ما وراء المال: ذكرى الخليفي وثورة الاستثمار التكنولوجي
أوّل شريكة عامّة في صندوق استثماري تونسي تقود استثماراتٍ تركّز على الذّكاء الاصطناعيّ، وتقدّم دعماً مخصّصاً للشّركات النّاشئة في منطقة الشّرق الأوسط وشمال إفريقيا

حقّقت ذكرى خليفي إنجازاً بارزاً بتبوّئها منصب أوّل شريكةٍ عامّةٍ في صندوق استثماريٍّ لرأس المال المغامر في تونس، حيث تشغل هذا الدّور في 216 كابيتال فينتشرز (216 Capital Ventures). انطلقت من بلدٍ صغير المساحة في منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا، لكنّه غنيٌّ بالطّموح والإمكانات، متجاوزةً حدود الجغرافيا نحو آفاقٍ أرحب، حيث تضع نصب عينيها دعم الابتكار وريادة الأعمال وتعزيز منظومة الشّركات النّاشئة في المنطقة.
أكّدت خليفي أنّ شركتها، رغم تبنّيها نهجاً استثماريّاً لا يقتصر على قطاعٍ بعينه، إلّا أنّها تركّز بشكلٍ رئيسيٍّ على التّكنولوجيا الماليّة، الصّحّة الرّقميّة، الخدمات اللّوجستيّة والطّاقة، مسترشدةً باستراتيجيّةٍ مدروسةٍ بعنايةٍ، تهدف إلى تلبية احتياجات مؤسّسي الشّركات النّاشئة وتزويدهم بالدّعم اللّازم لتحقيق النّموّ والاستدامة. وقالت في حديثها لمجلّة "عربية .Inc":
"يدرك روّاد الأعمال في منطقتنا أنّهم بحاجةٍ إلى ما هو أكثر من رأس المال من مستثمريهم، ولذلك صغنا استراتيجيّتنا وفقاً لهذه الحاجة. فمن خلال الدّعم المباشر، والشّراكات الاستراتيجيّة، والمبادرات الرّامية إلى تسريع النّموّ، تمكّنّا من استقطاب أكثر من 800 رائد أعمالٍ خلال العامين الماضيين، وسنواصل تقديم هذا المستوى من الدّعم حتّى عام 2025".
ورأت أنّ الذّكاء الاصطناعيّ لم يعد مجرّد قطاعٍ واعدٍ، بل أضحى المحرّك الأساسيّ للاستثمار التّكنولوجيّ، لا سيّما في مجالات الذّكاء الاصطناعي الفاعل، نماذج اللّغة الصّغيرة، الذّكاء الاصطناعيّ الطّرفيّ، وأمن المعلومات المدعوم بالذّكاء الاصطناعيّ. وشبّهت هذا التّحوّل العميق بالثّورة الّتي أحدثتها البرمجيّات في العقود الماضية، قائلةً:
"كما غيّرت البرمجيّات استراتيجيّات الاستثمار قبل عقودٍ، يسير الذّكاء الاصطناعيّ الآن في مسارٍ مشابهٍ. حيث أصبحت البرمجيّات أساساً للتّحوّل الرّقميّ، والآن بات الذّكاء الاصطناعيّ ركيزةً للأتمتة الذّكيّة وصنع القرار، ممّا يتيح مستوياتٍ غير مسبوقةٍ من الكفاءة. وكما غيّرت البرمجيّات نماذج الأعمال من الملكيّة إلى الاشتراك، فإنّ الذّكاء الاصطناعيّ اليوم يطلق موجةً جديدةً من النّماذج، مثل الذّكاء كخدمةٍ، والذّكاء التّوليديّ، وغيرها".
أوضحت أنّ هذا التّحوّل لم يقتصر على الشّركات النّاشئة وحدها، بل امتدّ ليعيد تشكيل استراتيجيّات المستثمرين. فبعد أن كان تركيزهم ينصبّ على بناء البنية التّحتيّة والتّطبيقات القابلة للتّوسّع، باتوا الآن يوجّهون اهتمامهم نحو البيانات الخاصّة والقدرات التّدريبيّة.
وأكّدت خليفي أنّ شبكة الدّعم الإقليميّة لريادة الأعمال، والّتي تشمل الحاضنات، والمسرّعات، واستديوهات المشاريع، باتت "محفّزاً حقيقيّاً" لنموّ الشّركات النّاشئة المتخصّصة في الذّكاء الاصطناعيّ، ممّا يشير إلى أنّ هذا المجال ليس مجرّد موضةٍ استثماريّةٍ عابرةٍ، بل تحوّلٌ استراتيجيٌّ من شأنه أن يشكّل ملامح الاقتصاد في العقود المقبلة.
ورغم الابتكار والمرونة الّذين يظهرهما المستثمرون في المنطقة، أعربت عن تطلّعها إلى استثماراتٍ أكثر جرأةً تتّجه نحو القطاعات الّتي تمسّ جوهر التّحدّيات الملحّة في الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا، مشدّدةً على أهمّيّة توجيه رؤوس الأموال نحو حلولٍ قادرةٍ على مواجهة هذه التّحدّيات بفعّاليّةٍ. فقالت:
"يستحقّ القطاع الزّراعيّ اهتماماً أكبر، خاصّةً في مواجهة تحدّيات الأمن الغذائيّ الوشيكة. وما تزال حلول الزّراعة الدّقيقة، على وجه التّحديد، مهملةً بشكلٍ كبيرٍ. وبالرّغم من التّاريخ الغنيّ لمنطقتنا، وتنوّعها، وتراثها الفنّيّ، ثمّة نقصٌ مقلقٌ في الاهتمام بتعزيز الثّقافة العربيّة من خلال المنصّات الرّقميّة والمحتوى والألعاب. لذا، نحن نعتمد على منصّاتٍ عالميّةٍ، بينما نهدر فرصاً للاستفادة من النّموّ السّكّانيّ والتّركيبة الدّيموغرافيّة الفريدة لبناء منصّاتٍ تعكس هويّتنا الثّقافيّة ورؤيتنا الخاصّة".
وأكّدت خليفي أنّ النّجاح في الاستثمار لا يتحقّق بمجرّد استنساخ نماذج وادي السّيليكون أو أوروبّا أو الصّين، بل يستوجب فهم الخصوصيّات المحلّيّة، والتّفاعل مع طبيعة الأسواق الإقليميّة، وبناء شراكاتٍ قويّةٍ قائمةٍ على المعرفة العميقة بالسّياق المحلّيّ، قائلةً:
"يكمن مفتاح النّجاح في الاستثمار في بناء شراكاتٍ محلّيّةٍ متينةٍ، وفهم أنّ للمنطقة ديناميكيّاتها الخاصّة، فهي ليست مجرّد نسخةٍ مطابقةٍ لاستراتيجيّات وادي السّيليكون أو أوروبّا أو الصّين. ولا بدّ من مواءمة الاستثمارات مع الخطط التّنمويّة الوطنيّة، لأنّها وضعت من قبل قادةٍ أصحاب رؤًى، وتعكس تطلّعات شعوبهم وأهدافهم المستقبليّة".
نُشرت هذه المقالة لأول مرة في عدد يناير/فبراير من مجلة "عربية .Inc". لقراءة العدد كاملاً عبر الإنترنت، يُرجى النقر هنا.