السّؤال الذي طرحه ستيف جوبز وغيّر مسار حياته
تعرّف على الحكمة من هذا السّؤال، وكيف يمكنه أن يقودك لحياة مليئة بالامتنان والإنتاجية
كان ستيف جوبز يبدأ يومه دائماً بهذا السؤال. وتؤكد الأبحاث النّفسيّة الحديثة أنّه يجب عليك أن تطرحه أنت أيضاً. هل تبحث عن ممارسةٍ يوميّةٍ فعّالةٍ لتعزيز شعورك بالامتنان؟ كلٌّ من ستيف جوبز وعلم النّفس المعاصر يقدمان لك الإجابة.
يسعى الكثيرون منّا إلى إيجاد طرقٍ للتّعبير عن امتنانهم لما يملكونه في الحياة. وإذا كنت تبحث عن اقتراحٍ مبتكرٍ وفعّالٍ، يمكنك أن تجد الإلّهام في حياة ستيف جوبز، المؤسس المشارك الرّاحل لشركة أبل.
كما أوضح جوبز في خطابه الأسطوري في حفل التّخرج بجامعة ستانفورد عام 2005، فإنّه يبدأ كلّ يومٍ بسؤالٍ بسيطٍ، لكنه عميقٌ للغاية (ومزعجٌ للغاية):
على مدار الثّلاث والثّلاثين سنةٍ الماضيّة، كنت أستيقظ كلّ صباحٍ، أنظر في المرآة وأطرح على نفسي هذا السّؤال: "إذا كان اليوم هو آخر يومٍ في حياتي، هل سأكون راضياً عن ما سأقوم به اليوم؟" وعندما كانت الإجابة "لا" لعدة أيامٍ متتاليّةٍ، كنت أعرف أنّ الوقت قد حان لإجراء تغييرٍ ما.
بالطبع، التّفكير في الموت ليس من أكثر الطرق إشراقاً لبدء يومك. لكن بالنّسبة لستيف جوبز، كان مواجهة محدوديّة الوقت الذي قضاه على هذه الأرض تستحق كلّ الجّهد العاطفي الذي يبذله.
وقال جوبز: "لقد كان تذكّري بأنّني سأموت قريباً هو الأداة الأكثر أهميّة الّتي صادفتها في حياتي لمساعدتي في اتخاذ القرارات الكبرى". وكان يؤمن جوبز بأنّ الاعتراف بحقيقة قصر الحياة يجعلنا أكثر صدقاً مع أنفسنا، ويقلّل من فرص ضياع الوقت، بل يعزّز شعورنا بالامتنان لما نمتلكه من وقتٍ محدودٍ.
وفي الواقع، أثبتت الدّراسات الحديثة في علم النّفس أنّ جوبز كان على صوابٍ بشأن هذه الطّقوس الصّباحيّة، حيث أظهرت الأبحاث أنّ التّفكير في الموت يمكن أن يساعد في اتخاذ قراراتٍ أكثر حكمةً، ويحفّز الأفراد على تقدير اللّحظات الثّمينة في حياتهم.
تتفق أبحاث علم النّفس مع ستيف جوبز
لم يكن ستيف جوبز هو من ابتكر فكرة حثّ النّفس على التّفكير في الموت كوسيلةٍ غير تقليديّةٍ، ولكن فعّالةٍ، لزيادة الإنتاجيّة. فقد كان الفلاسفة الرّومان القدماء ومجموعةٌ من التّقاليد الدّينيّة المختلفة قد أوصوا بالفعل بممارسة تذكّر الموت كأداةٍ للبقاء مُركّزاً على ما يهمّ حقّاً في الحياة.
ورغم أنّ البعض قد يفضّلون الاعتماد على العلم الحديث أكثر من الحكمة القديمة، فإنّ هناك العديد من الأبحاث المعاصرة الّتي تؤكد أنّ ستيف جوبز والفلاسفة الرّومان والرّهبان في العصور الوسطى كانوا محقّين عندما كانوا يذكّرون أنفسهم بالموت بشكلٍ متكرّرٍ. إذ أظهرت الدّراسات الحديثة أن تذكّر الموت يعزز التّركيز، ويساعد في اتخاذ قراراتٍ أكثر حكمةً، ممّا يساهم في زيادة الإنتاجيّة والتّقدير العميق للحظات الحياة.
وفي مقالٍ نشرته مجلة "فوربس" (Forbes)، استعرض عالم النّفس مارك ترافرز الأبحاث الحديثة الّتي تؤكد الفوائد النّفسيّة لتذكّر الموت. ومن بين هذه الفوائد، تعزيز الشّعور بالامتنان اتّجاه الحياة الّتي نعيشها.
وأشار ترافرز إلى دراسةٍ نشرت في "مجلة علم النّفس الإيجابيّ" (Journal of Positive Psychology)، الّتي خلصت إلى أنّ الوعيّ بالموت يمكن أن يعزّز الامتنان، حيث إنّ الأفراد الذين يفكّرون في الموت غالباً ما يملكون تقديراً أكبر للحياة كموارد محدودةٍ.
لا يشجّعنا التّفكير في الموت فقط على تقدير ما نملك بالفعل، بل يدفعنا أيضاً للتّركيز على ما هو مهمٌّ حقاً. حيث يساعد هذا التّأمل في الموت على تصفيّة الأولويات وتحقيق حياةٍ أكثر وعياً وهدفاً.
كما توصلت دراسةٌ أخرى أُجريت في عام 2022، ونُشرت في "مجلة أبحاث الشّخصيّة" (Journal of Personality Research)، إلى أنّ "الأفراد الذين أصبحوا واعين بموتهم أصبحوا أكثر اندفاعاً لعيش حياةٍ فاضلةٍ وذات مغزى".
فما يشكل حياةً طيّبةً يختلف من شخص لآخر، لكن يسعى الجميع تقريباً إلى أن يكون لحياته معنى. كما استنتج جوبز، فإنّ التّفكير في الموت يدفعك للتّفكير في ما هو حقاً ذو قيمةٍ في حياتك وما هو مجرد ضوضاء لا معنى له.
التّأثيرات النّفسية لتجارب الاقتراب من الموت
ولعلّ هذا هو السبب في أنّ أولئك الذين مرّوا بتجارب صادمةً أو مواقف اقترابٍ من الموت غالباً ما يقولون إنّ أولوياتهم تتغيّر بشكلٍ كبيرٍ بعد تعافيهم.
كما كتب ستيف تايلور، عالم النّفس الذي أجرى مقابلاتٍ مع العديد من هؤلاء النّاجين، فإنّ "الأشخاص الذين نجوا من الحوادث الخطيرة أو الأمراض الشّديدة أو غيرها من التّجارب القريبة من الموت، ينظرون إلى العالم بعيونٍ جديدةٍ. لم يعودوا يعتبرون الحياة - والأشخاص في حياتهم - أمراً مسلّماً به".
فلا يعيش أولئك الذين مرّوا بتجربة الموت في الحاضر فحسب، بل يستمتعون أيضاً بجمال الحياة البسيط، ويصبحون أكثر سعادةً وإيثاراً بعد تلك التّجارب.
ولحسن الحظ، لا تحتاج إلى تجربة حالةٍ طبيّةٍ طارئةٍ تهدد حياتك للحصول على هذه الفوائد. وكما توضّح طقوس ستيف جوبز الصّباحيّة، يمكنك أن تجبر نفسك على مواجهة فكرة الموت دون الحاجة إلى زيارة غرفة الطّوارئ. تماماً كما كان يفعل جوبز، يمكنك ببساطةٍ جعل تذكيرك بنهاية حياتك عادةً يوميّةً، مثلاً أثناء تنظيف أسنانك كلّ صباحٍ.
أو يمكنك محاولة طرح بعض الأسئلة البسيطة الّتي اقترحها علماء النّفس كوسيلةٍ للتّذكير، مثل:
- تخيل أنّك عشت حياةً طويلةً وأنت على فراش الموت. ما النّصيحة الّتي قد تقدمها لنفسك الأصغر سناً؟
- تخيل أنّك اكتشفت للتّو أن أمامك بضعة أشهرٍ لتعيشها. ما الذي كنت ستفعله بشكلٍ مختلفٍ؟
- تخيل أنّ صديقاً مقرباً اختفى فجأةً. ماذا كنت تتمنى أن تقول له؟
والفكرة الأساسيّة هي أنّه إذا كنت ترغب في أن تكون أكثر سعادةً وامتناناً، وأكثر تركيزاً على ما يهم حقاً في الحياة، فقد تجد أنّه من المفيد أن تقضي وقتاً أقل في التّفكير في التّفاصيل الصّغيرة، وأكثر في التّأمل في موتك النّهائي.