تعليق رحلات SpaceX يثير تساؤلات حول ضغوط النّجاح المتسارع
رغم أنَّ الخلل لم يهدّد سير المهمة أو حياة روّاد الفضاء، إلّا أنّ التّحقيق الذّي أجرته الشّركة عقب الحادثة كشف عن التّحديات التّقنيّة التّي تواجهها الشركة
في حادثةٍ وقعت مؤخراً أثناء إطلاق رحلة "كرو 9" (Crew 9) التّابعة لشركة "سبيس إكس" (SpaceX)، تسببت مشكلةٌ تقنيةٌ بسيطةٌ في تعليق رحلات الصّواريخ مؤقتاً، ممّا أثار تساؤلاتٍ واسعةٍ حول أداء الشّركة ومدى تعرّضها للضّغوط النّاتجة عن نجاحها المتسارع في مجال الفضاء.
انطلق صاروخ "فالكون 9" (Falcon 9)، يوم السّبت الموافق 28 سبتمبر 2024، محمّلاً بكبسولة الفضاء "دراغون" (Dragon) ضمن مهمةٍ مشتركةٍ مع وكالة "ناسا" (NASA) إلى محطة الفضاء الدّوليّة. حملت الرّحلة على متنها رائد الفضاء نِك هاج من وكالة ناسا ورائد الفضاء ألكسندر جوربونوف من وكالة الفضاء الرّوسية "روسكوسموس" (Roscosmos).
رغم أنَّ الخلل لم يهدّد سير المهمة أو حياة رواد الفضاء، إلّا أنّ التّحقيق الذي أجرته الشّركة عقب الحادثة كشف عن التّحديات التّقنيّة التّي تواجهها سبيس إكس حتى بعد سنواتٍ من النّجاح والابتكار.
تفاصيل حادثة فالكون 9
خاض صاروخ فالكون 9 ثلاث مراحلٍ رئيسيةٍ. الأولى، وهي الأكبر، تحتوي على تسعة محرّكاتٍ صاروخيّةٍ من نوع "ميرلين" (Merlin) التّي تدفع الصّاروخ نحو الفضاء. بعد انتهاء الوقود في هذه المرحلة، تعود إلى الأرض ليعاد استخدامها. المرحلة الثّانية، الأصغر حجماً، مزوّدةٌ بمحركٍ واحدٍ فقط وهي المسؤولة عن وضع الحمولة في المدار. أمّا المرحلة الثّالثة فهي كبسولة دراغون، التّي تحمل الطّاقم أو المعدّات إلى وجهتها النّهائيّة.
وأثناء الرّحلة، تمت جميع عمليّات المرحلة الأولى والثّالثة بنجاحٍ. لكن في المرحلة الثّانية، عندما كان الصّاروخ يستعدّ للخروج من المدار عبر عمليّة حرقٍ نهائيٍّ للمحرّك، حدث خطأٌ أدّى إلى أنَّ الصّاروخ خرج عن مساره المستهدف، وهبط في مكانٍ غير مخطّطٍ له في المحيط. ورغم أنَّ الصّاروخ سقط بأمانٍ في الماء، إلّا أن سبيس إكس علّقت إطلاقاتها مؤقتاً لتحديد سبب المشكلة بدقّةٍ.
لماذا يجب أن نولي اهتماماً؟
هناك سببان رئيسان يدفعاننّا للاهتمام بما حدث مع سبيس إكس. أولاً، تلعب الشّركة دوراً حيوياً في استكشاف الفضاء، حيث تعمل كأحد الشّركاء الأساسيّين لوكالة ناسا لنقل روّاد الفضاء والمعدّات إلى الفضاء. وجزءٌ من مسؤولية سبيس إكس هو ضمان عودة الصّواريخ إلى الأرض بطريقةٍ آمنةٍ ومسؤولةٍ، دون تعريض الأشخاص أو الممتلكات في مسار سقوطها لأيّ خطرٍ. وهذا يبرز تحديات التّعامل مع تقنيّة الصّواريخ المعقّدة بشكلٍ أخلاقيٍّ ومسؤولٍ.
السّبب الثاني هو حجم وطموح العمليات التّي تديرها سبيس إكس. فالشّركة، بقيادة إيلون ماسك، تمكنت من تطوير أوّل صاروخٍ قابلٍ لإعادة الاستخدام بالكامل، وتعمل بمعدل إطلاقٍ غير مسبوقٍ، إذ أطلقت أكثر من 140 صاروخاً في عام 2024 وحده. هذا التّسارع في العمليات يضعها في موقعٍ فريدٍ، ولكن أيضاً يعرضها لمزيدٍ من التّحديات غير المتوقعة.
تحديات النّجاح المتسارع
أدّى تسارع وتيرة الابتكار في سبيس إكس، إلى تجاوز حدود المعرفة والتّكنولوجيّا في مجال استكشاف الفضاء. إلّا أنّ هذا النّجاح الكبير يترافق مع ضغوطٍ هائلةٍ على الشّركة، إذ إنّها تواجه مواقف غير مسبوقةٍ لم تعايشها من قبل. ومن المتوقّع أن تستمرّ هذه التّحديات بالنّظر إلى أنَّ الشّركة تسعى دوماً للتوسّع في ابتكاراتها.
ومع ذلك، يُعرف عن سبيس إكس قدرتها على التّعلّم السّريع من الأخطاء، وتوظيف فريقها الهندسي المتميّز لحل المشكلات وتحسين أدائها. في مقارنةٍ مع شركاتٍ أخرى، نجد أنَّ شركة "بوينغ" (Boeing) واجهت مشكلاتٍ في رحلتها الأولى بمركبة ستارلاينر، ما أدّى إلى إرجاع روّاد الفضاء إلى الأرض بواسطة مركبة دراغون التّابعة لـسبيس إكس. وهذا يبرز مدى التّقدّم الذي حقّقته سبيس إكس في هذا المجال.
فغالباً ما تجد الشّركات التّي تتفوّق في أدائها، نفسها في مواجهة تحديّاتٍ جديدةٍ وغير متوقعةٍ. ليست بالضّرورة تعني الفشل، ولكنّها جزءٌ من عملية التّطور المستمر. وما يحدث مع سبيس إكس يمثّل درساِ لأي شركةٍ تحقّق نجاحاً سريعاً، إذ إنَّ التّعامل مع النّجاح قد يكون بنفس صعوبة التّعامل مع الفشل.