كيف تحوّل الأعمال التقليدية المهملة إلى مصادر دخل مستدامة؟
اكتشف في "مليونير الشارع الرئيسي" استراتيجيّات بناء الثروة من خلال استثمارٍ ذكيّ في الأعمال التي يتجاهلها معظم الناس، وتحقيق الحرية الماليّة
انتقلت من كوني رائدة أعمالٍ مستقلّةٍ إلى امتلاك أكثر من 24 شركةً تشمل مغاسل الملابس، ومغاسل السيّاراتٍ، وشركات التّسقيفٍ. أثبتت هذه الرّحلة لي أنّ الأعمال التّقليديّة والبسيطة، الّتي قد يعتبرها الكثيرون مملّةً، تعدّ واحدةً من أكثر الطّرق الموثوقة لتحقيق الحرّيّة الماليّة.
فأوضّحت في كتابي "مليونير الشّارع الرّئيسيّ" (Main Street Millionaire) نهجاً غير تقليديٍّ لبناء الثّروة، يعتمد على شراء أنواعٍ من الأعمال الّتي يتجاهلها معظم النّاس، رغم إمكاناتها الكبيرة. حيث كشفت لي هذه التّجربة العديد من الدّروس القيّمة، من كيفيّة العثور على هذه الفرص واستغلالها، إلى تحويل الأعمال المهملة إلى مشاريع مربحةٍ ومستدامةٍ. في هذا الكتاب أبرز ما تعلّمته خلال هذه الرّحلة، والّتي يمكن أن تكون خارطة طريقٍ لأيّ شخصٍ يسعى لتحقيق النّجاح الماليّ من خلال التّفكير المختلف والجرأة في اتّخاذ الخطوات الصّحيحة.
قدّم التّدفّق النّقديّ على النّموّ
بدلاً من السّعي وراء عقليّة "النّموّ بأيّ ثمنٍ" الّتي تشتهر بها الشّركات النّاشئة، أُفضّل التّركيز على شراء أعمالٍ توفّر تدفّقاً نقديّاً فوريّاً وثابتاً. أهدّف إلى امتلاك شركاتٍ تستطيع فوراً تغطية راتب المالك وتأمين تكلفة توظيف مديرٍ يدير العمليّات اليوميّة، دون الحاجة إلى انتظار سنواتٍ لتحقيق الأرباح.
فابدأ فوراً بتحسين ربحيّة هذه الشّركات بعد الاستحواذ عليها، من خلال خطواتٍ بسيطةٍ ولكن فعّالةٍ، مثل رفع الأسعار تدريجيّاً بما يتماشى مع السّوق، وإضافة خدماتٍ تعتمد على الاشتراكات الشّهريّة أو السّنويّة، وتبسيط العمليّات التّشغيليّة لتقليل التّكاليف وزيادة الكفاءة.
إذ يسمح لي هذا النّهج ببناء مشروعٍ لا يكون فقط مستداماً على المدى الطّويل، بل يؤمّن أيضاً تدفّقاً نقديّاً سريعاً وثابتاً، ممّا يجعل العمل مصدراً موثوقاً للدّخل اليوميّ، بدلاً من أن يكون مجرّد استثمارٍ يعتمد على احتمالات النّجاح في المستقبل.
نهج "SOWS": اكتشف الفرص المخفيّة
غالباً ما تظهر أفضل الفرص الرّياديّة في الأعمال التّقليديّة والمهملة، والّتي أطلق عليها اسم "SOWS"، وهو اختصارٌ لـ: "قديمةٍ، متآكلةٍ، ضعيفةٍ، وبسيطةٍ" (Stale, Old, Weak, and Simple).
اكتشفت أوّل فرصةٍ لي عندما استحوذت على مغسلة ملابس مهملةٍ كانت تعاني من مشكلاتٍ عديدةٍ: أنظمة دفعٍ نقديّةٍ قديمةٍ، غيابٌ كاملٌ لأيّ تسويقٍ، وعدم إجراء أيّ تجديدٍ للمكان منذ سنواتٍ. بدلاً من اعتبار هذه المشكلات عقباتٍ، حوّلتها إلى فرصٍ للنّجاح. حيث أجريت تحسيناتٍ بسيطةً ولكن فعّالةً، مثل تحديث أنظمة الدّفع لتصبح رقميّةً، وإطلاق حملاتٍ تسويقيّةٍ بسيطةٍ لجذب العملاء. ساهمت هذه التّعديلات في تحقيق زيادةٍ ملحوظةٍ وسريعةٍ في التّدفّق النّقديّ.
قد يتجاهل الكثيرون هذه الأنواع من الأعمال؛ لأنّها لا تبدو جذّابةً أو راقيةً. لكن هذا بالضّبط هو ما يجعلها فرصاً ثمينةً للّذين يستطيعون النّظر إلى ما وراء السّطح، واستغلال إمكاناتها الخفيّة لتحويلها إلى مصادر دخلٍ قويّةٍ.
التمويلٍ الإبداعيّ: الشّراء دون الحاجة لثروةٍ كبيرةٍ
يظنّ الكثيرون أنّ شراء المشاريع يتطلّب امتلاك رأس مالٍ كبيرٍ مقدّماً، ولكنّ الواقع مختلفٌ تماماً. يمكن البدء بطرقٍ ذكيّةٍ تعتمد على رأس مالٍ شخصيٍّ محدودٍ. فأنا شخصيّاً اعتمد بشكلٍ كبيرٍ على أسلوب "تمويل البائع"، حيث يتولّى المالك السّابق دور المموّل، ممّا يتيح شراء المشروع مع سداد قيمته تدريجيّاً من أرباحه.
استخدمت هذا الأسلوب عند شراء أوّل مغسلة ملابس، حيث قمت بهيكلة الصّفقة بشكلٍ يُسمح فيه بسداد سعر المشروع على دفعاتٍ من الأرباح الّتي يولّدها. إذ سمح لي هذا النّهج بامتلاك المشروع بسرعةٍ، دون الحاجة إلى جمع مبلغٍ ضخمٍ أو الحصول على قرضٍ بنكيٍّ تقليديٍّ أو دفع نسبةٍ كبيرةٍ من السّعر مقدّماً.
يوفّر تمويل البائع فرصةً ذهبيّةً لأولئك الّذين يملكون الطّموح، ولا يملكون رأس المال الكبير. من خلال هذا الأسلوب، يمكن تحقيق حلم امتلاك مشروعٍ مربحٍ دون المخاطرة بثروةٍ شخصيّةٍ، وبطريقةٍ تسرّع تحقيق النّجاح الماليّ.
حقّق الحرّيّة الماليّة مع نهج R.I.C.H
أوضّح في كتابي طريقةً عمليّةً يمكنك تتّبعها خطوةً بخطوةٍ للانتقال إلى عالم ريادة الأعمال والملكيّة، أسمّيها R.I.C.H، وهي اختصارٌ لـ: البحث (Research)، الاستثمار (Invest)، القيادة (Command)، واستغلال الفرص (Harness). قدّمت هذا المنهج؛ لأنّه يوفّر الطّريق الأكثر كفاءةً للوصول إلى الحرّيّة الماليّة. ولا يعتمد على وجود رأس مالٍ كبيرٍ أو أفكارٍ خارقةٍ للبدء. فيمكنك من خلاله الاستحواذ على عملٍ يحقّق تدفّقاً نقديّاً ثابتاً.
كما يقدّم خطواتٍ واضحةً تساعدك على التّعمّق في البحث عن الأعمال المناسبة، واتّخاذ قراراتٍ استثماريّةٍ ذكيّةٍ، وقيادة مشروعك بفعاليّةٍ، واستغلال كلّ فرصةٍ لتحقيق أقصى قدرٍ من الرّبحيّة. لذا يعدّ نهج R.I.C.H دليلاً عمليّاً للوصول إلى الحرّيّة الماليّة مهما كانت مواردك الأوّليّة محدودةً.
يساعدك اختيارك للفرص التّجاريّة الّتي تتوافق مع قدراتك وأهدافك، على تحديد مهاراتك الفريدة، وتوضيح نوع تجربة الملكيّة الّتي ترغب في خوضها، وتحديد مدى استعدادك لتحمّل المخاطر، إلى جانب حساب المبلغ الّذي تحتاج إلى كسبه من المشروع لتحقيق الاستقرار الماليّ.
كما يساعدك العثور على البائعين المتحمّسين لبيع أعمالهم، وطريقة التّواصل معهم بفعاليّةٍ لمناقشة فرص الشّراء، على تقييم كلّ فرصةٍ بشكلٍ دقيقٍ لتحديد ما إذا كانت تمثّل استثماراً ناجحاً أم لا. فمن خلال هذه المرحلة، تضمن وضع أساسٍ قويٍّ لرحلة ريادة الأعمال، حيث تختار مشروعاً يتناسب تماماً مع قدراتك وطموحاتك، ممّا يزيد من احتماليّة النّجاح الماليّ والشّخصيّ.
ومن جهةٍ أخرى، يتيح لك الاستثمار استكشاف عالمٍ جديدٍ من الفرص، حيث يساعدك على تقديم عرضٍ غير رسميٍّ للمالك، والعمل مع محترفين لإجراء العناية الواجبة، وتأمين التّمويل المناسب، وصياغة المستندات القانونيّة، وإتمام الصّفقة بنجاحٍ.
تقدّم هذه المرحلة نصائح تفاوضيّةً مجرّبةً، استخدمتها شخصيّاً على مدى العقد الماضي، وساعدتني على توفير ملايين الدّولارات. إذ يضع الاستثمار بين يديك الأدوات العمليّة اللّازمة لاقتناص فرص ملكيّة الأعمال، والتّفاوض بذكاءٍ للحصول على أفضل الصّفقات، وبدء مشروعٍ يحقّق تدفّقاً نقديّاً مستداماً بأقلّ تكلفةٍ ممكنةٍ، ممّا يعزّز طريقك نحو الاستقلال الماليّ.
منهج (C for Command): سيطر على مشروعك بذكاءٍ
تمكّنك السّيطرة من تجنّب الوقوع في فخّ "أوه، اشتريت وظيفةً لنفسي" أو الأسوأ من ذلك "أوه، اشتريت كابوساً لنفسي". فتركّز هذه المرحلة على تعليمك كيفيّة تعيين مدير عمليّاتٍ مؤهّلٍ لإدارة مشروعك. فتبدأ بالعثور على المرشّحين المناسبين، وتجري مقابلاتٍ مهنيّةً معهم، وتوظّف الأنسب، ومع مرور الوقت، تكوّن فريقاً يساعدك على تشغيل المشروع بسلاسةٍ.
كما توضّح لك السّيطرة أيضاً أهمّ الإجراءات الّتي يجب اتّخاذها، وتلك الّتي يجب تجنّبها خلال أوّل 90 يوماً من الاستحواذ. وتشمل هذه الإجراءات تأسيس ثقافة التّحسين المستمرّ داخل الشّركة، ومراقبة الأداء الماليّ عن كثبٍ، وتطبيق استراتيجيّاتٍ تسويقيّةٍ بسيطةٍ، ولكن فعّالةٍ لزيادة الأرباح بشكلٍ كبيرٍ. كذلك ترسّخ السّيطرة نظاماً يجعل مشروعك يعمل بكفاءةٍ واستقلاليّةٍ، ممّا يحرّرك من التّورّط في تفاصيل الإدارة اليوميّة، ويسمح لك بالتّركيز على تطوير العمل والنّموّ الاستراتيجيّ.
منهج (H for Harness): استغلّ الفرص بحكمةٍ
يمكّنك الاستغلال من إدارة عدّة مشاريع بشكلٍ تلقائيٍّ، دون أن تفقد توازنك، أو تشعر بالإرهاق. تعتمد هذه المرحلة على إنشاء أنظمةٍ ذكيّةٍ تدير أعمالك بكفاءةٍ، ممّا يتيح لك التّركيز على التّخطيط للنّموّ المستقبليّ أو التّوسّع.
كذلك يوفّر لك الاستغلال أداة "قياس أداءٍ" (Scorecard) تساعد على مراقبة أداء أعمالك وضمان التزامها بالمسار الصّحيح. كما يوضّح كيفيّة إضافة مصادر دخلٍ جديدةٍ لزيادة الأرباح وتعزيز الاستقرار الماليّ. فمن خلال تطبيق هذه النّهج، تحوّل مشاريعك إلى أنظمةٍ متكاملةٍ تعمل بكفاءةٍ دون تدخّلٍ مستمرٍّ، ممّا يمنحك المرونة لإدارة حياتك الشّخصيّة والاستعداد لخطواتك التّالية بثقةٍ واستقرارٍ.
أخيراً، قد لا تتمتّع الشّركات التّقليديّة الصّغيرة بجاذبيّةٍ فوريّةٍ مثل شركات التّكنولوجيا النّاشئة، ولكنّها تقدّم شيئاً أكثر قيمةً: الاستقرار الماليّ والثّروة المستدامة. فعندما تتولّى إدارة شركةٍ مهملةٍ، وتدخل عليها تحسيناتٍ بسيطةً، فإنّك لا تحقّق أرباحاً فحسب، بل تسيطر على مستقبلك الماليّ، وتساهم في الحفاظ على الأعمال المحلّيّة الّتي تشكّل جزءاً مهمّاً من المجتمعات. ويمكنك، من خلال هذا النّهج، تحويل الأعمال المهملة إلى مصادر دخلٍ موثوقةٍ ومربحةٍ.
رغم أنّ هذا المسار قد لا يبدو لامعاً أو مثيراً، إلّا أنّه أثبت فعاليّته كطريقٍ مجزٍ لتحقيق الثّروة والحرّيّة الماليّة. إذ تحمل الأعمال الّتي قد يتجاهلها الآخرون في طيّاتها فرصاً عظيمةً لمن يعرف كيف يستغلّها بحكمةٍ، ويستثمر في تحسينها.