ثورة المركبات الكهربائيّة في الشّرق الأوسط: قيادة المستقبل
في سعي دول مجلس التّعاون الخليجيّ لزيادة أعداد السّيّارات الكهربائيّة على طرقاتها بهدف تقليص انبعاثات الكربون، يتعيّن على المنطقة أيضاً التّصدّي للتّحدّيات الّتي تحول دون انتشارها على نطاقٍ واسعٍ
تولي صناعة السّيّارات العالميّة اهتماماً متزايداً بالدّور الحاسم الّذي تؤدّيه المركبات الكهربائيّة في تقليل انبعاثات الكربون ومجابهة تغيّر المناخ. ومع تسارع العالم نحو مستقبلٍ أكثر استدامةً، تخطو منطقة الشّرق الأوسط خطواتٍ جادّةً نحو تبنّي السّيّارات الكهربائيّة كخيار نقلٍ أنظف وأكثر استدامةً.
في الرّبع الأوّل من عام 2024، شهدت مبيعات السّيّارات الكهربائيّة عالميّاً ارتفاعاً بنحو 25% مقارنةً بالفترة ذاتها من عام 2023، ممّا يعكس نموّاً سنويّاً مماثلاً لما لوحظ في أوائل عام 2022. هذا العام، قد تستحوذ السّيّارات الكهربائيّة على ما يصل إلى 45% من حصّة السّوق في الصّين، و25% في أوروبّا، وأكثر من 11% في الولايات المتّحدة، وذلك وفقاً للتقرير العالمي لتوقّعات المركبات الكهربائيّة (Global EV Outlook).
يقول هيكو سايتز، قائد التّنقّل الكهربائيّ والشّريكٌ في شركة بريس ووترهاوس كوبرز (PwC)، لمجلّة "عربية .Inc": "باتت التّكلفة الإجماليّة لامتلاك سيّارةٍ كهربائيّةٍ تقترب من التّكافؤ في الشّرق الأوسط، ما يعني أنّه أصبح من المجدي اقتصاديّاً قيادة سيّارةٍ كهربائيّةٍ مقارنةً بمركبةٍ تعمل بمحرّك احتراقٍ داخليٍّ، وهذا بالطّبع يجعل التّحوّل إلى الكهرباء أكثر جاذبيّةً".
ارتفاع وتيرة اعتماد السّيّارات الكهربائيّة في دول مجلس التّعاون الخليجيّ
من المتوقّع أن يشهد سوق السّيّارات الكهربائيّة في الشّرق الأوسط نموّاً ملحوظاً خلال السّنوات المقبلة، حيث تشير التّقديرات إلى وصوله إلى 7.65 مليار دولارٍ بحلول عام 2028، بزيادةٍ كبيرةٍ، بعد أن كان 2.7 مليار دولارٍ في عام 2023، وفقاً لتقرير "موردور إنتليجنس" (Mordor Intelligence) لعام 2024.
هذا وتقود الإمارات العربيّة المتّحدة هذا التّحوّل في المنطقة، حيث يتزايد اعتماد السّيّارات الكهربائيّة فيها بشكلٍ ملحوظٍ. وقد تمثّل السّيّارات الكهربائيّة ما يصل إلى 25% من إجماليّ مبيعات سيّارات الرّكّاب والمركبات التّجاريّة الخفيفة الجديدة بحلول عام 2035، أي ما يعادل حوالي 110,500 مركبةٍ، وذلك وفقاً لتقرير "توقعات التنقل الإلكتروني لعام 2024: إصدار الإمارات العربية المتّحدة" من شركة PwC.
وهو ما يؤكّده سايتز في قوله: "الإمارات العربيّة المتّحدة والمملكة العربيّة السّعوديّة وقطر هم روّاد كهربة التّنقّل في الشّرق الأوسط".
وفي إطار استراتيجيّة الإمارات للطّاقة 2050، تسعى الدّولة إلى تحقيق الحياد الكربونيّ بحلول منتصف القرن، من خلال مزيجٍ من مصادر الطّاقة المتجدّدة والنّوويّة. وفي عام 2023، وقد أعلنت الحكومة الإماراتيّة عن أهدافٍ جديدة لضمان أن تكون 50% من السّيّارات على طرقاتها كهربائيّةً بحلول عام 2050.
وعن ذلك تقول ياسمين جوهر علي، الشّريكة المؤسّسة والمديرة التّنفيذيّة للعمليّات في "إي دادي" (eDaddy)، وهي شركةٌ ناشئةٌ في مجال التّنقّل الحضريّ المستدام مقرّها الإمارات، لمجلّة "عربية .Inc": "بتركيز الإمارات على خفض انبعاثات الكربون بنسبة 23.5% بحلول عام 2030، تخطو خطوةً جوهريّةً نحو تنوّع اقتصادها بعيداً عن الاعتماد على النّفط. وهذا جزءٌ من مساهمتها المحدّدة وطنيّاً".
ووفقاً لتقريرٍ صادرٍ عن هيئة كهرباء ومياه دبي (ديوا) لعام 2023، ارتفع عدد السّيّارات الكهربائيّة في دبي إلى 25,929 مركبةً بنهاية ديسمبر 2023، مقارنةً بـ15,100 مركبةٍ في عام 2022.
وفي أوائل عام 2024، أطلقت ديوا مبادرة "الشّاحن الأخضر" للمركبات الكهربائيّة، ما أسفر عن تركيب 100 محطّة شحنٍ في جميع أنحاء دبي. ومنذ ذلك الحين، توسّعت الشّبكة لتضمّ أكثر من 350 محطّةً، مع هدفٍ لتجاوز 1,000 محطّةٍ بحلول عام 2025.
يقول إبراهيم البواليز، الشّريك المؤسّس لشركة "إيفو" (EVO)، وهو تطبيق جوّالٍ انطلق من الأردنّ، وتوسّع إلى السّعوديّة لتسهيل الوصول إلى محطّات الشّحن في المملكة: "يزداد تقبّل المستهلكين للسيّارات الكهربائيّة في منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا نتيجةً لارتفاع الوعي البيئيّ وزيادة أسعار الوقود".
وبالمثل، تحقّق المملكة العربيّة السّعوديّة تقدّماً ملحوظاً في تحوّلها نحو التّنقّل الكهربائيّ كجزءٍ من استراتيجيّة "رؤية 2030" لتنوّع اقتصادها والوصول إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2060. ووفقاً لتقرير "توقّعات التّنقّل الإلكترونيّ لعام 2024: إصدار السّعودية" من PwC، حدّدت المملكة هدفاً طموحاً لكهربة 30% من جميع المركبات في الرّياض بحلول عام 2030، كجزءٍ من خطّةٍ أوسع لخفض الانبعاثات في العاصمة بنسبة 50%.
يضيف البواليز: "من خلال السّعي لجعل 30% من المركبات على الطّرق كهربائيّةً بحلول عام 2030، تعزّز المملكة العربيّة السّعوديّة النّقل النّظيف، وتقلّل اعتمادها على الوقود الأحفوريّ".
تستثمر الحكومة السّعوديّة بشكلٍ كبيرٍ في تطوير البنية التّحتيّة لدعم التّوسّع في استخدام السّيّارات الكهربائيّة. ففي عام 2021، أعلنت مبادرة تطوير البنية التّحتيّة لشحن السّيّارات الكهربائيّة في السّعوديّة عن خططٍ لتركيب 50,000 محطّة شحنٍ في جميع أنحاء المملكة بحلول عام 2025.
ويشير سايتز إلى شركة "إيفيك" (EVIQ)، وهي مشروعٌ مشتركٌ بين صندوق الاستثمارات العامّة والشّركة السّعوديّة للكهرباء، كواحدةٍ من كبار مشغّلي محطّات الشّحن في المملكة. كما يلعب تطبيق "إيفو" (EVO) دوراً بارزاً في تسهيل عمليّة العثور على محطّات الشّحن السّريع للمستخدمين في السّعوديّة، ممّا يجعل البنية التّحتيّة للشّحن أكثر سهولةً ويسراً.
وفي قطر، تعدّ الدّولة أيضاً رائدةً في مجال اعتماد السّيّارات الكهربائيّة بين دول مجلس التّعاون الخليجيّ. فقد أنشأت شبكةً تضمّ أكثر من 100 محطّة شحنٍ في مختلف أنحاء البلاد قبل استضافتها لكأس العالم لكرة القدم عام 2022. وشهدت البطولة استخداماً واسعاً للسّيّارات الكهربائيّة والهجينة، بما في ذلك 741 حافلةً عامّةً كهربائيّةً. وتشغّل قطر حاليّاً أكثر من 900 حافلةٍ كهربائيّةٍ على مستوى الدّولة، وتهدف إلى تحويل جميع وسائل النّقل العامّ إلى كهربائيّةٍ بحلول عام 2030، تماشياً مع رؤية قطر الوطنيّة 2030.
المشاريع المشتركة: مفتاح النّجاح
تواصل العديد من شركات السّيّارات الكهربائيّة الرّائدة عالميّاً تعزيز وجودها في منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث تتنافس بقوّةٍ على ريادة السّوق المتنامي.
ففي عام 2023، حصلت شركة "نيو" (NIO) الصّينيّة، المصنّعة للسّيّارات الكهربائيّة، على استثمارٍ قدره 2.2 مليار دولارٍ من شركة "سيفن هولدينغز" (CYVN Holdings) في أبوظبي، ممّا دعّم توسّعها في المملكة العربيّة السّعوديّة، وعزّز قدراتها الماليّة.
وفي السّعوديّة، يجري العمل على تطوير علامةٍ تجاريّةٍ محلّيّةٍ للسّيّارات الكهربائيّة تحت اسم "سير"، مع خططٍ لإطلاق أولى السّيّارات بحلول عام 2025، وتسعى لإنتاجٍ سنويٍّ يصل إلى 150,000 سيّارةٍ. ويقول سايتز: "السّعوديّة تعمل على بناء صناعةٍ متكاملةٍ للسّيّارات الكهربائيّة من الصّفر، بناءً على رؤية 2030."
كما يمتلك صندوق الاستثمارات العامّة السّعوديّ حوالي 60% من شركة "لوسيد موتورز" (Lucid Motors) المصنّعة للسّيّارات الكهربائيّة الفاخرة، وقد أعلنت "لوسيد" عن افتتاح أولى منشأة تصنيعٍ دوليّةٍ لها في جدّة في عام 2023، وقد التزمت المملكة بشراء ما يصل إلى 155,000 مركبةٍ من لوسيد خلال العقد القادم.
إضافةً إلى ذلك، وقّعت وزارة الاستثمار السّعوديّة اتّفاقيّة تعاونٍ بقيمة 5.6 مليار دولارٍ مع شركة "هيومن هورايزونز" (Human Horizons) الصّينيّة لتطوير وتصنيع السّيّارات الكهربائيّة وتوزيعها.
وفي الإمارات العربيّة المتّحدة، تعاونت الحكومة مع شركاتٍ محلّيّةٍ مثل الفطيم، حيث أطلقت شركة "بي واي دي" (BYD) الصّينيّة صالة عرضٍ ومركز اكتشافٍ جديدٍ، يعرض مجموعةً متنوّعةً من السّيّارات المتطوّرة، بما في ذلك السّيّارات الكهربائيّة بالكلّيّة والهجينة القابلة للشّحن، ممّا يسهم في تلبية احتياجات سائقي السّيّارات الكهربائيّة المتزايدة في الدّولة.
طريقٌ مليءٌ بالمطبّات
على الرّغم من هذه التّطوّرات، لا تزال هناك تحدّياتٌ قائمةٌ في دول مجلس التّعاون الخليجيّ فيما يتعلّق بقدرة تحمّل تكلفة السّيّارات الكهربائيّة، ونقص البنى التّحتيّة للشّحن، وتأثير درجات الحرارة المرتفعة على أداء المركبات الكهربائيّة، والحاجة إلى تحسين الأطر التّنظيميّة. وأحد أكبر هذه التّحدّيات هو أنّ اعتماد السّيّارات الكهربائيّة قد لا يكون كافياً لتقليل انبعاثات الكربون الإجماليّة. فعلى الرّغم من أنّ السّيّارات الكهربائيّة تتمتّع ببصمةٍ كربونيّةٍ أقلّ مقارنةً بالمركبات الّتي تعمل بمحرّكات الاحتراق الدّاخليّ، إلّا أنّ محطّات الشّحن تحتاج إلى أن تشغّل بواسطة مصادر طاقةٍ نظيفةٍ لتحقيق خفضٍ ملموسٍ في الانبعاثات. وهذا ما عناه سايتز عندما قال: "إذا قمنا بتزويد السّيّارات الكهربائيّة بالطّاقة المولّدة من الفحم أو الغاز، فلن يحدث ذلك فرقاً كبيراً. لذا، يجب أن نسعى لاعتماد الموارد المتجدّدة لجعل التّنقّل أكثر خضرةً، بما في ذلك الطّاقة المتجدّدة والطّاقة النّوويّة".
وهناك تحدٍّ آخر، يتمثّل في الخوف من نقص نقاط الشّحن أثناء الرّحلات الطّويلة. يقول سايتز: "يجب على الحكومات ضمان توفير المواقع المناسبة مع المعدّات الملائمة، للتّأكّد من قدرة سائقي السّيّارات الكهربائيّة على شحن مركباتهم على طول مسار رحلاتهم".
ورغم الاستثمارات الكبيرة في مشاريع الطاقة المتجدّدة الّتي تهدف إلى تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050، لم يتوفّر في الإمارات العربية المتحدة سوى حوالي 2,000 نقطة شحن عامّة في عام 2023، وكان أكثر من 65% منها عبارة عن محطّات شحنٍ بطيئة.
تقول علي: "تفتقر الإمارات إلى العدد الكافي من محطّات الشّحن السّريع، حيث أنّ المحطّات المتوفّرة حاليّاً تتطلّب ما بين ثلاث إلى ستّ ساعاتٍ لإتمام عمليّة الشحن. لذلك، هناك حاجةٌ ملحّةٌ لتركيب بطارياتٍ وشواحن سريعة لتحسين وتطوير هذه الخدمة".
كذلك، يعدّ ارتفاع درجات الحرارة تحدّياً إضافيّاً يواجه المنطقة، حيث أشارت دراسةٌ أجرتها الجمعيّة الأمريكيّة للسّيّارات عام 2019 إلى أنّ السّيّارات الكهربائيّة قد تفقد ما يصل إلى 17% من قدرتها على قطع المسافات بشحنةٍ واحدةٍ للبطّاريّة عندما تتجاوز درجات الحرارة 35 درجةً مئويّةً. وفي هذا السّياق، يقول البواليز: "عادةً ما يقود السّعوديّون أكثر من 50,000 كيلومترٍ سنويّاً، ممّا يعني أنّهم قد يحتاجون إلى استبدال البطّاريّة خلال أربعٍ إلى خمس سنواتٍ، وهو أمرٌ يثير القلق".
وعلى الرّغم من أنّ التّكلفة الإجماليّة لامتلاك سيّارةٍ كهربائيّةٍ أصبحت الآن مشابهةً لامتلاك سيّارةٍ بمحرّك احتراقٍ داخليٍّ، يشير سايتز إلى أنّ سعر الشّراء الأوّليّ ومعدّلات التّأمين على السّيّارات الكهربائيّة لا تزال مرتفعةً نسبيّاً.
وأخيراً هناك تحدٍّ آخر يواجه القطاع، يتمثّل في نقص الأيادي العاملة الماهرة المتخصّصة في مشاريع الطّاقة المستدامة بالمنطقة. إذ تفتقر القوى العاملة الحاليّة في قطاع الطّاقة إلى المهارات والمعرفة اللّازمة لتنفيذ مشاريع الطّاقة المتجدّدة بكفاءةٍ. ولتجاوز هذه الفجوات، قد تحتاج الحكومات إلى إعادة تقييم سياسات التّوظيف، وبرامج التّدريب، والهجرة، لجذب الكفاءات الخضراء.
وعلى الرّغم من هذه التّحدّيات المستمرّة، يواصل قطاع التّنقّل الكهربائيّ اكتساب الزّخم وجذب اهتمام المستثمرين في دول مجلس التّعاون الخليجيّ. قد يمهّد هذا الزّخم، بالإضافة إلى السّياسات الحكوميّة الدّاعمة، وازدياد الاهتمام التّجاريّ، وتنامي عدد الشّركات النّاشئة في هذا المجال، الطّريق لاعتماد السّيّارات الكهربائيّة بشكلٍ أوسع، ممّا يسهم في تحقيق أهداف الحياد الكربونيّ بحلول عام 2050.