كيف سيُغَيِّر جيل ألفا مستقبل التوظيف؟
مع دخول جيل ألفا إلى سوق العمل، يتعيّن على مسؤولي التوظيف التّفكير في استراتيجيّاتٍ جديدةٍ تتماشى مع التّحولات التّكنولوجيّة والثّقافيّة التي تميّز هذا الجيل
على غرار أيّ صناعةٍ أُخرى، يتميَّز أفضل مسؤولي التوظيف بقدرتهم على متابعة الاتّجاهات الّتي قد تُؤثِّر على استراتيجيّاتهم المهنيَّة، إذ من المهمّ أن تظلَّ على اطّلاعٍ دائمٍ بالإحصاءات المُتعلّقة بالتوظيف وفَهم كيف تُؤثِّر العوامل الاقتصاديَّة الكبرى على قدرتك على التوظيف، إذ إنَّ الإلمام بما هو جديدٌ في عالم التوظيف يمنحك ميّزةً تنافسيّةً، خاصّةً إذا تمكَّنت من اتّخاذ خطواتٍ استباقيَّةٍ في كيفيَّة تعامل مؤسَّستك مع موجات التّغيير.
اتّجاهات الأجيال ليست استثناءً، ورغم أنَّ التّركيز في عالم التوظيف قد انصبَّ -في السّنوات الأخيرة- على جيل زد وماذا يحتاج هذا الجيل للبقاء والانخراط في بيئة العمل، فإنَّني أُشجّعُك على النّظر إلى المستقبل الأبعد من ذلك، لنلقِ نظرةً على الجيل القادم الذي يستعدُّ لدخول سوق العمل، وهو جيل ألفا، ونُفكِّر في الكيفيَّة التي سيُغيّر بها هذا الجيل أسلوبنا في التوظيف.
تعريف الجيل ألفا
يُعرَف جيل ألفا بأنَّه المجموعة الدّيموغرافيَّة للأشخاص الذين وُلِدُوا بين عامي 2010 و2024. بوصفِه الجيل الأصغر حاليّاً، يُشَكِّل حوالي 2.2 مليار فردٍ من سُكَّان العالم الذين يبلُغ عددهم 8 مليارات نسمةٍ، أي ما يعادل نحو 14% من سُكَّان العالم، يتميَّز هذا الجيل بأنَّه وُلِد لأبوين أكبر سنّاً، كما أنَّه يتمتَّع بتنوُّعٍ ثقافيٍّ أكبر، ويتوقَّع أن يتمتَّعوا بأعمارٍ أطول مقارنةً بالأجيال السّابقة.
يُعتَبر عام 2010 عاماً فارقاً بالنّسبة لهذا الجيل، حيث شهد اندماجاً غير مسبوقٍ للتكنولوجيا الرقميَّة في حياتنا اليوميَّة. لأولئك الّذين وُلدُوا بعد عام 2010، كان هذا الاندماج الرّقميُّ أمراً مألوفاً ومعتاداً، وهو ما يُؤثّر على نظرتهم للحياة والعمل بشكلٍ عامٍّ.
ورغم أنَّ التّركيز على جيل ألفا قد يكون محدوداً بسبب أنَّهم ما زالوا في سنٍّ صغيرةٍ وغير قادرين على المشاركة في العديد من الأنشطة مثل القيادة أو القيام بمشترياتٍ كبيرةٍ أو العمل بدوامٍ كاملٍ، فإنَّ ذلك لا يعني أنَّنا كمسؤولي توظيفٍ يجب أن نتجاهلهُم، إذ مع بلوغ أكبر أفراد هذا الجيل سنَّ المراهقة، فإنَّ الوقت قد حان لوضع استراتيجيات جديدة للتوظيف تستهدف هذا الجيل خلال السّنوات المُقبلة.
جيل ألفا وعالم العمل
حتَّى الآن، ما زال من الصّعب التّنبُّؤ بما سيكون عليه جيل ألفا في مكان العمل؛ نظراً لأنَّ معظمَهم لم ينضمُّوا بعد إلى القوى العاملة، لكنَّنا نعلم بعض الاتّجاهات السّلوكيَّة والدّيموغرافيَّة الّتي تشير إلى كيفيَّة تصرُّفهم في المستقبل. نظراً لأنَّهم نشأوا في عصر التكنولوجيا، فمن المتوقَّع أن يتمتَّع أفراد جيل ألفا بمهاراتٍ رقميَّةٍ عاليةٍ، وتوقُّعاتٍ كبيرةٍ بشأن توفُّر المعلومات عبر الإنترنت، وميولٍ نحو الحصول على نتائج فوريَّةٍ. هذا يعني أنَّ عمليَّة التوظيف يجب أن تكون سلسةً من النّاحية التقنيَّة، مثل إجراء مقابلات العمل عبر الإنترنت وتوفير معلوماتٍ شاملةٍ عن الشّركة والوظيفة إلكترونيّاً، بالإضافة إلى تحديث المُتقدِّمين باستمرارٍ عن حالة طلباتِهم.
لكن قد يكون من الضروريّ أيضاً التّوصُّل إلى تفاهماتٍ واقعيَّةٍ بين المنظَّمة والمرشَّحين، وعلى الرغم من أنَّ جيل ألفا قد يكون شغوفاً بالتكنولوجيا، فإنَّ أماكن العمل غالباً ما تكون متعدّدة الأجيال، ما قد يتطلَّب بعض التكيُّف في طريقة اندماج التّكنولوجيا.
التّنوُّع الثقافيُّ
التّنوُّع الثقافيُّ هو أيضاً سمةٌ بارزةٌ لهذا الجيل، إذ وُلِدُوا في بيئاتٍ متعدِّدة الثقافات، واعتادُوا على التّعايش في أوساطٍ متعدِّدة الآراء والمعتقدات والثّقافات، ممّا يُمثِّل فرصةً لمسؤولي التوظيف لتسليط الضّوء على مبادرات التنوع والمساواة والشمول (DEI) في الشّركات الّتي يُمَثِّلُونَها، كما يدعو أصحاب العمل إلى التّفكير في الطّرق الّتي يمكنهم من خلالها جعل موظَّفيهم يشعرون بالتّقدير والاهتمام.
التّغيير والمرونة
جيل ألفا هو جيلٌ معتادٌ على التّغيير، وسيكون لديه توقُّعاتٌ بترتيبات عملٍ مرنةٍ ومساراتٍ وظيفيَّةٍ غير تقليديَّةٍ، فالتّنقُّل بين المدن والوظائف وحتَّى المهن سيكون أمراً طبيعيّاً بالنّسبة لهم وليس استثناءً.
في هذه الحالة، سيكون مطلوباً من مسؤولي التوظيف أن يكونوا مرنين في التّعامل مع مفاهيم المرونة، إذ من الضّروريّ فهم أنَّ العديدَ من مرشَّحي جيل ألفا يهتمُّون بكيفيَّة توافق الوظيفة مع احتياجاتهم الفريدة في تلك المرحلة الزّمنيَّة. ليس الجميع ضدَّ النموّ طويل الأمد في المؤسَّسة، لكنَّ الأغلبيَّة سيعتبر الوظائف كمحطاتٍ مؤقَّتةٍ. في هذه الحالة، سيكون من المفيد لمسؤولي التوظيف التّركيز على ما يبرزُه كلُّ منصبٍ وظيفيٍّ من مهاراتٍ وخبراتٍ في المرشَّح، بدلاً من البحث عن سجلٍّ وظيفيٍّ تقليديٍّ ومتسلسلٍ.
الدّعوة إلى التّغيير
في صناعةٍ متغيّرةٍ مثل التوظيف، يمكن القول إنَّ الثّابت الوحيد هو الّتغيير. لذلك، فإنّ النّظر في التّعديلات الاستراتيجيَّة المطلوبة للتوظيف مع الجيل ألفا هو خطوةٌ استباقيَّةٌ نحو الاستعداد لهذه التغيُّرات وتحضير أساليبنا المستقبليَّة في التوظيف، وبينما قد يكون التّكيُّف مع المُتغيّرات أمراً صعباً، فإنَّه يستحقُّ التّفكير في مستقبل التوظيف للأجيال القادمة، حتَّى نبقى في المُقدّمة، ونُحافظ على قدرتنا التّنافسيَّة.