تحويل النفايات البلاستيكية إلى بلاط صلب كالصخور
في حوارٍ حصريٍّ مع عربية .Inc، يكشف عمرو شعلان، الشريك المؤسس والمدير التنفيذي لشركة TileGreen، عن رؤية شركته الطموحة لإعادة تدوير النفايات البلاستيكية وتحويلها إلى موادٍ بنائيّةٍ تتفوّق صلابتها على الخرسانة والصّخور
في عام 2021، انطلقت شركة TileGreen في مصر، ثمرةُ تعاونٍ بين عمرو شعلان وخالد رأفت، مقدمةً نفسها كرائدةٍ في إنتاج مواد بناءٍ بديلةٍ للخرسانة، مستخلصةً من النفايات البلاستيكية وصديقةً للكربون، وبرزت الشَّركة بمبادرتها في إعادة تدوير أنواعٍ متعددةٍ من النفايات البلاستيكية، مطلقةً أكثر من 40 منتجاً للبناء تسهم في مكافحة مشكلة تراكم النفايات البلاستيكية.
منتجها الأبرز، بلاط الطُّرق المتشابك، يظهر كبديلٍ فعّالٍ للخرسانة، حيث يُعاد استخدام ما يعادل 125 كيساً بلاستيكيَّاً في تصنيع كلّ قطعةٍ منه، ويُنتج هذا البلاط بعد عمليَّةٍ دقيقةٍ تشمل خلط النّفايات البلاستيكيّة مع موادٍ أُخرى، ثم تعريضها لضغطٍ عالٍ لضمان جودتها ومتانتها.
تهدف TileGreen إلى إحداث ثورةٍ في التَّعامل مع النفايات البلاستيكية في مصر، وتسعى لإعادة تدوير 3-5 مليارات كيسٍ بلاستيكيِّ بحلول عام 2025، ويأتي هذا في ظلِّ تصنيف مصر كواحدةٍ من أكبر الدُّول الملوَّثة بالبلاستيك في البحار في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والسَّابعة عالميَّاً، بإنتاجٍ يزيد عن 3 ملايين طنٍّ من النفايات البلاستيكية سنويَّاً.
في حديثٍ مع عمرو شعلان، المؤسّس المشارك والرّئيس التّنفيذيّ لـ TileGreen، نستكشف التَّحدّيات والإمكانيّات التي تواجه الشّركات النّاشئة في مجال تكنولوجيا المناخ بالمنطقة:
عربية.Inc: كيف جاءتك فكرة TileGreen؟
عمرو شعلان: أثناء عملي في مجال إدارة النّفايات وتحمّلي مسؤوليّة إبرام الصّفقات المتعلّقة بتجارة النّفايات البلاستيكيّة أو تلك المعدَّة للحرق، ألهمتني هذه التَّجربة، ولم يكن العمل في قطَّاع النفايات البلاستيكيّة شائعاً، ولم تكن هناك تقنيَّاتٌ متاحةٌ تمكننا من استخدام هذه النّفايات في صناعة البناء.
مع تزايد مشكلة النفايات البلاستيكية، بدأت أتساءل إذا ما كنّا قادرين على تحويل هذا الضَّرر إلى نفعٍ، "ماذا لو استطعنا إعادة تدوير هذه النِّفايات الضَّارة إلى موادٍ مفيدةٍ؟" كان واضحاً أنَّنا بحاجةٍ إلى المزيد من مراكز التَّجميع وعمليَّات الفرز المتقدِّمة، ولكن، حتَّى مع توفُّر هذا، ما زال أمامنا تحدٍّ كبيرٍ؛ ليس كلُّ البلاستيك قابلاً للتَّدوير، والقابل منه للتَّدوير يصعب فرزه ومعالجته.
بدأنا نتساءل، "هل يمكننا صناعة بلاطٍ أو لبناتٍ من النِّفايات البلاستيكيَّة؟" قبل تأسيس الشَّركة، قضينا عاماً كاملاً في البحث والتَّجريب داخل مرآبي خارج القاهرة؛ لأنَّنا لم نكن نملك الموارد الماليَّة آنذاك، ولا أبالغ عندما أقول إنَّنا أجرينا نحو 100 تجربةٍ، وعندما تمكّنا من إنتاج بلاطةٍ واحدةٍ من النِّفايات البلاستيكيَّة ذات الجودة المنخفضة، أدركنا أنَّ لدينا شيئاً ذا قيمةٍ، وهذا ما حفَّزنا على تأسيس الشَّركة.
عربية.Inc: كيف تعمل تقنيتكم؟ كيف تحوِّلون النِّفايات إلى بلاط؟
عمرو شعلان: يغزو البلاستيك كلَّ جانبٍ من جوانب حياتنا -من أزرار الألبسة إلى الأكياس البلاستيكيَّة وغيرها- ما يجعل من الصَّعب تصوُّر كيف يمكن لهذه المادة الضَّعيفة، مثل كيسٍ بلاستيكيٍّ، أن تتحوَّل إلى مادةٍ أصلب من الصُّخور، نحن نستخدم عمليَّة تصميمٍ خاصَّةٍ تحوُّل النفايات البلاستيكية إلى مادةٍ مركبةٍ أقوى من الخرسانة.
الخطوة الأولى تكمن في التّأكُّد من أنَّ لدينا موادٌ يمكن استخدامها في أيّ تطبيقٍ، وهذا يعني تكسير البلاستيك عبر تنظيفه، وتمزيقه، وغسله، ونحصل على موادنا مباشرةً من مدافن النِّفايات؛ لذا بعضها يكون ملوثاً.
ثم نخلط البلاستيك مع المواد المضافة؛ لأنَّه كمادةٍ مركبةٍ، البلاستيك وحده لا يمتلك الخصائص اللَّازمة لمواد البناء، مثل القوَّة ومقاومة الحريق.
الخطوة الأخيرة تشمل المعالجة الميكانيكيَّة والحراريَّة لخلق المادة النهائيَّة من المركب.
عربية.Inc: لماذا قررتم التَّركيز على الاستدامة وإعادة التَّدوير وتحويلها إلى عملٍ تجاريٍّ؟
عمرو شعلان: الأمر يتوافق بشكلٍ طبيعيٍّ مع شخصيتي، وكنت أعمل في هذا المجال بالفعل، مماّ جعل من الأسهل بكثيرٍ رؤية الفرصة. يتعلَّق الأمر أيضاً بتفضيلي الشَّخصيِّ لبناء شيءٍ يمكن أن يعودَ بالنَّفع على المجتمع، وهذه كانت فرصتي لإحداث تأثيرٍ عالميٍّ؛ لأنَّنا لا نحلُّ مشكلةً محليَّةً في مصر أو منطقة الشَّرق الأوسط وشمال إفريقيا فحسب، بل نتعامل مع مشكلةٍ عالميّةٍ.
عربية.Inc: ما هي أكبر التَّحديات التي واجهتها أو تواجهها؟
عمرو شعلان: لقد كانت رحلتنا مليئةً بالتَّحديات المستمرِّة، فكلُّ خطوةٍ في بناء شركةٍ ناشئةٍ تحمل معها تحدِّياً جديداً، كأنَّها لعبةٌ، تجتاز تحدِّياً لتجد نفسك أمام آخر، هذه هي طبيعة مشوار الشَّركات النَّاشئة.
أحد أبرز التّحديات كان غياب نظامٍ بيئيٍّ متخصّصٍ يدعم نمو الشَّركات الصِّناعيَّة والتَّصنيعيَّة النَّاشئة في مصر ومنطقة الشَّرق الأوسط وشمال إفريقيا، ولتطوير صناعةٍ ما، أنت بحاجةٍ إلى خبراء، ومختبراتٍ، ونماذج أوليَّةٍ، وموردين يسهِّلون عليك الحصول على نموذجك الأوَليّ بسرعةٍ، بالإضافة إلى شخصٍ يساعد في تسويق المنتج، وعدم وجود هذا النّظام جعل مهمتنا أكثر صعوبةٍ؛ لأنَّنا كنَّا مضطرين للبدء من الصّفر.
على سبيل المثال، إذا أردت تطوير نموذجٍ أوليٍّ عليّ القيام بكلِّ شيءٍ بنفسي، وهذا يعني البحث في المناطق الصّناعيَّة وسؤال النَّاس عن مصادر المواد؛ لأنَّه لا توجد قواعد بياناتٍ أو دعمٌ متاحٌ، ولا حتَّى مسرعاتٍ أو حاضنات أعمالٍ تخدم القطَّاع الصناعي بشكلٍ خاصٍّ.
كذلك، كان التَّحدي الآخر يتمثَّل في المنتج نفسه؛ لكونه جديداً، كان النَّاس متردِّدين في تجربته، ونظراً لمكوّنه البلاستيكيّ، كان هناك قلقٌ من إمكانيَّة أن يكون ضاراً أو قابلاً للاشتعال، كبشرٍ، نميل دائماً للتّشكيك في كلِّ ما هو جديدٌ.
عربية.Inc: من هم شركاؤكم؟
عمرو شعلان: نعمل بشكلٍ وثيقٍ مع شركاتٍ، وجامعاتٍ، ومؤسّساتٍ بحثيّةٍ، وحاليّاً، نجري مناقشاتٍ مع جامعاتٍ في الصين وبعض دول مجلس التَّعاون الخليجيّ، بالإضافة إلى شركة في الولايات المتَّحدة، ونهدف إلى تكوين شراكاتٍ متينةٍ تساعد في تسريع تطوير تكنولوجيتنا التّجاريّة.
عربية.Inc: ما هي الحلول أو المشاريع التي تعمل عليها TileGreen للتغلب على تحديات الاستدامة في المنطقة؟
عمرو شعلان: في نهاية عام 2022، انخرطنا في مشروع مع شركةٍ أوروبيّةٍ لتنظيف البحر الأبيض المتوسط، شملت المبادرة تنظيف البحر في أربع دولٍ: مصر من الجانب الأفريقيّ، واليونان وإيطاليا وإسبانيا من الجانب الأوروبيّ، وقدرتنا على إعادة تدوير النفايات البلاستيكية ذات القيمة المنخفضة جعلت هذا المشروع مثاليَّاً بالنِّسبة لنا، "إذا أردت تنظيف البيئة، عليك أن تعرفَ كيف تتعامل مع النفايات البلاستيكية".
هذا المشروع يحفِّز الصيادين المحليين على جمع النفايات البلاستيكية ومعدَّات الصَّيد المهملة أثناء صيدهم وإعادتها إلى الموانئ، ممّا يتيح لنا جمع ما يعادل أكثر من شاحنتين من البلاستيك يومياً، وبعدها، يتمُّ نقل هذا البلاستيك لإعادة تدويره بدلاً من أن ينتهي به المطاف في البحر أو مكبَّات النِّفايات.
عربية.Inc: ما هي المرحلة التي وصلت إليها الآن كشركةٍ ناشئةٍ؟
عمرو شعلان: لقد مرّت علينا سنتان منذ البداية، وخلال السَّنة الأولى، ركَّزنا على العمل داخل منشأتنا التَّجريبيَّة خارج القاهرة، حيث انشغلنا بالاختبارات، والتَّصنيع، وتطوير النَّماذج الأوليَّة، والبحث والتَّطوير، وفي السَّنة الثَّانية، اتّجهنا نحو تنفيذ التَّجارب الصّناعيَّة في السُّوق، ممّا مكننا من إنتاج مواد بناءٍ وبيعها، ونجحنا في تسليم 9 مشاريع لـ 7 عملاء، والتي شملت مطوِّرين عقاريين وشركاتٍ متعدِّدة الجنسيَّات ومقاولين، واستُخدمت منتجاتنا في مناطق صناعيَّة، وسكنيَّة، وتجاريّة.
التّحدّي الذي واجهناه كان عدم قدرتنا على تلبية كافّة الطَّلبات، وتلقينا طلباتٍ تفوق طاقتنا الإنتاجيَّة بـ 50 إلى 100 ضعف، وكان الإقبال على منتجنا غير مسبوقٍ، ولكن بما أنَّنا كنَّا ما زلنا في مرحلة التَّجريب، فقد كنّا نعمل على التّحقّق من جدوى المنتج في السُّوق، وكانت هذه مشكلةٌ إيجابيَّةٌ بحدِّ ذاتها، ولكنَّنا واجهنا عقبةً بسبب عدم امتلاكنا للطّاقة الإنتاجيَّة الكافية لتلبية كلّ تلك الطَّلبات.
بعد مرحلة التّحقّق، انتقلنا إلى المرحلة التّالية، وهي تطوير التُّكنولوجيا التّجاريّة، وبدأنا في تحديد المشكلات الموجودة، والمشكلة الهندسيَّة الرَّئيسيَّة كانت أنَّه لا توجد تقنيَّةٌ متاحةٌ في العالم حاليَّاً قادرة على تحويل النّفايات البلاستيكيّة إلى مادةٍ مركبةٍ قويَّةٍ بما يكفي لهذه الصِناعة.
بعد ذلك، بدأنا المشروع وعملنا على إقامة الشّراكات الصّحيحة.
عربية.Inc: هل تأثرت أعمالك بنقص العملات الأجنبية الحالي والاضطرابات الاقتصادية في مصر؟
عمرو شعلان: لحسن الحظّ، لا، معظم المواد التي نستخدمها محليَّة المصدر، وحجم عمليّاتنا ما يزال صغيراً، وربّما في المستقبل قد نواجه بعض التّحدّيات، لكن في الوقت الحاضر نحن بخيرٍ، الأكثر تأثّراً هم الذين يعتمدون بشكلٍ كبيرٍ على المواد المستوردة.