خرافة العلاقات العامّة: لماذا عليك أن تروي قصّتك بنفسك؟
خمسة أسبابٍ تحضُّ مؤسّسي الشّركات النّاشئة على أن ينهضوا بأنفسهم لرواية حكايتهم، عوضاً عن تكليف شركة علاقات عامة بالحديث عنهم
![images header](https://incarabia.awicdn.com/site-images/sites/default/files/default_image_inc_arabia.jpg?preset=v4.0_770X577&save-png=1&rnd=1519151RND220215)
المقال الأصلي باللغة الإنجليزية هنا
لديك فكرة عملٍ خلّاقةٍ تشعّ في ذهنك كالحلم الجميل. تقضي الشّهور، بل ربّما السّنوات، في نسج خيوطها وتصوّر أبعادها. تنقّح نموذج عملك كما ينقّح الكاتب فكرته، وتبني الأساس الماليّ لمشروعك خطوةً بخطوةٍ، ثمّ تجمع فريقك كما يجمع القائد جنده، وتبتكر منتجك الأوّليّ بحرصٍ وعنايةٍ، تجرّبه وتقيّمه، تبحث عن التّمويل الّذي يضعه على مسار التّنفيذ، ثمّ تعدّ نفسك للحظة الحاسمة: لحظة الانطلاق إلى السّوق. وهنا، تتّخذ قراراً بتوظيف شركة علاقاتٍ عامّةٍ لتحكي للعالم قصّتك.
ولكن، قف معي قليلاً، وتأمّل هذا الخيار: هل يبدو منطقيّاً؟ اسمح لي أن أجيب نيابةً عنك: لا، ليس كذلك.
غالباً ما يجد مؤسّسو الشّركات النّاشئة، أنفسهم محاصرين بمجموعةٍ من الممارسات الّتي يفرضها السّوق كأنّها قوانين لا تقبل الجدل. ومن بين هذه الممارسات: الجولات الّتي لا تنتهي من تحسين المنتج قبل إطلاقه، وهي في أحيانٍ كثيرةٍ تضرّ أكثر ممّا تنفع، أو ذلك الاعتقاد الرّاسخ بأنّ النّجاح يتطلّب حتماً مستشارين خارجيّين لصياغة قصّة الشّركة وروايتها. وقد يبدو غريباً أن يصدر هذا القول من متخصّصٍ في العلاقات العامّة.
لكن، دعني أقول لك الحقيقة بكلّ وضوحٍ: للعلاقات العامّة فوائد جمّةٌ لا شكّ فيها. فهي تضفي صوتاً وهويّةً مميّزةً على العلامة التّجاريّة في سوقٍ تضجّ بالأصوات، تبني جسور الثّقة بينك وبين جمهورك، وتضمن أن تحفظ سمعة شركتك كما تحفظ الأمانات الثّمينة. وقد يكون مقالٌ إيجابيٌّ يظهر بشكلٍ طبيعيٍّ في نتائج البحث عن منتجك أو شركتك، كالسّحر في فتح آفاق النّموّ واستقطاب المستثمرين.
ولكن، وبعد خمسة عشر عاماً من العمل في هذا المجال، ومع تعاونٍ وثيقٍ مع مؤسّسي الشّركات من المراحل الأولى وحتّى مراحل النّموّ والتّوسّع، أستطيع أن أؤكّد لك: إنّ ترك كلّ شيءٍ لشركات العلاقات العامّة، دون أيّ تدخّلٍ أو مشاركةٍ من المؤسّسين، نادراً ما يُثمر. ففي تلك الأيّام الأولى الحرجة، تحتاج قصّتك إلى وضوحٍ لا يتحقّق إلّا إذا خرجت الكلمات من فمك أنت. تحتاج نبرة شركتك إلى تلك اللّمسة الشّخصيّة الّتي لا يجيدها سوى من عاش التّجربة بنفسه.
بعد أن تنقّلت بين أدوارٍ مختلفةٍ في مجال العلاقات العامّة، ما بين العمل في الوكالات المتخصّصة والإشراف على استراتيجيّات التّواصل داخل الشّركات، ثمّ عملي كصحفيّةٍ في واحدٍ من أبرز المسرّعات الدّاعمة لريادة الأعمال في منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا، أدركت أنّ سرّ نجاح أيّ عرضٍ إعلاميٍّ يكمن في الرّوح الّتي يبثّها مؤسّس الشّركة فيه. تلقّيت العديد من العروض الإعلاميّة، بعضها قدّم مباشرةً من الشّركات النّاشئة، وبعضها جاء عبر وكالات علاقاتٍ عامّةٍ، ولكنّ العروض الأكثر إقناعاً وتأثيراً كانت دائماً تلك الّتي وضع فيها المؤسّسون بصمتهم الخاصّة.
وشركات العلاقات العامّة، أداةٌ فعّالةٌ، ولكن التّوهّم بأنّها ستأتي إلينا بعصا سحريّة، فتُبدع إنجازات لا نظير لها لهو أقربُ إلى ضربٍ من الخيال منه إلى عالم الواقع. ولا يمكنها نسج قصّتك بالرّوح الّتي تضعها أنت فيها؛ فما من شخصٍ يعرف تفاصيل رحلتك أكثر منك.
على سبيل المثال، عبّر مايكل سيبل، الشّريك المؤسّس لشركة "واي كومبينيتور" (Y Combinator)، عن هذا الأمر ببلاغةٍ قائلاً: "تشبه العلاقات العامّة تطوير الأعمال: تبدأ بتواصلٍ ودّيٍّ، تتابع باستمرار، تبني علاقةً قائمةً على الثّقة، وتقدّم شيئاً ذا قيمة. وعند التّعامل مع الصّحافة، تسيّر الأمور بالطريقة نفسها تماماً".
وعلى هذا الأساس، أقدّم لك خمسة أسبابٍ رئيسيّةٍ تجعلك، كمؤسّسٍ في مرحلة البداية، تمسك زمام العلاقات العامّة بنفسك قبل التّفكير في التّعاقد مع شركةٍ متخصّصةٍ:
1. ترسيخ المصداقيّة
في بدايات رحلتك، عندما تكون علامتك التّجاريّة لا تزال تخطو خطواتها الأولى، فإنّ القصّة الّتي تُحكى بصوتك الخاصّ تحمل وزناً وقيمةً أكبر بكثيرٍ من تلك الّتي ترويها وكالة علاقاتٍ عامّةٍ نيابةً عنك. إدخال وسيطٍ بينك وبين الصّحافة يجعل قصّتك تبدو وكأنّها جزءٌ من سلسلة عروضٍ ترويجيّةٍ عاديّةٍ، بينما لقصّتك الشّخصيّة طابعٌ فريدٌ يعكس روح شركتك وصدق رؤيتك.
يتواصل النّاس مع النّاس، وليس مع الشّعارات. صوتك الخاص هو القوّة الدّافعة الّتي يمكن أن تحدث الفرق بين القبول العابر والتّأثير العميق. ابدأ بإجراء محادثاتٍ مباشرةٍ مع الصّحافيّين، حدّثهم عن المشكلة الّتي تحاول حلّها، عن الدّافع وراء عملك، وعن الرّؤية الّتي تسعى لتحقيقها. بهذا الأسلوب، تضع أساساً متيناً لعلاقات عامّةٍ مبنيّةٍ على الثّقة والمصداقيّة، وهي القاعدة الّتي ستعتمد عليها شركتك في المراحل المقبلة.
2. بناء العلاقات
يمثّل تكوين علاقاتٍ مباشرةٍ مع الصّحافة في الأيّام الأولى لشركتك خطوةً لا تقلّ أهمّيّةً عن بناء منتجك الأوّليّ. فعندما تتواصل مع الصّحفيّين بنفسك، تقيم جسور ثقةٍ لا يمكن لوسيطٍ أن يبنيها بالصّدق نفسه. تضع هذه العلاقة المباشرة لبنة دعمٍ طويل الأمد لعلامتك التّجاريّة.
لكنّ التّواصل بحدّ ذاته ليس كافياً. عليك أن تقدّم قيمةً حقيقيّةً تثير اهتمام الصّحفيّين. شاركهم قصص النّجاح الّتي تستحقّ النّشر، واطرح رؤًى تثري المجال الصّحافيّ وتخدم جمهورهم. بذلك، ترسّخ نفسك كمصدرٍ يعتمد عليه، وتحقّق بنفسك قاعدةً تقيم عليها وكالة العلاقات العامّة، في المستقبل، عملها.
3. عكس الأصالة
الأصالة هي السّرّ الأعمق في تأثير كلّ قصّةٍ. وفي منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا، يعمل قادة العلاقات العامّة بجدٍّ على رفع معايير الصّناعة، ولكنّ الأصالة قد تفقد زخمها عندما تتولّى وكالةٌ قصّتك، وتجعلها واحدةً من سلسلة عروضٍ ترسل بالنّهج المعروف "النّشر العشوائي".
وأنت، كمؤسّسٍ جديدٍ، لك موقفٌ فريدٌ؛ فأنت من عاش قصّتك، وأنت من يعرف خفاياها. إنّ صدق روايتك ينبع من رحلتك، وتلك اللّمسة الإنسانيّة الّتي تضعها تجعل قصّتك لا تضاهى.
4. توفير التّكاليف
للشّركات النّاشئة، يعتبر كلّ درهمٍ أساساً للنّجاح. وفي المراحل المبكّرة، ليس من المنطقيّ أن توزّع مواردك المحدودة على وكالةٍ، في حين أنّ أساسات العمل هي ما يحتاج إلى كلّ جهدٍ.
استثمر في تعلّم أسس العلاقات العامّة، واجعل من نفسك مسؤولاً عن نشر قصّتك. وعندما يكبر مشروعك وتتّسع مواردك، فكّر في الاستعانة بوكالةٍ تتولّى بعض المهامّ. وحتّى عندما تفعل ذلك، لا تتخلّ عن الدّور المركزيّ في توجيه صوت علامتك التّجاريّة وحفظ أصالتها، لتتّفق مع أهدافك في كلّ مرحلةٍ.
5. تغيير التّركيز
في السّنوات الأولى، تكون الشّركات النّاشئة في حالة تطوّرٍ مستمرٍّ. تتكيّف مع متغيّرات السّوق بمرونةٍ، ولا تتمسّك بجمود الأطر الثّابتة. ربّما تبقى رؤيتك الأساسيّة ثابتةً، ولكنّ المنتجات الّتي تقدّمها، أو خدماتك، أو نقاطك البيعيّة، قد تتغيّر أثناء رحلتك لتثبيت مكانك في السّوق.
في هذه المرحلة الحرجة، لا تهدر جهودك في إثارة صخبٍ إعلاميٍّ مبالغٍ فيه قد يقيّد حرّيتك في تغيير موقفك أو توجّهك في المستقبل. بل، ركّز على بناء الثّقة والمصداقيّة بخطًى ثابتةٍ. ابنِ علاقةً مع جمهورك تعتمد على صدق روايتك، ودع كلّ ظهورٍ إعلاميٍّ يكون مدخلاً لتعميق هذه الثّقة.
وعلى خبراء العلاقات العامّة أن يكونوا أمناء مع المؤسّسين. إذا زعم أحدهم أنّه "سيخلق قصّتك"، فاعلم أنّك في المكان غير المناسب. قصّتك لا يمكن أن تكون إلّا بصوتك أنت، فأنت من عاش تفاصيلها، وأنت من يعرف معناها.
اكتب قصّتك بنفسك، فلتكن صادقةً كما تريدها. ومع نضج شركتك واتّساع نطاقها، استعن بخبراء العلاقات العامّة ليضخّموا صدى قصّتك. ولكن، احرص على أن تظلّ هذه القصّة نسختك الأصيلة، تحمل صوتك، وتعبّر عن رؤيتك.
السّيرة الذّاتية للمؤلّف
شيماء النّاظر، شخصيّةٌ بارزةٌ في مجال الاتّصالات، حازت على العديد من الجوائز، وتتمتّع بخبرةٍ تمتدّ إلى 15 عاماً، عملت خلالها في الإمارات العربيّة المتّحدة، والمملكة العربيّة السّعوديّة، وقطر، ومصر. ظهرت مؤخّراً في "دليل القوة للشّرق الأوسط" (Middle East Power Book) لعام 2024 الصّادر عن مجلّة "بي آر ويك" (PR Week) للشّرق الأوسط، كما أدرجت في عام 2019 ضمن قائمة "وجوه العلاقات العامّة الّتي تستحقّ المتابعة" الّتي أعدّتها مجلّة "كامبين الشّرق الأوسط" (Campaign ME).
وشيماء عضو في مجلس الإدارة الاستراتيجيّ لجمعيّة العلاقات العامّة في الشّرق الأوسط "مبرة" (MEPRA)، وهي أيضاً عضوٌ مؤسّسٌ في فرع أبوظبي لمنظّمة النّساء العالميّات في العلاقات العامّة "جي دبليو بي آر" (Global Women in PR).
سابقاً، كتبت عن ريادة الأعمال في المنطقة لصالح منصّة ومضة (Wamda)، كما قدّمت دعماً لروّاد الأعمال الاجتماعيّين في العالم العربيّ من خلال منظّمة أشوكا (Ashoka) خلال أحداث الرّبيع العربيّ.
نُشرت هذه المقالة لأول مرة في عدد ديسمبر من مجلة "عربية .Inc". لقراءة العدد كاملاً عبر الإنترنت، يُرجى النقر هنا.