تحديّات تواجه الأثرياء وتجعل طعم المال مرّاً
تحليلٌ عميقٌ ونظرةٌ شاملةٌ من خلال خبرات مورغان هاوسل على التحديات التي تواجه الأثرياء.
إن كنتَ تبحثُ عن شخصيةٍ قادرةٍ على رسمِ الصّورة الحقيقيّة لحياة الثّراء، فمورغان هاوسيل هو الخيارُ المثاليُّ بلا شكٍّ. فكمستثمرٍ بصندوق Collaborative Fund، شهد هاوسيل العديد من الأشخاصِ يحقّقون ثرواتٍ هائلةٍ عندما تصعد بشركاتهم نحو قمّة النّجاح. ولكنّ فهمه لحياة الأثرياء يتجاوز ذلك بكثيرٍ. كتابه "علم نفس النّقود" يطرح عدداً من السّبل الغريبة والمعقّدة التي يتعاملُ بها النّاس مع الثّراء، وكيفيّة التّصرّف تجاهه. وقبل هذا كلّه، كان هاوسيل يعمل صحفيّاً في وول ستريت جورنال، حيث تحدّث مع الكثير من الأثرياء بالتّأكيد.
ما هي حياة الثراء في الحقيقة؟
ما رأي هاوسيل حول الطّعم الحقيقيّ للحياة الثّرية؟ حسناً، الأمور متشابكةٌ. في مقالٍ جديدٍ مثيرٍ نُشر على مدوّنة صندوق الـ Collab Fund، يوافق هاوسيل على أنّ الحصول على الثّروة هو أمرٌ رائعٌ بعدّة طرقٍ. إذ تعني الثّروة الإمكانيّات، وهذه الحرّية، بالطبع، لذيذةٌ. "أتمنى المزيد من المالِ، بالطّبع، تقريباً الجميع يتمنّى ذلك"، يعترف هاوسيل.
لكنّه يشيرُ أيضاً إلى أنّ الكثير منّا يميل إلى تخصيص وقتٍ أطول في التّأمل بنعم المال مقارنةً بالتّفكير في جوانبه السّلبية. ممّا قد يؤدّي إلى فهمٍ غير دقيقٍ لجوهر الثّراء، بالإضافة إلى تشوّهٍ في النّظرة تجاه ما نرغب فيه فعلاً من الحياة. لذلك، يسلّط هاوسيل الضّوء بعنايةٍ على عدّة جوانب سلبيّة مغفلة، ولكنّها هامّةً للثّراء في المقالِ.
أنت لا تزال أنت
نقل ويل سميث في سيرته الذّاتية أنّه عندما كان فقيراً ومحبطاً، كان يُمكنه أن يحلمَ بمستقبلٍ يملك فيه المزيد من المال، وأنّ هذا المال سيجعل مشكلاته تختفي. ولكن بمجرّد أن أصبح غنيّاً، تلاشى هذا التّفاؤل،" يكتب هاوسيل. "كان يملك كلّ المال الذي قد يحتاجه، ومع ذلك كان يشعر بالاكتئابِ، وكانت حياته مليئةً بالمشكلاتِ."
هذا الإدراك بأنّ المال الذي حلمت به لم يفعل شيئاً، يساعدك على تجاوز قلقك العميق أو شفاء جروحكَ الأكثر حساسيةً ليس حكراً على الممثلين في هوليوود فقط. ويدرج هاوسيل عدّة أشخاصٍ نجحوا ماليّاً بشكلٍ بالغٍ قد اعترفوا بنفس الانخفاض المعنويّ (وقد ناقش تيم فيريس ديناميكيةً مماثلةً في حياته الخاصّة).
"لم يكن الحصول على المال ليحلّ مشكلات زواجك، لم يجعل أصدقاءك يحبونك أكثر، لم يجعلك أكثر اكتمالاً. لذا تمّ استبدال ما كان يوماً تفاؤلاً مريحاً بشأن ما يمكن أن يفعله المال بالنّسبة لك بالواقع القاسي لما لا يُمكن أن يفعله"، يبيّن هاوسيل. بغضّ النّظر عن حجم حسابك البنكيّ، ستظلّ أنت كما أنتَ، وقد يسبّب ذلك خيبة أملٍ حقيقيةً.
لن يخبرك أحد الحقيقة كما هي
تحدّثت ابنة ديزني، أبيجيل ديزني، بإحساسٍ عن كيف أدّى ثراء والدها إلى أن يحيط به النّاس الذين يوافقونه الرّأي على كلّ شيءٍ، وذلك ساهم في تفاقم مشكلته مع الكحول وتدهور حالته. يقترح هاوسيل أنّ هذه المشكلة ليست فريدةً. ويجادل في أنّ الأثرياء يعيشون في فقاعةٍ، والتي قد تعيق بشكلٍ كبيرٍ فهمهم لأنفسهم وللعالم.
"أحياناً يستغلّك النّاس عن عمدٍ، محاولين انتزاع بعضِ المكاسب منك. وفي أحيانٍ أخرى، يأخذونك على محمل الجدّ عندما لا يجدر بهم ذلك". إحدى المشكلات الكبيرة مع الفقاعات هي الرّابط الملفت بين الثّراء والحكمة، فقد تُعتبر مجموعةٌ من الأفكار الجنونية جديّةً، لأنّ شخصاً حديث الغنى قالها"، كما كتب.
العمل الدؤوب قد يظل يلازمك بشدة
يحقّق الكثيرون الثّراء الطّائل بفضل دفعهم القويّ نحو العمل وتحقيق الإنجازات استجابةً لبعض الهموم الدّاخلية. يسعون لتحقيق الثّراء بسبب بعض القلق العميق، أو لإثبات قيمتهم، ويعتقدون أنّه عندما تصل قيمة حساباتهم البنكيّة إلى نقطةٍ معيّنةٍ، سيتمكّنون من الاسترخاء والتّمتّع بالحياة بشكلٍ أكبر، ولكنّ هذا نادراً ما يحدث، كما أفاد هاوسيل.
يقول عن هذه الفئة من الأشخاص: "يعملون 80 ساعةً في الأسبوع لأنّهم يرغبون في أن يتوقّفوا عن العمل تماماً في نهاية المطاف، ولكن بمجرّد أن يحصلوا على ما يكفي من المال للتقاعد، لا يستطيعون التّخلّص من عادة العمل، لأنّهم لا يعرفون كيفية القيام بأيّ شيءٍ آخر في الحياة سوى العمل". ويلاحظ أيضاً أنّ "العديد من المخطّطين الماليين الذين تحدثّت معهم يقولون إنّ أحد أكبر التحدّيات التي يواجهونها هو إقناع العملاء بإنفاق المال خلال فترة التّقاعد".
طريق ملغوم بالنسبة لأطفالك
قد لا تجد هذه النّقطة تعاطفاً كبيراً من الآباء الذين يعملون بجدٍّ لتوفير أفضل البدايات في الحياة لأطفالهم، ولكن هاوسيل يعتقد أنّه لا توجد طريقةٌ جيّدةٌ لإدارة العلاقة بين ثروتك وأطفالك. في الواقع، هناك فقط "خياران للأغنياء: إفساد طموحات [أطفالهم] من خلال تركهم مع ميراثٍ كبيرٍ يغنيهم عن الاجتهاد، أو المخاطرة بوقوع بعض أشكال الصّراع عن طريق منعهم من العيش برفاهيةٍ ومطالبتهم بالاجتهاد"، كما يقول.
مقارنة نفسك بالمحيط تصبح أصعب
عند تصفّحك للصّحف ولو لفترةٍ وجيزةٍ، ستلاحظ أنّ هناك الكثير من النّاس في هذا العالم يعانون من الفقر المدقع. يتمنّون المزيد من المال ببساطةٍ لتأمين الطّعام والسّكن الآمن. وقد يكون عدد القرّاء لهذا العمود من هؤلاء الأفراد ضئيلاً. يأتي قلق المال لدى الأشخاص الذين يملكون وقتاً لتصفّح المقالات على الإنترنت (أو كتابتها) ليس من أجل البقاء على قيد الحياة، بل من أجل الحفاظ على مستوى معيشةٍ معيّن مقارنةً بالآخرين.
نفكّر باستمرارٍ، "لو كان لديّ المزيد من المال، لكنت قادراً على شراء كل تلك الأشياء الجميلة التي يمتلكها الأشخاص الأغنى منّا، وبعدها سأكون سعيداً." لكن هاوسل يسعى هنا لتصحيح هذه الفكرة الخاطئة. فهذه الدّورة لا تنتهي أبداً. فبمجرّد حصولك على المزيد من المال، تبدأ فقط في مقارنة نفسكَ بأشخاصٍ أغنى، ممّا يؤدي إلى دورةٍ لا نهائيةٍ من عدم الرّضا.
"إحدى العادات الغريبة التي لاحظتها عدّة مرّاتٍ هي أنّ بعض الأشخاص الأغنياء للغاية هم الأكثر عرضةً للتوقّعات غير الواقعيّة، لأنّهم يصبحون على درايةٍ تامّة بكيفيّة عيش الأشخاص الأغنياء الآخرين،" يقول. مصدر حسدك قد يكون الزّوجين في نهاية الحارة مع منزلٍ أجمل، أو جيف بيزوس، فتخيّل!
كن سعيداً أنّك على قيد الحياة
يتناول هاوسل تفاصيلَ أكثر حول هذه الجوانب السّلبية وغيرها للثّراء في مقالته هذه. ويقدّم نظرةً مثيرةً للاهتمام داخل عقليّة الأثرياء جدّاً. ولكن هل هناك ما هو أبعد من استراق النّظر بالنّسبة لذوي الوسائل المتواضعة؟
يختتم هاوسل مقالته بمثلٍ اسكتلندي أعتقدُ أنّه يلّخص الرّسالة بالنّسبة لبقيتنا: "كن سعيداً بينما أنت على قيد الحياة، لأنّك ستكون ميتاً لفترةٍ طويلةٍ." الطّموح جيّدٌ. جميعنا نريد دائماً أن نكون أغنى قليلاً، ولكن كن واقعيّاً حول ما سيفعله وما لن يفعله المال من أجلك، حتّى لا يفسد الطّموح سعادتنا في حياتنا القصيرة والثّمينة.