تكلفة أقل وتفوُّق أكبر.. طفرات الذكاء الاصطناعي الطبية
التكلفة المنخفضة وتخصيص العلاج وتقليل الأخطاء البشرية من طفرات الذكاء الاصطناعي في المجال الطبي، فهل هناك عيوب؟
بتكلفةٍ منخفضةٍ ودقّةٍ أكبر في النّتائج مع تخصيص العلاجات وفقاً لطبيعة الجينات، فإنّ الذكاء الاصطناعي في المجال الطبي يَعدُ بطفراتٍ قويّةٍ خلال السّنوات المقبلة، لتصلَ قيمته إلى 11 مليار دولارٍ عام 2021، ومن المتوقّع زيادة هذه القيمة إلى 187 مليار دولارٍ في 2030، فكيف يُمكن استخدام الذكاء الاصطناعي بكفاءةٍ فعليةٍ في المجال الطبي، وما المتاح الآن ويمكن استخدامه في هذه التّقنية، وهل يُمكن أن نتخلّى بسببه عن الوجود البشريّ والأطباء والممرضين، بل وكيف يُمكن التّغلب على عيوبه؟ كلّ هذا وأكثر نتعرّف عليه في الأسطر المقبلة. [1]
تاريخ الذكاء الاصطناعي في الصحة
ظهرت عبارة "الذكاء الاصطناعي" للمرّة الأولى في مقترح مؤتمر كلية دارتموث عام 1955، ولكنّه لم يدخل للمجال الطبي حتّى سبعينات القرن العشرين بتطوير برنامج الذكاء الاصطناعي MYCIN، الذي ساعد في تحديد علاجات التهابات الدّم بكفاءةٍ أكبر من المُعتاد، وطوال الثمانينات والتسعينات ساعد تصميم أنظمة ذكاء اصطناعي مخصّصةٍ للمجال الطبي في تحقيق تقدّمٍ ملحوظٍ في مجموعةٍ مهمّةٍ من الجوانب، مثل: [2]
- إنتاج وجمع بيانات المرضى ومعالجتها بسرعاتٍ فائقةٍ.
- المساعدة في العمليّات الجراحيّة شديدة الدّقة.
- كفاءة واضحة في إنشاء السّجلات الصّحية إلكترونيّاً وسهولة الوصول إليها.
- وفي الألفية الثّالثة تطوّر الأمر بطريقةٍ ملحوظةٍ ليتعدّى الجوانب البيولوجيّة والبيانات، ويمتدّ إلى مجموعةٍ متنوّعةٍ من التّخصصات الطّبية الأكثر تقدّماً.
أهمية الذكاء الاصطناعي في المجال الصحي
ساهمت خوارزميّات التّعلم الآليّ وزيادة الوصول إلى البيانات والتّراجع الكبير في سعر الأجهزة الطّبية المتطوّرة مع توفر شبكات الجيل الخامس في زيادة تطبيق الذكاء الاصطناعي في المجال الصحي بجميع فروعه، ممّا أدّى إلى تسريع وتيرة التّغيير، إذ يُمكن لتقنيات الذكاء الاصطناعي فحص كمّياتٍ هائلةٍ من البيانات الصّحية سواء من سجلات المرضى أو الدّراسات السّريرية، فضلاً عن المعلومات الجينيّة وتحليلها أسرع بكثيرٍ من البشر، ومن أهمّ ما أضافه الذكاء الاصطناعي إلى الرّعاية الصّحية: [3]
- تحسين كفاءة جميع أنواع العمليّات بدءاً من الأمور المكتبيّة التّقليديّة التي كانت تستهلك الكثير من الوقت من الأطباء والممرضين إلى نظام رعاية المرضى أنفسهم.
- أتمتة الكثير من المهام المكتبيّة، ممّا وفّر الكثير من وقت العاملين في المجال الطّبي لأمور أكثر أهمّيةً.
- سهولة العثور على إجاباتٍ من مساعدي التّمريض الافتراضيّين، فقد أكّدت الدّراسات أن 64% من المرضى يشعرون بالارتياح لاستخدام مساعدي التّمريض الافتراضيّين في الحصول على إجاباتٍ تتعلّق بالأدوية وتوجيه التّقارير للأطباء وغيرها.
- تحسين تجربة مستخدم الرّعاية الصّحية، حيث يُؤكّد 83% من المرضى وفقاً لدراساتٍ حديثةٍ أنّ ضعف التّواصل مع الأطباء والممرضين كان أسوأ جزء من تجربتهم مع المرض.
- تقليل التّحايل في مجال التّأمين الطّبي والرّعاية الصّحية، حيث كان كثير من المرضى يشكون من زيادة تكلفة أقساط التّأمين الطّبي أو طلب أشعة وتحاليل لا ضرورة فعليّةٍ لها.
مجالات الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية
تتنوّع بشدّةٍ مجالات الذكاء الاصطناعي في المجال الطبي بجميع فروعه تقريباً، فرغم أنّه حتّى الآن لا يزال في نطاق "الذكاء الاصطناعي الضيق"، ما يعني أنّ إمكانيّة تفوّقه على البشر في مهامٍّ محدّدةٍ ضيقةٌ، إلّا أنّ هناك مجالاتٍ طبية عدّةٍ شهدت استخداماً متزايداً للذكاء الاصطناعي مع تمتّعه بالكثير من الكفاءة، ومن أهم تلك المجالات: [4]
الذكاء الاصطناعي في الطب وإجراء العمليات الجراحية
يُمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في الطب خلال إجراء العمليات الجراحية الدّقيقة للعمل حول الأعضاء وتقليل فقدان الدّم والألم بعد الجراحة، كما يُمكن استخدامه بكفاءةٍ في تقليل أخطاء الجرعة، حيث بيّنت الدراسات أنّ 70% من المرضى لا يتناولون الأنسولين مثلاً بالجرعات الصّحيحة، ويُمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي تقليل هذه المخاطر.
كما يُستخدم الذكاء الاصطناعي في الطب النفسي والرّعاية الصّحية عن بُعد بكفاءةٍ كبيرةٍ، مع سهولة متابعة المرضى والوصول للعلاج الملائم للحالة الصّحية والجينات.
الذكاء الاصطناعي والتشخيص الطبي
يُمكن لاستخدام الذكاء الاصطناعي في التّشخيص الطبي أن يُقلّل من تكاليف العلاج بنسبة 50% مع تحسين النتائج الصحية بنسبة 40%، وفقاً لتقريرٍ من كليّة الصّحة العامّة بجامعة هارفارد، كما وجد فريق بحثٍ من جامعة هاواي أن نشرَ تقنية الذكاء الاصطناعي للتّعلّم العميق يُمكن أن يُحسِّنَ من التّنبؤ بمخاطر سرطان الثدي.
كما تمكّن الذكاء الاصطناعي من التّعرّف على سرطان الجلد بطريقةٍ أفضل، ومع تطوّر الأشعة المقطعيّة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، فإنّ الكشفَ عن سرطان الرئة والسّكتات الدّماغيّة أصبح أكثر دقةً، بالإضافة لتحسين تصوير العين وتحديد مؤشّرات اعتلال الشّبكية السّكري، فضلاً عن دور المخطّطات الكهربائيّة والتّصوير بالرّنين المغناطيسيّ في اكتشاف أمراض القلب مُبكّراً وتشخيصها بدقّةٍ أكبر.
الذكاء الاصطناعي في الصيدلة
بدأت المنظّمات الصّحية في استخدام الذكاء الاصطناعي في تحسين سلامة الأدوية واعتماد نظام التّيقظ الدّوائيّ القادر على الكشف عن الآثار الضّارة النّاجمة عن الأدوية والإبلاغ عنها، ثم تقييم مخاطرها وفهمها ومنعها، كما يتمّ استخدام الذكاء الاصطناعي في توفير الطّاقة الكهروضوئيّة شديدة الضّرورة في المجال الصيدلي والمستخدمة بكثافةٍ في التّجارب السّريرية وتصنيع الأدوية.
كما يُقلّل الذكاء الاصطناعي من الحاجة إلى اختبار المركبات المحتملة، فيتوقّع نتائجها بسهولةٍ أكبر، ممّا يؤدّي لتوفيرٍ هائلٍ في التّكلفة بناءً على عمليّات المحاكاة، كما يُمكنه التّنبؤ بمقدار السّميّة والنّشاط الحيويّ والخصائص الأخرى لتفاعلات الأدوية.
الذكاء الاصطناعي في المختبرات الطبية
ارتفعت نسبة استخدام الذكاء الاصطناعي في المختبرات الطّبية بطريقةٍ أكثر من مجالات الرّعاية الأخرى، وذلك بسبب قدرة هذه التّقنية على تحليل كميّاتٍ هائلةٍ من بيانات المرضى والاستكشاف السّريع، لما قد يغيب عن العين البشريّة، فضلاً عن تخصيص العلاج بما يتلاءم مع الخصائص الجينيّة للمريض، وهو ما لم يكن متوفراً قبل التّحليل الدّقيق المُعتمد على الذّكاء الاصطناعيّ وطرح رؤى تنبؤيّة بشأن تأثير العلاج عن مجموعةٍ محددةٍ من الجينات.
إيجابيات وعيوب تطبيق الذكاء الاصطناعي في الصحة
مثل أيّ شيء في الحياة، فإنّ هناك إيجابيات متنوّعة لاستخدام الذكاء الاصطناعي في المجال الطبي، إلّا أنّه لا يُمكن بالتّأكيد إنكار العيوب.
إيجابيات الذكاء الاصطناعي في المجال الطبي
- تحليل مجموعاتٍ كبيرةٍ من البيانات للمساعدة في اتّخاذ القرارات السّريرية سريعاً.
- تقليل التّكلفة الإجماليّة للعلاج.
- تحسين الرعاية الصحية للمريض من خلال الأجهزة الذّكيّة.
- تقليل الأخطاء البشريّة والمساعدة في توفير خدمات المرضى على مدار السّاعة.
- التّنبؤ بالأمراض والأوبئة ومعرفة درجة انتشارها.
سلبيات استخدام الذكاء الاصطناعي في المجال الطبي
- انعدام الشّفافية وعدم الفهم الكامل لطريقة الذكاء الاصطناعي في التّشخيص.
- مخاوف الخصوصيّة وانتشار البيانات.
- استخدام البيانات في تدريب الذكاء الاصطناعي.
- عدم دقّة الإجابات أو عموميّتها.
تطبيقات الذكاء الاصطناعي الحالية في الصحة
يُعتبر تحليل الصّور الطّبية المقطعيّة والتّحليلات التّنبؤيّة للوقاية من الأمراض، بالإضافة إلى توصيات العلاجات الشّخصية من أهمّ تطبيقات الذكاء الاصطناعي الحاليّة في الصّحة، فضلاً عن المساعدين الطبيين الافتراضيّين وأتمتة المهام السّريرية والإداريّة.
شاهد أيضاً: كيف تعزِّز شركة Nabta الإماراتيَّة صحَّة المرأة
أفضل أدوات الذكاء الصنعي للعاملين في المجال الصحي والطبي
هناك مجموعة أدواتٍ ضروريةٌ، على الأطباء والممرضين بدء استخدامها لزيادة كفاءة التّشخيص الطّبي ورعاية المرضى ومتابعة حالتهم الصّحية، ومن أهم هذه الأدوات: [5]
أداة Enlitic لتفسير صور الأشعة بدقة
يساعدك برنامج Enlitic في الكشف عن التّشوهات في الأشّعة السّينيّة والأشعّة المقطعيّة والصّور الطّبية الأخرى، بما يزيد من سرعة وسهولة اتّخاذ القرارات العلاجيّة الملائمة للمريض.
أداة Merative لتوفير تحليلات الرعاية الصحية
من خلال التّحديث المستمرّ للأبحاث وبيانات السكّان وتحليلها، يُساعد برنامج Merative الأطباء في التّوصل لقراراتٍ طبيّةٍ مستنيرةٍ قائمة على بياناتٍ واقعيّةٍ صحيحةٍ.
أداة Path AI لتعزيز دقة وكفاءة التشخيص
وهي منصّة علم أمراضٍ قائمةٌ على الذكاء الاصطناعي، وتتعاون Path AI مع منظّمات الأدوية الحيويّة، لتحديد الأنماط في شرائح علم الأمراض، والتي من المحتمل ألّا تتمكّن العين البشرية من التقاطها.
أداة Google Vertex AI Search لتبسيط واسترجاع البيانات
يُمكن لأداة Google Vertex AI Search تبسيط عمليّة استرجاع المعلومات وتحليلها، ممّا يزيد من دقّة التّشخيص وتقديم نتائج علاج أفضل للمرضى.
أداة Freenome للكشف المبكر عن السرطان
عبر استخدام قياساتٍ متعدّدةٍ تمزج بين علم الجينوم وعلم البروتينات وغيرها من البيانات الجزيئيّة، فإنّ أداة Freenome icon تُساعد في تحديد السّرطان في مراحله المبكرة وخطط العلاج الأنسب لحالة المريض.
المخاوف من توظيف الذكاء الاصطناعي في المجال الطبي
يُعتبر اختراق حدود الخصوصيّة وإمكانيّة إصدار قراراتٍ طبيّةٍ خاطئةٍ من أهمّ مخاوف استخدام الذكاء الاصطناعي في المجال الطبي، كما أنّ اتّجاه نسبةٍ من السّكان للاعتماد على هذه التّقنية تماماً لتقليل التكلفة، قد يُهدّد حياتهم بالخطر، إذا لم يعودوا إلى طبيبٍ متمرّسٍ لتشخيص الحالة والتّأكد من إجابات برامج الذكاء الاصطناعي.
التحديات أمام الذكاء الاصطناعي في المجال الصحي
من أهمّ التّحديات أمام الذكاء الاصطناعي في الطب يأتي توفّر البنية التّحتية اللّازمة لاستخدام هذه التقنية، فضلاً عن تدريب الأطباء والممرضين على استخدامها بطريقةٍ صحيحةٍ مع ضمان دقّتها، كما أنّ عدم الرّغبة في التّعامل مع الآلة من التّحديات المرتبطة بهذه التقنية أيضاً، إذ يُمكن أن تؤثّر على العلاقة بين المريض والطّبيب.
وفي النّهاية، إنّ الذكاء الاصطناعي في المجال الطّبي يُنبئ بمستقبلٍ أكثر إشراقاً بكثيرٍ مقارنةً باستخدام هذه التّقنية في مجالاتٍ أخرى، فهي لن توفّر فقط جودة أفضل، بل تكلفة أقلّ أيضاً مع اتّساعٍ شاملٍ في الخدمات في كل أنحاء العالم.
الأسئلة الشائعة عن الذكاء الاصطناعي في المجال الطبي
هل الذكاء الاصطناعي يهدد مهنة الطب؟
يهدف استخدام الذكاء الاصطناعي في الطّب بشكلٍ أساسيٍّ لمساعدة المُتخصّصين في الرّعاية الصّحية، وليس استبدالهم على الإطلاق، فمهما كانت كفاءة تشخيص الروبوتات، فإنّ الحكم البشريّ والتّعاطف والرّوح القائمة على العلاج والرّعاية لا يُمكن استبدالها.
كيف ستكون التكنولوجيا الطبية في المستقبل؟
ستتنوّع للغاية في السّنوات المقبلة من ربط الأنظمة ومشاركة البيانات في أيّ مكانٍ ومن أيّ مكانٍ، بما يضمن إمكانيّة الحصول على الرّعاية الصّحية لأيّ مريضٍ من أيّ بلدٍ بسرعةٍ فائقةٍ، كما ستكون الرّعاية التّنبؤية أكثر دقّةً واتّخاذ التّدابير الوقائيّة منه مبكراً، كما يُزيد اتّجاه أتمتة الكثير من المهام وتحديد الجرعات العلاجيّة بدقّةٍ أكبر.
كيف ساهمت التكنولوجيا في تطوير التمريض؟
ساهمت هذه التّكنولوجيا بطريقةٍ فعّالةٍ في تعزيز رعاية المرضى والإجابة عن الكثير من أسئلتهم ببساطةٍ وإتاحة المراقبة لهم على مدار السّاعة، فضلاً عن تبسيط المهام الإداريّة ووضع خطط العلاج الشّخصية للمرضى بناءً على استجابة الجسم للعلاج، مع ارتفاع مستوى الدّقة في تشخيص الأمراض.