لها نهايةٌ، إنِّها تشمل كلَّ شيءٍ تقريباً، ما يدفع للتَّساؤل، هل تكفي مادتنا هذه لسردها؟ بالطَّبع لا، دعونا نحاول تلخيصها ما أمكن، انطلاقاً من تجربة الكاتبة، إحدى النساء العربيَّات اللَّواتي يحاولنّ تجاوز هذه التَّحدِّيات.
في البداية، يجب الاعتراف أنَّ امرأةً واحدةً قد لا تعاني من كلِّ هذه التحديات مجتمعةً، بالمقابل ربَّما يوجد العديد من النساء اللَّواتي يواجهنها كاملةً، الأمر نسبيٌّ بالتَّأكيد، لكن تحدِّياً واحداً، قد يكون كفيلاً بإنهاء مسيرة سيدةٍ سعت بكلِّ جهدها لتحقيق إنجازٍ ما. [1]
التَّمييز أثناء الحمل
ربَّما عاشت الكثير من النساء مشكلة التَّمييز القائم على الحمل، بمعنى أن يتمَّ رفضها بالوظائف لمجرَّد كونها حاملاً، أو أن يتمَّ رفض ترقيتها أو حتَّى عدم السَّماح لها بالوصول إلى المناصب القياديَّة؛ لأنَّها ستضطر إلى الحصول على إجازة حملٍ يوماً ما.
صيف العام 2023، أثارت إحدى المدارس الخاصَّة في الأردن جدلاً واسعاً، حين عمَّمت على المعلّمات العاملات فيها، أن ينظمنّ مواعيد حملهنّ، ليتزامن موعد الولادة مع فصل الصَّيف الذي يعدُّ عطلةً، وبررت المدرسة طلبها بأنَّه لمقتضيات مصلحة العمل.
في مثل هذه الحالات لا يوجد أفضل من تقديم شكوى رسميَّة، والضَّغط على أصحاب القرار من خلال تكوين رأي عام فاعلٍ وقادرٍ على إحداث التَّغيير المنشود، وللأسف، قد تكون النَّتائج مخيبةً جداً، وخصوصاً مع القدرة الكبيرة على التَّلاعب بالمواقف والقرارات؛ لذا من المهمِّ جداً تواجد نساءٍ فاعلاتٍ في مواقع القرار، يشاركنّ في صياغة القوانين لتنصف باقي النِّساء. [2]
التحرش الجنسي
للتَّحرُّش الجنسيِّ أنواعٌ كثيرةٌ، وهو لا يقف عند حدود اللَّمس، فهناك التَّحرُّش اللَّفظيّ، الذي يتمُّ باستخدام مفرداتٍ أو إيحاءاتٍ لفظيَّةٍ معيّنةٍ، إضافةً إلى التَّحديق بطريقةٍ معيّنةٍ، كذلك الابتزاز واللَّمس والدَّعوة الصَّريحة لممارسة الجنس.
غالبيَّة الدُّول العربيَّة تُجرِّم التَّحرُّش الجنسيّ، وتتعامل معه على أنَّه جريمةٌ، لكن لمعاقبة المتحرِّش ينبغي تقديم شكوى، وقد لا تقوى كثيرٌ من النِّساء على القيام بمثل هذه الخطوة، فربَّما الخوف من المجتمع، أو الخوف من فقدان الوظيفة في ظلِّ مجتمعٍ تنعدم فيه فرص العمل أو تندر، فكيف تتصرَّف السَّيدة بحال تعرَّضت للتَّحرُّش من مديرها المباشر، وهل ستجد من يدعمها؟
اليوم يبدو عالم ريادة الأعمال مهمَّاً جداً في هذه النَّاحية، حيث تستطيع الشَّركات النَّاشئة تطوير قوانين خاصَّةً بها في نظامها الدَّاخلي لمواجهة التَّحرُّش والحدِّ منه، وتشجيع النِّساء على الشَّكوى، بما يشكِّل عامل ردعٍ كبيرٍ للمتحرِّشين، وبحسب الإحصاءات العالميَّة، فإنَّه لا يتمُّ الإبلاغ عن 99.8% من حالات التَّحرُّش في الولايات المتَّحدة الأميركيَّة، فإن كان الوضع كذلك هناك، كيف سيكون في العالم العربيّ؟
لا عدالة بين الجنسين في الأجور
على الرَّغم من أنَّ غالبيَّة الدُّول العربيَّة تدعم المساواة الكاملة في الأجور بين الجنسين، بوظائف القطَّاع العام، إلّا أنَّه وفي الكثير منها لا يتمُّ فرض الرَّقابة الكاملة على القطَّاع الخاصِّ، حيث تتواجد الكثير من حالات عدم عدالة الأجور.
ربَّما يكون الأمر بطريقةٍ أو بأخرى لصالح النِّساء أحياناً، حيث يجري قبولهنّ في بعض الوظائف أكثر من الرِّجال؛ لأنهنَّ يرضينّ بأجورٍ أقلّ، لكن هذا استغلالٌ واضحٌ لهنّ، خصوصاً حين تكون الشَّهادة الجامعيَّة والخبرة هي ذاتها عند المرأة والرَّجل. وبحسب تقريرٍ صادرٍ عن برنامج التَّطوير التَّابع للأمم المتَّحدة، فإنَّ الفجوة في الأجور بين الجنسين تصل إلى 20% على المستوى العالميّ، وسط جهودٍ دوليَّةٍ للمساواة في الأجر، كونه يسهم في مكافحة التَّمييز الذي يعدُّ الهدف الخامس من أهداف التَّنمية المستدامة.
لمواجهة هذا التَّحديث، ينبغي أولاً إثبات النِّساء لأنفسهنّ في ميدان العمل، كقوةٍ ضاربةٍ، وليس بشكلٍ فرديٍّ، إذ وعلى الرَّغم من أهميَّة النَّجاح الفرديّ، إلَّا أنَّ النَّجاح الجماعيّ للنِّساء في العمل وكثرة عددهنّ، هو الأساس للمطالبة بالمساواة والحقوق. [3]
شاهد أيضاً: دعم الإبداع: قصة نجاح النساء في شركتي
القيادة للرجال!
في غالبيَّة الشَّركات الكبرى والمؤسَّسات سواءً الخاصَّة أو العامَّة، تذهب الإدارة للرِّجال، بينما قد تحظى النِّساء ببعض الفرص القليلة في الإدارات الأدنى، كأن تصبح رئيسة قسمٍ مثلاً، والمثال السَّابق لا ينطبق على العالم العربيّ فحسب، بل هو شائعٌ على مستوى العالم، وعلى الرَّغم من آلاف قصص نجاح النِّساء في مواقع القيادة والإدارة، وأبرزها تجربة المستشارة الألمانيَّة أنجيلا ميركل، إلَّا أنَّ الطَّريق ما يزال طويلاً جداً لتحقيق المساواة في هذا الجانب.
وبمراجعةٍ قائمةٍ فروتشن للرُّؤساء التَّنفيذيين لعام 2021، في أكبر 500 شركةٍ بالولايات المتَّحدة الأميركيَّة، سنجد أنَّ 41 مديرةٍ تنفيذيَّةٍ فقط قد وصلت إلى القائمة، وهو أعلى رقمٍ في تاريخه، حيث سجَّل حضور النِّساء في القائمة عام 2011 مثلاً 15 مديرةٍ تنفيذيَّةٍ، مقابل اثنتان فقط عام 2000، ربَّما يبدو الأمر مبشِّراً كون العدد يتزايد، لكن ماذا عن العالم العربيّ، متى سنصل إلى مثل تلك الأرقام على الأقلّ؟
الإنفاق على الجمال والأناقة
يفرض المجتمع على غالبيَّة النِّساء قالباً نمطيَّاً مسبقاً، عليها أن تكون أنيقةً وجميلةً ومرتبةً، ما يزيد من الأعباء الماديَّة والضَّغط على النّساء، اللَّواتي سيضطررن للإنفاق أكثر على الجمال والأناقة، كذلك الانشغال لوقتٍ أطول في التَّزيين.
تجدر الإشارة هنا إلى وجود العديد من السَّيدات اللَّواتي تخلينّ عن هذه البدعة، إلَّا أنَّهنّ للأسف يتعرضنّ للتنمر غالباً، ما يزيد من حجم الضُّغوط النَّفسيَّة عليهنّ، حسناً عزيزاتي، أنتنّ لستنّ باربي، تذكَّرن دائماً، أنَّنا نخرج في الصَّباح برحلة كفاحٍ، وليس في موعدٍ غراميٍّ، أو لتصوير فيلمٍ سينمائيٍّ؛ لذا لا بأس من شعرٍ عشوائيٍّ غير مرتبٍ، وحذاءٍ رياضيٍّ مريحٍ، دعونا نتوقَّف عن دفع الضَّريبة الورديَّة من الآن وصاعداً.
فقدان التوازن بين الحياة والعمل
على الَّرغم من أنَّ الرَّجال يمكن أن يعانوا من هذه المشكلة، إلَّا أنَّ معاناة النِّساء تبدو مضاعفةً أكثر، ففي حين لا يفرض المجتمع على الرِّجال سوى دور العمل خارج المنزل، يفرض على المرأة الكثير من الأدوار الأخرى، مثل العمل داخل المنزل وخارجه، ورعاية الأطفال وتربيتهم، وغيرها.
في استطلاعٍ أجراه مركز بيو للأبحاث، تبيّن أنَّ الأمهات اللَّواتي لديهنّ أطفالٌ تحت سنِّ الـ18 عاماً، كنّ اكثر عرضةً بثلاث مرَّاتٍ من الرِّجال، للقول إنَّ كونهن أمهاتٍ عاملاتٍ يجعل من الصَّعب عليهن التَّقدُّم في حياتهن المهنيَّة، كما أنهنّ أكثر عرضةً للانقطاع عن العمل، حيث قالت 39% منهنّ إنهنّ اضطررن لأخذ إجازةٍ طويلةٍ من العمل لرعاية طفلٍ أو أحد أفراد الأسرة، مقارنةً بـ24% من الآباء العاملين.
لا يمكن حلُّ هذه المعضلة سوى بمشاركة الرَّجل للمرأة كافَّة أعباء الحياة، ففي العديد من المجتمعات العربيَّة اليوم، تسهم المرأة بشكلٍ فعَّالٍ في مصروف المنزل، إلَّا أنَّ هذا للأسف لا يفرض على كلِّ الرِّجال المشاركة كذلك في الأعباء المنزليَّة.
شاهد أيضاً: اليوم العالمي للشيف.. منافسةٌ كبيرةٌ بين النساء والرجال
عدم وجود دعم لرعاية الأطفال
التَّكاليف المرتفعة لمراكز رعاية الأطفال قد تمنع بعض النِّساء من المشاركة في العمل، هذا الأمر لا يمكن حلَّه، سوى بالتزام أصحاب العمل بإنشاء دُورٍ خاصَّةٍ لرعاية الأطفال في أماكن العمل، ومثلاً إنشاء حضانة أطفالٍ مدفوعة التَّكاليف في مكان العمل، وتحويلها إلى مركز ترفيهٍ صيفاً، ما يساعد النساء على متابعة العمل دون التَّشتِّت والمعاناة من الضُّغوط والبحث عن الحلول.
غيرة الزوج من النجاح المهنيّ لزوجته
هي واحدةٌ من أكثر المشاكل تعقيداً، إذ غالباً ما تبقى طيَّ الكتمان، ففي بعض الأحيان يثير نجاح النساء وتقدُّمهنّ المهنيّ غيرة الزَّوج، خصوصاً حين يكون راتبها الشَّهري أعلى، فيلجأ للسُّخرية منها أو زيادة الضَّغط عليها وتحميلها المزيد من الأعباء أو اتِّهامها بالتَّقصير مع الأطفال، إرضاءً لعقدةِ النَّقص منها داخله، وشيئاً فشيئاً ستتحوَّل هذه العلاقة إلى سامَّةٍ، ما يمكن أن ينعكسَ سلباً على أداء النِّساء، خصوصاً اللَّواتي قد لا يمتلكنّ الجرأة على طلب الانفصال.
الأمر المهمُّ ذكره هنا، أنَّ غيرة الزَّوج قد لا تكون فقط من نجاح زوجته، فهناك الغيرة من تواجدها في مكان يضمُّ الكثير من الرِّجال، ففي بعض المجتمعات العربيَّة ما يزال العديد من الرِّجال منساقون مع المجتمع، ويخشون انتقاداته، فتخيّلوا مقدار الظُّلم الواقع على النساء، حين يُطلب إليهنّ ترك العمل لأنَّ الزَّوج يغار!
تنميط الوظائف
لسنواتٍ طويلةٍ تمَّ تنميط النساء في وظائف معينةٍ، مثل: التَّعليم والسِّكرتاريَّة وغيرها، اليوم ومع تقدُّم الزَّمن تحاول الكثير من النِّساء الخوض في مجالاتٍ جديدةٍ، انطلاقاً من شغفهنّ وطموحهنّ. والمشكلة هنا، أنَّ المجتمع لن يرحم سيدةً قرّرت العمل بمهنة غسيل السَّيارات مثلاً، كما أنَّ العديد من الأشخاص يسخرون من فكرة دراسة النِّساء للهندسة الميكانيكيَّة، ويزداد الأمر تعقيداً بوجود شريحةٍ لن تصعدَ إلى الطَّائرة في حال علمت أنَّ الكابتن فيها امرأة.
سيكون الطَّريق طويلاً ووعراً، لكن دخول المزيد من النِّساء في مهن هيمن عليها الرِّجال لسنواتٍ طويلةٍ، سيمهّد الطَّريق أمام الأخريَّات في المستقبل.
الهرمونات!
واحدةٌ من أكثر أنواع الكذب غباءً، لقد كذبوا علينا أو كذبنا على أنفسنا، بأنَّ النِّساء في فترة الدَّورة الشَّهريَّة، ستعاني من تقلُّب الهرمونات، والانفعالات العاطفيَّة التي قد تمنعهنّ من اتّخاذ قراراتٍ عقلانيَّةٍ!
في كثيرٍ من النِّقاشات السَّاخنة حيال موضوعٍ معينٍ بين زميلةٍ وزميلها في العمل، سينتهي النِّقاش غالباً بسؤالٍ مباغتٍ من الرَّجل: "هل تمريّن بفترة عادتك الشَّهريَّة؟"، ربَّما لا يمتلك كثيرٌ من الرِّجال في مجتمعنا الشَّرقيّ الجرأة لطرح مثل هذا السؤال؛ لذا غالباً لن يوجهه لكِ بشكلٍ مباشرٍ، إلَّا أنَّه سيكون موضوع النِّقاش القادم بينه وبين زملائه، لتتعرَّض المرأة للتنمر على شيءٍ طبيعيٍّ في حياتها.
المجتمع الذي يفرض على النِّساء أن يكنّ حسَّاساتٍ، وعلى الرِّجال أن يكونوا أشداءَ، لن يحقِّق أيَّ تقدِّمٍ حقيقيٍّ؛ لذا نحتاج إلى المزيد من الوعي لحلِّ هذه المشكلة.
التَّميُّيز على أساس الجنس في مقابلات العمل
من المثير للاشمئزاز، أن تتعرَّض سيدةٌ لسؤال "هل تفكّرين بإنجاب الأولاد"، في مقابلة العمل، فهل ينبغي فرز النِّساء إلى قسمين، الأوَّل للإنجاب والثَّاني للعمل، كي يرتاح بعض رؤساء الشَّركات؟
إنَّ هذا السُّؤال يعدُّ من أكثر الأسئلة عنصريَّةً وتميُّيزاً، ويوحي بوجود تقصيرٍ كبيرٍ من هذه الشَّركة تجاه النساء، فالشَّركات وأماكن العمل التي توفِّر بيئةً جيدةً لن تضطرَّ لطرح مثل هذا السُّؤال على الإطلاق. إذاً، العدالة الجندريَّة ستكون حلَّاً لهذه المشكلة، كذلك حلَّاً لكلِّ مشاكل النِّساء الأخرى، لكن متى سنصل إليها؟
لمزيدٍ من النصائح في عالم المال والأعمال، تابع قناتنا على واتساب.