دروسٌ رائعة يُمكن لروّاد الأعمال تعلّمها من TikTok
التطبيق الذي أضحى هدفاً لتوجّس الكونجرس من الصين، لكنّ إنجازاته لا يمكن تجاهلها بأي حالٍ
إذا ما تجاوزنا كلّ النّقاشاتِ الهوجاءِ حول كونِ تيك توك مخطّطاً تخريبيّاً من الحزبِ الشّيوعي الصينيّ، إلى جانبِ كوفيد-19 والفنتانيلِ، لتسميمِ عقولِ الشّبابِ الأمريكيّ، فالواقعُ يشهدُ بأنّ هناك الكثيرُ ممّا يمكنُ أن يتعلّمه روّادُ وبناةُ الأعمالِ من هذا التّطبيقِ الشّهيرِ. كيف تمكّن تيكْ توك، بسرعةٍ وبشكلٍ لافتٍ، من الهيمنةِ على وسائلِ التّرفيهِ الإعلاميّةِ على الإنترنت، والتّعليمِ النّظيري، وتجارةِ المشاهيرِ، والأخبارِ، وحتّى المحادثاتِ السّياسيةِ اليوميّةِ؟
تحوّل تيكْ توك إلى أداةِ جذبِ الانتباهِ السّريعةِ، المدفوعة بالخوارزميّاتِ، الحلوة المذاقِ، والمقتضبة، وهو هنا ليبقى، بغضّ النّظرِ عمّا تسمعه أو تعتقده حول الشّبح الصّينيّ. وهو يتعدّى كونه مجرّد مصدرٍ لوصفاتِ فيديوهاتِ خبزِِ البراونيز الممزوجةِ بالمخدّرات، وتجميل الوجهِ الخيالي، أو مقالب الباركور وقفزات البنجي.
تيكْ توك هو موردٌ قويٌّ وثمينٌ يغيّر سلوك ملايين النّاسِ يومياً في جميعِ أنحاءِ العالمِ، إنّه بمثابةِ وحيٍّ تحرريٍّ للمستمعين والمتعلّمين الشبابِ والكبارِ على حدٍّ سواء، وأداةٍ سريعةٍ في توزيعِ الأخبارِ والمحتوى والتّجارةِ وديمقراطيتها. كما يشيرُ أكثر من ثلثِ المستخدمين إلى أنّ تيك توك هو مصدرُ أخبارهم اليوميّة، ويفتحون التّطبيقَ في المتوسّطِ ثماني مرّاتٍ يوميّاً.
دروسُ تيك توك الأساسيّةُ والحرجةُ مرتبطةٌ بشكلٍ أضعفَ بالمحتوى، الذي يُعترفُ بأنّ الكثيرَ منه ليس إلّا هراءً غيرُ مفيدٍ، وأقوى بكيفيّةِ ظهورِ تيك توك، وتحوّله السّريعِ والمستمرّ، وبدءِ تناولِ غداءِ التّرفيه التّقليديّ ووسائلِ الإعلامِ فيما أسمّيه حالةً نموذجيّة لرؤيةِ كلاي كريستنسن للابتكارِ المزعجِ.
ولكن اليومَ، يحدثُ هذا بثلاثةِ أضعافِ السّرعةِ. بسرعةٍ وبشكلٍ فجٍّ، سهل الاستخدامِ، بدأ من القاعِ، عندما تمّ تجاهله والسّخريةُ منه من قبل الكبارِ لفترةٍ طويلةٍ، تكرارٌ مستمرٌّ استناداً إلى تعليقاتِ المستخدمين وتكنولوجيا ذكيّةٌ جدّاً. ومن ثمّ، فجأةً، وجدَ تيك توك نفسهُ في قمّةِ الهرمِ، إذ يقضي المبدعون والزوّارُ اليومَ في التّطبيق أكثرَ من 95 دقيقةً في المتوسّطِ، وحوالي 26 ساعةً شهرياً.
لكنّ استحواذ تيك توك لم يكن بالضّبطِ نجاحاً ساحقاً بين عشيةٍ وضُحاها أو حتى مفاجأةً كبيرةً للأشخاصِ الذين كانوا يشاهدون ويعيشون التّجربةَ بمراحلها. أيّ شخصٍ يعتقدُ أنّ مبدعي تيك توك مجرّدُ مجموعةٍ من الأطفالِ بدلاً من الجيلِ القادمِ من روّادِ الأعمالِ ببساطةٍ لا ينتبهُ، فالانتباهُ هو العملةُ الحرجةُ لليومِ والغدِ. أتقنَ مستخدمو تيك توك بالتّأكيدِ المواهبَ الثّلاثةَ لجذبِ الانتباهِ، واستغلالِ الفيروسيةِ، وهندسةِ التّفاعلِ الأصيلِ. نصفُ دزينةٍ من قادةِ تيك توك لديهم أكثرُ من 50 مليون متابعٍ نشطٍ ومتفاعلٍ على استعدادٍ لمشاركةِ الرّسالة ونشرها يوميّاً.
ربّما ما يخيفُ السّياسيين هو أنّ تيك توك لم يبدأ للتوِّ في بناءِ محرّكهِ الاقتصاديّ. بالفعلِ، تستخدمُ أكثرُ من خمسةِ ملايين شركةٍ أمريكيّةٍ تيك توك بنشاطٍ، بما في ذلك Inc. الرّعاةُ والعلاماتُ التّجاريةُ والمعلنون مرحّبٌ بهم، ويقومُ تيك توك ببناءِ الدّعم الإداري والوكالاتِ، بالإضافةِ إلى سوقٍ للمبدعين للمساعدةِ في عمليّةِ مطابقةِ الأطرافِ المناسبةِ مع أفضلِ الرّسلِ.
سيتمكّن المبدعون قريباً من بيعِ بضائعهم مباشرةً. وسيوفّرُ صندوقُ تيك توك للمبدعين بقيمةِ مليار دولارٍ دفعاتٍ ماليّةٍ مباشرةً لجذبِ ودعمِ وتعويضِ المبدعين الجدد. وفي استرجاعٍ لأيامِ التّلفزيون المحدّدةِ مسبقاً، يطلقُ تيك توك برامجَ ليليّةً، والتي، مجرّد تكهّن، قد تكون المسمارَ الأخيرَ في نعشِ البرامج التّلفزيونيّة اللّيليّة القديمة والمملّة.
لذا، إذا كنت تحاول بناء عملك التّجاريّ وخلق ضجّةٍ، إليك أربعٌ من أهمّ التّكتيكاتِ على تيك توك التي يجب أن تضعها في اعتبارك:
بناء ثقافة الدعم والتعاون والشراكة مع اللاعبين الرئيسيين لديك
صناعتان فقط تسمّيان عملائهما "مستخدمين"، الشّركاتُ التّقنيّةُ وتجّار المخدّراتِ. قرّرَ تيك توك مبكّراً أنَّ حتى مصطلح "المؤثرين" كان وصفاً سلبيّاً وليسَ هويّةً قويّةً بما فيه الكفايةُ. "المبدعون" يعني القوّةَ، الوكالةَ، والموهبةَ بالإضافةِ إلى الرّغبةِ في صنعِ شيءٍ ما. هم سعداءُ بالعملِ معاً، بشكلٍ تعاونيّ وتنافسيّ، وإلى جانبِ تيك توك لتحقيقِ أحلامهم ورغباتهم.
على عكسِ أوبر، التي عاملت سائقيها كأجزاءٍ قابلةٍ للتبديلِ، أو مواقعَ أخرى التي خدمت في البدايةِ الجميعَ باستثناءِ المواهبِ، صبّ تيك توك على المبدعين اهتمامَه منذُ البدايةِ وبادلَ المبدعين المعروفَ. أكثرُ من 80% من المستخدمين النّشطين الشّهريين البالغُ عددهم 1.1 مليارٍ لتيك توك قد نشروا فيديو؛ إنّها شراكةٌ ثنائيّةُ الاتّجاه ومجتمعُ تقديرٍ متبادلٍ.
الإصرار على أخلاقيات العمل الشرسة، والمساءلة، والإنتاج اليومي
يستمعُ المبدعون ويتعلّمون من أقرانهم، ينسخون ويبنون على أفضلِ الأعمالِ التي يرونها في مكانٍ آخرَ. يدركون بسرعةٍ أنّها مهمّةٌ على مدارِ السّاعةِ طوال أيّامِ الأسبوعِ إذا أرادوا مواكبةَ الرّكبِ، وبناءَ قاعدتهم، والتّمسكَ بمتابعيهم. كلّ شيءٍ يتعلّقُ بالسّرعةِ والعملةِ، وإذا لم يكن لديك شيءٌ جديدٌ ومختلفٌ لتقوله اليومَ، فإنّ زوّارك سيذهبون بسرعةٍ إلى مكانٍ آخرَ.
من المثيرِ للاهتمامِ أنّه في هذا العالمِ السّريعِ، يُعتبرُ الفيديو الضّخمُ وغير المصقولِ أصيلاً بدلاً من أن يكون هاوياً. درسٌ آخرُ لم يتعلّمه صانعو المحتوى قديماً. ومع ذلك، بالنّسبةِ للمبدعين الجادّين، لا يزالُ الأمرُ يتطلّبُ عتبةً أعلى بكثيرٍ ممّا يدركه الكثيرُ من المبتدئين وأسلوب حياةٍ يؤدّي إلى نفسِ نوعِ الصّحوة الفجّةِ التي يختبرها العديدُ من الموظّفين الجددِ فيالشركات الناشئة الأخرى، والأعمالِ عاليةِ النّموّ، بالإضافةِ إلى الاحتراقِ المبكّرِ.
النّجاحُ في هذا المجالِ يتطلّبُ أيضاً أن تكون الشّركةُ نفسها منتبهةً، مستجيبةً، ومغمورةً بنفسِ الإحساسِ بالإلحاحِ كما هو الحالُ مع جميعِ الأطرافِ الأخرى.
استمر في تحريك الجبنة وابقَ في المنافسة
عندما يستيقظُ المنافسون، نريدهم أنْ يَجدوا مخيّماتنا المتفحّمةِ، بينما نحن بالفعل فوق التّلِّ القادم. التّكرارُ والتّحسينُ المستمرُّ هما كلّ اللّعبةِ، ولم يتحرّك أحدٌ بشكلٍ أسرعَ من تيك توك. فبينما يستمرّ اللّاعبون التّقليديون في الطّلب من مستخدميهم التّكيّف مع أنظمتهم، يستمعُ تيك توك بنشاطٍ إلى احتياجاتِ مبدعيه، ويتحرّكُ بسرعةٍ للاستجابةِ.
مثالٌ رائعٌ: هو طولُ الفيديوهاتِ المسموحِ بها التي بدأت بدقيقةٍ واحدةٍ، انتقلت إلى ثلاث دقائق، وهي الآن عند 10 دقائق. فتحَ ذلك فرصاً جديدةً وغيّرَ اللّعبةَ بالكاملِ، فقد كان هذا التّعديلُ مدفوعاً إلى حدٍّ كبيرٍ بالمبدعين والبياناتِ، إذ إنّ المشاهدين المتفاعلين على استعدادٍ أكثرَ ممّا كان متوقّعاً لمشاهدةِ أعمالِ مبدعيهم المفضّلين لفتراتٍ أطول.
تأكد من أن تقنيتك هي الأفضل
بينما قد تبدو واجهاتُ مشغّلاتِ الفيديو المختلفةُ متشابهةٌ، فإنّ ما يوجدُ تحت الغطاءِ من حيث: التّكنولوجيا، وكيفيّةِ تحليلِ المحتوى، واختياره، وتقديمه لكلّ متابعٍ، هو ما يميّز المنافسين حقّاً. تطويرُ تيك توك لخوارزميّةِ صفحةِ "من أجلك" كان انحرافاً ماديّاً عن الطّريقة التي كان يلعب بها اللّعبة، وعاملَ تسريعٍ للنّموّ الكبير، بالإضافةِ إلى أداةٍ قويّةٍ في تأمين وترسيخ التّفاعل.
شاهد أيضاً: بجملة واحدة، أعطى الرئيس التنفيذي لـ Microsoft، درساً في اقتناص الفرص!
كانت البرامج السّابقة تغذّي الزوّار بالمحتوى من المواقعِ التي يتابعها المشاهدُ المعنيّ، حلقةٌ مغلقةٌ نوعاً ما ومحدودةٌ للغايةِ في الاكتشاف. نظامُ تيك توك كان يستمعُ ويشاهدُ ما كنت تختاره وتشاهده بالكاملِ، فضلاً عمّا كنت تتخطّاه ثمّ، من فضاءٍ أكبر بكثيرٍ، يختار ويرسل إليك المحتوى الذي اعتقدتِالخوارزميّةُ أنّك ستستمتعُ به أكثر، هذه كانت صفحةً مأخوذةً مباشرةً من قوانينِ ستيف جوبز؛ قوله الشّهيرُ: "النّاسُ لا يعرفون ما يريدون حتى تُظهره لهم". فعلَ تيك توك ذلك بالضّبطِ.
لدى تيك توك الكثيرُ من المنافسين القُدامى والجدد، لكن ليس له مثيلٌ في الأفق القريب، فإذا لم تتدخّل السّياسة والمنظّمون، سيكون من الصّعبِ تخيّل أنّ تيك توك لن يتفوّقَ على فيسبوك وجوجل في العام أو العامين القادمين، ليصبح الزّعيمَ العالميّ في وسائل التّواصل الاجتماعي.