الرئيسية التنمية تطور مشهد المهارات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

تطور مشهد المهارات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

المستقبل ملكٌ لأولئك الذين يُنمّون المهارات المطلوبة، ويتقبّلون التّغيير، ويقودون برؤيةٍ مستقبليّةٍ، محافظين دوماً على الصّدارة

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

المقال بلغته الأصلية الإنجليزية متوفر هنا 

في ظلّ التّحوّلات الاقتصاديّة المتسارعة والتّطوّرات التّكنولوجيّة الثّوريّة، باتت الصّناعات والمؤسّسات تشهد تغييراتٍ جذريّةً تعيد رسم معالم سوق العمل الدّيناميكيّ. وفي هذا السّياق، لا يكفي أن يكون المرء قادراص على التّكيّف فحسب؛ بل يستلزم الأمر التزاماً دائماً بالتّعلّم مدى الحياة وإتقان الطّلاقة الرّقميّة. إنّ المستقبل ملكٌ لمن ينمّون المهارات المطلوبة، ويحتضنون التّغيير، ويقودون برؤيةٍ واضحةٍ تتجاوز حدود اللّحظة الرّاهنة.

لقد أصبحت إستراتيجيّات تطوير المهارات وإعادة تأهيلها ضرورةً حتميّةً لتأمين مستقبل المؤسّسات وتمكين الكفاءات البشريّة. إنّ نجاح الأفراد والمؤسّسات بات الآن معتمداً على مدى تبنّي هذه المبادئ بفعاليّةٍ. ومع تطوّر مشهد المهارات، تنفتح آفاقٌ جديدةٌ تعيد تشكيل المسارات المهنيّة والصّناعات بطرقٍ عميقةٍ ومبهرةٍ. وللنّهوض في هذه الرّحلة التّحوّليّة، يجب على المهنيّين التّركيز على إتقان خمس مهاراتٍ محوريّةٍ تعيد رسم مستقبل العمل في عام 2025 وما بعده:

1. القوّة التّحويليّة للذّكاء الاصطناعيّ التّوليديّ

من المتوقّع أن يصل الذّكاء الاصطناعيّ التّوليديّ – الّذي يعدّ أسرع المهارات نموّاً على مستوى العالم على منصّة كورسيرا في مجال تطوير المسارات المهنيّة وتعزيز تنافسيّة الموظّفين – إلى رقمٍ مذهلٍ يقارب 1.3 ترليون دولارٍ أمريكيٍّ بحلول عام 2032.

ومع تبنّي المؤسّسات للحلول الّتي تعتمد على الذّكاء الاصطناعيّ بشكلٍ سريعٍ، تفوق الطّلبات على خبراء الذّكاء الاصطناعيّ التّوليديّ العرض المتاح. وتشير توقّعات شركة غارتنر إلى أنّ 80% من القوى العاملة الهندسيّة ستحتاج إلى تطوير مهارات الذّكاء الاصطناعيّ التّوليديّ بحلول عام 2027.

وبينما تتسارع وتيرة دمج الذّكاء الاصطناعيّ في مختلف وظائف العمل، يصبح من الضّروريّ أن يعمل المتعلّمون في جميع القطاعات على تطوير كفاءاتهم في هذا المجال لتحسين فرص التّوظيف في سوقٍ يتّجه نحو الأتمتة المتزايدة. وفي دولة الإمارات، يبرز هذا الفارق في المهارات بوضوحٍ؛ إذ أفادت 31% من الشّركات بنقص المواهب الماهرة في الذّكاء الاصطناعيّ التّوليديّ كعقبةٍ رئيسيّةٍ أمام توسيع نطاق تطبيقات الذّكاء الاصطناعيّ داخل المؤسّسات. ومن هنا، تتزايد المبادرات الّتي تقدّم برامج تدريبيّةً متخصّصةً في هذا المجال، فيما تستثمر الحكومات في مبادراتٍ تعليميّةٍ تهدف إلى نشر ثقافة الذّكاء الاصطناعيّ.

وعلى الرّغم من تصنيف مهارات الذّكاء الاصطناعيّ والبيانات الضّخمة حاليّاً في المرتبة الخامسة عشر من حيث أهمّيّتها للتّوظيف الجماعيّ، فإنّها من المتوقّع أن تحتلّ المرتبة الثّالثة كأولويّةٍ تدريبيّةٍ للشّركات بحلول عام 2027. ويظهر ذلك جليّاً في توجّه مجموعات المتعلّمين؛ فبينما يركّز الموظّفون على التّطبيقات المتقدّمة مثل التّعلّم بالتّعزيز وعمليّات التّعلّم الآليّ (MLOps)، يولي الطّلّاب اهتماماً أكبر للمهارات الأساسيّة كالتّعلّم الخاضع للإشراف وهندسة الميزات. ومن ناحية الباحثين عن العمل، يتصدّر التّعلّم الآليّ التّطبيقيّ قائمة الأولويّات لاكتساب كفاءاتٍ جاهزةٍ للتّوظيف في أدوارٍ ذات طلبٍ مرتفعٍ مثل «أخصّائيّ الذّكاء الاصطناعيّ» و«مهندس الرّؤية الحاسوبيّة».

ولا يقلّ أهمّيّةً معالجة الفجوة بين الجنسين في هذا المجال؛ فرغم التّقدّم الملحوظ، تظلّ مشاركة النّساء في مجالات الذّكاء الاصطناعيّ دون المستوى المطلوب، لا سيّما في الأدوار التّقنيّة. وللتّغلّب على ذلك، تبرز المبادرات مثل برامج الإرشاد للفتيات الشّابّات في قطاع التّكنولوجيا والشّراكات مع الجامعات كعناصر حاسمةٍ لفتح مساراتٍ جديدةٍ نحو هذه الصّناعة. إنّ تشجيع الفئات الممثّلة تمثيلاً ناقصاً، وخاصّةً النّساء، على اكتساب مهارات الذّكاء الاصطناعيّ عبر مبادراتٍ تعليميّةٍ مستهدفةٍ سيساهم في بناء مجموعة مواهب متنوّعةٍ تدفع عجلة الابتكار، وتحقّق الشّموليّة في هذا المجال التّحوّليّ.

2. استكشاف آفاق الأمن السّيبرانيّ

مع نضوج البيئة الرّقميّة، يتصاعد معدل وتيرة وتعقيد الهجمات السّيبرانيّة – إذ سجّلت زيادةً بمقدار 75% على مستوى العالم في الرّبع الثّالث من عام 2024. وقد دفعت هذه الحقائق مهارات الأمن السّيبرانيّ وإدارة المخاطر لتحتلّ مكانةً بين أسرع الكفاءات التّقنيّة نموّاً.

وفي ظلّ توقّع أن تصل تكاليف الجرائم السّيبرانيّة إلى 10.5 ترليون دولارٍ أمريكيٍّ بحلول عام 2025، تضع المؤسّسات حماية الأصول وتخفيف المخاطر على رأس أولويّاتها. ويتجلّى ذلك بوضوحٍ في منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث تشهد دولٌ مثل المملكة العربيّة السّعوديّة ارتفاعاً في معدلات الحوادث السّيبرانيّة. ومن هنا، يصبح من الضّروريّ إطلاق مبادراتٍ تدريبيّةٍ موجّهةٍ وبناء قنواتٍ قويّةٍ لإمداد الكفاءات لمواجهة هذه التّهديدات المتزايدة وتأمين البنية التّحتيّة الرّقميّة.

3. الطّلب المتزايد على أخلاقيّات البيانات والحكومة

جعل الارتفاع الهائل في حجم وتنوّع البيانات من إدارة البيانات بمسؤوليّةٍ أولويّةً قصوى لدى الشّركات. فمع تطبيق أطر حكومةٍ جديدةٍ للتّعامل مع التّحدّيات النّاجمة عن هذه الزّيادة، يشير 60% من قادة البيانات إلى أنّ حكومة البيانات تعدّ من القضايا الحرجة في العصر الحديث. وتؤكّد تقارير Deloitte أنّ 78% من المؤسّسات تعطي أولويّةً لاستخدام الذّكاء الاصطناعيّ بطريقةٍ آمنةٍ ومأمونةٍ، ممّا يبرز أهمّيّة التّعامل المسؤول مع البيانات كأساسٍ لتحقيق الميزة التّنافسيّة.

وبرزت أخلاقيّات البيانات كواحدةٍ من أسرع المهارات نموّاً على منصّة كورسيرا، ممّا يوفّر فرصةً ثمينةً للمتعلّمين لتطوير مهاراتهم وإتقان القدرات المطلوبة للأدوار الّتي تحظى بطلبٍ عالٍ. ومع تطبيق الشّركات للأطر الجديدة في حكومة البيانات، من المتوقّع أن يصبح التّعامل المسؤول مع البيانات حجر الزّاوية للتّفوّق في المنافسة.

4. المهارات الإنسانيّة في بيئة الذّكاء الاصطناعيّ

لا يزال التّواصل الفعّال والقدرة على التّعبير عن الرّأي بوضوحٍ ركيزتين أساسيّتين للتّعامل مع بيئات العمل المعقّدة؛ إذ يرى 84% من المديرين أنّ الموظّفين الجدد يجب أن يمتلكوا القدرة على التّواصل المهنيّ وصياغة أفكارهم بوضوحٍ. ورغم أنّ 71% من العاملين من جيل زد يواجهون تحدّياتٍ في هذا الجانب، تعي المؤسّسات تماماً أنّ المهارات الإنسانيّة القويّة ستكون المفتاح لدفع عجلة الابتكار وتعزيز التّعاون وحلّ المشكلات.

وفي حين تبقى الخبرة التّقنيّة ضروريّةً، فإنّ الموازنة بينها وبين المهارات الإنسانيّة تضمن ازدهار الموظّفين في ظلّ بيئة عملٍ تعتمد على الذّكاء الاصطناعيّ. وتحتلّ مهارات الموارد البشريّة مثل تنمية رأس المال البشريّ وتطوير القوى العاملة مكانةً بين الأسرع نموّاً في مجال الأعمال، ممّا يؤكّد على ضرورة استثمار الشّركات في إدارة وتطوير فرقها. وفي سياق العمل المدعوم بالذّكاء الاصطناعيّ، ستتطلّب عمليّة التّعاون بين الموظّفين والأدوات الذّكيّة مهاراتٍ مثل التّعاطف والوعي الثّقافيّ وحلّ النّزاعات، لتعزيز فاعليّة التّعاون وتحقيق النّتائج المرجوّة.

5. تبنّي الاستدامة

يولّد الاهتمام المتزايد بالمسؤوليّة البيئيّة والممارسات المستدامة طلباً متصاعداً على المهارات الخضراء. ففي ظلّ تفوّق الإعلانات الوظيفيّة الخاصّة بالأدوار المتعلّقة بالاستدامة على عدد الكفاءات الماهرة بنسبةٍ تقارب الضّعف، تبرز فرصةٌ كبيرةٌ للمتعلّمين للتّميّز وإبراز قدراتهم في سوق العمل. ويؤكّد المنتدى الاقتصاديّ العالميّ هذه الظّاهرة، إذ يصنّف الاستدامة كثاني أسرع دورٍ وظيفيٍّ نموّاً في الفترة الممتدّة من عام 2023 إلى عام 2027.

وبما أنّ واحداً من كلّ ثمانية أفرادٍ فقط يمتلك المهارات اللّازمة لمواجهة أزمة المناخ، فإنّ الخبرة في مجالاتٍ مثل تقليل النّفايات، والتّعافي من الكوارث، والتّخطيط لاستمراريّة الأعمال ستصبح حيويّةً للغاية. فلا تسهم هذه المهارات في تعزيز المسارات المهنيّة للأفراد فحسب، بل تساهم أيضاً في بناء مستقبلٍ أكثر استدامةً. وقد بدأت دولة الإمارات ودولٌ أخرى في المنطقة بالاستثمار بشكلٍ مكثّفٍ في الوظائف الخضراء، حيث تقدّم الحكومات حوافز للمؤسّسات الّتي تعطي الأولويّة للتّدريب على الاستدامة وتطبيق ممارساتها.

ومع اعتماد المؤسّسات نهجاً يرتكز على المهارات في عمليّات التّوظيف، سيكون الأفراد الّذين يسعون لتطوير المهارات الأكثر طلباً في وضعٍ متميّزٍ لمواجهة تحدّيات الحاضر والاستعداد لتحوّلات المستقبل. ومع التّطوّر السّريع في متطلّبات سوق العمل، سيحظى من ينتهج نهجاً استباقيّاً في تطوير ذاته بمزايا واضحةٍ في المرحلة القادمة من التّحوّل الرّقميّ.

كما يشكّل الالتزام بالتّعلّم المستمرّ، والقدرة على التّكيّف، والتّفوّق في مجالاتٍ متعدّدة التّخصّصات الأساس لبناء مرونةٍ تستطيع من خلالها المؤسّسات والأفراد الحفاظ على قدرتهم التّنافسيّة في عالمٍ سريع التّغيّر ومتزايد الرّقمنة. ولن يعتمد النّجاح في المستقبل فقط على إتقان التّقنيّات الحديثة، بل على دمج القيم الإنسانيّة وترسيخ الاستدامة في كلّ جوانب حياتنا المهنيّة وممارساتنا المؤسّسيّة.

السّيرة الذّاتيّة للمؤلّف:

قيس زريبي، المدير العامّ لمنطقة الشّرق الأوسط وأفريقيا في منصّة كورسيرا.

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
آخر تحديث:
تاريخ النشر: